تقلبات القوى الثورية والشبابية بعد الانقلاب العسكري بمصر

مرت القوى الثورية والشبابية بعدد من التطورات والتحولات منذ الإطاحة بمرسي، تحولت فيها علاقاتها مع سلطة الانقلاب من التقارب والتفاهم إلى القطيعة والصراع، وذلك بعد تنامي الإدراك بوجود تناقض بنيوي بين أهداف واستراتيجيات وبرامج القوى الثورية والشبابية من جهة وبين النخبة الحاكمة من جهة أخرى.
2014422111246783734_20.jpg
سلطة الانقلاب تضع في السجن أحمد ماهر وقيادات ثورية بعد أن ساندوها في الإطاحة بمرسي (أسوشيتد برس)

ملخص
مرت القوى الثورية والشبابية بعدد من التطورات والتحولات منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، تحولت فيها علاقاتها مع سلطة الانقلاب من التقارب والتفاهم إلى القطيعة والصراع، وذلك بعد تنامي الإدراك بوجود تناقض بنيوي بين أهداف واستراتيجيات وبرامج القوى الثورية والشبابية من جهة وبين النخبة الحاكمة من جهة أخرى. استجابة لواقع شديد التعقيد والتركيب، تغيرت المواقف وتبدلت التوجهات وظهرت كيانات شبابية وثورية جديدة، في حين تدهورت مكانة وقوة كيانات أخرى.

أوجدت تطورات ما بعد الإنقلاب عوامل للتقارب والتعاون بين القوى الثورية والإسلامية، مثل الهجوم على ثورة 25 يناير/كانون الثاني وعودة رموز مبارك والدولة البوليسية، لكن ذلك لا ينفي اختلافها في المواقف والرؤى السياسية، بل يؤجلها أو يسعى لتحقيق توافق تدريجي حولها، وذلك من أجل مواجهة تهديد أكبر أو تحقيق هدف وطني جامع. ولا شك أن التجربة وسّعت مدارك أعضاء معظم الحركات الثورية والشبابية؛ فعادت للالتقاء حول أهداف ثورة 25 يناير/كانون الثاني من عيش وحرية وعدالة اجتماعية.

مقدمة

مرت القوى الثورية والشبابية بعدد من التطورات والتحولات منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، تحولت فيها علاقاتها مع سلطة الانقلاب من التقارب والتفاهم إلى القطيعة والصراع، وذلك بعد تنامي الإدراك بوجود تناقض بنيوي بين أهداف واستراتيجيات وبرامج القوى الثورية والشبابية من جهة وبين النخبة الحاكمة من جهة أخرى. استجابة لواقع شديد التعقيد والتركيب، تغيرت المواقف وتبدلت التوجهات وظهرت كيانات شبابية وثورية جديدة، في حين تدهورت مكانة وقوة كيانات أخرى. وفي هذا الصدد يثور التساؤل حول طبيعة العوامل والمتغيرات التي تؤثر في تكوين وتطور القوى الثورية والشبابية وفي اتجاه التفاعلات فيما بينها من حيث التقارب والتباعد والقدرة على التأثير في الواقع السياسي. كما تثور التساؤلات حول محددات تطور علاقات القوى الثورية والشبابية بالكيانات السياسية التي تتقاطع معها في بعض السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بالحراك الثوري الاحتجاجي مثل تحالف دعم الشرعية.

 التغير في التفاعلات والبنى التنظيمية والحركية

حصل شهر عسل قصير للغاية بين قيادة السلطة الانتقالية والحركات الشبابية والثورية التي احتجت بقوة على أداء الرئيس محمد مرسي وطالبت بإسقاطه خلال مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013؛ وذلك بعد انهيار تحالف فيرمونت، الذي حصل بمقتضاه الدكتور مرسي على تأييد أغلبية القوى الشبابية والثورية. على إثر ذلك، قدمت هذه القوى تأييدًا ضمنيًا أو صريحًا لترتيبات الإطاحة بمرسي من خلال المشاركة في فعاليات 30 يونيو/تموز، وإن حاول بعضها تجنب التظاهر مع فلول نظام مبارك في نفس الميدان، ثم أعلنت قبولها لخريطة الطريق التي أعلنها وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز من العام الماضي 2013، وشاركت في لقاءات مع ممثلي السلطة الانتقالية، ورشحت شخصيات عامة من القوى المحسوبة على المعارضة والثورة، لتولي مناصب فيها. ولكن، أخذت القوى الشبابية والثورية تدرك تدريجيًا أنها ليست في موقع القيادة، وأن الدولة العميقة والمؤسسة العسكرية ركبتا الموجة الاحتجاجية التي كانت في طليعتها القوى الشبابية، وتعمق ذلك الإدراك بعد تصدر وزير الدفاع للمشهد، ودعوته للحصول على تفويض شعبي لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل. ثم شكَّل فض اعتصام رابعة والنهضة بالقوة المفرطة صدمة كبري نتيجة ما آلت إليه الأمور من سقوط ضحايا ودماء وسيطرة كاملة للمؤسسة العسكرية والأمنية المتحالفة مع القوى التقليدية الموالية لنظام مبارك؛ مما أدى لاستقالة نائب الرئيس المؤقت الدكتور محمد البرادعي وخروجه من مصر بعد فشل جهود الوساطة لتسوية الأزمة.

تصاعدت حدة عداء سلطات الانقلاب ضد القوى الشبابية والثورية في ظل اتهامات لها بالخيانة والفساد والعمالة، فخضع قادتها وأعضاؤها للتهديد والاعتقال والسجن، وصدرت أحكام قاسية بالسجن ضد عدد من أشهر من القيادات الشبابية باتهامات تتعلق بالتظاهر والشغب، من أبرزهم: أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل وعلاء عبدالفتاح، وذلك إلى جانب اعتقال مئات غيرهم من الشخصيات غير المعروفة إعلاميًا، خصوصًا في مواجهات ذكرى 25 يناير/كانون الثاني. وقد اختارت رموز شبابية بارزة الاحتجاب عن المشهد الثوري والتواري في الخلف، مثل: وائل غنيم وعبدالرحمن منصور، مؤسسَيْ صفحة: كلنا خالد سعيد، التي أوقفت نشاطها فجأة على الفيسبوك منذ يوليو/تموز 2013. في المقابل، تقدمت جماعات شبابية جديدة اكتسبت حضورًا وزخمًا متناميًا في الشارع وفي أوساط الاحتجاجات الطلابية والشبابية على وجه الخصوص، من أبرزها: حركة شباب ضد الانقلاب وجبهة صمود الثورة.

إن التحدي الذي شكّله انقلاب 3 يوليو/تموز أفرز استجابات ثورية وشبابية متعددة بعضها تمثل في تشكيل وعي ثوري وحركات جديدة مقابل تفكك البعض الآخر. ويمكن القول: إن القوى الثورية والشبابية قد انقسمت على نفسها بسبب الانقلاب العسكري؛ فقد أصبح بعضها -خصوصًا حركة تمرد- ضمن منظومة الانقلاب العسكري، في حين أيدت مجموعات شبابية أخرى إزاحة مرسي، إما لاعتبار سوء أدائه السياسي أو لاعتبار رفض المرجعية السياسية والدينية التي يحملها مشروعه، ولكنهم في نفس الوقت رفضوا تضييق الحريات السياسية وغلبة اعتبارات الأمن على اعتبارات الحرية والديمقراطية مما يجعلهم يقفون ضد الممارسة البوليسية. هذه المجموعات رفضت في البداية بعض ممارسات السلطة فقط مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين، ولكنها قبلت خريطة الطريق ولجنة وضع الدستور المعينة (1) ، ثم اتسع الخلاف تدريجيًا نتيجة تزايد تغول الدولة البوليسية والعداء الواضح لمشروع ثورة 25 يناير/كانون الثاني.

بدأت معالم تبلور تيار شبابي ثوري جديد، دون إطار تنظيمي متماسك، تتضح من خلال الفعاليات الشبابية المستقلة التي حصلت في الشارع بعد الانقلاب، وظهر كثير من الوجوه الشابة والمستقلة من جيل ثورة يناير/كانون الثاني على منصة رابعة العدوية، وشارك في فعاليات متعددة من مظاهرات واحتجاجات وفعاليات رياضية وفنية؛ مما طرح إمكانية تأسيس كيان شبابي جديد. وبالفعل، تم تأسيس حركة "شباب ضد الانقلاب"، ثم "طلاب ضد الانقلاب" للتعبير عن هذه الروح الشبابية الرافضة للانقلاب، والتى تتفق مع تحالف دعم الشرعية حول عودة مرسي مع التحفظ على أدائه غير الثوري والاحتفاظ بهويتها الشبابية الثورية مستقلة. وقد أعلنت حركة شباب ضد الانقلاب المقاطعة الإيجابية لكل الاستفتاءات والانتخابات باعتبار أنها "مسرحيات هزلية فكل ما بُني على باطل هو باطل سواء كان دستورًا أو انتخابات رئاسية" (2) ، كما دعت للتظاهر في ميدان التحرير في مظاهرات مفاجئة مع الانسحاب سريعًا، كأنها عمليات كرّ وفرّ، قبل الصدام مع الأمن. كما برز دور "حركة أحرار" التي تعارض مرسي وحكم العسكر، ولكنها تعد من أكثر الحركات الشبابية غموضًا من حيث العضوية والقيادة، وتعرضت مظاهراتها خصوصًا في ميدان سفنكس في 30 أغسطس/آب الماضي 2013 لقمع أمني عنيف، لكن رغم ذلك تعددت الاتهامات الموجهة لها تارة بأنها تابعة للإخوان أو لحركة: حازمون أو حتى إنها مخترقة أمنيًا.

ومن جهة أخرى أخذت القوى الشبابية والثورية التقليدية تعود للمشهد الثوري بشكل تدريجي؛ فشباب حزب مصر القوية والتيار المصري وجدوا أنفسهم في ساحة المواجهة لأن روابطهم وصلاتهم القديمة قائمة في أوساط الحراك الشبابي الإسلامي، الذي يتعرض للقتل والاعتقال على أوسع نطاق. وشاركت قيادات، مثل: أحمد عبدالجواد وعبدالرحمن فارس وآخرين في مبادرة عودة المسار الديمقراطي، التي عُرفت باسم مبادرة العوا، ثم ظهر الطريق الثالث ليعبّر عن تشكيل صوت للثورة يرفض ما سماه: عودة الفلول والعسكر والإخوان، واختار ميدان سفنكس، ثم طلعت حرب، لتنظيم الفعاليات الاحتجاجية ضد الإفراج عن مبارك والمحاكمات العسكرية والاعتقالات. ويضم هذا التيار كيانات حزبية ونشطاء من مختلف الاتجاهات والحركات الشبابية الثورية، مثل: حركة 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، وشباب من أجل العدالة والحرية، وحزب التيار المصري، وحزب مصر القوية، بالإضافة إلى عدد كبير من النشطاء المستقلين. ويرفض أنصار الطريق الثالث فكرة الاستقطاب ولا يعترفون سوى بثورة 25 يناير/كانون الثاني، ولديهم تحفظات على خارطة الطريق (3) .

وقد شكّل تأسيس "جبهة صمود الثورة" الإعلان الرسمي عن خروج معظم الحركات الشبابية من تحالف 30 يونيو/حزيران المؤيد للانقلاب العسكري؛ حيث تبلورت فكرة التيار الثالث الذي نزل إلى الشارع مستقلاً عن فعاليات أنصار الشرعية، التي ترفع شعار عودة الدكتور مرسي، وشعارات أنصار السلطة الحاكمة المؤيدة للسيسي. وتشكلت الجبهة من الاشتراكيين الثوريين و6 إبريل جناح أحمد ماهر وشباب مصر القوية وحزب التيار المصري، إلى جانب مجموعة من الكتّاب المستقلين، مثل أهداف سويف وآخرين. وبشكل تدريجي وجّهت معارضتها وخطابها النقدي نحو السلطة القائمة التي تحتكر القوة والموارد وتدير شؤون البلاد دون نجاح كبير؛ فتراجع بذلك خطابها الناقد لسلطة مرسي والإخوان بعد خروجهم من السلطة.

ومن أبرز التطورات في هذه المرحلة، حالة الانهيار الشديد الذي أصاب حركة تمرد؛ فالحركة تشكّلت كمظلة تنشط تحتها قوى شبابية وأحزاب سياسية تقليدية، بهدف إسقاط مرسي والإخوان، في حين أن قيادة الحركة تشكّلت بمبادرة ناصرية من شباب يرتبطون بحركة التيار الشعبي التي أسسها حمدين صباحي. ولذلك، عندما تم تشكيل اللجنة التنسيقية للحركة قبل فعاليات 30 يونيو/حزيران مباشرة، أخذت تتكشف بعض جوانب الخلاف بين أغلبية حركات الشباب والجناح الناصري الذي نجح في السيطرة على قيادة الحركة. ومع تزايد الوعي الشبابي بانحراف الحركة عن أهدافها وحصولها على دعم أجنحة داخل السلطة والخارج، انصرف الشباب عن فعالياتها وخرج الكثير من المجموعات في مختلف المحافظات منها، وسعوا لتشكيل حركات جديدة باسم تحرر أو تمرد 2. وقد وصل الانقسام إلى قيادتها بإعلان محمود بدر ومحمد نبوي وآخرين دعم السيسي (4) ، مقابل دعم حسن شاهين ومحمد عبدالعزيز لحمدين صباحي. وهكذا وصلت الحركة إلى مشارف الانهيار إلى درجة أنها دعت لفعاليات في ميدان التحرير لدعم السيسي بعد إعلان ترشحه رسميًا في نهاية مارس/آذار 2014؛ ولكن لم يحضر أحد تقريبًا. وقد قرر كثير من المكاتب التنفيذية في المحافظات مثل الإسكندرية حل الحركة، وتبادلوا الاتهامات مع القيادات، وأعلنوا العودة لصفوف الشعب والثوار لاستكمال أهداف الثورة، وتكرر نفس الأمر في محافظات أخرى مثل أسيوط وبني سويف وغيرها (5) .

عوامل التقارب والتباعد بين الحركات والقوى الثورية 

إن التقارب بين الحركات الشبايبة والثورية يرتبط بعدد من المحاور الحاكمة، من أبرزها: هويتها كحركات شبابية تعبّر عن طليعة جيل شبابي ثائر يستهدف التغيير ويرفض خطاب السلطة وممارساتها من خلال استراتيجيات الاحتجاج والتظاهر. أما عوامل التباعد والافتراق فتحدث بسبب غياب برنامج سياسي مشترك، والتعصب الأيديولوجي، إلى جانب الاختراقات الخارجية والصراعات الشخصية.

 حركات هوية ووعي وطليعة جيل ثائر

لقد شكّلت القوى الشبابية والثورية مظلة عامة تنضوي تحتها شرائح شبابية واجتماعية مختلفة تجمعها الرغبة في التغيير ورفض الأمر الواقع؛ ففي ثورة يناير/كانون الثاني كان ائتلاف شباب الثورة بمثابة هذه المظلة التي التف حولها أحزاب وقوى سياسية وفئات شعبية، ترفض نظام مبارك وتسعى لتغيير إما سياساته أو شخوص النظام ذاته.

والواقع أن القوى الثورية والشبابية تمثل حركات وعي وضمير تسعى لنشر أنماط من الهيمنة المضادة لسيطرة وتغول السلطة ومؤسسات الدولة العميقة؛ ولا تأتي أهميتها من قدراتها التنظيمية غير التراتبية وانتماء قياداتها للطبقة الوسطى؛ ولكن من قدرتها على التعبير عن أطروحة جرامشي (جرامشي، 1971: 229-38) حول مقاومة هيمنة السلطة في المجال العام؛ فالقوى الثورية والشبابية كنمط من أنماط الحركات الاجتماعية تحاول، كما يؤكد تارو (6) ، "أن تستبدل النسق الفكري والعقيدي السائد الذي يضفي شرعية على الوضع الراهن بنسق عقيدي آخر يدعم العمل الجماعي من أجل التغيير"؛ حيث يتم خلق هوية وقيم مشتركة وأهداف متوافَق عليها، وعمليات تأطير وتعبئة وتوعية بالروابط المشتركة والرؤى الناقدة للقوى المسيطرة، وبناء أطر العمل الجماعي التي تستهدف إزالة المظالم والشكاوى، لحشد الأعضاء من خلال الفكر والعاطفة والرموز والأطر الثقافية.

ويُلاحَظ أن الإعلام الجماعي، خصوصًا التويتر والفيس بوك، هو وسيط للتعبير عن مجال عام شبابي ثوري، يحتوي على مقومات بناء هيمنة مضادة لخطاب السلطة، ويتجسد التقارب في صياغة مفردات لغوية ومفاهيم مشتركة لتجريد الواقع الذي ترفضه وتفكيك خطاب النخب الحاكمة والسخرية منها ومن رموزها ونزع شرعيتها السياسية والأخلاقية، وهو ما تجلى في اللغة الساخرة المسيئة لشخص وزير الدفاع السابق المرشح لرئاسة الجمهورية في الهاشتاج الشهير على التويتر. وبصفة عامة، فإن هناك صورة ذهنية سلبية لدى جيل الشباب عن مؤسسات الدولة وأدائها في المجالات السياسية والخدمية (7) . وتشترك القوى الشبابية في تبني خطاب ورؤية احتجاجية بصفة عامة ضد السلطة، ويتنامى الإدراك في صفوفها بأن ثورة 25 يناير/كانون الثاني لم تحقق أهدافها، وأن النظام لم يسقط بعد، بل إن الثورة المضادة يعلو شأنها منذ انقلاب 3 يوليو/تموز. وتجد القوى الشبابية والثورية نفسها في تناقض مع توجهات السلطة وسياساتها النيوليبرالية وسيطرة بعض الجماعات، سواء كانوا رجال أعمال أو قيادات البيروقراطية والمؤسسة العسكرية، على السلطة والثروة وحرمان أغلبية الشعب من حقوقه الأساسية.

