أزمة اليونان: التداعيات الراهنة وتحولات المستقبل

تخضع اليونان لإجراءات قاسية من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية للخروج من أزمتها المالية، ولكن الإجراءات الأخيرة لم تحل دون ارتفاع الدين العام وتفاقم الفقر والبطالة إضافة إلى تداعيات أخرى، وبقاء اليونان في المنظومة الأوروبية خيار إستراتيجي يصعب تجاوزه.
201371562430485734_20.jpg

إن دخول اليونان إلى عضوية المنظومة الأوروبية بعد تصديق البرلمان على اتفاقية الانضمام في 1 يناير/كانون الثاني 1981(1) منحها القدرة على الحصول على مساعدات نقدية لرفع وتأهيل مستوى خدمات الدولة بما يتناسب مع الوضع الجديد ولتصل اليونان إلى مستوى الدول الأوروبية المتقدمة.

اليونان الأوروبية: الصعود والأزمة

قدمت دول الاتحاد الأوروبي حزمًا اقتصادية (لا نتكلم عن قروض) ذات خطط سنوية وعلى شكل مساعدات وهبات مكّنت أثينا من تطوير المستويات المهنية والعلمية والتدريبية للجامعات وباقي القطاعات العامة للدولة، وأتاحت لها مساعدة المزارعين في تحسين إنتاجهم نوعًا وكمًا إضافة إلى بناء شبكات طرق ومطارات وموانئ. كما شهدت اليونان خلال السنوات العشر الأولى حركة عمرانية فريدة من نوعها في جميع أنحاء البلاد فتحولت من بلد مصدّر إلى بلد مستقطب للمهاجرين حيث بلغ عدد العمالة الأجنبية نحو مليون ونصف المليون.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن القفزة العمرانية وجهود إعمار البلاد والازدهار الاقتصادي دفعت بأثينا إلى الاستفادة من عضويتها الأوروبية للحصول على القروض معتمدة على قوة إنتاجها القومي، في حين ساهمت البنوك الأوروبية -وبموافقة حكوماتها- في تسهيل منح هذه القروض لمساعدة اليونان في إنجاز خططها الوطنية ولتحافظ أثينا على بقائها في العائلة الأوروبية.

وبعد ثلاثين عامًا ضمن المجموعة الأوروبية، تحول الاقتصاد اليوناني من اقتصاد مُنتِج قائم على الصناعات الثقيلة والمتوسطة (تصنيع السفن) إلى قطاع خدمات خالٍ من الإنتاج الصناعي والزراعي المؤهل للتصدير. كذلك أدى ظهور دول المعسكر الشرقي كمنافس اقتصادي لليونان من خلال تقديم عمالة رخيصة وتسهيلات أكثر إلى هجرة مئات المنشآت التجارية اليونانية باتجاه هذه الدول؛ ما أثّر على قدرات البلاد الاقتصادية.

تسبب تراكم القروض وتقلص إيرادات الدولة -نتيجة لإلغاء الضرائب والرسوم المفروضة على الواردات الأوروبية بعد انضمام اليونان للاتحاد الأوروبي- بعجز سنوي مزمن في الميزانية العامة، وانتشر الفساد الاقتصادي والسياسي، وتباطأت الحكومات المتعاقبة في اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه المشاكل خوفًا من الردَّيْن الشعبي والنقابي، وتزامن ذلك مع بداية ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال إفلاس بعض البنوك الأميركية المرتبطة بالبنوك الأوروبية، واجتمعت هذه العوامل جميعًا لتكون من أهم مسببات الأزمة اليونانية.

وبالإشارة إلى بعض مظاهر الفوضى والفساد على سبيل المثال، فقد طبقت الأحزاب السياسية نظام المحسوبية للوصول إلى السلطة مقابل وعود بتعيين أشخاص؛ ما جعل القطاع العام اليوناني من أكبر القطاعات حجمًا في العالم مقارنة بعدد السكان، وكذلك أدى سوء الإدارة إلى تقاضي آلاف المتقاعدين في إدارات الدولة أكثر من راتب تقاعدي من نفس مؤسسات التأمين الاجتماعي، كما أُدرج أشخاص مبصرون على جداول الرواتب التقاعدية بذريعة أنهم فاقدو البصر، فيما هم يمارسون أعمالاً حرة.

وتفشت في نفس السياق ظاهرة الرشوة على المستوى الحكومي ما ساهم إلى حد كبير في احتكار السوق من قبل أطراف معينة (شركة زيمنس متهمة بذلك على سبيل المثال) وحرمان شركات أخرى من حق المنافسة على الرغم من أن اليونان تتبع النظام الحر في الاقتصاد. إضافة إلى ذلك، كانت تكلفة المشاريع العامة في بعض الحالات تتجاوز حد المنطق، وكان هذا واضحًا في عقود تنفيذ المنشآت الأوليمبية عام 2004. وأضف إلى كل ما سبق تضخم ظاهرة البيروقراطية التي قلصت من قدرة البلاد على اجتذاب استثمارات أجنبية وأثّرت سلبًا على مستويات النمو الاقتصادي. وجاءت الطامة الكبرى بأن امتد الفساد ليصل إلى حد إعطاء أثينا للرئاسة الأوروبية معطيات وأرقامًا غير صحيحة عن اقتصادها.

عمق الأزمة

إن ارتفاع مستوى العجز وثقل القروض وأزمة البنوك العالمية، كل ذلك أعطى الشرارة لبدء الأزمة المالية اليونانية عندما وجدت الحكومة صعوبة في الاستدانة من السوق العالمية لتغطية حاجاتها الضرورية؛ الأمر الذي هدد اقتصاد البلاد بالإفلاس إذا لم توجد الأموال المطلوبة المقدرة بـ40 مليارًا؛ فعجز الحكومة عن إيجاد حل مباشر دفعَ رئيسَ الوزراء السابق كوستاس كرامليس إلى حل البرلمان وإعلان انتخابات نيابية مبكرة انتهت بانتقال السلطة من الحزب اليميني المحافظ إلى الحزب الاشتراكي بقيادة جورج باباندريو في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2009.

بدأت حكومة باباندريو عهدها بالبحث عن قروض لأن واردات الدولة لا تكفي لدفع رواتب موظفيها وأقساط الديون المترتبة عليها، واضطرت الحكومة -نظرًا لعدم وجود مانحين- بعد شهرين من انتخابها إلى طلب النجدة من صندوق النقد(2) بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي للحؤول دون إعلانها دولة مفلسة. ولابد من الإشارة إلى حالة الأسواق غير المستقرة التي وصلت إلى حد اللاعودة بهبوط مؤشر بورصة أثينا إلى مستويات متدنية، وعلى الرغم من أن الديْن اليوناني العام بأكمله لا يصل إلى 3% من جملة الدين الأوروبي كاملاً(3)، فقد بدأت الأزمة بالانتقال إلى بلدان الجنوب الأوروبي. إن الخوف من ظاهرة الدومينو (عدوى الانتقال)، نظرًا لترابط اقتصادات الدول بسبب العولمة، ألزم المجلس الأوروبي في 11 فبراير/شباط 2010 بإعلان دعمه السياسيّ لليونان لحل أزمتها الاقتصادية وطمأنة الأسواق.

ونظرًا لعمق الأزمة فقد تم توقيع اتفاقية الإنقاذ الأولى مع الحكومة اليونانية في 8 مايو/أيار 2010، وفُرض ما يسمى بنظام "المنيمونيو"، وهو عبارة عن جملة من الأهداف التي يجب تحقيقها ضمن فترة زمنية معينة من قبل لجنة الترويكا الثلاثية(4) التي تمتلك حق الفيتو على أي قرار حكومي يوناني لا يتفق مع سياستها وخصوصًا في مجال الاقتصاد(5). وحاول بعض الشركاء الأوروبيين خلال فترة المفاوضات استغلال الأزمة اليونانية لمصالحهم الوطنية بزيادة صادراتهم محققين أرباحًا طائلة نظرًا للهبوط الحاد للعملة الأوروبية.

