شركاء الأمس خصوم اليوم [رويترز] |
ملخص جاءت الذكرى الرابعة للثورة لتكشف عن حجم الإحباطات واليأس في واقع القوى الثورية الشبابية ولكنها تطرح أيضًا إمكانيات هائلة لخلق روح ثورية جديدة ترتبط بتصاعد التوجهات والمزاج الثوري لدى القواعد الشبابية الإخوانية والسلفية التي صارت تقود الحراك الثوري في الشارع خلال المرحلة الحالية، كما أخذت تلوح فرص متعددة للتعاون والائتلاف لاستعادة مسار الثورة مرة أخرى إمَّا من خلال الكيانات الثورية التقليدية أو بإنشاء كيانات وقوى شبابية وثورية يقودها ويوجِّه حركتها حُلم التغيير والثورة مما يجعلها أكثر قدرة على تجاوز ضغوط الواقع وقيوده. ويبرز في هذا الصدد توجهات تدفع نحو التوافق والاصطفاف في مقابل أخرى تدفع نحو التفرق والتباعد والصدام؛ فهناك توجهات تسعى للتوافق والاصطفاف على أساس أهداف ثورة يناير/كانون الثاني لمواجهة حالة الإقصاء السياسي للثورة ورموزها وأنصارها فيما تبرز معوقات عدة تتمثل في اختلاف الوسائل والاستراتيجيات والمصالح التي تحول دون ظهور كيان جماعي يقود الحراك الثوري. وعلى الرغم من ذلك فلا يمكن استبعاد حدوث تحولات مفاجئة في توجهات الشارع الثوري المصري، سريع الانقلاب وتغير المزاج في السنوات الأخيرة؛ مما يترتب عليه خروج مظاهرات وحشود شعبية ضخمة تفرض على جميع القوى الثورية بمختلف توجهاتها التقارب والتعاون بشكل لاحق وتابع لحراك الشارع وليس سابقًا أو موجهًا له. |
مقدمة
كان النشطاء الشباب ممن يراودهم حلم الثورة ويحدوهم الأمل في التغيير أبرز الدعاة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، فأصبحوا في طليعة الجيل الذي أصرَّ طوال أيام الثورة على الاحتفاظ بمواقف صارمة وثابتة تطالب بتغيير وإسقاط النظام، ولكن في أعقاب إسقاط مبارك وتفويض المجلس العسكري ووقوع الصدام مع السلطات الحاكمة انحسر دور الحركات الشبابية البارزة وأخذت تعاني من انشقاقات وتصدعات هائلة بسبب طبيعة البيئة السياسية الجديدة واختلافها حول الوسائل والاستراتيجيات والمصالح، إلى جانب تصاعد الصدام بين القوى الإسلامية والقوى الثورية والحركات الشبابية على أعتاب 30 يونيو/حزيران 2013. أخذ حُلم التغيير الثوري يتبخر بصورة تدريجية، فقد تم حلُّ ائتلاف شباب الثورة بقرار ذاتي بهدف الانضواء تحت راية الأحزاب السياسية أو تشكيل أحزاب شبابية جديدة. وتعددت محاور الانقسام والاختلاف، مع كل منعطف من منعطفات التغيير، حول المسار الاحتجاجي والثوري في مقابل المسار الانتخابي، والانقسامات والصراعات الأيديولوجية والمصلحية في مقابل استراتيجية المظلة العابرة للأيديولوجيا، وحملات التشويه والدعاية المضادة خارجيًّا في مقابل الصراعات داخليًّا والتشويه المتبادل بين القوى الشبابية والثورية نفسها. وهكذا انتقلت القوى الثورية والحركات الشبابية تدريجيًّا من مربع الحلم الثوري وتصعيد الاحتجاجات في الشارع بهدف استكمال الثورة إلى مربع القلق والتهميش والمواءمات السياسية والبراجماتية، وانتهى بها المطاف معزولة عن الشارع عاجزة عن امتلاك زمام المبادرة مرة أخرى.
لقد جاءت الذكرى الرابعة للثورة لتكشف عن حجم الإحباطات واليأس في واقع القوى الثورية الشبابية، ولكنها تطرح أيضًا إمكانيات هائلة لخلق روح ثورية جديدة ترتبط بتصاعد التوجهات والمزاج الثوري لدى القواعد الشبابية الإخوانية والسلفية التي صارت تقود الحراك الثوري في الشارع خلال المرحلة الحالية، كما أخذت تلوح فرص متعددة للتعاون والائتلاف لاستعادة مسار الثورة مرة أخرى، إما من خلال الكيانات الثورية التقليدية أو بإنشاء كيانات وقوى شبابية وثورية يقودها ويوجه حركتها حُلم التغيير والثورة مما يجعلها أكثر قدرة على تجاوز ضغوط الواقع وقيوده.
هذا التحليل يتبنى مفهومًا محددًا للقوى الثورية يعرِّفها بأنها تلك القوى والحركات الشبابية والسياسية التي دعت لثورة يناير/كانون الثاني 2011 وشاركت في الموجة الأولى للثورة بمختلف فعالياتها ومنعطفاتها الكبرى، وهي تشمل حركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين وحركة العدالة والحرية وذلك إلى جانب شباب الفيس بوك غير المؤطَّر سياسيًّا وخصوصًا صفحة "كلُّنا خالد سعيد" والإخوان المسلمين والقوى السياسية، مثل: الكرامة وحركة كفاية وأنصار البرادعي والمستقلين. وقد عبَّر عن مطالب الثورة وأهدافها كيان ثوري جرى تأسيسه أثناء الثورة هو ائتلاف شباب الثورة. وقد أفرزت تطورات ما بعد يناير/كانون الثاني صراعات وانقسامات داخلية حادة مع تغير مستمر في العناوين والأسماء، فيما ظهرت قوى أخرى متعددة تدَّعي الثورية بعضها مرتبط بشكل صريح أو ضمني بنظام مبارك نفسه. وقد تحول مركز الثقل في أوساط القوى الثورية منذ يونيو/حزيران 2013 إلى حركة تمرد التي كانت تعبِّر عن تطور شبابي في حركة كفاية بعد سيطرة الأجنحة الناصرية عليها، حيث حظيت بدعم بعض أجهزة الدولة بل اخترقتها بعض القوى التقليدية ومن قواعد نظام مبارك. ولم يكن اللفظ الدارج للقوى الثورية والشبابية في وسائل الإعلام يشمل القوى الإسلامية وتحديدًا الإخوان ومعظم التوجهات السلفية التي استمرت تحتفظ لنفسها بمواقع مستقلة وهوية متمايزة، وذلك على الرغم من دورها الكبير في ثورة يناير/كانون الثاني وقيادتها للحراك الاحتجاجي في الشارع بشكل شبه منفرد منذ 30 يونيو/حزيران 2013، فيما ظهرت حركات جديدة ذات منطلقات ثورية واحتجاجية غير إصلاحية من داخل الحاضنة الإسلامية، مثل: شباب ضد الانقلاب وحركة أحرار التي ترتبط بشكل أو بآخر بحركة حازمون. وقد تركت هذه التوجهات والمزاج الثوري أثرها على حركة الإخوان المسلمين نفسها التي أعلنت تبنيها استراتيجية ثورية للتغيير، وظهر ذلك في طبيعة خطابها السياسي وحراكها في الشارع في الآونة الأخيرة.
وهذا الطيف الواسع من القوى الثورية يجمعه تبني خطاب الثورة وأهدافها، ورفض نظام مبارك وتوجهاته السياسية، والدعوة لتغيير في مؤسسات الدولة وسياساتها. ولكن من الضروري أيضًا التحفظ في تعميم مصطلح القوى الثورية على تلك الحركات التي دعت للمشاركة في ثورة يناير/كانون الثاني ووفرت مظلة سياسية للاعتصامات في الميادين طوال الثورة، فقِسم منها يتبنَّى أهدافًا ثورية تصل إلى ضرورة الاستمرار في الدعوة لتغيير النظام بصورة جذرية شاملة وسريعة دون مراعاة لطبيعة الدولة المصرية وخصوصية تكوينها، بينما يتبنى قسم آخر منها رؤى إصلاحية تدرجية لإحداث تغييرات محدودة وإن بصورة تراكمية في النظام ومؤسسات الدولة. كما أنها تختلف من حيث الوسائل والآليات، حيث يفضِّل بعضها الوسائل الاحتجاجية الثورية في الشارع بينما كان آخرون يفضِّلون المسارات الانتخابية والإصلاحية والتفاهمات مع مراكز القوى في النظام. وبعد 30 يونيو/حزيران والتدخل العسكري في الحياة السياسية، تقلَّص سقف الأهداف الثورية لدى كثير من المجموعات الثورية إلى مجرد إلغاء قانون التظاهر دون المطالبة بتغيير النظام أو حتى رأسه، بل صار بعض الأجنحة الشبابية في تمرد وحركة 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية) جزءًا من النظام القائم بدعمها لترشيح السيسي في الانتخابات الرئاسية.
التحالفات الثورية وكيانات المظلة التنسيقية
آلت الحركات الثورية في مرحلة ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013 إلى تعددية في الاتجاهات داخل القوى الثورية تختلف في الخطاب والرؤية والمواقف السياسية، تشمل ما يلي:
الاتجاه الأول: القوى الثورية الشبابية المستقلة
على الرغم من مشاركة هذه القوى في 30 يونيو/حزيران إلا أنها لم تكن تفضِّل سيطرة العسكر أو تمكين وزير الدفاع من الوصول إلى السلطة، بل كانت تسعى للإطاحة بمرسي كي يصل أحد قادة أحزابها أو رموزها إلى السلطة ليطبِّق برنامج ثورة يناير/كانون الثاني، وقد تراجع تدريجيًّا دعم القوى الثورية لسلطة 3 يوليو/تموز، فتجلَّى في ظهور فكرة الميدان أو التيار الثالث مبكرًا أثناء احتدام الصراع بين أنصار مرسي وأنصار 3 يوليو/تموز، وقد ضمَّ هذا الميدان الاتجاه الرئيسي من 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين وحزبي مصر القوية والتيار المصري اللذين اندمجا في مرحلة لاحقة، وحركة أحرار التي تعرضت لقمع شديد وتراجع دورها بصورة مؤقتة. وبصفة عامة فقد اتسم أداؤهم جميعًا بضعف الحضور الشعبي في الفعاليات بسبب حدَّة الانقسام أثناء هذه المرحلة. وقد تطور هذ التعاون، بعد فضِّ رابعة وخروج البرادعي من مصر وتراجع أبو الفتوح، إلى تشكيل جبهة صمود الثورة التي اصطدمت بالنظام في محطات بارزة، أهمها: ذكرى محمد محمود 2013، ومظاهرة مجلس الشورى الشهيرة حيث فوجئت بقسوة رد فعل النظام حيث جرى اعتقال وسجن أبرز قادتها ورموزها مثل أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة وعلاء عبدالفتاح، وجاءت فعاليتها الثورية والاحتجاجية في ذكرى يناير/كانون الثاني 2014 ثم مظاهرات الاتحادية التي كانت أقل زخمًا وحضورًا.
وقد اختفى حزب التيار المصري بعد اندماجه في حزب مصر القوية. وفي لحظة 30 يونيو/حزيران، كانت 6 إبريل أسيرة الجناح الأكثر ليبرالية في الحركة بعد أن مورست ضدها ضغوط باعتبارها حليفة للإخوان في ائتلاف شباب الثورة ومؤيدة لانتخاب مرسي في الانتخابات الرئاسية؛ مما اضطر أحمد ماهر للانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور في 2012 والالتحاق بالخيارات السياسية الكبرى لجبهة الإنقاذ.
ويلاحظ المتابع لخطاب بعض القوى الثورية ومواقفها، خلال العامين الماضيين، تراجعًا كبيرًا على مستوى الخطاب والممارسة الثورية، فلم يعد الحديث في خطابهم عن إسقاط النظام، بل إسقاط قانون التظاهر، كما تراجعت المشاركة في المظاهرات، بشكل كبير، لتصبح مشاركات رمزية موسمية، بل تحول موقف بعضهم من النظام، وبدأ الحديث عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية حول رