تراجع النمو الاقتصادي إلى 7.5 % في الربع الثاني من هذا العام، بسبب الأزمة المالية العالمية ونهج القيادة الصينية الجديدة (الفرنسية) |
عندما انطلقت الشرارة الكبرى للأزمة المالية العالمية في خريف عام 2008، ودخلت القوى الاقتصادية الغربية التقليدية في غمار أشرس أزمة مالية تعصف بها منذ الكساد الكبير في عشرينيات وثلاثينيات القرن المنصرم -وهي الأزمة التي سرعان ما تطورت إلى أكبر ركود اقتصادي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية- صار العالم يعلق آمالاً عريضة على ما يُعرف "بالاقتصاديات الصاعدة"، وفي مقدمتها الصين؛ لدفع عجلة نمو الاقتصاد العالمي بعد أن تعطلت قاطرته الأميركية أو كادت. ولكن سرعان ما بدت القاطرة الصينية الجديدة التي قادت النمو الاقتصادي العالمي في أحلك ايام الأزمة المالية والاقتصادية العالمي وكأن تسارع نموها قد أخذ في التباطؤ هي الأخرى؛ وهو ما قد يطرح التساؤل المركب التالي: كيف استطاعت الصين حمل راية دفع النمو العالمي؟ وكيف انتقلت عدوى التباطؤ الاقتصادي إلى العملاق الصيني؟
قصة الصعود الصيني
لم يكن ما يُعرف "بالمعجزة الاقتصادية الصينية" مجرد تجربة تنموية محلية اقتصرت ثمارها وتداعياتها واسعة النطاق على المجتمع الصيني فحسب، ومن ثم ظلت توابعها الزلزالية حبيسة البر الصيني مترامي الأطراف، وإنما كانت هذه "المعجزة" بمثابة مصباح سحري عالمي حقق على ما يبدو حلم السواد الأعظم من البشرية في الاستمتاع بحد أدنى من الرفاهية، وذلك عبر طوفان لم يسبق له مثيل من السلع الرخيصة التي أغرقت الصين بها العالم.
وأصبحت الصين بفضل نهضتها الصناعية وانفتاحها على العالم على مدار العقود الماضية بمثابة "مصنع العالم الأعظم" وورشة الدنيا الكبيرة. وبات في مقدور الفقراء في شتى الأرجاء التمتع بحد أدنى من "الرفاهية السلعية" بشراء السلع الصينية بأبخس الأثمان, من الملابس والأجهزة المنزلية والإلكترونيات ووسائل الاتصال والسيارات ولعب الأطفال وحتى المواد الغذائية.
وإجمالاً؛ فان هناك ما يمكن تسميته بالمراحل التاريخية الاقتصادية الرئيسية التي مرّ بها المجتمع الصيني في العصر الحديث، وتتمثل أولاها فيما يُعرف بمرحلة "ما قبل الثورة الصينية" -أي ثورة 1949- والتي كانت من أصعب المراحل وأشدها قسوة في التاريخ الصيني الحديث. فقد كان الاقتصاد خلالها اقتصادًا زراعيًا شديد التخلف، شهدت الصين خلال هذه المرحلة سلاسل متتالية من المجاعات المروعة والكوارث الطبيعية العنيفة، وكانت سمات الفقر والبؤس والحرمان هي السمات الغالبة على المجتمع الصيني آنذاك مع سيطرة حديدية من النظام الإقطاعي الذي كان يحكم البلاد اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا, أضف إلى ذلك أن المجتمع الصيني كان معزولاً عن العالم بأسره.
ثم اندلعت الثورة الشيوعية في الصين عام 1949 حيث جرى إلغاء النظام الإقطاعي، وتم تأميم أملاك الإقطاعيين، وبدأ النظام الاشتراكي الجديد بالنهوض بالزراعة عبر استخدام أساليب جديدة ومتطورة بعض الشيء، وذلك كله مع بدء إرساء اللبنات الأولى لاستراتيجية تهدف إلى وضع الصين على خريطة الصناعة العالمية.
فلسفة بنغ
طرح الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بنغ -الذي يوصف بأنه أبو الصين الحديثة- فلسفته الاقتصادية التي قلبت الأوضاع في الدولة الصينية رأسًا على عقب في أواخر سبعينيات القرن المنصرم، وتقوم فلسفته على مثل صيني "عميق المعني وينطوي على منحى عملي وبراغماتي": "ليس مهمًا أن يكون القط أبيض أو أسود إنما المهم أن يصيد الفئران".