تتضمن هذه الاتفاقية الأولى تقديم قروض قيمتها 110 مليار يورو من الشركاء الأوروبيين وصندوق النقد الدولي(6) مقابل شروط مجحفة، ومنها أولاً: الفوائد المرتفعة، ثانيًا: تنازل اليونان عن حق الحصانة؛ الأمر الذي اعتُبر انتهاكًا للدستور اليوناني وللسيادة الوطنية من خلال السماح للأوروبيين بمراقبة كل شيء دون أي اعتراض من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية(7)، ثالثًا: تنازل أثينا عن التعويضات المستحقة على ألمانيا بسبب احتلالها لليونان في الحرب العالمية الثانية(8)، ورابعًا: تطبيق القانون الإنكليزي الذي يعتبر الأجدر في موضوع حماية الدائنين على الرغم من أن الدول المقدمة للقروض لا تطبق هذا القانون في بلدانها.

تطبيق سياسة المنيمونيو وتداعياتها:
اعتمدت سياسة الترويكا على تحسين المنافسة التجارية في الأسواق الدولية التي تعتبر أهم مشاكل الاقتصاد اليوناني، فكون الحكومة اليونانية لا تمتلك صلاحيات تخفيض قيمة اليورو لأنه مسؤولية أوروبية وليست يونانية، جعل اللجنة الثلاثية تلجأ إلى تطبيق أسلوب تخفيض الرواتب والمعاشات وفرض إجراءات تقشفية صارمة ورفع الضرائب وزيادة أسعار الكهرباء من 15% إلى 40%(9)، وكل ذلك من أجل تخفيض العجز وخروج الاقتصاد اليوناني إلى الأسواق العالمية في عام 2012.

وقد فشلت الترويكا بعد عام واحد في تحقيق الأهداف المنشودة لأن سياستها أدت إلى إغلاق آلاف المنشآت التجارية والمحلات وزيادة البطالة بنسبة 3,8% فوصلت إلى 15,9%(10)، وازداد التضخم ليصل إلى 5,5% بدلاً من 5,2%، ولم تصل إيرادات الدولة إلى المستوى المخطط له، وكذلك توقف العجز عند 10,5% بدلاً من المخطط له وهو 9,4%(11). وازدادت ديون الحكومة اليونانية إلى 329 مليار يورو عام 2010 بعدما كانت 298 مليارًا عام 2009(12) مع توقعات باستمرار هذا الارتفاع حتى عام 2014 (انظر الجدول)(13)؛ وبفوائد مرتفعة وصلت إلى 6,2% عام 2010 (للقروض الجديدة) بينما كانت 4,1% في السنة السابقة(14)، بالإضافة لذلك فقد ارتفعت مؤشرات الفوائد المعروفة بـ (spreads) من 412 نقطة في 2010 إلى 1300 في 2011(15). إن كل هذه التداعيات السلبية أدت إلى الفشل في خروج الاقتصاد إلى الأسواق العالمية ضمن المخطط الزمني وتركت آثارًا اجتماعية واقتصادية أسوأ مما كانت عليه فانتشر الفقر وتقلصت الطبقة المتوسطة، وازدادت حالات الانتحار، وانحسر قطاع الخدمات الصحية والتربوية. إضافة إلى ذلك تمّ تقليص قدرة القطاع الصناعي اليوناني المخصص للاستهلاك المحلي نتيجة فقدان القوة الشرائية وغياب السيولة النقدية من الأسواق المحلية. 

