الانتخابات التكميلية في الكويت: واقع ملتبس ومستقبل للحسم

يتوجه أكثر من 247 ألف ناخب كويتي في 26 يونيو 2014 إلى صناديق الاقتراع؛ لاختيار خمسة نواب جدد في أول انتخابات تكميلية لمجلس الأمة، والتي تشهدها البلاد منذ عقود، وهي الانتخابات التي دعت إليها الحكومة الكويتية بعد استقالة عدد من نواب المجلس الحالي بعد أقل من عام من انتخابه.
201462682719298734_20.jpg
صورة أرشيفية للانتخابات البرلمانية الكويتية 2013 (أسوشييتد برس)

ملخص
تأتي الانتخابات التكميلية لمجلس الأُمَّة الكويتي في سياق ذروة احتقان سياسي غير مسبوق تشهده الكويت منذ مارس/آذار 2014؛ حيث شكَّلت الاستقالات النيابية علامة تحوُّل تؤشِّر على ارتفاع وتيرة التجاذب السياسي؛ على نحو بات يُهَدِّد مستقبل الحياة السياسية والبرلمانية في واحدة من أقدم التجارب الديمقراطية في منطقة الخليج؛ إذ ستُجرى الانتخابات وسط أجواء محلِّية محتقنة، بما يحمله ذلك من تساؤلات حول سيناريوهات مستقبل الوضع السياسي الكويتي، الذي أصبح من شبه المؤكَّد أنه ينتظر حسمًا ما؛ وعليه يجتهد هذا التقرير في تشخيص وتحليل أبعاد ودلالات المشهد السياسي في الكويت؛ والذي تُجرى في ظلِّه الانتخابات التكميلية لمجلس الأُمَّة، واستشراف مساره المتوقَّع خلال المستقبل المنظور.

حيث يرسم الباحث سيناريوهين رئيسين، يعتمد الاول على مبدأ الإبقاء على الوضع القائم؛ حيث يُتَوَقَّع في هذا الإطار استمرار النهج الحكومي التقليدي نفسه في التعامل مع الأزمات السياسية، وبالتالي يُرَجَّح أن تشهد الفترة التي ستعقب الانتخابات التكميلية حالة من الهدوء النسبي؛ وذلك عبر ترضيات سياسية، ربما تتمثَّل في إجراء تعديل حكومي محدود مع بداية دور الانعقاد المقبل عقب انتهاء العطلة الصيفية للمجلس الحالي في أكتوبر/تشرين الأول القادم؛ بهدف تخفيف حالة الاحتقان السياسي السائدة.

أما السيناريو الثاني فيرتكز على أساس أن التغيير القادم؛ حيث يُتَوَقَّع أن يعقب الانتخابات التكميلية حالة تهدئة في الحياة السياسية فترة الصيف، ولغاية بداية دور الانعقاد المقبل؛ بحيث تكون فترة انتظارٍ للقوى السياسية، وفرصة للمعارضة والحكومة ولأطراف الشدِّ والجذب السياسي كافَّة لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

 مقدمة

يتوجَّه أكثر من 247 ألف ناخبٍ كويتيٍّ في السادس والعشرين من يونيو/حزيران 2014 إلى صناديق الاقتراع؛ لاختيار خمسة نواب جدد في أول انتخابات تكميلية لمجلس الأُمَّة والتي تشهدها البلاد منذ عقود، وهي الانتخابات التي دعت إليها الحكومة الكويتية بعد استقالة عدد من نواب مجلس الأُمَّة الحالي بعد أقل من عام من انتخابه.

وجاءت الانتخابات التكميلية لمجلس الأُمَّة لتمثِّل ذروة احتقان سياسي غير مسبوق تشهده الكويت منذ مارس/آذار 2014؛ حيث شكَّلت الاستقالات النيابية علامة تحوُّل تؤشِّر على ارتفاع وتيرة التجاذب السياسي؛ على نحو بات يُهَدِّد مستقبل العمل السياسي والبرلماني في واحدة من أقدم التجارب الديمقراطية في الخليج؛ إذ ستُجرى الانتخابات وسط أجواء مشهد سياسي محلِّيِّ ملتبس ومحتقن في الوقت ذاته، بما يحمله ذلك من تساؤلات حول سيناريوهات مستقبل الوضع السياسي الكويتي، الذي أصبح من شبه المؤكَّد أنه ينتظر حسمًا ما؛ وعليه يجتهد هذا التقرير في تشخيص وتحليل أبعاد ودلالات المشهد السياسي؛ الذي تُجرى في ظلِّه الانتخابات التكميلية لمجلس الأُمَّة، واستشراف مساره المتوقَّع خلال المستقبل المنظور.

مشهد سياسي ملتبس

جاءت الدعوة إلى إجراء الانتخابات التكميلية المرتقبة كحلقة في سلسلة من التطوُّرات المتتابعة؛ التي تُظهر عمق الأزمة بين الحكومة ومجلس الأُمَّة، وتؤشر إلى استحكام مظاهر الاحتقان السياسي في البلاد، وقد تمثَّلت أهم هذه التطورات في الآتي: 

  • تفجُّر ما سُمِّيَ بأزمة "شريط الفتنة"، وهو شريطٌ مسرب يتضمَّن الخوض في قضايا سياسية كويتية هامّة، وقد آثار هذا الشريط عاصفةً من الجدل السياسي الرسمي وغير الرسمي؛ لاسيما بشأن ما إذا كان تسريبه يأتي في سياق ما يتم تداوله في الشارع من وجود صراع بين بعض أبناء الأسرة الحاكمة.
  • إطلاق المعارضة وثيقة مشروع للإصلاح السياسي في البلاد أواخر إبريل/نيسان 2014؛ مما أعاد إلى الأذهان احتمالات تجدُّد الأزمة السياسية؛ خاصة أن ذلك جاء تاليًا لأزمة الشريط المسرَّب.
  • تقديم ثلاثة نواب محسوبين على المعارضة استجوابًا لرئيس الوزراء، وهو أحد أبناء الأسرة الحاكمة، واعتبار ذلك فصلاً جديدًا في التنافس؛ وربما الصراع بين بعض أبناء أسرة الحكم عبر مجلس الأُمَّة.
  • شطب مجلس الأُمَّة -الموسوم في الأوساط السياسية الكويتية بأنه ذي أغلبية موالية للحكومة- الاستجواب المذكور؛ مما دفع بمقدمي الاستجواب إلى تقديم استقالاتهم من المجلس، وتبع ذلك استقالة نائبين آخرين للسبب ذاته.

وعلى وقع ملابسات "شريط الفتنة"، التي تجدَّدت بشكل مفاجئ أواخر مارس/آذار 2014، تداعى شريط الأحداث السياسية في الكويت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ وذلك على نحو دراماتيكي متسارع وغير مسبوق، ليُنذر بحالة احتقان تتجاوز الأطراف المباشرة في "الشريط" إلى السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية في البلاد.

وعلى الرغم من طيِّ مجلس الأمة قضية "الشريط" برلمانيًّا؛ خلال جلسة سرِّيَّة عُقدت منتصف إبريل/نيسان الماضي؛ حيث ناقش ملابسات الشريط وتفاصيله وحيثياته، وخلص إلى أنه قد تمَّ العبث بمضمونه ومقاطعه؛ ومن ثَمَّ رفضت أغلبية النواب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في القضية؛ مستندةً إلى حظر النائب العام التداول في الموضوع بشكل علني.

ومع ذلك بقى الاحتقان قائمًا؛ بل أصبح المشهد السياسي أكثر التباسًا بمرور الوقت وصولاً إلى اللحظة الراهنة؛ حيث تجلَّت أبرز مظاهر هذا الالتباس في الآتي:

  • متابعة الأزمات السياسية: حيث بادرت المعارضة -التي تتمثل في الأغلبية البرلمانية في مجلس أُمَّة 2012 المبطل الأول- إلى استثمار الغبار السياسي الذي أثاره "شريط الفتنة"؛ لتُثير مزيدًا من العواصف السياسية -وإن كانت هادئة نسبيًّا- ومن ثَمَّ طرحت في منتصف إبريل/نيسان 2014 مشروعًا "للإصلاح السياسي" ضمنته عدَّة مطالب وخطوات، ترتكز في مجملها على تنقيح دستور البلاد الحالي؛ وتشتمل على: إشهار الأحزاب السياسية، وتشكيل حكومة شعبية منتخبة(1).

    وعلى الرغم من ترحيب أوساط سياسية بالمشروع من ناحية المبدأ، فإنها شدَّدت على أن الإصلاح السياسي المطلوب والمرغوب لابُدَّ أن يأتي عبر مشروع وطني وفق القنوات الدستورية وليس من خارجها(2).

    وبوجه عامٍّ قوبل مشروع المعارضة "الإصلاحي" بالعديد من الانتقادات؛ حيث وصف رئيس مجلس الأمة "مرزوق الغانم" دعوة المعارضة لتعديل الدستور عبر الشارع بـ"الانقلاب"(3).

    وفي الوقت ذاته حذَّر أمير قبيلة العوازم فلاح بن جامع من أن "تعديل الدستور خارج الأطر القانونية والرسمية، ومن خلال النزول إلى الشارع.. هو رماد تحته نار". مبينًا أن مَنْ يدفعون في هذا الاتجاه هدفهم واضح وهو الوصول إلى الحُكم(4).

    واعتبر البعض هذا المشروع "حبرًا على ورق"، وأنه قد تم طرحه في الوقت غير المناسب؛ لأن النواب الذين طرحوه خارج المجلس الآن؛ ومن ثَمَّ فهم لا يملكون الأدوات الدستورية لتحقيق أهم بنود هذا المشروع الإصلاحي وهو تنقيح الدستور(5).

  • استجواب رئيس الحكومة ومزيد من التصعيد السياسي: وفي أثناء احتدام الجدل بين الأوساط السياسية والشعبية الكويتية حول مشروع المعارضة للإصلاح السياسي، جاء الاستجواب الثلاثي -الذي تقدَّم به النواب: رياض العدساني، وحسين القويعان، وعبد الكريم الكندري- إلى رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك الصباح، ليزيد من التصعيد والاحتقان في المشهد السياسي.

    ويتضمَّن الاستجواب ثلاث قضايا؛ أهمها تصريح أحد النواب بتلقِّيه أموالاً من رئيس الحكومة لمساعدة "الحسينيات"، فيما عُرف إعلاميًّا باستجواب "المساعدات"؛ لتدور من جديد عجلة الاستجوابات النيابية التي كانت متوقِّفة منذ ديسمبر/كانون الأول 2013.

    ثم جاء تصويت أغلبية النواب على شطب استجواب رئيس الحكومة من جدول أعمال المجلس في آخر جلسات شهر إبريل/نيسان 2014، ليصب مزيدًا من الزيت على نار الأزمة السياسية المستعرة أصلاً؛ إذ تقدَّم مقدِّمو الاستجواب الثلاثة باستقالاتهم، معتبرين أن هذا الشطب بمثابة حرمانهم من دورهم الرقابي على الحكومة، واعتبروا أن الاستقالة جاءت "برًّا بالقسم واحترامًا للدستور"(6).

    ثم تبع هذه الاستقالة الثلاثية استقالة كلٍّ من النائب علي الراشد والنائبة صفاء الهاشم، وسبَّبَا ذلك بـ"عدم تمكُّنهما من أداء دورهما الرقابي والتشريعي بالمجلس"(7).

    وبالتالي، فقد أضافت هذه الاستقالات الخمسة فصلاً جديدًا من فصول الأزمة السياسية المتجدِّدة في الكويت؛ وفتحت تلك الاستقالات النيابية -خاصة بعد أن وافق عليها المجلس في جلسة خاصَّة منتصف مايو/أيار 2014- الباب أمام حلقة جديدة من مسلسل الأزمات السياسية بعد مضي أقل من عام على انتخاب مجلس الأُمَّة الحالي، فتزايدت الشائعات حول حَلِّ المجلس؛ مما ساهم في تأجيج الأجواء السياسية وشحنها؛ وذلك إلى أن قطع رئيس المجلس مرزوق الغانم الشك باليقين، معلنًا أن المجلس باقٍ، وأن الحديث عن حَلِّه "غير وارد"(8)؛ وذلك عقب مقابلته أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

    وبقبول استقالة النواب الخمسة يكون المجلس والحياة النيابية في الكويت قد شهدا استقالة 23 نائبًا خلال المسيرة البرلمانية، فضلاً عن استقالة رئيس المجلس السابق عبد العزيز حمد الصقر في 6 فبراير/شباط 1965، ليعود لاحقًا إلى صفوف النواب.

    حيث يعود تاريخ الاستقالات البرلمانية إلى عام 1964 عندما استقال أحد النواب للعمل خارج البلاد، ثم استقال ثمانية نواب في عام 1965، ونائب آخر عام 1966، ليتبع ذلك استقالة سبعة نواب عام 1967 احتجاجًا على ما وصفوه في حينه بـ"تزوير الانتخابات"(9).

    وقد سعت المعارضة إلى استثمار هذه الاستقالات وتوظيفها لمصلحتها والضغط على الحكومة والبرلمان؛ عبر إعادة تحريك وتكثيف الحراك الشعبي؛ وذلك على النحو الذي تجلَّى في حشد المعارضة لندوة "ساحة الإرادة" في العاشر من يونيو/حزيران 2014، التي عرضت فيها ادعاءات تتعلَّق بالتعدِّي على المال العام وقضايا فساد، وهي الادعاءات التي نالت شخصيات اعتبارية عامَّة، ما دفع الحكومة إلى الرد على ادعاءات المعارضة خلال ندوة "الإرادة"، معلنة أنها كلفت الهيئة العامة لمكافحة الفساد بمباشرة التحقيق فيها وكشف ملابساتها، كما قرَّرت تحويلها إلى النيابة العامة(10).

    وبموازاة ذلك أقرَّ مجلس الأُمَّة اقتراحًا بقانون بتكليف الجهات الحكومية بإعداد بلاغ بإحالة كل ما ورد من أقوال وأفعال ومستندات وخطابات في ندوة "الإرادة" إلى النائب العام؛ باعتبارها أمورًا يُعاقب عليها القانون الكويتي، كما طلب المجلس من ديوان المحاسبة -وهو أعلى جهة رقابية في الكويت- والهيئة العامة لمكافحة الفساد بالإعلان -في غضون شهر من تاريخه- عن استقبال أي وثائق أو مستندات لدى المواطنين ذات صلة بما تداولته الندوة المشار إليها، أو تم تداوله في الأوساط المجتمعية عن تحويلات وقضايا فساد.

    ووصف رئيس المجلس مرزوق الغانم أن ما ورد في الندوة هو "فوتوشوب"، وشدَّد على أن "مجلس الأمة لن يسمح لكائن مَنْ كان بتقويض أركان الدولة"(11).

  • انغماس بعض وسائل الإعلام المحلية كأطراف في الأزمة السياسية: لم يقتصر الأمر عند حدِّ التقدُّم ببلاغات للقضاء؛ لكنه شهد -أيضًا- سجالاً سياسيًّا عبر وسائل الإعلام؛ خاصة الصُحف(12)؛ ففي غضون شهر واحد قرَّر قاضي الأمور المستعجلة إيقاف صحيفتي: "الوطن"، و"عالم اليوم" اليوميتين، مرتين: الأولى خلال مايو/أيار 2014 لمدَّة أسبوعين، والثانية بداية يونيو/حزيران 2014 لمدة 5 أيام؛ وذلك لمخالفاتهما قرار النائب العام بعدم النشر فيما يُعرف بـ"شريط الفتنة". كما قرَّرت وزارة الإعلام إيقاف نشرات الأخبار في قناتي "الوطن" و"عالم اليوم" الفضائيتين الخاصتين، وكذلك أوقفت برنامج في قناة "الشاهد" الخاصة -أيضًا- للسبب ذاته.

    وبغضِّ النظر عن الجدل المثار بشأن تأثير هذه الإجراءات على حرية الإعلام؛ فإن تكرار المخالفات الصريحة من قِبَل صُحف وقنوات فضائية خاصة لقرارات القضاء بحظر النشر يُثير الكثير من علامات الاستفهام حول الدور الذي أصبحت تؤديه وسائل إعلام كويتية؛ ليس فقط لجهة تأزيم الوضع السياسي؛ بل -أيضًا- الانحياز إلى بعض أطراف الأزمة السياسية، وتَبَنِّي مواقفها، والدفاع عنها، والنيل من خصومها، وهو أمر بالغ الدلالة والخطورة فيما يتعلق بمستقبل الدور المجتمعي والسياسي للإعلام الكويتي.

  • إقحام القضاء في عين العاصفة السياسية: حيث أخذ اتساع نطاق وعمق الأزمة السياسية والتباس المشهد السياسي منحنى أكثر خطورة؛ وذلك عبر إقحام القضاء في هذا الجدل المحتدم؛ وهو الأمر الذي عبَّر عن نفسه في مظهرين رئيسين؛ تمثَّل الأول في أن القضاء أصبح وجهةً للأطراف المنخرطة -بشكل أو بآخر- في التوترات السياسية، وهو الأمر الذي تجلَّى في سيل البلاغات المقدَّمة إلى النيابة العامة على خلفية تداعيات ما يُعرف بـ"شريط الفتنة".

    فقد تلقَّت النيابة العامة -في غضون أيام قلائل- خمسة بلاغات في هذا الصدد من شخصيات وجهات حكومية ونيابية، ودارت هذه البلاغات -في مجملها- حول قضايا تتعلَّق بإهدار المال العام، والإساءة إلى شخصيات سياسية عامة دون سند قانوني.

    وتُقُدِّم بهذه البلاغات ضدَّ أشخاص وجهات مختلفة، منها كل من: رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، ورئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي، ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التنمية السابق الشيخ أحمد الفهد الصباح ومجلس الوزراء بصفته(13).

    وأما المظهر الثاني وهو الأخطر؛ فتمثَّل في ادعاءات واتهامات ساقتها المعارضة لرموز قضائية في مقدمتها رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام؛ حيث سيق بعضًا من هذه الادعاءات خلال ندوة نظمتها المعارضة في ساحة "الإرادة"، وذُكر بعضها الآخر من خلال حسابات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"؛ حيث تمَّ توجيه السبِّ والقذف لبعض القضاة والشخصيات الاعتبارية؛ ومن ثَمَّ قَدَّم رئيس مجلس القضاء الأعلى بلاغًا إلى النيابة العامة للتحقيق فيما نُسب من ادعاءات لرموز قضائية(14).

    ولا شكَّ أن ثمة خطورة كبيرة في محاولات إقحام القضاء في الخصومات السياسية؛ وهو ما يعني دخوله دائرة التأزيم السياسي.