ويرى بنغ في طرحه أنه يمكن للاشتراكية تبنّي آليات اقتصاد السوق الحرة تمامًا مثل الرأسمالية، وأن فكرة وجود اقتصاد السوق في المنظومة الرأسمالية فقط دون سواها هي فكرة خاطئة تمامًا، واستنكر بنغ في الوقت ذاته مسألة عدم تطبيق اقتصاد السوق في إطار المنظومة الاشتراكية.
على ضوء هذه الفكرة "الجريئة" التي طرحها بنغ بقوة, شيدت الصين في عام 1948 مناطق اقتصادية خاصة في أربع مدن تقع عند السواحل الجنوبية للبلاد. وشيئًا فشيئًا, تم توسيع هذه المناطق بشكل مطرد بهدف وضع حجر أساس لمنظومة رأسمالية في إطار المنظومة الاشتراكية الصينية الماوية (نسبة إلى الزعيم الشيوعي الراحل ماو تسي تونغ). ونجحت فكرة بنغ في جعل الصين أكبر مصنع في التاريخ, وباتت الصين أكبر مصدّر للسلع في العالم لتتفوق بذلك على ألمانيا التي كانت حتي عام 2008 تحتفظ بقوة بهذا اللقب. وقد أعلنت منظمة التجارة العالمية عام 2009 أن الصين أصبحت أكبر مصدّر في العالم, متقدمة بذلك على ألمانيا للمرة الأولى, وذلك بعد أن وصلت قيمة صادراتها إلى أكثر من تريليون و200 مليار دولار, وذلك مقارنة بحوالي تريليون ومائة مليار دولار لألمانيا في ذلك العام.
الأزمة العالمية والفلسفة الجديدة
عندما زلزلت الأزمة المالية العالمية زلزالها عام 2008 أصاب شررها الاقتصاد الصيني الذي نجح في تحقيق معدلات نمو قياسية غير مسبوقة عالميًا على مدار ثلاثة عقود مضت، وتراجعت معدلات نمو الاقتصاد المحلي الصيني باطراد.
وطبقًا لبيانات صندوق النقد الدولي بلغ معدل النمو الحقيقي للاقتصاد الصيني عام 2007 ما نسبته 14.2%، ثم سرعان ما تراجع هذا المعدل إلى 9.6 % عام 2008، ثم إلى 9.2 % عام 2009، ثم ارتفع إلى 10.4% عام 2010 ليتراجع إلى 9.3 % في 2011، وهوى إلى 7.8 % في العام الماضي 2012، ومن المتوقع أن يبلغ 8% فقط خلال العام الحالي 2013(1).
وقد بدا تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد الصيني في خضم هذه الأحداث طبيعيًا للغاية، مع تراجع الصادرات الصينية لأسواق الدول المتقدمة التي كانت تستوعب السواد الأعظم من هذه الصادرات، وتراجع إجمالاً معدل نمو الصادرات الصينية للعالم بأسره خلال شهر مايو/أيار الماضي إلى 1% فقط(2).
ورغم هذا التباطؤ فإن معدلات النمو الصينية منذ بداية الأزمة المالية العالمية ما زالت تفوق بكثير نظيراتها لدى القوى الاقتصادية التقليدية الكبرى. فحسب بيانات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة 1.2% فقط خلال العام الحالي، وهو نفس المعدل الذي حققته هذه الدول خلال العام المنصرم(3). ويعني هذا الأمر أنه على الرغم من تباطؤ مسيرة العملاق الصيني بفعل الأزمة إلا أن بكين ظلت تلعب حتى الآن دورًا محوريًا في مساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي، وفي الحفاظ على معدلات نموه الحالية، حتى وإن كانت هشة.
لكن في المقابل يقول نيك هاستنكز المعلق في صحيفة وول ستريت جورنال: إن تراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني في الوقت الراهن ليس بسبب ركود أسواق التصدير وتراجع معدلات النمو العالمية فحسب، إنما يعود أيضًا إلى "سياسة متعمدة" من جانب النخبة السياسية الصينية الجديدة، التي لم يعد يهمها تحقيق معدلات نمو اقتصادية قياسية كسابقاتها بقدر ما صار يهمها أمور أخرى، في مقدمتها: حتمية إعادة النظر في الاستراتيجية التنموية الصينية والحد من مظاهر خلل بدأت تنال من الاقتصاد المحلي الصيني جرّاء تداعيات هذه الأزمة(4).
فالنخبة السياسية الصينية الجديدة بدت وكأنها مقتنعة تمامًا بضرورة الاستفادة من أهم دروس الأزمة المالية العالمية، ألا وهو حتمية تغيير الفلسفة التي يقوم عليها الاقتصاد الصيني، وذلك بتغييره من اقتصاد يقوم على التصدير للخارج ويخضع لتقلبات الأسواق العالمية، إلى اقتصاد يلعب فيه الطلب المحلي دورًا كبيرًا، وبالتالي تغييره من اقتصاد يقوم على حساب الفوارق الطبقية بين الريف والمدينة، وبين الأثرياء والفقراء، وعلى حساب البيئة إلى اقتصاد يُعنى بتوزيع ثمار التنمية للحد من التفاوت الاجتماعي الكبير بين سكان الريف وسكان المدن، وبين أبناء المدن أنفسهم عبر تعزيز الطبقة المتوسط وزيادة دخلها لتصبح قادرة على استيعاب جانب كبير من الإنتاج المحلي، ومن ثم النجاح في احتواء الاضطرابات الاجتماعية والعرقية التي بدأت تطل برأسها في البلاد جرّاء مواطن الخلل في التجربة التصنيعية الصينية الأولى.
معركة الفقاعات المالية واحتواؤها
إن هدف الدولة الاقتصادي الأول بالنسبة للقيادة الصينية الجديدة لم يعد تحقيق معدلات نمو قياسية، إنما الحد من مواطن الخلل التي تعتري أداء هذا الاقتصاد جرّاء اندماجه في المنظومة الاقتصادية العالمية.
ومن هنا كانت معركة الدولة مع واحدة من أهم مواطن الضعف في الاقتصاد المحلي، ألا وهي نُذُر تكون فقاعات مالية وعقارية وائتمانية توشك على الانفجار، فخلال الشهر المنصرم تعرضت أسواق المال العالمية لهزة نقدية مفاجئة، وعلى غير العادة كان مركزها الصين التي من المفترض أنها صارت تشكّل بحكم الأمر الواقع المصدر الرئيسي للأنباء السارة التي تدفع الاقتصاد العالمي للأمام قدمًا بعد تعطل القاطرة الاقتصادية الأميركية. فقد قفزت أسعار الفائدة بين البنوك إلى مستويات قياسية خطيرة لتصل إلى 30% (في العُرف المصرفي يعني صعود أسعار الفائدة بين البنوك إلى أكثر من 6% أن هناك أزمة سيولة)؛ وهو ما يعني أن البنوك مضطرة لدفع فائدة باهظة كي يكون في وسعها الاقتراض من بعضها البعض ما تسبب في أزمة سيولة خطيرة. هذا الأمر دفع بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) إلى أن يُقرّ بأن البنوك الصينية أصبحت عاجزة عن إقراض بعضها البعض -على نحو أعاد للأذهان الأجواء التي انهار فيها بنك الاستثمار الأميركي ليمان براذرز في سبتمبر/أيلول 2008 الذي تسبب بالأزمة المالية العالمية- بل وصل الأمر إلى حد أن صحيفة ديلي تليغراف البريطانية نقلت عن وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية قولها: إن الصين تشهد فقاعة ائتمانية لم يسبق لها مثيل في التاريخ(5).
منشأ الفقاعة
هذه الفقاعة نشأت في الأساس في أحضان نظام مصرفي مواز -في بنية النظام المصرفي للدولة- "يفتقر إلى الشفافية" لدرجة أنه لا أحد يعرف من هم المقترضون على وجه التحديد ولا من هم المقرضون، أو ما هي نوعية الأصول المالية التي جرى اقتراضها وإقراضها على حد تعبير وكالة فيتش(6).