دفع هذا الوضع الجديد الأكثر سوءًا باليونان إلى توقيع اتفاقية إنقاذ ثانية في 21 يوليو/تموز 2011 للحصول على قروض إضافية بقيمة 109 مليار يورو(16) مقابل شروط والتزامات إضافية من قبل الطرف اليوناني، مثل: إحصاء عدد موظفي الدولة بهدف طرد حوالي 20000 منهم سنويًا حتى عام 2015، وفرض إجراءات إضافية غير مرغوبة اجتماعيًا بقيمة 28 مليار وإلغاء الراتبين الثالث عشر والرابع عشر، وكذلك محاولة تخصيص بعض شركات القطاع العام بقيمة 50 مليار يورو، وتقليص نفقات الدولة ومنها الدفاعية، وإعادة جدولة نظام التأمين الاجتماعي والصحي، وإلغاء ودمج بعض مديريات القطاع العام كما حدث أخيرًا بإغلاق شبكة القنوات التليفزيونية الحكومية(17).

نتيجة لسياسات التقشف أصبح المواطن اليوناني يعيش حالة من الرعب والخوف على مستقبله ووجوده بعد أن فقد آخر مدخراته فتحول الغضب الشعبي إلى احتجاجات ومظاهرات في جميع أنحاء اليونان، انتهت باستقالة رئيس الوزراء باباندريو وتشكيل حكومة لوكاس باباديموس الائتلافية والمكونة من ثلاثة أحزاب سياسية (اليميني والاشتراكي وحزب الإنذار الأرثوذكسي الشعبي) في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

أفرز تطبيق اتفاقية الإنقاذ الثانية بدوره تداعيات جديدة: أولاً: استمرار ارتفاع الدَّيْن العام الخارجي مقارنة بوضع الأزمة قبل المعالجة حيث تشير التوقعات إلى بقاء وتيرة الارتفاع حتى عام 2014(18)، ثانيًا: الفشل في تحقيق الواردات المطلوبة نظرًا لعدم قدرة شرائح كبيرة من الشعب على تسديد ضرائبها والاستمرار في عملية التهرب الضريبي(19)، ثالثًا: ارتفاع مؤشر البطالة ليصل إلى مليون عاطل عن العمل، رابعًا: الاستمرار في تطبيق عدم المساواة في عملية توزيع الثروات، وخامسًا: ارتفاع العجز بالميزانية الحكومية في عام 2013 إلى 8,8% بعدما كان 7,8% عام 2012(20)، وأخيرًا استمرار البنوك المحلية في عدم منح قروض للمواطنين والشركات الخاصة لتسهيل صعوباتهم.

وعلى الرغم من تطبيق سياسات المنيمونيو لم تستطع اليونان الإفلات من عملية الإفلاس المحدود أو الانتقائي (restricted default selective-)؛ وذلك بإعادة هيكلة جزء من ديونها لمساعدتها على تجاوز حدّة الأزمة(21).

تداعيات الأزمة

تركت الأزمة الاقتصادية تداعيات كثيرة، أهمها:

  • تفكك النظام السياسي ذي القطبين الذي حكم اليونان منذ عام 1974 حتى عام 2011. وبذلك لا يستطيع أيٌ من حزبي باسوك الاشتراكي والديمقراطية الجديدة المحافظ الاستئثار بالسلطة بمفرده كما فعلا طيلة الأعوام الستة والثلاثين الماضية؛ فالأزمة أفرزت نظامًا سياسيًا جديدًا على الساحة السياسية يتميز بتعددية حزبية في البرلمان اليوناني. 
  • ظهور حزب "الفجر الذهبي" النازي والعنصري لأول مرة في البرلمان اليوناني، ويطالب بطرد الأجانب من اليونان ويشيع العنصرية والكراهية بين اليونانيين تجاه الأجانب، ويقوم بعض أعضائه بالاعتداء الجسدي على الأجانب وتحديدًا ذوي البشرة السوداء وكذلك التعدّي على ممتلكاتهم ومحلاتهم التجارية رغم كونها قانونية تمامًا. 
  • ارتفاع مستوى البطالة لأرقام قياسية وصلت إلى 26,8%(22) منذ عام 1960.
  • تخلي اليونان عن جزء من سيادتها الوطنية لصالح الترويكا التي تعتبر الحاكم الفعلي لليونان، فأي قانون يُسنّ أو أمر إداري صادر عن الحكومة تتمّ دراسته أولاً من قِبل الترويكا لإقراره. 
  • انهيار حزب الباسوك الاشتراكي وخسارته لأكثر من 115 مقعدًا برلمانيًا وانحداره إلى المركز الثالث وظهور حزب التجمع اليساري "سيريزا" كثاني قوة سياسية منافسة.
  • بدء هجرة الشباب اليوناني باتجاه الدول الأكثر غنىً مثل دول أوروبا الشمالية وأميركا وكندا وأستراليا ودول الخليج العربي وتركيا، ومغادرة عدد كبير من الأجانب المقيمين في اليونان إلى أوطانهم أو بلاد أخرى. 
  • التأثير على الميزان العسكري بين أثينا وخصمها التقليدي أنقرة كنتيجة لتقليص النفقات العسكرية اليونانية.