 العداء للثورة وإقصاء القوى الشبابية والثورية

أدركت السلطة، بحسها الأمني، مخاطر عودة القوى الثورية والشبابية للشارع والاحتجاج، حتى لا يتكرس الانطباع بأن ما حدث في 3 يوليو/تموز هو ثورة مضادة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، كما أنها تدرك مخاطر التنسيق والتعاون بين أنصار شرعية مرسي وأنصار القوى الشبابية والثورية؛ الأمر الذي قد يوفر أساسًا صلبًا لاستعادة روح 25 يناير/كانون الثاني مرة أخرى. لذلك، سعت السلطة لإجهاض الفعاليات الشبابية الثورية ومظاهرات أنصار الشرعية معًا؛ فأصدرت قانون منع التظاهر الذي يشدد العقوبات على المتظاهرين والمحتجين الذين يتظاهرون دون موافقة وزارة الداخلية. ومع استعادة الأجهزة الأمنية لقوتها، حصل التصدي العنيف لمظاهرات "جبهة صمود الثورة" واعتقال الفتيات وتركهن بعيدًا في الصحراء لتخويفهن وإرهابهن، بل جاءت الاعتقالات صادمة ضد أعضاء حملة "لا للمحاكمات العسكرية" عندما تظاهروا في 26 نوفمبر/تشرين الثاني أمام مجلس الشورى، وقت انعقاد لجنة الخمسين، ليحثوها على عدم دسترة محاكمة المدنيين عسكريًا (8) . وفي الإسكندرية، تم اعتقال ومحاكمة أبرز النشطاء، مثل: حسن مصطفي وماهينور المصري، أثناء تظاهرهم دعمًا لقضية خالد سعيد (9) . وفي ذكرى 25 يناير/كانون الثاني، قامت الأجهزة الأمنية بالتصدي للمظاهرات بعنف وقسوة أسفرت عن أكثر من ألف معتقل ووفاة أكثر من مائة متظاهر في يوم واحد. ولم تكتف الأجهزة الأمنية بذلك بل قامت بتسريب تسجيلات لعدد من النشطاء من رموز 25 يناير/كانون الثاني من أجل التشهير بهم، معظمهم من القيادات التي لم تقبل الخضوع لهيمنة الدولة البوليسية، على عكس نشطاء آخرين سايروا سلطة الانقلاب، فتم تعيينهم في مناصب مهمة.

 الاختراقات الخارجية

إن إفشال القوى الشبابية والثورية، كما يؤكد كاستلز في نظريته عن المجتمع الشبكي (10) ، Network Society يجري من خلال أمرين: أولهما: بإفساد البرمجة التي تحدد الهدف والقيم والتوجهات الأساسية من جهة، ومن جهة ثانية من خلال اختراق وقطع خطوط التواصل والاتصال. وقد جرت عملية إفشال لعدد من الحركات والقوى الثورية من خلال إعادة برمجتها في اتجاه خدمة بعض رجال الأعمال أو جهات مرتبطة بالنظام القديم أو القوى الخارجية، وكذلك من خلال تحويل التواصل والتعاون داخل الحركات أو فيما بين بعضها البعض إلى صراع وتناقض. وفي هذا الصدد يُلاحَظ أن هناك جهودًا ضخمة مبذولة من جهات تملك المال والنفوذ والإعلام للتأثير في برمجة وأهداف حركات الشباب من أجل التحكم فيها واستقطابها لخدمة مصالحها، وتستخدم في ذلك كل الأساليب العلمية والفكرية والمادية المتاحة؛ فالنخب الحاكمة والنافذة تحرص على استمالة القوى الشبابية والثورية إلى صفها دومًا وتقليص طموحها الثوري وإغرائها بالمكاسب المادية. ولا شك أن أكثر الحركات التي خضعت للاستقطاب والتوظيف هي حركة تمرد، التي ظهرت فجأة مستفيدة من الحراك الشبابي والثوري ضد مرسي والإخوان، واتضح أن بعض قادتها كانوا على تواصل مع المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، بل إن بعضهم كانوا قيادات سابقة في الحزب الوطني (11) . وعلى الرغم من ادعاء كثير من الحركات أنها ثورية وشبابية إلا أنها ليست ضمن الاتجاه الثوري الذي قاد ثورة 25 يناير/كانون الثاني بل إنها تدعم كل سياسات المؤسسة الأمنية والعسكرية وتبرر القمع.

