تفكك مستمر: مستقبل الجيش والأجهزة الأمنية في اليمن

سلَّط سقوط صنعاء في يد قوات الحوثيين المسلحة الضوء مجددا على الاختلالات التي يعاني منها الجيش والقوات الأمنية باليمن، وهي اختلالات قد تتفاقم إذا لم تعالج الأزمة السياسية.
201410138522956734_20.jpg
الحوثيون يعمقون أزمة الجيش اليمني (أسوشييتد برس)

ملخص
لم يكن تأسيس جيش وطني قضية سهلة في التاريخ السياسي لليمن الحديث؛ حيث ظل الجيش محكومًا بأربع محددات رئيسية، هي: (1) تحكم قوى النفوذ السياسي وسيطرة عقيدة الولاء لرأس النظام السياسي. (2) تداخل الجيش والقبيلة. (3) سيطرة الفساد وعدم الشفافية على صفقات الجيش وميزانيته. (4) الانقسام الذي ظل السمة الأبرز للجيش اليمني.

ويبدو أن هذه المحددات ما زالت تحكم مسيرة الجيش والأجهزة الأمنية في اليمن رغم سقوط صالح وتنفيذ بعض إجراءات إعادة الهيكلة ورغم التطورات الأخيرة التي أدت إلى إنهاء نفوذ الرجل القوي علي محسن وسيطرة الحوثيين على صنعاء.

وقد يؤدي سقوط صنعاء إلى استمرار سيناريو ازدواجية الأجهزة الأمنية والولاءات السياسية داخل الجيش بين الرئيس عبد ربه منصور هادي والقوة الصاعدة لحركة الحوثيين. كما أن سيناريو تفكك الجيش كما حدث للجيش الجنوبي عام 1994 أصبح أحد السيناريوهات المحتملة إذا اندلع الصراع بين هادي والحوثيين داخل صنعاء.

مقدمة

سلَّط سقوط صنعاء في يد قوات الحوثيين المسلحة الضوء مجددا على الاختلالات التي يعاني منها الجيش والقوات اليمنية، وهي اختلالات ليست وليدة اللحظة ولكنها نتيجة تراكمات سابقة وتحولات راهنة.

لم يكن تأسيس جيش وطني قضية سهلة في التاريخ السياسي لليمن الحديث، وقد دار الجدل في منتصف الستينات بين جناحي "اليسار الجمهوري" و"اليمين الجمهوري" حول جدوى إنشاء جيش نظامي أو الاكتفاء فقط بالمقاتلين من أبناء القبائل بصفتهم مقاتلين جاهزين للتجنيد عند الضرورة.

وزادت حقيقة استمرار "اقتصاد الحرب القبلي" من الوضع الهش والقلق لتكوين الجيش؛ فاقتصاد الحرب يشكِّل مصدرًا إضافيًّا لدخل النخب القبلية وأبناء القبائل؛ حيث يشكِّل بعض شيوخ القبائل ميليشيات قبلية لدعم الأطراف المتحاربة في النزاعات المسلحة الداخلية، وقد كانت الميليشيات القبلية طرفًا أساسيًّا في كل حروب السلطة ابتداء من حرب 1994 وحتى حروب صعدة الست والحرب الأخيرة ضد القاعدة (1).

وقد أسهم انتشار الولاء السياسي داخل الجيش في تعثر بناء جيش وطني قوي؛ إذ مارس الرؤساء اليمنيون جميعًا ابتداء من الرئيس الحمدي في منتصف السبعينات وحتى الرئيسين علي عبد الله صالح  عبدر ربه منصور هادي سياسة وضع الأقارب والقيادات الموالية على رأس المؤسسة العسكرية (2).

بسبب كل هذه العوامل لم يتم بناء الجيش اليمني بطريقة احترافية؛ إذ ظل محكومًا بأربع محددات رئيسية، هي:

  1. تحكم قوى النفوذ السياسي وسيطرة عقيدة الولاء لرأس النظام السياسي. 
  2. تداخل الجيش والقبيلة والميليشيا. 
  3. سيطرة اللاشفافية على صفقات الجيش وميزانيته. 
  4. كما أن الانقسام ظل السمة الأبرز للجيش اليمني سواء الانقسام بين جيش الشمال وجيش الجنوب 1990-1994، أو بين جيش اللواء الركن علي محسن الأحمر وجيش الرئيس السابق علي عبد الله صالح 2001-2011.