 السبيل إلى المخرج

لقد جعلت سياسات الترويكا اليونان حقل تجارب وأوصلتها إلى طريق غير آمن حتى اليوم(23)، وأما عن النجاحات التي أعلنتها الحكومة فهي تُعتبر جزئية وليست بالكافية، فغياب العدالة الضريبية أنهك معظم طبقات الشعب وتحديدًا أصحاب الرواتب والمتقاعدين، ورغم ذلك هناك سبل للخروج من هذه الأزمة أو التخفيف من آثارها.

إن الحد من ظاهرة التهرب الضريبي يعتبر من الأساليب المهمة لزيادة إيرادات الدولة نظرًا لحجم الأموال المهربة الكثيرة والمقدرة بـ 45 مليار يورو سنويًا(24) فوجود آلية فعّالة لحصر هذه الظاهرة سيسهم في زيادة مدخرات الميزانية الحكومية وتخفيض عجزها وتوزيع العبء الضريبي بالمساواة.

ويمكن لليونان الاستفادة من التجربة التركية من خلال تفعيل دور القطاع الخاص في عملية النهوض الاقتصادي، وعليه يجب التسريع في عملية الخصخصة لتحويل الشركات الحكومية الخاسرة إلى رابحة وتقليص دور القطاع العام العاجز. بالإضافة لهذا، تمتلك اليونان رصيدًا ماديًا ضخمًا ربما تصل قيمته إلى 300 مليار يورو ويتمثل بالموانئ والمطارات والشركات ذات الطابع الدولي التي يمكن بيعها أو استغلالها بسهولة. كذلك هناك أراض في قلب العاصمة أثينا وجزر يمكن استغلالها لاستثمارات تتجاوز المائة عام من قبل دول مثل الصين وروسيا ودول الخليج. ولكي تتمكن الحكومة اليونانية من فعل ذلك لابد لها من تجاوز بعض العقبات مثل البيروقراطية وتحسين التشريع الاستثماري، وهي عوامل دفعت دولاً مهتمة بالاستثمار في اليونان، مثل قطر، إلى الذهاب في اتجاهٍ آخر(25)، ولابد من حصر نفوذ القوميين المتعصبين، كونهم يشكلون عقبة رئيسية في وجه أيّة عملية تقدم ونمو اقتصادي تطمح لها أثينا من خلال وصفهم للمستثمرين الأجانب بالمستعمرين الجدد.

إن دخول عامل الغاز الطبيعي والبترول كوسيلة من وسائل حلّ الأزمة بالاعتماد على عامل الثروات الطبيعية(26) أجبر الحكومات اليونانية المتعاقبة منذ انطلاق الأزمة على الاتجاه نحو إسرائيل للمساعدة في حل أزمتها الخانقة، وعلقت تلك الحكومات آمالاً على التأثير الكبير الذي تمارسه تل أبيب على صانعي القرار الأميركي والأوروبي، وتحديدًا أصحاب البنوك العالمية ليكونوا أكثر ليونة في التعامل مع الطرف اليوناني وأزمته الاقتصادية. ونتيجة لذلك وبالإضافة لعوامل أخرى ليس لها علاقه باليونان نفسها(27)، بدأ يتبلور المحور اليوناني-القبرصي-الإسرائيلي، فأعلنت أثينا أكثر من مرة عن رغبتها بمنح عقود التنقيب عن الغاز والبترول في البحار اليونانية لشركات إسرائيلية. إضافة لذلك تستطيع أثينا توسيع هذا التعاون في مجال الطاقة باتجاه دول أخرى مصر وليبيا عبر مدّ خطوط لنقل البترول والغاز الطبيعي إلى اليونان وبإعطاء دور كبير للقطاع الخاص(28)؛ الأمر الذي سيرفع من المكانة الجيوبوليتيكية لليونان أمام الشركاء الأوروبيين واحتمال المساعدة منهم في هذا المجال لأنه سيؤدي إلى تقليص الاعتماد على الغاز الروسي وكذلك سيقوّي مكانة أثينا في حالة إعادة هيكلة الاتفاقيات. وتستطيع اليونان أيضًا تعزيز قطاع الصناعات الدفاعية وجعله محرّكًا رئيسًا للاقتصاد الوطني من خلال زيادة الصادرات العسكرية(29).

ولا يخفى أن تطوير القطاع السياحي سيمكّن الحكومة من مضاعفة دخلها السنوي من خلال تحسين نوعية الخدمات والانفتاح السياحي على دول جديدة مثل دول الخليج مثلاً، واستغلال السياحة الدينية للبعض، وفتح جامعات دولية لتدريس اختصاصات السياحة عبر استقطاب طلبة من كل أنحاء العالم.

يمكن أيضًا للحكومة استغلال وجذب رؤوس الأموال الضخمة لليونانيين الموجودين في أستراليا وكندا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية للمساعدة في حل الأزمة الاقتصادية، واستخدام أموال الكنيسة وهي المؤسسة الأغنى في اليونان.

إن بقاء اليونان في الاتحاد الأوروبي ومنظومة النقد الموحدة هو خيار استراتيجي لا تستطيع أية حكومة يونانية التخلي عنه، وكذلك هناك رغبة شعبية تتجاور الـ 70 بالمئة لبقاء اليونان في منطقه اليورو رغم الاعتراض على الإجراءات التقشفية القاسية. إلا أن أثينا لن تنتهي بهذه السهولة من سياسات المنيمونيو، والتقديرات تشير إلى بقائها إلى عام 2040. لقد أثبتت هذة الأزمة فقدان الخبرة السياسية لدى الساسة اليونان في معالجة مشاكل بلادهم وأن أزمتهم ليست فقط أزمة اقتصادية وإنما هي أيضًا أزمة سياسية وأخلاقية ومعنوية تحتاج إلى إعادة النظر في عدة أمور، منها: النظام التربوي، وإنهاء المحسوبية، وتطبيق سلطة القانون بحذافيرها، ووضع أصحاب الكفاءة في المكان المناسب، وإعادة هيكلة الخطط المستقبلية الحكومية.
_______________________________________
عارف العبيد - متخصص بالشأن اليوناني

المراجع
1- E-thesis  http://nefeli.lib.teicrete.gr/browse2/sdo/log/2007/Leventi/document.tkl
2- دومينيك ستروس الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، هو من كشف طلب باباندريو الشخصي للتدخل لإنقاذ اليونان.
3- Today Germany Is the Big Loser, Not Greece. EconoMonitor
 http://www.economonitor.com/blog/2012/05/today-germany-is-the-big-loser-not-greece
4- لجنة الترويكا الثلاثية تتألف من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية.
5- حق الفيتو ورد في اتفاقية الإنقاذ ص 93.
6- صحفية  كاثيميريني اليومية،kathimerini ، 22 يوليو/تموز 2011 ص3.
7- مجله أبيْكيرا اليونانية، Epikaira، ص 28-29، رقم العدد 35، الصادرة في17 يونيو/حزيران 2010.
8- مجلة أبيْكيرا اليونانية، Epikaira، ص 62-63، رقم العدد 63، الصادرة في 30 ديسمبر/كانون الأول 2010.
9- صحفية  كاثيميريني اليومية، kathimerini، 9 يوليو/تموز 2010 ص 8-9.
10- صحيفة أفيي،  Avgi،13 مايو/أيار 2011, ص1-5.
11- صحفية  كاثيميريني اليومية،  kathimerini، 27 إبريل/نيسان 2011, ص23.
12- نوتيس مارياس أستاذ المؤسسات الأوروبية، اتفاقية الإفلاس والطريق الآخر ( اليونان حقل تجارب)، دار نشر ليفانيس، أثينا 2011، جدول 34 ص475.
13- نوتيس مارياس ص70.       

2014

2013

2012

2011

2010

 

 

148.4%

149.6%

148.8%

145.2%

133.2%

8يونيو/حزيران2010

مؤشر الدَّيْن بالنسبة للدخل القومي

156%

158%

157%

153%

143%

20 ديسمبر/كانون الأول 2010

مؤشر الدين بالنسبة للدخل القومي

14- صحيفة نافتمبوريكي الاقتصادية, Naftemporiki، 18 اغسطس/آب 2010، ص5.
15- صحيفة نافتمبوريكي الاقتصادية، Naftemporiki, 28 إبريل/نيسان 2011، ص1.
16- يجب التذكير بأن الأموال الحقيقية هي فقط 64 مليارًا لأن مبلغ 45 مليارًا هو ما تبقى من القرض الأول، جريدة الفثيروتيبّيا, eleftherotypia، 22 يوليو/تموز 2011, ص1.
17- نوتيس مارياس، ص 329- 341.
18- نوتيس مارياس، ص 474- 475 .
19- Forologikanea.gr
http://forologikanea.gr/news/to-dnt-sikonei-ta-xeria-gia-ti-forodiafugi-stin-ellada/
20- نوتيس مارياس , الجدول رقم 45 ص488.
21- قرار المجلس الأوروبي الواقع في 24-25 مارس/آذار 2011. تم حسم حوالي 50 مليار يورو من سندات القطاع الخاص فقط وليس 50% من جملة الديون اليونانية.
22- الصحيفة الإلكترونية الاقتصادية إيميريّسيا الصادرة في 25 يونيو/حزيران 2013؛ حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل الـ 1,309,000 http://www.imerisia.gr/article.asp?catid=26516&subid=2&pubid=113057004
23- نوتيس مارياس ص387.
24- Die Welt تصريحات رئيس سلطة الدخل الضريبي في وزارة الاقتصاد اليونانية نيكولاوس ليكاس في المجلة الألمانية.
http://www.onlycy.com/181422-%CF%83%CE%B4%CE%BF%CE%B5-%CF%86%CE%BF%CF%81%CE%BF%CE%B4%CE%B9%CE%B1%CF%86%CF%85%CE%B3%CE%AE-%CE%B5%CE%BB%CE%BB%CE%AC%CE%B4%CE%B1
25- انظر إلى تصريحات باتريك ثيروس, رئيس مجلس إدارة أعمال ومشاريع قطر-الولايات المتحدة الأميركية, في مجلة أبيْكيرا اليونانية، Epikaira، الصادرة في 26 يناير/كانون الثاني 2011.
26- Rising Energy Tensions in the Aegean—Greece, Turkey, Cyprus, Syria. VT Journal
 http://www.veteranstoday.com/2012/03/04/rising-energy-tensions-in-the-aegean-greece-turkey-cyprus-syria/
27- Israeli-Greek defense pact invoked versus Turkish naval and air movements. debka files
http://www.debka.com/article/21301/
28- يانيس باريسس، التحليل الجيوستراتيجي للمتوسط، دار نشر ليفاني، أثينا 2013 ص107.
29- آمال الصناعة الدفاعية اليونانية، قسم سكرتارية الاستثمارات العسكرية والتنسيق الاقتصادي بالتعاون مع جامعة الاقتصاد في أثينا، وزارة الدفاع اليونانية–أثينا 2003.

نبذة عن الكاتب