 التعصب الأيديولوجي والسياسي

الحركات الشبابية والثورية هي حركات عابرة للأيديولوجيا؛ مما يمكّنها من التعبير عن هموم وأحلام قطاعات واسعة من جيل الشباب غير المؤدلج وغير المنظم، ولكن الانقسامات الاجتماعية حول الهوية تؤدي لانقسامات في الحركات الشبابية، فهناك قسم من المجموعات الشبابية يتمسك بهوية إسلامية محافظة صارمة تتخذ منحى معارضًا للهويات الأخرى؛ وذلك في مقابل قسم شبابي يتركز في بعض الأحزاب اليسارية والليبرالية يعارض بشدة هوية ومرجعية القوى الإسلامية ويتبنى مرجعية علمانية، متهمًا الإسلاميين بالفاشية والطائفية. هذا القسم الأخير لم يرفض الانقلاب ولكنه يرفض تضييق الحريات السياسية ويقف فقط ضد الممارسة البوليسية لسلطة الانقلاب، خصوصًا عندما تطال حريته (12) . وفي المقابل، هناك قسم من شباب القوى الإسلامية يتخذ منحى أكثر راديكالية ضد الدولة في صورتها الوطنية الحديثة مستهدفًا الوصول لمرحلة الثورة الأممية، وهو يقدم نقدًا حادًا ليس فقط ضد القوى الليبرالية واليسارية، ولكن أيضًا للحركات الشبابية والثورية التي شاركت في التمهيد لانقلاب 3 يوليو/تموز؛ كما ينتقد تجربة الإخوان ويرى أن عصرهم قد انتهى لصالح جيل جديد أكثر ثورية ونقاء وطهارة.

 تطور العلاقة بتحالف دعم الشرعية

جاء تشكيل تحالف دعم الشرعية كإطار سياسي وتنظيمي لتأييد الرئيس محمد مرسي ويضم الإخوان وبعض الأحزاب والقوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية والوسطية، من على يمين ويسار الإخوان المسلمين، ويوفر هذا التحالف مظلة سياسية قيادية للحراك الشعبي والثوري منذ نهاية يونيو/حزيران 2013. وقد اتخذت معظم القوى الثورية والشبابية موقفًا سلبيًا من التحالف والحراك الثوري، لأن قضيته الأساسية تتمثل في الشرعية وعودة مرسي للحكم. ثم تطورت الأمور في اتجاهات جديدة لتقلص من حدة التوتر والخلاف، أبرزها حالة القمع التي يواجهها الطرفان من قبل السلطة، وحالة العداء التي تواجهها ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي لم تكن لتنجح لولا تعاون وتماسك هذه الأطراف أثناء الثورة. ويساهم في إمكانية التقارب عدم قدرة تحالف دعم الشرعية ومناصريه على حسم المواجهة بسبب تماسك السلطة والدعم الخارجي، فحدث تراجع تدريجي لفكرة الحسم التي سادت في الأيام الأولى من إقصاء الرئيس مرسي، وذلك في مقابل السعي للتحصن بالشعب وخلق طوفان وعي جديد (13) . وهكذا جرى تغيير تدريجي في أولويات وأهداف الحراك الثوري ليتحول من الإصرار على عودة مرسي كأولوية قصوى، إلى الدفاع عن مبادئ ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي تؤكد على الحرية والكرامة الإنسانية ورفض تأسيس دولة الخوف أو هيمنة دولة العسكر والدولة البوليسية. وفي المقابل، أخذت القوى الشبابية والثورية تدرك أن الدولة العميقة والمؤسسة العسكرية تسعي لخلق شرعية لـ 30 يونيو تنهي شرعية ثورة 25 يناير، ويتم الإعداد للانتقام والتخلص من الحركات الثورية والشبابية التي كانت طليعة ثورة يناير/كانون الثاني.

وفي هذا الصدد، يظهر التقارب والتعاون بين شركاء ثورة 25 يناير/كانون الثاني في سياقات محددة، من بينها: التقارب بسبب المشاركة في فعاليات لها مطالب مشتركة، ويتجسد ذلك في الحراك الطلابي الثوري في الجامعات؛ حيث يعكس الطلاب روح الجيل الثائر بصرف النظر عن الخلافات التقليدية. ويحدث التقارب بسبب التعرض المكثف لعنف السلطة، سواء في المظاهرات والاحتجاجات أو في السجون والمعتقلات، كما في التوجهات التي تقاوم عودة قوى النظام القديم وسيطرة مؤسسات الدولة العميقة. ويزداد التعاون عندما تتكشف أبعاد الحملة الدعائية ضد ثورة 25 يناير/كانون الثاني واعتبارها مخططًا خارجيًا تآمريًا، مع السعي لتلميع وتبرئة نظام مبارك. ويحدث التقارب عندما يتزايد الوعي بمخاطر سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة والاقتصاد والمجتمع بصورة تهدر توازن العلاقات المدنية العسكرية وتعيد إنتاج تجربة جمهورية يوليو/تموز التي يتحكم فيها العسكر. ولكن التقارب والتعاون لا ينفي الاختلاف في المواقف والرؤى السياسية، بل يؤجلها أو يسعى لتحقيق توافق تدريجي حولها، وذلك من أجل مواجهة تهديد أكبر أو تحقيق هدف وطني جامع. ولا شك أن التجربة وسّعت مدارك أعضاء معظم الحركات الثورية والشبابية؛ فعادت للالتقاء حول أهداف ثورة 25 يناير/كانون الثاني من عيش وحرية وعدالة اجتماعية.
________________________________
أحمد تهامي عبدالحي، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- أكاديمي مصري مهتم بشؤون الحركات الاجتماعية والشبابية.

الهوامش 
(1) رفيق حبيب ، هل يتحالف الثوار؟ ديسمبر/كانون الأول 2013، ص3. 

http://www.scribd.com/doc/191604874/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%9F

(2) حركة شباب ضد الانقلاب تدعو للتظاهر يوم 6 إبريل/نيسان، إخوان أون لاين، 3 إبريل/نيسان 2014

http://www.ikhwanonline.com/Article.aspx?ArtID=181323&SecID=230

(3) أحمد تهامي عبدالحي، سياسات الشارع والتغيير الثوري في مصر، الديموقراطية، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2013

 http://ahramonline.org.eg/articles.aspx?Serial=1491433&eid=8801

(4) عضو مركزية تمرد ينفي وجود اتجاه بالحملة لدعم صباحي مرشحًا للرئاسة

 http://dostorasly.com/news/view.aspx?cdate=19122013&id=5cc3f9dc-fb4b-43a8-bb5d-1fd3cb108280

(5) محمود عبدالله، بعد أن استردت الثورة: "تمرد" عند مفترق الطرق، المركز العربي للبحوث والدراسات، 15 يناير/كانون الثاني 2014 http://www.acrseg.org/2421

(6) Tarrow, Sidney. (2011). Power In Movement; Social Movements And Continuous Politics. Cambridge University Press, 3rd Edition, p.106

(7) التقرير الاجتماعي المصري، المجلد الثاني، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 2013، ص125

(8) أهداف سويف، ومرت مائة يوم، الشروق 6 مارس/آذار 2014  

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=06032014&id=f681ce77-6821-4cef-9eb4-8beb09a7c506

(9) أهداف سويف، الحرب على الشباب، الشروق، 20 فبراير/شباط 2014  

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=20022014&id=94b260de-54c8-455f-a79e-9beee37bcea9

(10) Manual Castells & Gustavo Cardoso (eds.), The Network Society: From the Knowledge to Policy, Washington, DC: Johns Hopkins Center for Transatlantic Relations, 2005, pp 3-23

(11) لمزيد من التفاصيل حول بعض جوانب هذا الاختراق، انظر ما يلي:  

Special Report: The real force behind Egypt's 'revolution of the state'

 http://www.reuters.com/article/2013/10/10/us-egypt-interior-specialreport-idUSBRE99908D20131010

(12) هجوم على "تمرد" بعد اشتباكات بمؤتمر عن الدستور بحضور قياداتها، والحركة تعتذر http://gate.ahram.org.eg/News/432831.aspx

(13) مسؤول بـ"تمرد" يكشف بالفيديو لـ"بوابة الأهرام" كواليس خطاب التليفزيون ورؤيتهم للدستور، والاتهامات بالعمالة http://gate.ahram.org.eg/NewsContentPrint/13/70/392725.aspx

نبذة عن الكاتب