ما الذي تغير في الجيش والأجهزة الأمنية منذ الإطاحة بصالح عام 2011 وحتى الآن؟ هل استطاعت الهيكلة التغلب على المحددات الأربع السابقة التي حكمت نشوء وتطور الجيش اليمني؟

إعادة الهيكلة واستمرار الانقسام (2011-2014)

حددت المبادرة الخليجية مهمتين رئيسيتين لإعادة الهيكلة، هما: إنهاء الانقسام، وإعادة بناء الجيش على أساس وطني احترافي. في إبريل/نيسان 2013 أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارات جريئة بإعادة هيكلة الجيش. ركزت القرارات على تغيير القيادات العليا في الجيش خاصة من أقارب الرئيس السابق صالح وبعض الموالين لعلي محسن الأحمر، كما أعادت تقسيم المناطق العسكرية إلى 7 مناطق بدلاً من خمس، وقسَّمت الجيش إلى خمسة فروع: القوات البرية والقوات الجوية والدفاع الساحلي وقوات الاحتياط وحرس الحدود. أطاحت القرارات بالقيادات الموالية للرئيس السابق تقريبًا بينما أضعفت نفوذ علي محسن في الجيش وإن ظل شخصية مؤثرة حتى في منصبه الجديد كمستشار الرئيس للشؤون العسكرية (3). إضافة إلى الأجهزة العسكرية، صدرت قرارات بتغيير قيادات الأجهزة الأمنية كالأمن المركزي والأمن القومي وإصدار هيكلية جديدة لوزارة الداخلية.

كانت قرارات هادي منصبَّة على إنهاء الانقسام في الجيش أكثر من انشغالها بإعادة الهيكلة، لكن لم تنجح هذه القرارات لا في إنهاء الانقسام ولا في تأسيس بِنية جيش وطني مستقل عن الولاءات السياسية. ورغم الاستبشار الجماهيري الكبير بالقرارات إلا أن البعض رأى أن ما يحدث هو "تدوير مناصب" أكثر مما هو "إعادة هيكلة"(4).

لقد بُنيت الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية على قاعدة حماية النظام ومواجهة الانقلابات العسكرية والولاء السياسي للأشخاص على قمة هرم السلطة؛ لذا كانت ضعيفة جدًّا في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. على سبيل المثال استمرت ظاهرة اختطاف الأجانب، وتفجير آبار البترول وتفجير أبراج الكهرباء لسنوات طويلة دون أن تتدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية بشكل حاسم في ردعها. بالعكس من ذلك، كانت المشاكل تُحل بالوساطات القبلية أو بتوظيف أبناء القبائل الذين يقومون بالتفجير أو الاختطاف أو بالدفع المباشر من أجهزة الدولة كظاهرة فريدة لإتاوات تدفعها الدولة للخارجين على القانون.

تجاهلت قرارات الهيكلة تعزيز احترافية القطاع العسكري الأمني، وإعادة توحيد مؤسسة الجيش والأمن وتأطيرهما تحت القيادة المباشرة لوزارتي الدفاع والداخلية، كما تجاهلت أهمية صياغة قوانين غير متحيزة للتجنيد والتوظيف والتقاعد وتنقلات الموظفين. لم تستوعب قرارات الهيكلة ضرورة إعادة بناء الأجهزة العسكرية والسياسية تنظيميًّا وقانونيًّا وماليًّا على أسس ومعايير وطنية ومهنية واحترافية، أو إعادة صياغة وتوجيه عقيدتها العسكرية، ومعالجة مشكلة وإدماج رجال القبائل في قوات الأمن؛ ولم تضع أي إجراءات للرقابة المدنية على صفقات وميزانية الجيش (5).

الهيكلة باستثمار الأزمات

كان هادي رئيسًا للجنة إعادة الهيكلة، وقد أثبتت الأحداث أن ذلك لم يكن قرارًا مجديًا إذ تم وضع اللجنة كاملة تحت وصاية هادي الذي تجاوزها في حالات كثيرة. كان من المفترض أن تتم إعادة الهيكلة بعيدًا عن أي انحيازات سياسية لأن مشكلة الجيش اليمني كان ارتهانه للولاء السياسي لكن هادي سعى من خلال الهيكلة إلى صناعة نسخته الخاصة من الجيش، كما أدت قرارات الهيكلة إلى تعزيز معسكر علي محسن بقصد أو دون قصد بسبب التركيز على إقصاء معسكر صالح (6) نتيجة للصراع الذي بدأ بين هادي وصالح على زعامة حزب المؤتمر الشعبي العام.

استغل هادي عددًا من الأزمات والأحداث الأمنية لإصدار القرارات المتلاحقة حول الهيكلة، من ضمنها حادئة تفجير أودت بحياة أكثر من 100 جندي أثناء الاستعدات للاحتفال بعيد الوحدة، ومحاولة اغتيال وزير الدفاع واقتحام "القاعدة" لمقر وزارة الدفاع في صنعاء. استغل هادي هذه الأحداث لينفرد بقرارات تغيير القيادات العسكرية العليا دون التشاور مع اللجنة.

أثارت هذه الطريقة في الهيكلة ليس فقط غضب صالح ومحسن ومِن ورائهما المؤتمر والإصلاح وإنما أيضًا غضب الضباط والجنود الذين رأى بعضهم أن القرارات تمسهم أو تؤدي إلى تدهور الظروف الجيدة (خاصة الحرس الجمهوري). وكانت الخطوة الأكثر إثارة للجدل هي قيام هادي بتشكيل ألوية الحماية الرئاسية من عدد من أقوى الألوية وأفضلها تسليحًا وتدريبًا وهو ما فسره البعض بأنه محاولة لإقامة "حرس جمهوري" جديد تحت سلطة هادي، خاصة أن قيادة هذه الألوية أُوكلت بشكل غير رسمي إلى نجل هادي الأكبر (ناصر) وهي خطوة كانت غير متوقعة أبدًا بعد ثورة قامت ضد توريث الجيش وتعيين الرئيس السابق لابنه قائدًا للحرس الجمهوري.

كان موضع الخلل في قرارات الهيكلة الناقصة أنها اهتمت بتغيير الأشخاص ولم تتطرق قطّ إلى الجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية، مثل فرض الشفافية والمحاسبة المدنية على مصاريف الجيش التي تستهلك حوالي نصف الميزانية. وفي هذه النقطة بالذات عاد اليمن خطوات إلى الخلف؛ فبينما كانت وزارة المالية في الحكومات السابقة تنشر في موقعها الإلكتروني موازنة وزارة الدفاع وجهاز الأمن السياسي كأرقام موزعة على الأبواب المالية فحسب، أُلغي هذا الإجراء وأصبحت الميزانية سرية ابتداء من عام 2011 (7).

كما استمر ضياع الخط الفاصل بين الجيش والميليشيا القبلية؛ وقد تجلى ذلك في اعتماد الدولة على تجنيد "لجان شعبية" لمواجهة القاعدة في أبين وشبوه واعتماد ميزانية ضخمة لهذه اللجان صُرفت بشكل غير شفاف. هذه العملية كشفت استمرار سياسة الخلط بين الجيش والميليشيا القبلية التي استخدمها النظام السابق في أغلب حروبه بالإضافة إلى ظهور حالات فساد مالي واضحة لم تنجح قرارات الهيكلة في التقليل منها (8). لقد تغلبت اعتبارات السلطة السياسية على الاعتبارات المهنية مما أدى إلى زرع بذور صراع جديد وصل ذروته بسقوط عمران وصنعاء وتدمير الألوية الموالية لعلي محسن الأحمر.

أجهزة رسمية منقسمة ومخترقة

الأجهزة الأمنية بدورها كانت تعاني نفس ظاهرة الانقسام بين الرجلين القويين (صالح ومحسن) خاصة فيما يتعلق بجهازي الأمن السياسي والأمن القومي. شكَّل جهاز الأمن السياسي الجهاز الاستخباراتي لليمن حتى عام 2001، وكان مسؤولاً عن التعامل مع المعارضين السياسيين والحركات المعارضة للنظام وقضايا التجسس والتخابر. في إطار الصراع بين صالح ومحسن، كان جهاز الأمن السياسي قد أصبح مليئًا بالضباط المنتمين أو المتعاطفين مع التجمع الوطني للإصلاح (9).

في الحقيقة شكَّل أعضاء التجمع اليمني للإصلاح العنصر القيادي الأهم في الجهاز منذ عقود، ويُعد اثنان من كبار قيادات التجمع اليمني للإصلاح (محمد اليدومي، ومحمد قحطان) ضباطًا قدامى في جهاز الأمن السياسي. ومع بداية الدعم الأميركي للأجهزة اليمنية بعد حادثة المدمرة الأميركية يو إس إس كول تم إنشاء جهاز مواز هو الأمن القومي. الخطة كانت تقضي بتطوير جهاز الأمن القومي وإلغاء جهاز الأمن السياسي تدريجيًّا، لكن بسبب نفوذ محسن القوي لم يتم إلغاء الجهاز ليشهد اليمن ازدواجية خطيرة في الجهاز الاستخباراتي، كانت نتيجتها الهروب المتكرر لسجناء القاعدة واختراق القاعدة نفسها لضباط الجهاز.

لم تقترب قرارات الهيكلة من الجهاز الأمني بشكل فعال؛ ففي حين تم نقل ولاء جهاز الأمن القومي من الرئيس السابق صالح إلى الرئيس هادي بعد عزل الرجل القوي علي الأنسي وتنصيب الموالي لهادي علي محسن الأحمدي رئيسًا للجهاز، تم تعيين جلال الرويشان رئيسًا لجهاز الأمن السياسي، وكلا الرجلين ليس لهما خلفية أمنية قوية كما أن اختصاصات ومهام الجهازين ما زالت متداخلة وغير واضحة، وهذا يعكس أيضًا أن الهيكلة اقتصرت على تغيير القيادات ونقل الولاءات بدلاً من إعادة البناء.

الحرب الشاملة ضد الجيش والأمن

في إبريل/نيسان 2011 تم إسقاط "معسكر العر" بمحافظة يافع وهو أحد المعسكرات التابعة للحرس الجمهوري. تم تصوير إسقاط المعسكر في الوسائل الإعلامية "المؤيدة للثورة" على أنه صراع بين المعسكر وقبائل يافع المؤيدة للثورة. وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام تم إسقاط معسكر آخر للحرس (اللواء 63) في أرحب، ومرة أخرى صورت وسائل الإعلام "المؤيدة للثورة" عملية إسقاط المعسكر على أنه مواجهة بين قبائل أرحب المؤيدة للثورة وبين المعسكر الذي حاول دخول صنعاء لقمع المتظاهرين السلميين. كانت هذه نماذج لسلسلة من عمليات إسقاط المعسكرات تحت لافتة "الثورة" كلها تم تقريبًا بنفس الطريقة: ميليشيات قبلية مسلحة تابعة لعلي محسن وحلفائه في الإصلاح تحاصر معسكرًا حتى تتمكن من إسقاطه.

انقلب السيناريو رأسًا على عقب في 2014؛ إذ تعرضت المعسكرات التابعة لعلي محسن للإسقاط بنفس الطريقة على أيدي ميليشيات الحوثيين التي حاصرت المعسكرات تحت شعار الثورة لتصل إلى السقوط الدراماتيكي للواء 311 مدرع في عمران ثم سقوط معسكر الفرقة واللواء 4 حماية رئاسية داخل صنعاء نفسها.

من ناحيتها استمرت القاعدة في حربها ضد الأجهزة العسكرية والأمنية بأكثر من استراتيجية، منها: مهاجمة المعسكرات كما حدث للمنطقة العسكرية الأولى في فبراير/شباط 2012 التي قُتل فيها حوالي 185 جنديًا وأُسر 70 وتم الاستيلاء على معدات وأسلحة متوسطة وثقيلة، وتفجير الجنود عند نقاط التفتيش واغتيال القيادات الأمنية في الأمن القومي والبحث الجنائي. كما تعرض جنود الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى عمليات اغتيال متواصلة على أيدي خلايا القاعدة.

كان واضحًا أن الجيش خصوصًا والأجهزة الأمنية بشكل عام تتعرض لحرب تدمير متعددة الأطراف وتحت مبررات مختلفة. الجيش نفسه أصبح مؤسسة مهددة من قبل القوى السياسية التي تمتلك ميليشيات مسلحة.

بين 2011-2014 تعرض الجيش لعمليات تدمير واقتحام تحت مبررات متعددة من أربعة مراكز قوى سياسية وعسكرية هي: علي محسن متحالفًا مع الإصلاح، والحراك الجنوبي، والقاعدة، والحوثيون. فالاصلاح متحالفًا مع علي محسن استمر في هجماته على معسكر الحرس الجمهوري تحت ذريعة مواجهة "جيش العائلة"، فيما قام الحراك الجنوبي المسلح بعمليات اغتيال وتفجير لنقاط عسكرية وأمنية تحت ذريعة محاربة "جيش الاحتلال الشمالي"، واستمرت القاعدة في حرب التفجيرات والاغتيالات ضد الأمن والجيش تحت ذريعة أن الجيش أصبح عميلاً لأميركا، واكتملت الدائرة بهجمات الحوثيين على المعسكرات في الجوف وعمران وصنعاء تحت حجة أن تلك المعسكرات أصبحت وكرًا للتكفيريين والدواعش. أما الرئيس السابق فشجَّع بدوره على إثارة عمليات الفوضى والتمرد على القيادات الجديدة داخل المعسكرات؛ مما أسهم في إضعاف التماسك الداخلي للجيش.

ويمكننا تلخيص أبرز التحولات التي حدثت للجيش منذ سقوط صالح حتى سقوط صنعاء في النقاط التالية:

  • سطحية قرارات الهيكلة التي اكتفت بتدوير القيادات السابقة ضمن نفس النظام.
  • إضعاف قبضة صالح على الجيش في مقابل تعزيز سلطة هادي (وإلى حدٍّ ما محسن).
  • استمرار تداخل الجيش والميليشيا القبلية (القبيلة كانت حاضرة ربما أكثر من الجيش في الحرب ضد القاعدة في أبين والحرب ضد الحوثيين في عمران).
  • استمرار الفساد المالي والإداري داخل الجيش خاصة مع إخفاء ميزانية الجيش عن الرأي العام منذ 2011.
  • استمرار انقسام الأجهزة الاستخباراتية (الأمن القومي والأمن السياسي) رغم إضعاف نفوذ محسن وصالح وتقوية نفوذ هادي عليها.
  • تأثر الأجهزة الأمنية الأخرى بسياسة المحاصصة، مع عجز وزارة الداخلية عن مواجهة الانفلات الأمني في كل المحافظات اليمنية واستمرار غموض وظائف وأدوار الوزارة.
  • غموض في الهيكلية والقيادة لبعض ألوية الجيش وخاصة ألوية الحماية الرئاسية والألوية التي تم تفكيكها من معسكري الفرقة والحرس الجمهوري.

ما بعد سقوط صنعاء

كان سقوط صنعاء بيد الحوثيين مفاجأة للجميع. وقد عبَّر المبعوث الأممي عن حالة الدهشة التي أصابت الجميع قائلاً: "كان هناك انهيار واضح للجيش اليمني؛ كيف تم هذا؟ بمساعدة من؟ كيف تم التخطيط له؟ أترك هذا للمحللين السياسيين والعسكريين وللمؤرخين، ولكن ما حصل خارق للعادة، ومعظم الأطراف لم يتوقع ما حصل وبهذه الطريقة بالضبط" (10).

