المصدر [الجزيرة] |
ملخص تقدم هذه الورقة قراءة في تفاصيل حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلنتها الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان مؤخرًا على مستوى تعزيز المسار الديمقراطي في البلاد فيما يتعلق بالحقوق العامة والخاصة المرتبطة بالأقليات والحريات الشخصية والدينية والنظام الانتخابي المرتبط بطبيعة النظام السياسي. وتحلل الورقة خلفية الانتقادات الموجهة للحزمة من قبل شرائح سياسية متعددة، كما تتناول الانعكاسات المحتملة للحزمة على مسار الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفق سيناريوهات مختلفة، وكذلك على عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني والمسار الذي تتجه إليه. وتخلص الورقة إلى أن حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي تم تقديمها ليست نهاية الطريق وأن هناك حاجة لإدخال المزيد من الإصلاحات للدفع بالديمقراطية قدمًا في البلاد، إلا أن طرحها يعتبر خطوة متقدمة من قبل الحكومة التركية لاسيما في توقيت يعكس قتامة المشهد الإقليمي والدولي إزاء عمليات الإصلاح وتعزيز الديمقراطية في المنطقة. وأن تأخذ الحكومة زمام المبادرة بتقديم هذه الإصلاحات فهذا قرار شجاع ويزيد من رصيدها المعنوي ويعزز من حقيقة أنه، وبغض النظر عن الانتقادات التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية فإنه يبقى الجهة الوحيدة في تركيا التي تعتبر القوة الدافعة باتجاه تعزيز الديمقراطية في البلاد منذ العام 2002. |
أعلن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في 30 سبتمبر/أيلول 2013 إطلاق حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعدتها الحكومة في سياق مسيرة ديمقراطية تمتد على مدى 11 عامًا، وشملت مجالات متعددة منها ما يتعلق بالحياة السياسية والحزبية والانتخابات، ومنها ما يتعلق بالحريات العامة والحقوق خاصة ما يرتبط بالأقليات طُرحت للمرة الأولى منذ إنشاء دولة تركيا الحديثة.
تناقش هذه الورقة تفاصيل حزمة الإصلاحات الديمقراطية، وتحلل خلفية الانتقادات الموجهة للحزمة من قبل شرائح سياسية متعددة، كما تتناول الانعكاسات المحتملة للحزمة على مسار الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفق سيناريوهات مختلفة، وكذلك على عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني والمسار الذي تتجه إليه.
ولعل أبرز ما تضمنته الحزمة ما يلي(1):
2- على مستوى الحقوق والحريات:
أما المنتقدون لحزمة الإصلاحات فيمكن تقسيمهم إلى ثلاثة معسكرات: معسكر المعارضة السياسية المتمثل بحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية تحديدًا، معسكر الأكراد والذي يشمل حزب السلام والديمقراطية الكردي في البرلمان وحزب العمال الكرستاني (PKK) المصنف إرهابيًا، ومعسكر المجتمع المدني. والمفارقة أن كل هؤلاء انتقدوا حزمة الإصلاحات الديمقراطية أو عددًا من موادها، لكن الملاحظ أن خلفيات هذه الانتقادات وسياقها وأهدافها مختلفة كليًا عن بعضها البعض.
2) أما المعسكر الثاني المتمثل بالأكراد؛ فقد انتقد حزمة الإصلاحات على اعتبار أنها لم تشمل إطلاق العديد من السجناء الذين كان تم اعتقالهم سابقًا تحت قوانين دعم الإرهاب "حزب العمال الكردستاني" أو الترويج له أو التعاون معه. كما اعتبروا أن الحزمة وعلى الرغم من الإيجابيات التي وردت فيها، إلا أنها غير كافية ولا تلبي الطموحات والتوقعات بشأن إنهاء الصراع بين الدولة وحزب العمال الكردستاني(9)، فيما يرى الأخير أن هذه الحزمة لا تهدف إلى إنهاء الصراع لأن العقلية اللازمة لذلك لم تتوافر عند الحكومة(10).