كما أن الحكومة الصينية ضخت في شرايين الاقتصاد المحلي خلال ذروة الأزمة المالية العالمية أربعة تريليونات يوان أي ما يعادل 650 مليار دولار، ورغم أن هذه الخطوة بدت في حينها جريئة وضرورية كونها ساهمت في الحد من تداعيات هذه الأزمة، إلا أن ملياراتها غذّت هذه الفقاعات المصرفية إضافة إلى فقاعات أخرى في قطاعات مثل العقارات والأسهم.
فقاعة الديون الجديدة
قفز إجمالي الائتمان في الصين من 9 تريليونات إلى 23 تريليون دولار منذ انهيار مصرف ليمان براذرز في سبتمبر/أيلول 2008، ومن ثم قفزت نسبة هذه الديون إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدولة الصينية بمقدار 75 نقطة أساس لتصل نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 200 %. وذلك مقارنة مع زيادة حجمها حوالي 40 نقطة أساس فقط خلال السنوات الخمس التي سبقت انهيار فقاعة القروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة(7). وكان مصدر نصف القروض الجديدة ليس البنوك التقليدية (نسبة القروض المشكوك في تحصيلها في البنوك التقليدية تبدو هزيلة للغاية إذ تبلغ 1% فقط) إنما صناديق الاستثمار وصناديق إدارة الثروات التي ضخت ما قد يصل إلى 4 تريليونات دولار من أموالها في الأسواق الصاعدة ومنها الصين بعد ركود الأسواق التقليدية المتقدمة.
وحذرت "فيتش" من أن حجم إقراض هذه الصناديق بلغ تريليوني دولار في الصين في شكل استثمارات ساخنة ما ساهم في صعود مُبالغ فيه لأسعار الأسهم والعقارات، كما ساهم في تكون فقاعة ديون في قلب المنظومة المصرفية الصينية ما دفع البنك المركزي الصيني -الذي يتمتع باحتياطيات نقدية استراتيجية هي الأضخم في العالم- للتدخل لتنظيم شرايين هذه المنظومة.
وهكذا صارت البنوك العاملة في البلاد مجبرة على الانصياع لأوامر البنك المركزي بما في ذلك اضطرارها لتعزيز احتياطياتها لتصل قيمتها إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار كي يكون في وسعها تغطية خسائر أية أزمة كبرى قد تقع.
أثّرت هذه الأزمة وطريقة علاجها على الاقتصاد الحقيقي للدولة الصينية صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ حيث تراجعت ثقة المستثمرين بالاقتصاد المحلي في حين شكّلت كل هذه التطورات أنباء غير سارة للاقتصاد العالمي الذي يتزايد اعتماده على نمو الاقتصاد الصيني؛ إذ صار العالم يرى أن هناك ثمة "قنبلة قروض موقوتة" في القطاع المصرفي الصيني يبلغ حجمها تريليوني دولار وشكّلت حسب وكالة فيتش "ميزانية عمومية ثانية مخبأة في هذا القطاع المصرفي، وهي عبارة عن أموال صناديق الاستثمار المهاجرة من الأسواق التقليدية".
ومن هنا جاء تحرك البنك المركزي الصيني لنزع فتيل الأزمة عبر إجبار البنوك على التحوط ضد أي انفجار مالي وذلك من خلال "تنظيف" ميزانياتها العمومية من هذه القروض المسمومة التي تنذر بانفجار "فقاعة مالية".
تقييم آليات احتواء الأزمة
يبدو أن مساعي القيادة الصينية قد آتت أكلها للحد من أزمة الائتمان التي خلقتها الأموال الساخنة قصيرة الأجل –والتي فاقمتها مليارات الدولارات التي ضختها الدولة في الاقتصاد المحلي للحد من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية- وعادت أسعار الفائدة بين البنوك الصينية إلى مستوياتها المعتادة تقريبًا(8).
وتحقق ذلك على الأرجح بفضل الذخيرة المالية الهائلة التي تتمتع بها الدولة الصينية والبالغة أكثر من ثلاثة تريليونات وثلث التريليون دولار في شكل احتياطيات استراتيجية، ومشكلة هذه الاحتياطيات أن الأصول الدولارية فيها تشكّل السواد الأعظم منها وهو ما يجعلها تحت رحمة الدولار الأميركي(9).
وكشفت وسائل إعلام محلية صينية أن قيمة القروض الجديدة التي قدمتها البنوك الكبرى العاملة في البلاد هوت بنسبة 25% تقريبًا لتصل إلى 44 مليار دولار خلال شهر يونيو/حزيران مقارنة مع الشهور السابقة(10).
وتستهدف الصين تحقيق معدل نمو يبلغ 7.5% هذا العام لكن مؤسسات مالية كبرى مثل مؤسسة (غولدمان ساكس) المالية الاستثمارية الأميركية ومصرف (إتش. إس. بي. سي) تستبعد تحقيق الصين لهذا المعدل، وإذا صحت هذه الشكوك ولم تحقق الصين معدل النمو المستهدف فإنها ستكون المرة الأولى منذ الأزمة المالية الآسيوية قبل 15 عامًا التي تعجز فيها الصين عن تحقيق معدل النمو وفق المخطط له(11).
الخلاصة أن ما جرى في الصين الآن يعكس رؤية القيادة الصينية الجديدة، ومفادها ترك الإسراع في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي، والاتجاه إلى الإبطاء من وتيرة النمو مع جعل التنمية الاقتصادية الكلية تتمتع بنوعية أفضل غير مدمرة للبيئة وغير معتمدة على التصدير فقط، وعلى استثمارات مبالغ فيها يجري تمويلها بالاقتراض(12).
ومن ثم فإنه لو وصل معدل النمو الاقتصادي هذا العام في الصين إلى المستوى الذي ترمي الدولة لتحقيقه والبالغ 7.5% فإنه سيكون أبطأ وتيرة نمو للاقتصاد الصيني في 23 عامًا، لكنه سيعكس إصرارًا حكوميًا على حتمية استيعاب الدروس الكبرى للأزمة المالية العالمية.
الصين والمستقبل
توقعت وكالة ستاندرد آند بورز -التي تعد واحدة من أهم أربع وكالات للتصنيف الائتماني في العالم- أن تصبح الصين أضخم سوق لسندات المؤسسات غير المالية في العالم خلال العامين المقبلين، ولكن في خضم هذا كله لا تزال الصين مهيمنة على الاقتصاد؛ إذ تشير تقديرات ستاندرد آند بورز إلى أن الحكومة تهيمن على ثمانين شركة من بين أضخم مائة شركة عاملة في البلاد(13)، وأعرب البروفيسور إسوار براساد الأستاذ في جامعة كورنيل والرئيس السابق لقسم الشؤون الصينية في صندوق النقد الدولي عن اعتقاده بأنه في وسع النخبة السياسية الصينية تطبيق الإصلاحات التي تتبناها بنجاح، وأن يستقر معدل النمو المحلي في نطاق يتراوح بين 7 و8% خلال الأعوام القليلة المقبلة، وهو الأمر الذي يشكّل معدلاً اقتصاديًا مريحًا لحل الكثير من المشكلات(14).
وحينما أرادت مجلة فوربس -التي تعد واحدة من أشهر المجلات الاقتصادية التي تهتم باستثمارات كبار الرأسماليين في العالم- أن تتندر على وضع الاقتصاد الأميركي في العالم، ذكرت في تقرير لها هذا العام 2013: "أن الرئيس الأميركي باراك أوباما دخل البيت الأبيض وكان الاقتصاد الصيني ثاني أضخم اقتصاد في العالم، وها هو سيخرج منه في عام 2016 والاقتصاد الأميركي سيسلم مرتبته الأولى إلى الصين".
ولا يمكن تجاهل الرؤية الأخرى التي تقول: إن الاقتصاد الصيني قد يصبح الأضخم في العالم لكنه سيكون من الصعب عليه أن يصبح خلال هذه الفترة القصيرة الأكثر تطورًا، كما أنه سيكون من الصعب على اليوان أن يحتل سريعًا نفس المرتبة التي يحتلها الدولار. فرغم الشوط الذي قطعته الصين حتى الآن على درب جعل عملتها "اليوان" قابلة للتحويل إلا أن الدولار لا يزال مهيمنًا بقوة على احتياطيات البنوك المركزية العالمية.
فقد أظهرت بيانات من صندوق النقد الدولي أن حصة الدولار الأميركي في الاحتياطيات المعروفة لدى البنوك المركزية حول العالم ارتفعت في الربع الأول من العام الحالي إلى 3.76 تريليون دولار أو 62.2% بعد أن كانت 3.73 تريليون دولار أو 61.2% في الربع السابق(15).