إلى جانب انهيار الجيش كان هناك اختفاء واضح للأجهزة الأمنية يوم دخول الحوثيين صنعاء لدرجة أن وزير الداخلية اللواء عبده حسين الترب أصدر بيانًا يدعو فيه منتسبي الوزارة للتعاون مع قوات الحوثي بصفتهم "اصدقاء الشرطة". وقد سيطر الحوثيون على نقاط التفتيش في العاصمة وبدأوا بتنظيم حركة المرور واستمروا في اقتحام المنازل والبيوت والمؤسسات دون أي تدخل من الأجهزة الأمنية.

وقد اتضح منذ البداية أن للحوثيين مطالب معينة بخصوص الأجهزة الاستخباراتية "الأمن القومي"؛ فقد حاصرت قوات الحوثي مقر الأمن القومي لعدة أيام انتهت بإفراج الأمن القومي عن البحارة الإيرانيين المتهمين بتهريب الأسلحة عبر سفينتي جيهان1 وجيهان2، ورفعت بعض قيادات الجماعة مطالب بإعادة إصلاح جهاز الأمن القومي بما يتناسب والمرحلة الجديدة.

ورغم استيلاء الحوثيين على خمسة معسكرات في صنعاء ونهب أسلحتها إلا أن عددًا كبيرًا من الألوية لا يزال متواجدًا بكامل عتاده وجنوده من ضمنها ألوية قوية تسليحًا وتدريبًا، مثل ألوية الحماية الرئاسية وألوية الصواريخ والقوات الخاصة وألوية الاحتياط والدفاع الجوي. رغم ذلك فإن هذه المعسكرات أصبحت معنوياتها متدنية بعد سقوط المعسكرات داخل العاصمة دون مقاومة وغياب قيادة عسكرية قوية في ظل تخلي الرئيس هادي ووزير الدفاع عن حماية العاصمة.

ويمكن القول: إن أبرز التحولات في الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، هي:

  • نهاية نفوذ علي محسن داخل الجيش بالسقوط النهائي لآخر معسكرات الفرقة في صنعاء وخروج علي محسن من اليمن.
  • استمرار سيطرة هادي على ألوية الحرس القوية وبعض المناطق العسكرية التي عيَّن فيها قيادات موالية.
  • استعادة الرئيس السابق لبعض نفوذه داخل الجيش. 
  • الصراع بين الحوثيين وهادي على الأجهزة الاستخباراتية خاصة الأمن القومي، ومطالبات الحوثيين بإصلاح الأجهزة الاستخباراتية.
  • ازدواجية الأجهزة الأمنية داخل المحافظات التي سيطر عليها الحوثيون (قوات الأمن الرسمية في مقابل اللجان الشعبية) خاصة بعد قيام الحوثيين، تحت اسم اللجان الشعبية، بمهام حفظ الأمن وتنظيم المرور والتفتيش.

ماذا عن المستقبل؟

من الصعب الحديث عن مستقبل الجيش والأجهزة الأمنية بعد سقوط صنعاء خاصة في ظل الغموض الكبير الذي يكتنف الوضع السياسي والأمني في صنعاء، لكن بالقراءة الأولية "لاتفاق السلم والشراكة" الذي يُعتبر الوثيقة السياسية الرئيسية لفترة ما بعد سقوط صنعاء بالإضافة الى الممارسات التي قام بها الحوثيون منذ استيلائهم على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول، يمكننا توقع التحولات التالية:

  • المرحلة بشكل عام لن تكون في مصلحة وحدة الجيش وتقويته حيث إنه يعاني من غياب قيادة عسكرية كفؤة، وانهيار للمعنويات القتالية، كما أن بعض المعسكرات ما زالت محاصرة بمعسكرات اعتصام الحوثيين.
  • استمرار نفوذ هادي على بعض ألوية الجيش والأجهزة عبر أقاربه والقادة الموالين له.
  • قد تشهد المرحلة القادمة انقسامًا جديدًا للجيش بين هادي والحوثيين في حالة مطالبتهم بنفوذ داخل الجيش والأمن. ومن المتوقع أن تصب مطالب الحوثي في اتجاهين، الاتجاه الأول: الضغط من أجل تعيين قيادات عسكرية موالية للحوثيين خاصة في المحافظات التي يسيطرون عليها، والاتجاه الثاني بتجنيد آلاف المقاتلين الحوثيين واستيعابهم في الجيش والأجهزة الأمنية.
  • تفاقم ظاهرة ازدواجية أجهزة الأمن والجيش في ظل وجود الفصائل الحوثية المسلحة التي أصبحت تمتلك الأسلحة الثقيلة والصواريخ وفي ظل تشكيل الحوثيين لجهاز أمني مواز تحت اسم اللجان الشعبية.
  • نموذج إسقاط صنعاء قد يغري بعض فصائل الحراك الجنوبي بتوجيه ضربات جديدة للجيش في محاولة للسيطرة على المحافظات الجنوبية.
  • رغم أن القاعدة قد أعلنت في الأسابيع الأخيرة عن نيتها استهداف الحوثيين كعدو رئيسي في المرحلة القادمة، وهذا قد يخفف من ضغط ضربات القاعدة على الجيش، إلا أن القاعدة ستستمر في توجيه ضربات جديدة للجيش والأجهزة الأمنية عن طريق الاغتيالات الفردية أو الهجمات الانتحارية.
  • ليس من الواضح كيف يكون رد فعل القوى الإقليمية والدولية على سيطرة الحوثيين على صنعاء، لكن أحد السيناريوهات المطروحة يتمثل في دعم مشائخ مناهضين للحوثيين من قبيلتي حاشد وبكيل من أجل تشكيل قوات قبلية لمواجهة الحوثيين. وإذا تحقق هذا السيناريو سيكون هذا عاملاً إضافيًّا لإضعاف الجيش وتقوية دور الميليشيات القبلية في المشهد السياسي.
  • السيناريو الأسوأ قد يتحقق في حال استمرار الخلاف بين الحوثيين والرئاسة حول تطبيق اتفاق السلم والشراكة. وقد يؤدي هذا إلى دفع الحوثيين للضغط الميداني عبر مواجهات عسكرية جديدة وربما إسقاط المزيد من المعسكرات. هذا السيناريو قد يؤدي إلى انهيار واسع للجيش شبيه بانهيار الجيش الجنوبي وتفكيكه بعد حرب عام 1994.

_____________________________
حسين الوادعي - باحث في الشؤون السياسية اليمنية

هوامش
1- د. عادل الشرجبي، التحولات في خريطة توزيع القوة السياسية للقبائل اليمنية، السفير العربي، 25 يوليو/تموز 2012.
2- يمكن مراجعة الدراسة الشاملة لمحسن خصروف، الجيش اليمني، النشأة والتطور واتجاهات المستقبل، مركز الجزيرة للدراسات.
3- عادل الشرجبي، إعادة هيكلة الجيش اليمني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مايو/أيار 2013.
4- مجموعة الأزمات الدولية، الإصلاحات العسكرية-الأمنية في اليمن: بذور صراع جديد. 4 إبريل/نيسان 2014.
5- سقاف عمر السقاف، المؤسسة العسكرية والأمنية في اليمن وتحديات المرحلة الانتقالية، مركز الجزيرة للدراسات، يوليو/تموز 2012.
6- مجموعة الأزمات الدولية، الإصلاحات العسكرية-الأمنية في اليمن: بذور صراع جديد.
7- محمد العبسي، دراسة تفصيلية شاملة حول "كارثة" موازنة الدولة لعام 2014، http://mohamedalabsi.blogspot.com/2014/01/2014_2298.html
8- محمد العبسي، 50 وثيقة من وثائق وزارة الدفاع السرية لعام 2012،http://mohamedalabsi.blogspot.com/2013/03/2012.html
9- الإصلاحات العسكرية-الأمنية في اليمن: بذور صراع جديد.
10- http://www.alqabas.com.kw/node/898291

نبذة عن الكاتب