3) وبالنسبة إلى المعسكر الثالث المتمثل بالمجتمع المدني؛ فقد أشاد بالحزمة كخطوة إضافية في طريق تعزيز الديمقراطية في تركيا ولاسيما ما يتعلق بالحقوق والحريات خاصة مسألة رفع الحظر على الحجاب، إلا أنه انتقد استثناء القضاة والعسكريين والشرطة من هذا الموضوع معتبرًا أن ذلك يشرع لأول مرة حظر الحجاب بشكل قانوني، كما أنه يعد تمييزًا يتناقض مع جهود السعي لإزالة التمييز وإدانته(11).
لقد فندت الحكومة انتقادات المعارضة السياسية، واعتبرت أن الحزمة استقبلت بشكل إيجابي من الأغلبية الشعبية في تركيا على الرغم من ردود الأفعال المختلطة التي صدرت عن فرقاء آخرين بما في ذلك المستفيدون مباشرة من الحزمة. وفقًا لنائب رئيس الوزراء "بولنت أرينج"؛ فإن الحكومة تسير على الطريق الصحيح بدليل أن 75% من الأتراك استقبلوا هذه الحزمة بشكل إيجابي استنادًا لاستطلاعات الرأي التي تم إجراؤها في عدد من المحافظات قبل الإعلان الرسمي عنها(12).
انعكاسات الحزمة على مسار الانتخابات القادمة
من المنتظر أن تشهد تركيا خلال العام القادم سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية البلدية والرئاسية ثم يليها البرلمانية. وكون الإعلان عن حزمة الإصلاحات الديمقراطية أتى في أجواء تحضير مختلف القوى لهذه الاستحقاقات؛ فإن ذلك فتح الباب أمام طرح التساؤلات المتعلقة بانعكاساتها على هذا الصعيد. صحيح أن هذه الخطوة مهمة في مجال متابعة المسار الديمقراطي التركي، لكن تقييم أثرها المباشر والفعلي على صعيد العملية الانتخابية (الانتخابات البرلمانية خصوصًا) لا يزال مبكرًا لعدد من الأسباب، لعل أهمها:
1- أن عددًا من مقترحاتها وموادها سيحتاج إلى موافقة البرلمان بالضرورة؛ وهو ما يعني أنها قد تواجه مصاعب خاصة إذا ما تم ترجمة تصريحات الأحزاب السياسية المعارضة إلى قرارات تعرقل إقرارها في داخل البرلمان.
2- أن مسار التأثير يرتبط بشكل مباشر أيضًا بالخيارات التي سيتم اتخاذها فيما بعد فيما يتعلق بحاجز الـ10% المطلوب من الأحزاب لدخول البرلمان: هل سيتم الإبقاء عليه؟ هل سيتم تخفيضه إلى 5%؟ هل سيتم إزالته كليًا؟
وفقًا لدراسة أعدها "سيف الدين جورسل" حول النظام الانتخابي؛ فإن التوقعات تشير إلى(13):
• مع بقاء نسبة الـ10%، ستظل التركيبة الحالية في المشهد الانتخابي على ما هي عليه حتى على فرض انخفاض نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية على اعتبار أن عددًا من عناصر حزمة الإصلاح لا تحظى بشعبية كبيرة "لاسيما موضوع الأقليات"؛ مما قد يدفع العناصر ذات الميول القومية داخل حزب العدالة والتنمية إلى التصويت لحزب الحركة القومية أو للحزب الجمهوري. أضف إلى ذلك إعطاء أحزاب المعارضة مادة للهجوم على حزب العدالة والتنمية، ومع ذلك سيبقى حزب العدالة والتنمية متصدرًا وبفارق كبير عن باقي الأحزاب.
• أما إذا انخفضت هذه النسبة إلى 5%؛ وهو أمر جيد للعمية الديمقراطية ولتنشيط التنافس الانتخابي ومساعدة الأحزاب الصغرى على الدخول إلى البرلمان؛ فإن التوقعات تشير إلى أن الحزب القومي التركي (حزب الحركة القومية) سيكون أبرز الخاسرين من هذه الإصلاحات، في مقابل انخفاض بسيط في عدد مقاعد الحزب الجمهوري وكذلك حزب السلام والديمقراطية الكردي وارتفاع في عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية.
• أما بالنسبة إلى خيار إلغاء النسبة كليًا؛ فإنه من غير المعروف ما إذا كان سيتم الاعتماد على نظام الجولة الواحدة أو الجولتين وهو أمر من الضروري تحديده لتشكيل آلية توقع للنتائج خاصة أنه سيترك أثره على طبيعة التحالفات الحزبية الممكنة آنذاك فيما لو تم اعتماده. لكن، وبشكل عام، فإن حزب الحركة القومية سيتعرض لخسارة جسيمة إذا ما تم اعتماده خاصة مع نظام المرشح صاحب أكثرية الأصوات.
|
حزب العدالة والتنمية |
حزب الشعب الجمهوري |
حزب الحركة القومية |
مستقلون (حزب السلام والديمقراطية كردي) |
النسبة من أصوات الناخبين عام 2011 |
~ 50% |
~ 26% |
~ 13% |
~ 6.5% |
نتائج انتخابات 2011 (مقاعد) |
327 |
135 |
53 |
35 |
مع افتراض نيل النسب التالية من أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة |
45% |
26% |
13% |
6% |
النتائج المتوقعة مع بقاء شرط الـ 10% |
308 |
147 |
60 |
35 |
النتائج المتوقعة مع الإصلاحات لنسبة 5% |
337 |
141 |
40 |
32 |
من الملاحظات التي يمكن تسجيلها على هذه القراءة:
1) أن المعارضة السياسية المتمثلة بالحزب الجمهوري وحزب الحركة القومية قد لا يروقها إجراء هذه الإصلاحات الانتخابية الواردة في الحزمة الديمقراطية نظرًا للخسائر التي قد يتعرضون لها جرّاء اعتمادها، وهي من المفارقات التي ستجعلهم في موقف صعب وحرج على اعتبار أنهم سيظهرون بمظهر المعرقل لإصلاحات ديمقراطية. كما أن اعتمادها سيؤثر بشكل كبير في تغيير طبيعة العملية الانتخابية وموقع الأحزاب ودورها في العملية السياسية على المدى المتوسط والبعيد.
3) وفيما يتعلق بإفساح المجال أمام تطبيق مبدأ الرئيس المناوب في الأحزاب السياسية، فيبدو أن هذه الخطوة أُدخلت لصالح حزب العدالة والتنمية حيث سيستقيل أردوغان من منصبه ليترشح للرئاسة على الأغلب عند قدوم الاستحقاق الرئاسي؛ وهو ما يعني أن رئاسة الحزب ستصبح شاغرة أيضًا حيث من المتوقع ضمن عدد من السيناريوهات المتداولة في الأوساط السياسية في تركيا أن يصبح عبدالله جول رئيسًا لحزب العدالة والتنمية، وبسبب اختلاف شخصية غول عن أردوغان، قد تتم موازنة سياساته بشخصية أخرى أكثر قربًا لتوجهات أردوغان.
في المقابل، اعتبرت الحكومة في إطار ردها على اتهامات المعارضة أن تطوير المسار الديمقراطي والإصلاح السياسي سابق على إطلاق عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني من جهة، وفي سياق تفنيدها لهذه الاتهامات، قالت: إن المواد المقترحة في حزمة الإصلاحات الديمقراطية إنما استندت إلى عدة مصادر أساسية، من بينها: برنامج حزب العدالة والتنمية والوعود الإصلاحية التي قطعها سابقًا. الرؤية التي وضعها الحزب في المؤتمر العام الماضي تحت عنوان "تركيا 2023". تقرير لجنة الحكماء المكلفة بالبحث في تقديم اقتراحات لعملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني، وتقرير مسيرة التقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي، وتقرير ورشة عمل الغجر(15).
ومن أبرز المكاسب الجديدة المحققة للأقليات (الأكراد على رأسهم) إلغاء القَسَم أو النشيد في المدارس، وهو مؤشر على إلغاء التمييز بين القوميات مقابل التركيز على المواطنة، والتي تم تعزيزها برفع عقوبة الكراهية والتمييز. كما أن السماح بإدخال أحرف مفتاحية جديدة تم حظرها سابقًا لكونها من الأحرف الأساسية في اللغة الكردية يعد مكسبًا إضافيًا إلى جانب إمكانية استعادة القرى لأسمائها القديمة قبل عام 1980.