التحدي السياسي العلني

لا تبدو الاستقالات النيابية أكثر من مظهر من مظاهر الصراع السياسي بين القوى السياسية في الكويت، كما أن هذه الاستقالات في زاوية منها انعكاس -أيضًا- للصراع داخل الأسرة الحاكمة؛ مما يُشير إلى ضرورة "ترتيب البيت الداخلي للأسرة الحاكمة؛ لأن وضعها ينعكس على الصراع داخل البرلمان وفي الشارع الكويتي".

وثمة مؤشرات دالة على أن الصراع العلني بين بعض أبناء أسرة الحكم يُعَدُّ -بدرجة معينة- أحد أسباب الاحتقان السياسي في البلاد؛ ومن ذلك اعتبار رئيس مجلس الأُمَّة وصف هذه الاستقالات بأنها جزء من "مخطَّط يستهدف أركان الدولة وضرب كل المؤسسات، ولها عرَّابون"(15)، ويُؤَكِّد هذا الأمر أيضًا ما قاله النائب المستقيل رياض العدساني من أن "صراع الشيوخ وبعض التجار يُضَيِّع البلد"(16).

انتخابات بلا مفاجآت

تُجرى هذه الانتخابات وسط توقُّعات بضعف الإقبال على التصويت من قِبَل الناخبين؛ حيث رصدت دراسةٌ لتوجُّهات الرأي العام الكويتي أن نسبة الإقبال على المشاركة قد تتراوح بين 45-47% (17).

ويُعْزَى هذا الأمر إلى اعتبارات كثيرة؛ من أهمها:

  • الجدل القائم بين الأوساط الشعبية حول أحقية استقالة النواب الخمسة؛ حيث يرى الذين يعتزمون المشاركة أن هذا حقٌّ أصيل للنواب وتعبير عن موقف سياسي، وهذا لا يعني تراجع الثقة في المؤسسة البرلمانية، أو في مجمل الممارسة الديمقراطية في البلاد؛ بينما يرى الممتنعون عن المشاركة أنه لا جدوى من مجلس الأمة الحالي، ويعتبرون الاستقالات نوعًا من عدم المواجهة، والتنصُّل من المسؤولية التي أنيطت بالنواب المستقيلين؛ ومن ثَمَّ فإن المقاطعة هي أسلم حلٍّ، كما يعزف جانب من الناخبين عن المشاركة بسبب رفضهم لآلية إجراء الانتخابات وفقًا للصوت الواحد؛ فيما يشعر قطاع آخر بعدم الرضا والإحباط عمومًا من الأزمات السياسية المتكرِّرة بين الحكومة ومجلس الأمة.
  • ضآلة عدد المقاعد التي سيتمُّ التنافس عليها في الانتخابات باعتبارها "تكميلية"، ولا تحظى بالثقل السياسي والزخم الإعلامي والشعبي ذاته؛ خلافًا لما يكون عليه حال الانتخابات العامة.

وفي ضوء هذه الأجواء يتنافس 72 مرشحًا -بينهم 4 سيدات- على خمسة مقاعد نيابية شاغرة في ثلاث دوائر انتخابية؛ هي (الثانية، والثالثة، والرابعة).

ويلاحظ في هذا السياق زيادةً لافتةً لظاهرة انسحاب المرشَّحين من السباق الانتخابي؛ فوفقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة لشؤون الانتخابات، فقد أُغلق باب الترشيح -الذي استمرَّ عشرة أيام من 20 إلى 29 من مايو/أيار 2014 على 137 مرشحًا، ثم تراجع العدد مع انتهاء فترة الانسحاب رسميًّا، ليصل إلى 72 مرشحًا فقط؛ وهو ما يعني أن نسبة المنسحبين إلى إجمالي العدد الأصلي للمرشحين بلغت نحو 46.2%، أي النصف تقريبًا.

ولا شكَّ أن هذا الأمر قد يُعطي انطباعًا غير إيجابي لدى الناخبين بعدم جدية عدد كبير ممن أعلنوا للوهلة الأولى ترشُّحهم لخوض الانتخابات؛ من أجل الظهور الإعلامي أو تحقيق أهداف ومصالح شخصية أبعد ما تكون عن الصالح العام.

ويُشير إمعان النظر في الأسماء المرشَّحة لتكميلية مجلس الأمة إلى أن الغالبية العظمى منها لم يسبق له ممارسة العمل البرلماني، باستثناء ترشُّح عدد محدود من النواب السابقين؛ مثل: أحمد لاري (الدائرة الانتخابية الثانية)، وناصر الدويلة (الدائرة الانتخابية الثالثة)، وذكرى الرشيدي (الدائرة الانتخابية الرابعة)، إضافة إلى بعض الشخصيات العامة؛ كالإعلامية فجر السعيد، ورجل الأعمال سعود صاهود المطيري.

سيناريوهات المستقبل

من غير المرجَّح أن تشهد نتائج الانتخابات التكميلية المرتقبة لمجلس الأمة أية مفاجآت؛ حيث يُتوقَّع أن يحلَّ محلَّ النواب المعارضين المستقيلين نوابًا أكثر موالاةً للحكومة؛ ومن ثَمَّ فإن نتائجها لن تكون معطى ذا تأثير كبير في المسار المستقبلي للمشهد السياسي الراهن.

إلا أن معطيات هذا المشهد الملتبس والمتأزِّم ربما تشير إلى أن مساره خلال الأشهر القليلة المقبلة قد يأخذ أحد سيناريوهين: 

  • سيناريو الإبقاء على الوضع القائم: حيث يُتَوَقَّع في هذا الإطار استمرار النهج الحكومي التقليدي نفسه في التعامل مع الأزمات السياسية، وبالتالي يُرَجَّح أن تشهد الفترة التي ستعقب الانتخابات التكميلية حالة من الهدوء النسبي؛ وذلك عبر ترضيات سياسية، ربما تتمثَّل في إجراء تعديل حكومي محدود مع بداية دور الانعقاد المقبل عقب انتهاء العطلة الصيفية للمجلس الحالي في أكتوبر/تشرين الأول القادم؛ بهدف تخفيف حالة الاحتقان السياسي السائدة.

    وتقوم فلسفة هذا السيناريو على أن الرهان هو على حالة سياسية شاملة تتطلَّب بقاء كلٍّ من الحكومة والبرلمان الحاليين لأطول فترة ممكنة.

  • سيناريو التغيير القادم: حيث يُتَوَقَّع أن يعقب الانتخابات التكميلية حالة تهدئة في الحياة السياسية فترة الصيف، ولغاية بداية دور الانعقاد المقبل؛ بحيث تكون فترة انتظارٍ للقوى السياسية، وفرصة للمعارضة والحكومة ولأطراف الشدِّ والجذب السياسي كافَّة لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

وتقوم فلسفة هذا السيناريو على أن الفترة الحالية قد شهدت مؤشرات ومعطيات بأن أطراف الأزمة السياسية باتت تتنافس بأوراق معلنة ومكشوفة، وأن الأمر قد احتدم بينها إلى مرحلة "اللاعودة"، بما يقتضيه ذلك من حسم طويل المدى.

خاتمة

تُشير تطوُّرات مسار الأحداث في الكويت -التي رافقت "شريط الفتنة" وما تلاه من تداعيات- إلى تآكل الأرضية السياسية الصلبة للمعارضة، كما تظهر في الوقت ذاته ارتباكًا حكوميًّا، وحالة من عدم الحسم؛ مما يجعل ذلك في نظر كثير من المراقبين -المحلين قبل الأجانب- محلاًّ لاهتزاز الثقة لدى الرأي العام الكويتي، الذي زادت شكوكه في مقدرة الحكومة على حسن التدبير، بحسب بعضهم(18).

