(الجزيرة) |
ملخص بدأت روسيا تحتل أهمية كبيرة في السياسة الخارجية للصين بعد وصول شي جينبينغ إلى سدة الرئاسة، وتأتي صفقة الغاز الضخمة الموقَّعة مؤخَّرًا بين روسيا والصين استجابة لحاجات الأخيرة المتزايدة للغاز المستورد، وكجزء من سياسة صينية لتمتين علاقتها بموسكو في مواجهة التوجُّه الأميركي نحو آسيا بغية احتواء الصين، وهناك شكوك في أن تصبح العلاقة الصينية الروسية استراتيجية بسبب تناقض مصالحهما في منطقة آسيا الوسطى، وكذلك في العلاقة مع الهند؛ ولكن هناك نموًّا في علاقة البلدين؛ سواء في مجال التعاون الاقتصادي والعسكري، أو في رؤية البلدين لمصالحهما الاستراتيجية؛ لاسيما تلك التي تتصل بمواجهة النفوذ الأميركي في العالم؛ فالبلدان -على سبيل المثال- يُعارضان سياسات تغيير الأنظمة التي تنتهجها واشنطن، ويؤكدان ضرورة احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكلاهما يُواجه تحديًا أميركيًّا في منطقته؛ وعلى العموم تستحوذ على الطبقة السياسية في البلدين فكرة الارتقاء بالعلاقة، وقد تُصبح استراتيجية؛ خاصة إذا ما استمرَّت واشنطن في سياساتها الراهنة تجاه البلدين. |
شهدت العلاقات الروسية الصينية تحسُّنًا غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وتدل الاتفاقيات الموقَّعة خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (20 من مايو/أيار 2014) إلى شنغهاي، على أن البلدين يُريدان الارتقاء بحجم العلاقات بينهما على مستويات الدفاع والاقتصاد؛ وخصوصًا في مجال الطاقة الذي حقَّق فيه البلدان اختراقًا كبيرًا؛ وبالإضافة إلى حجم صفقة الغاز أثارت المناورات العسكرية البحرية التي جرت بين البلدين خلال زيارة بوتين العديد من التساؤلات؛ خصوصًا حول أسباب التوجُّه الصيني نحو روسيا، وإمكانية بروز تحالف روسي صيني موجَّه ضد الولايات المتحدة الأميركية.
صفقة غاز تاريخية
وقَّع البلدان خلال الزيارة الأخيرة للرئيس بوتين إلى الصين صفقة غاز تاريخية، بلغت قيمتها حوالي 400 مليار دولار، تُزَوِّد روسيا بموجبها الصين بـ38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا لمدة ثلاثين سنة؛ وذلك عبر الأنابيب انطلاقًا من الشرق الأقصى الروسي بحلول سنة 2018، واستغرق العمل لإبرام هذه الصفقة عدة سنوات من التفاوض؛ تعثَّرت مرَّات عديدة بسبب فشل الدولتين في التوصُّل لثمن يُرضيهما معًا، قبل أن يصل البلدان إلى هذا الاتفاق التاريخي.
وكانت روسيا والصين قد توصَّلتا إلى اتفاق آخر في مارس/آذار 2013، تعهَّدت بموجبه شركة روسنفت بزيادة صادراتها من النفط إلى الصين من 300 ألف برميل يوميًّا إلى حوالي 800 ألف في المستقبل القريب (لم يذكر الاتفاق تاريخًا محدَّدًا)(1). وتضمن الاتفاق -أيضًا- مشاركة الشركة الوطنية الصينية للبترول في تطوير ثلاثة حقول بحرية في بحر بارنتس، وثمانية حقول نفطية في شرق سيبيريا؛ وستجني الدولتان مكاسب متعدِّدة من خلال التعاون في مجال الطاقة؛ حيث سيُمكِّن هذا التعاونُ الصينَ من:
-
مواجهة خطر التلوث: الاعتماد على الغاز أصبح ضرورة قصوى في الصين؛ وذلك في ظلِّ الجهود الكبيرة لبكين من أجل تخفيض اعتمادها على الفحم (حوالي 66% من الكهرباء تُوَلَّد باستعمال الفحم)(2). وقد حدَّد المخطط الخماسي الثاني عشر (2011-2015) نسبة 15% كنسبة استهلاك الغاز من مجموع الاستهلاك الكلي للطاقة؛ وذلك للحد من التلوُّث، الذي تُعتبر الصين أول مسؤولة عنه في العالم، وهو تلوُّث يتسبَّب في مشاكل بيئية خطيرة تُلقي بظلِّها على الداخل السياسي للصين.