ويعتبر السماح باستخدام اللغات غير التركية في التعليم خطوة كبيرة في صالح الأكراد حيث سيكون بالإمكان التعلم باللغات المختلفة عن اللغة التركية وبمناهج رسمية متكاملة، لكن حصر هذه الخطوة بالمدارس الخاصة عليه بعض الملاحظات التي تشير إلى أن ذلك قد يصعّب عملية الالتحاق بهذه المدارس سيما أن تكاليفها مرتفعة مقارنة بالحكومية ناهيك عن واقع منطقة شرق تركيا الأقل تنمية ودخلاً مقارنة بالمناطق الأخرى في البلاد(16).
لكن كيف يمكن التوفيق بين تحقيق هذه المكتسبات الواردة في حزمة الإصلاحات الديمقراطية والانتقادات الصادرة عن حزب السلام والديمقراطية الكردي وحزب العمال الكردستاني؟ الاستنتاج الذي يمكن الخروج به هو أن هذه الانتقادات إنما تهدف إلى رفع سقف المكاسب والمطالب التي تم تحقيقها حتى الآن. ولأن عملية السلام الجارية هي عملية سياسية ويتم تنفيذها على مراحل كما تم الاتفاق عليه سابقًا(17)؛ فإن كل طرف يحتفظ على ما يبدو بأوراق كافية للاستمرار على هذا المسار.
بالنسبة إلى الحكومة، فإن المسار الديمقراطي في البلاد يتخذ منحى تدريجيًا وليس دفعة واحدة، وعليه من الطبيعي ألا يتم تلبية مطالب كل الأطراف دفعة واحدة، وإنما يتم ذلك بالتوازي مع نضج الظروف التي تتطلبها عملية تطبيق الإصلاحات كي لا تبقى مجرد قرارات غير فاعلة. وهناك تأكيد على أن المسار الديمقراطي سيبقى قائمًا بغض النظر عن المعطيات الأخرى، وعلى هذا الأساس فإن هذه الحزمة من الإصلاحات إنما جاءت بالدرجة الأولى لتقوية هذا المسار الديمقراطي القائم منذ 11 عامًا(18).
لكن ذلك لا يلغي في المقابل، المعطى السياسي للحزمة الذي يأتي في توقيت يتقاطع مع التحضير للانتخابات كما سبق ذكره وكذلك جهود عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني. وبالنسبة إلى الموضوع الأخير، تعتبر الحكومة أن حزب العمال الكردستاني لم ينفذ الجانب المتعلق به من الاتفاق، فلم يسحب مقاتليه بشكل كامل كما لم يسلم أسلحته(19)، وأعلن فضلاً عن هذا تعليق انسحاب عناصره بشكل رسمي مع تمسكه بوقف إطلاق النار فيما بدا أنه محاولة للمساومة، ومن الواقعية السياسية أن لا تطرح الحكومة الآن كل أوراقها دفعة واحدة(20) قبل تنفيذ حزب العمال التزامه(21).
هذه المعادلة تعني أن الطرفين يحاولان تحقيق المزيد من المكاسب في طريق طويل نحو التنفيذ النهائي للاتفاق يتخلله اختبارات ثقة متبادلة في المحطات المفصلية سيما وأن دائرة المتضررين من هذا الاتفاق سواء على المستوى السياسي التركي (أحزاب المعارضة) أو على مستوى الأجنحة المختلفة داخل حزب العمال الكردستاني لا تزال قوية مما قد يصعّب هذه المسيرة.
من جهة أخرى، فإن حقيقة أن المعارضة تنتقد هذه الإصلاحات الديمقراطية لا لتطرح بديلاً أفضل عنها وإنما لتعرقل تطبيقها سيجعلها في موقع صعب مستقبلاً كما أنها قد تقلص من فعالية دورها في النظام الديمقراطي التركي مستقبلاً لصالح لاعبين آخرين على المستوى المتوسط والبعيد.
‘Demokrasi alg?s? ne yaz?k ki bu’, VATAN, 30-9-2013.
http://haber.gazetevatan.com/Haber/573000/1/Gundem