وعلى الرغم مما تتسم به من حراك واضح، تبقى الحالة السياسية الكويتية الراهنة تتسم بكونها مرحلة استقرار سياسي نسبي مقارنة بما كان قائمًا قبل ثلاث سنوات في ظلِّ مجلس أمة 2012 المبطل الأول؛ حين سادت حالة غير مسبوقة من التوتر السياسي والمجتمعي، الذي كاد يعصف بالحياة السياسية والمسيرة الديمقراطية الكويتية.

وبناء على ما تقدَّم يمكن القول أن الأمواج السياسية في الكويت ستظلُّ مستمرَّة؛ لكن مدَّها وجزرها يبقى رهنًا بمعطيات مختلفة ومتنوعة، وهو الأمر الذي يجعل زخم المشهد السياسي الراهن والتباسه مفتوحًا على كافَّة الاحتمالات، وبما قد يُرَجِّح أن تكون سخونة الصيف السياسي في الكويت أكثر مما هو مُتَوَقَّع.
_______________________________
محمد بدري عيد - باحث متخصص في الشأن الخليجي

المصادر
(1) صحيفة "الوطن" الكويتية، 15 من إبريل/نيسان 2014.  
(2) افتتاحية صحيفة "الرأي" الكويتية، 18 من إبريل/نيسان 2014.
(3) صحيفة "السياسة" الكويتية، 29 من إبريل/نيسان 2014.
(4) صحيفة "الرأي" الكويتية، 23 من إبريل/نيسان 2014.
(5) النائب والوزير السابق حسين الحريتي، صحيفة "النهار" الكويتية، 21 من إبريل/نيسان 2014.
(6) صحيفة "السياسة" الكويتية، 1 من مايو/أيار 2014.
(7) صحيفة "الوطن" الكويتية، 3 من مايو/أيار 2014.
(8) صحيفة "القبس" الكويتية، 5 من مايو/أيار 2014.
(9) صحيفة "الدستور" نصف الشهرية، التي يصدرها مجلس الأمة الكويتي، "أسباب وتواريخ ونتائج الاستقالات النيابية في الكويت خلال 51 عامًا"، 20 من مايو/أيار 2014.
(10) وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، 12 من يونيو/حزيران 2014.
(11) انظر تفاصيل جلسة مجلس الأمة التي أقر خلالها هذا الاقتراح بقانون في: صحيفة "الأنباء" الكويتية، 12 من يونيو/حزيران 2014.
(12) انظر مثلاً الأخذ والرد حول قضية "الشريط" بين الشيخ أحمد الفهد ومرزوق الغانم، الذي كانت الصفحات الأولى لبعض الصحف الكويتية اليومية وافتتاحياتها ميدانًا له على مدار شهري مايو/أيار الماضي ويونيو/حزيران الجاري).
(13) لتفاصيل هذه البلاغات وملابساتها، انظر: صحف "القبس"، و"الرأي"، و"السياسة"، و"النهار" الكويتية، 16 و17 من يونيو/حزيران 2014.)
(14) صحيفة "النهار"، 12 من يونيو/حزيران 2014.
(15) حوار تليفزيوني لرئيس مجلس الأمة مع قناة "الرأي" الفضائية الكويتية الخاصة، 4 من مايو/أيار 2014.
(16) كلمة للنائب العدساني في ندوة "المنبر الديمقراطي"، صحيفة "الرأي" الكويتية، 6 من مايو/أيار 2014.
(17) د. فاطمة السالم: "دراسة تحليلية للرأي العام في مواقع التواصل الإلكترونية عن المشاركة في الانتخابات التكميلية"، صحيفة "القبس" الكويتية، 29 من مايو/أيار 2014.
(18) عبد الله بشارة: "في ملهاة المشهد السياسي الكويتي"، صحيفة "الوطن" الكويتية، 16 من يونيو/حزيران 2014.