-
الاستجابة للطلب الداخلي المتزايد: تُشير التوقُّعات أن إنتاج الصين من الغاز لن يتجاوز 170 مليار متر مكعب؛ وذلك في حين سيتجاوز الطلب الداخلي 230 مليار مكعب سنة 2015(3)، وفي سنة 2030 سيصل استهلاك الصين اليومي من الغاز إلى 1.3 مليار متر مكعب(4)، وتُشير توقُّعات وكالة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن الصين ستستورد 75% من نفطها بحلول عام 2035، كما تُؤَكِّد ذات الوكالة أن الصين لن تستطيع تحقيق ثورة في مجال الغاز الصخري على غرار ما حققته الولايات المتحدة إلا بعد سنوات، ولتلبية حاجياتها المتزايدة من الطاقة فإن الصين انفتحت على روسيا في مجال الطاقة، وستتمكن عبر الغاز الروسي من سدِّ الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والطلب المتنامي على الطاقة.
وتهدف بكين -أيضًا- من خلال الصفقة تعزيزَ أمنها الطاقي؛ وذلك عبر تنويع مصادر إمدادات الطاقة وطرق التزوُّد بها:
-
اهتمام الصين بمصادر الطاقة الروسية يأتي في إطار استراتيجية بعيدة المدى لتنويع مصادر إمدادات الطاقة؛ فالصين تستورد حوالي النصف من حاجياتها من الطاقة، وتأتي معظم هذه الإمدادات من الشرق الأوسط، وبالنظر إلى الجوِّ السياسي المضطرب في هذه المنطقة بفعل الربيع العربي وبعض المشاكل الإقليمية الأخرى؛ اضطرت بكين إلى البحث عن مصادر بديلة من بينها آسيا الوسطى وروسيا؛ لتتفادى الاعتماد على منطقة واحدة فقط، وتضمن بذلك تدفُّق الإمدادات بشكل مستقرٍّ.
-
تتوجَّه الصين إلى توفير إمدادات لا تمرُّ عبر مضيق ملقا؛ الذي يُشَكِّل نقطة ضعف استراتيجية كبرى للصين؛ حيث يمرُّ عبر هذا المضيق حوالي 80%من واردات النفط الصينية، كما أن الولايات المتحدة منتشرة عبر كل مسالك الملاحة البحرية عبر العالم، وتُدرك الصين أن إغلاق المضيق أو فرض حصار بحري عليها من طرف القوى المعادية لها سيحول دون وصول حاجياتها من الإمدادات؛ لذا تُحَاول الصين توفير مصادر بديلة لا تمر عبر الخطوط البحرية(5)، وترى في روسيا المصدر الذي سيُوَفِّر لها إمدادات الطاقة عبر البر، وسيُتيح لها تجاوز أي حصار بحري محتمل.
والجدير بالذكر أن هذه الصفقة تعتبر ربحًا سياسيًّا للرئيس بوتين؛ ليُظهر أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بسبب إلحاق الأخيرة لشبه جزيرة القرم لا تستطيع عزل دولة بحجم روسيا. كما ستسمح الصفقة بتوفير مصادر مالية مهمَّة ستساعد على تطوير البنية التحتية في الشرق الأقصى الروسي؛ فضلاً عن تنويع الأسواق الخارجية لروسيا بعيدًا عن أوروبا، وتأمين موطئ قدم دائم للصادرات الروسية من الطاقة في السوق الآسيوية؛ التي تتزايد حاجياتها من الطاقة بفعل دينامكيتها الاقتصادية.
ومن المؤكد أن الصفقة تُحَقِّق مكاسب اقتصادية مهمَّة للبلدين، وتخدم مصلحتيهما في مجال الطاقة؛ لكن هذا البُعد ليس سوى وجه واحد من أوجه الشراكة الاستراتيجية، والتقارب غير المسبوق في تاريخ البلدين.