الخلاصة
الخلاصة أن ما يشهده الاقتصاد الصيني من تباطؤ في وتيرة النمو ليس مرجعه فقط تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، إنما هو أيضًا نتاج فلسفة اقتصادية جديدة شرعت النخبة السياسية الصينية في تبنيها بوصفها أحد أهم دروس الأزمة المالية والاقتصادية الدولية. وتقوم على نظرية تنموية جديدة تهدف إلى توسيع نطاق الاستفادة من ثمار النمو لتشمل أوسع شريحة ممكنة من المجتمع الصيني، وذلك عبر زيادة حجم الطبقة المتوسطة لخلق طلب محلي كبير على السلع والخدمات بدلاً من أن يكون الاقتصاد المحلي دومًا تحت رحمة الأسواق العالمية. وتستهدف هذه السياسة الحد من الفوارق الطبقية الهائلة بين الريف والمدينة، ووقف تدمير البيئة وتقليص الاعتماد على التصدير، والحد من تنامي أمراض الرأسمالية المالية مثل الفقاعات المالية والمبالغة في الاعتماد على الديون لتحقيق النمو.
ومن ثم فإن الصين قد لا تعود خلال الأعوام القليلة المقبلة إلى تحقيق معدلات النمو المذهلة التي تفوق العشرة في المائة سنويًا، لكنها في المقابل قد تتمكن عبر فلسفتها الجديدة من احتواء مواطن الخلل الهيكلية التي اعترت تجربتها التنموية؛ ومن ثم قد يساعدها هذا الأمر في الحد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي صارت تقلق بشدة النخبة السياسية الحاكمة.
__________________________________
* محمد فاوي - صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية
المصادر
1- IMF. World Economic Outlook
http://www.imf.org/external/pubs/ft/weo/2013/01 /
2-THE WALL STREET JOURNAL, China's Export Growth Slumps
http://online.wsj.com/article/SB10001424127887323844804578532401454450098.html
3-المصدر السابق
http://online.wsj.com/article/SB10001424127887323844804578532401454450098.html
4-THE WALL STREET JOURNAL, China Falls From Hero to Zero
http://blogs.wsj.com/moneybeat/2013/07/01/china-falls-from-hero-to-zero/?KEYWORDS=china+GDP
5-THE TELEGRAPH , Fitch says China credit bubble unprecedented in modern world history
http://www.telegraph.co.uk/finance/china-business/10123507/Fitch-says-China-credit-bubble-unprecedented-in-modern-world-history.html
6-المصدر السابق
http://www.telegraph.co.uk/finance/china-business/10123507/Fitch-says-China-credit-bubble-unprecedented-in-modern-world-history.html
7-المصدر السابق
http://www.telegraph.co.uk/finance/china-business/10123507/Fitch-says-China-credit-bubble-unprecedented-in-modern-world-history.html
8-FINANCAIL TIMES, Chinese money rates return to normal levels
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/38dc9ed0-e47b-11e2-875b-00144feabdc0.html#axzz2YQJieFzj
9- موقع شبكة الصين (احتياطيات النقد الأجنبي في الصين تبلغ 3.31 تريليون دولار حتى نهاية عام 2012)
http://arabic.china.org.cn/business/txt/2013-01/11/content_27659014.htm
10- FINANCAIL TIMES, Chinese money rates return to normal levels
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/38dc9ed0-e47b-11e2-875b-00144feabdc0.html#axzz2YQJieFzj
11- المصدر السابق
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/38dc9ed0-e47b-11e2-875b-00144feabdc0.html#axzz2YQJieFzj
12-REUTERS, China second quarter GDP to test reformers' stomach for weaker growth
http://uk.reuters.com/article/2013/07/08/uk-china-economy-gdp-idUKBRE96702A20130708
13 – CNBC ,China’s Corporate Debt Market Set to Challenge US
http://www.cnbc.com/id/100737392
14- FINANCAIL TIMES, Brics summit faces challenges over growth
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/24a074dc-9561-11e2-a151-00144feabdc0.html
15- THOMSON REUTERS EIKON,
http://ara.reuters.com/article/businessNews/idARACAE9B2Z5220130628