اهتمام صيني متزايد بروسيا وتحسين للعلاقات الثنائية
أَوْلى الرئيس شي جينبينغ العلاقات الروسية الصينية أهمية قصوى بعد وصوله إلى الحكم؛ حيث كانت روسيا أول وجهة خارجية للرئيس شي سنة 2013، ثم عاد في السنة نفسها إلى روسيا للمشاركة في قمة دول العشرين، وقام بزيارة أخرى في مطلع العام الحالي لحضور افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، وتُشير هذه الزيارات إلى الأهمية التي باتت تحظى بها روسيا في السياسة الخارجية للصين، وسعي هذه الأخيرة إلى تطوير علاقاتها مع روسيا؛ حيث شهدت المبادلات التجارية ارتفاعًا صاروخيًّا من 8 مليارات دولار سنة 2000 إلى حوالي 90 مليار دولار في السنة الماضية، وتعهَّد البلدان برفع المبادلات التجارية إلى 100 مليار دولار بحلول سنة 2015، وزيادتها إلى 200 مليار دولار بحلول 2020؛ وذلك خلال لقاء القمة الأخير (مايو/أيار 2014) بين الرئيسين بوتين وشي(6). كما اتفقا على تعزيز التعاون في الطاقة النووية المدنية، والطيران المدني، وأبحاث الفضاء، وتسريع عملية إنشاء البنى التحتية في المناطق الحدودية.
وتُشَكِّل روسيا على المستوى العسكري أهم مزوِّد للصين بالسلاح منذ أن فرضت الدول الغربية حظرًا على مبيعات الأسلحة إلى الصين سنة 1989، وتمثِّل مبيعات السلاح الروسي أهم مصدر في عمليات التحديث الواسعة، التي عرفتها القوات البحرية والجوية الصينية في العقود الأخيرة؛ وتشمل المبيعات الطائرات المتطورة، والغواصات، والمدمرات، وصواريخ أرض-جو، والصواريخ المضادة للسفن، ونقل التكنولوجيا العسكرية والإنتاج المشترك لبعض من هذه الأسلحة؛ ومن المتوقع أن تتوصَّل الصين إلى اتفاق لشراء 24 طائرة من نوع سوخوي 35 إس المتطورة جدًّا، وأربع غواصات، ونظام الدفاع الجوي المتطور إس 400، ومن جهة أخرى تُشَكِّل المناورات العسكرية المشتركة دليلاً آخر على مدى قوة العلاقة بين البلدين؛ حيث بدأ البلدان سلسلة من المناورات العسكرية المشتركة منذ 2005، آخرها كانت المناورات البحرية المشتركة التي جرت بين 20 و26 من مايو/أيار 2014 في بحر الصين الجنوبي، وهذه المناورات جرت للعام الثالث على التوالي بعد مناورات إبريل/نيسان من 2012 في البحر الأصفر، ومناورات يونيو/حزيران 2013 التي جرت في فلاديفوستوك بروسيا.
الأسباب الاستراتيجية للتوجه الصيني نحو روسيا
-
منذ إعلان الرئيس أوباما عن إعادة توجيه السياسية الخارجية لواشنطن للتركيز أكثر على منطقة آسيا/الهادئ، اتخذت الولايات المتحدة عدَّة مبادرات أمنية واقتصادية لتجعل من آسيا مركزًا محوريًّا في السياسة الخارجية لواشنطن؛ فعلى المستوى العسكري تعمل الولايات المتحدة على تقوية تحالفها العسكري مع كلٍّ من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وتعزيز حضورها العسكري في كلٍّ من سنغافورة والفلبين وجزيرة غوام، وعلى المستوى الاقتصادي تعمل الولايات المتحدة على إنشاء شراكة اقتصادية ومنطقة تبادل تجاري حرٍّ عبر معاهدة الشراكة العابرة للباسيفيك (TPP) مع دول آسيا/الهادئ؛ وذلك مع إقصاء الصين من هذه المعاهدة، وفي إطار سياسة التوجه نحو آسيا -أيضًا- أعلنت واشنطن عن دعمها الكامل لكل الدول التي لديها نزاعات حدودية مع الصين؛ سواء الدول الحليفة تقليديًّا للولايات المتحدة؛ كاليابان والفلبين، أو الدول غير الحليفة كفيتنام، وقد رحَّبت معظم الدول الآسيوية بهذه الاستراتيجية الأميركية؛ في حين رأت الصين في ذلك تهديدًا لمصالحها ومحاولة أميركية لاحتوائها، ومنعها من تحقيق هيمنة إقليمية مع تزايد قوتها العسكرية والاقتصادية؛ لذا توجَّهت بكين لمنافسة واشنطن في مناطق أخرى من العالم، ومع تدهور علاقات بكين مع جيرانها بفعل النزاعات الحدودية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وتدخُّل الولايات المتحدة على الخط، توجَّهت الصين نحو روسيا لمواجهة التوجُّه الأميركي الهادف إلى تطويقها واحتوائها.
-
من بين أهم الأهداف الاستراتيجية للصين حاليًّا هو إنشاء نظام اقتصادي وسياسي عالمي متعدِّد الأقطاب، والابتعاد تدريجيًّا عن النظام الحالي الذي ترى الصين أنه يخدم مصالح الدول الغربية؛ وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، وبعد صعود روسيا كقوة عالمية بعد أكثر من عشرين سنة على انهيار الاتحاد السوفيتي، ترى الصين أن تقاربًا مع روسيا سيخدم المصالح الصينية بشكل أكبر، ويظهر هذا جليًّا من خلال تعاون البلدين على مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية؛ حيث ينسق البلدان جهودهما في إطار مجموعة دول البريكس؛ التي تخطِّط لإنشاء بنك وصندوق مساعدات على غرار المؤسستين الماليتين الغربيتين: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي سياق آسيوي أنشأت الصين منظمة شنغهاي للتعاون لتوفير آلية للتعاون المشترك بين روسيا والصين (وباقي الدول الأعضاء في هذه المنظمة) في منطقة آسيا الوسطى، وترى الصين أن هذه المنظمة تُقَدِّم نموذجًا للتعاون المتعدِّد الأطراف، وتُقَدِّم رؤية تشاركية للأمن الإقليمي في آسيا الوسطى؛ وذلك على خلاف الرؤية الأحادية التي تتبنَّاها واشنطن، والتركيز في تحالفاتها على الجانب الأمني فقط؛ كما تنشط الصين بتعاون مع روسيا في إطار "مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا" (CICA)؛ وهو مؤتمر يصل عدد الدول الأعضاء فيه إلى 26 عضوًا (اليابان ليست عضوًا فيه)؛ ويهدف إلى تعزيز التعاون والحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في آسيا كما تصفه الصين؛ لكن الهدف الحقيقي من ورائه هو بناء نظام أمني قاري لمواجهة التحالفات الأميركية واليابانية في آسيا.
-
تلتقي مصلحة الصين مع روسيا في مواجهة السياسات الأميركية الهادفة إلى "نشر الديمقراطية" و"تعزيز احترام الحريات وحقوق الإنسان"، وتغيير الأنظمة، واستعمال القوة لحلِّ الخلافات؛ فالصين كما روسيا ترى أن احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وعدم التدخُّل في شؤونها الداخلية أولى من نشر الديمقراطية على الطريقة الأميركية؛ وخير مثال على هذا هو استعمال روسيا والصين حق الفيتو مرة سنة 2011 ومرتين سنة 2012؛ وذلك لمنع الولايات المتحدة من اللجوء إلى الحلِّ العسكري في سوريا؛ لأن الصين تعتبر أن ما يقع بداخل سوريا شأن داخلي، ولا يمكن أن يُسَوَّى إلا بحوار داخلي بين جميع أطراف الأزمة السورية، وأن الولايات المتحدة غير ملتزمة بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ بل تستعملهما كذريعة لتغيير الأنظمة المعادية لها، وقد استُعمل فيتو صيني/روسي رابع في شهر مايو/أيار الماضي لمنع إحالة الملف السوري على الجنائية الدولية، كما تتطابق المواقف الصينية مع نظيرتها الروسية في الملفين الكوري الشمالي والنووي الإيراني؛ حيث تتفق بكين وموسكو وواشنطن على ضرورة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ لكن بكين وموسكو تفضلان الحوار كسبيل لذلك؛ في حين تميل واشنطن نحو استعمال القوة لتسوية القضيتين الكورية الشمالية والإيرانية.
-
تحاول الصين تبنِّي سياسة خارجية منفتحة على جميع الجيران، ومتوافقة مع رؤيتها بأن النمو الصيني وصعودها سلميان، وليس لديها نوايا لاستغلال قوتها لتحقيق مصالحها الخاصة؛ وبما أن النمو الاقتصادي الذي يأتي على قائمة الأولويات السياسية للصين لا يمكن أن يتحقق إلا في مناخ إقليمي وعالمي مستقرٍّ؛ فإن الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا سيسمح للصين بتركيز جهودها ومواردها على مواصلة استراتيجيتها التنموية.
-
يتخوف البلدان معًا من السياسة الخارجية النشطة لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وتوجُّهه نحو إعادة تسليح اليابان؛ خصوصًا وأن للبلدين معًا نزاعات حدودية مع اليابان: الصين حول جزر سنكاكو/ دياويو، وروسيا حول جزر الكوريل.
-
وبالإضافة إلى ما سبق، هناك أسباب استرتيجية أخرى تجعل من الصين تولي وجهها شطر موسكو، أهمها المخاوف الأمنية المشتركة في منطقة آسيا الوسطى، واتفاق البلدين على ضرورة الحدِّ من النفوذ الأميركي هناك، وحاجة بكين للدعم الروسي في قضايا تايوان وشينجيانغ والتبت؛ إضافة إلى النزاعات الحدودية مع جيرانها.
هل تتجه الصين نحو إقامة تحالف مع روسيا؟
يُنبئ التقارب الحالي بأن روسيا والصين ستحافظان على علاقات قريبة وجيدة، ولو خلال العقد المقبل على الأقل؛ فالعلاقات الجيدة ستخدم مصالح البلدين بشكل أفضل؛ نظرًا إلى الدوافع الاستراتيجية المذكورة سابقًا، وفي ظل الصعوبات التي تعرفها الصين مع جيرانها في جنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا، يرى الأكاديمي الصيني البارز "يان شوتونغ" أن الصين يجب أن تستغلَّ التقارب مع روسيا، وتدفع بالعلاقات معها إلى تحالف لمواجهة سياسة الاحتواء الأميركي للصين(7)؛ وذلك في حين يرى بعض المراقبين أن هذا التقارب هو بادرة لظهور تحالف روسي-صيني موجَّه ضد الغرب عامة، والولايات المتحدة بشكل خاص(8)؛ غير أن هناك عدة معيقات تقف في طريق تحوُّل الشراكة الاستراتيجية إلى تحالف عسكري وسياسي بين البلدين.
يُلقي التنافس الاستراتيجي الحاد بين بكين وموسكو في منطقة آسيا الوسطى بثقله على إمكانية تحوُّل علاقة البلدين إلى تحالف؛ فإذا كانت تُعتبر هذه المنطقة تاريخيًّا مجالاً للنفوذ الاقتصادي والثقافي والعسكري الروسي لمدة تقارب قرنًا من الزمن؛ فإن الصين تُعتبر وافدًا جديدًا على المنطقة، وسيرى كل طرف أن أي محاولة لممارسة المزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي ستكون على حساب المصالح الاستراتيجية للطرف الآخر؛ ففي مجال الموارد الطبيعية -مثلاً- تُوَفِّر السيطرة الروسية على سوق الموارد الطبيعية وشبكة خطوط الأنابيب في المنطقة منافع اقتصادية، وكذلك مكاسب استراتيجية كبرى تتمثَّل في التحكُّم بالمفصل الأساسي لاقتصاديات دول آسيا الوسطى؛ أَلا وهو الموارد الطبيعية؛ إلا أن تمكُّن الصين من تقوية علاقاتها مع دول المنطقة في ظرف وجيز نسبيًّا(9)، خصوصًا في مجال الطاقة، قلَّل من اعتماد هذه الدول على روسيا، وهذا ما جعل موسكو ترى في ذلك تهديدًا لمصالحها في منطقة كانت -وما زالت- بمثابة حديقتها الخلفية.
وتنظر الصين بعين الريبة إلى التعاون العسكري بين روسيا والهند، المنافس الاستراتيجي للصين في جنوب آسيا؛ حيث بلغت واردات الهند من الأسلحة الروسية 97% في الفترة الممتدة بين 2008-2012(10)، ولا تكمن المشكلة -من وجهة نظر صينية- في حجم الصادرات الروسية من الأسلحة إلى الهند فقط؛ بل -أيضًا- في كون روسيا تبيع الهند أسلحة متطورة وتكنولوجيا رفيعة؛ وذلك في حين تبيع للصين أسلحة أقل تطورًا، وفي سياق متصل تتخوَّف الصين من ارتفاع مبيعات السلاح الروسي في السنوات الأخيرة لدولتي فيتنام والفلبين؛ اللتين لهما نزاعات حدودية مع الصين في بحر الصين الجنوبي، ومن المؤكَّد أنه إذا تواصل التعاون العسكري الروسي مع خصوم الصين ومنافسيها فإن العلاقة بين البلدين لن تصل إلى مستوى التحالف.
كما أن هناك ملفات أخرى من قبيل تخوُّف روسيا من القوة العسكرية المتنامية للصين، ومن النفوذ الصيني المتزايد داخل مناطق الشرق الأقصى الروسي، كما أن البلدين لا يُريدان التضحية بعلاقاتهما التجارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية؛ حيث يعتبران الشريكين التجاريين الأول والثاني على التوالي للصين؛ وذلك في حين تحتلُّ روسيا المرتبة التاسعة بفارق شاسع، ويمثِّل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لروسيا؛ في حين تأتي واشنطن في المرتبة الرابعة(11).
إن من شأن تحسن العلاقات بين الصين وروسيا أن يساهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى، وسيُخَفِّف من الأعباء الأمنية للولايات المتحدة؛ التي تعاني من تراجع نسبي في قوتها، وسيسمح لها بتركيز جهودها في مناطق أخرى من العالم؛ غير أن الدفع بهذه العلاقات إلى مستوى التحالف سيشكل خطرًا على النفوذ الواسع الذي تستأثر به واشنطن عبر العالم؛ وإذا استمرَّت واشنطن في تسخير المؤسسات الدولية في خدمة أجندتها الخاصة، وواصلت تجاهلها للمصالح الصينية والروسية؛ فإن المحور الصيني-الروسي سيُصبح أقوى، وقد يتحوَّل إلى تحالف اقتصادي وسياسي وعسكري في مواجهة العالم الغربي.
خاتمة
إن الرغبة الكبيرة للصين وروسيا في تمتين وتعزيز العلاقات الثنائية على كل المستويات، ورفض الدولتين الواضح للرؤية الأميركية الأحادية للعالم، وتقاسمهما لرؤية عالمية موحدة، بالإضافة إلى الشعور السائد لدى الطبقة السياسية في كلٍّ من بكين وموسكو بأن واشنطن ماضية في عملية احتواء مزدوج لهما من أجل تحجيم نفوذهما الإقليمي والعالمي، يوحي بأن ملامح حلف روسي-صيني بدأت تلوح في الأفق؛ وإن استطاعت الدولتان تجاوز خلافاتهما، وتحويل الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بينهما في الوقت الراهن إلى تحالف؛ فإن النظام العالمي الذي نعرفه حاليًّا سيتحوَّل إلى جزء من الماضي.
____________________________________
عبد الرحمن المنصوري - باحث في الشؤون الآسيوية
المصادر
1- وكالة رويترز للأنباء:
Reuters,2013. Rosneft to triple oil supplies to China
http://www.reuters.com/article/2013/03/22/us-rosneft-china-oil-idUSBRE92L13020130322
2- انظر موقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية:
EIA, 2014, China
http://www.eia.gov/countries/analysisbriefs/China/china.pdf
3- انظر:
China perspectives. Natural Gas in China
http://www.thechinaperspective.com/kwdarticles/natural-gas-in-china-2/
4- مرجع سابق.
5- انظر علي حسين باكير. 2014. تحولات الطاقة وجيوبوليتيك الممرات البحرية: ملقا نموذجًا. مركز الجزيرة للدراسات:
http://studies.aljazeera.net/reports/2014/06/201468182026313365.htm
6- صحيفة الشعب اليوم:
China RussiaPledgewiderangingcooperation, May, 22, 2014-06-16
http://english.people.com.cn/n/2014/0521/c90883-8730113.html
7- انظر:
Dingding Chen,May30, 2014. Are China and RussiaMovingtowaed a FormalAlliance ?. The Diplomat
http://thediplomat.com/2014/05/are-china-and-russia-moving-toward-a-formal-alliance/
8- انظر:
Leslie. H. Gelb and Dimitri. K. Simes. July, 7, 2013.A new Anti-AmericanAxix ?. New york Times
http://www.nytimes.com/2013/07/07/opinion/sunday/a-new-anti-american-axis.html?pagewanted=all&_r=2&
9- انظر:
BaktebykBeshimov and Ryskeldi Satki.2014. The Struggle for Central Asia:Russia vs China. Aljazeera English
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/02/struggle-central-asia-russia-vs-201422585652677510.html
10- انظر:
Gardiner Harris, March 6, 2014, World’sBiggestArms Importer, IndiaWants to Buy Local. New york Times
http://www.nytimes.com/2014/03/07/business/international/worlds-biggest-arms-importer-india-wants-to-buy-local.html?_r=0
11- انظر:
Leslie. H. Gelb and Dimitri. K. Simes. July-August 2013. Beware collusion of China Russia, U.S. Policies have Created a Risk of Pushingtwo Great PowersTogether. The National Intrest.
http://nationalinterest.org/article/beware-collusion-china-russia-8640?page=2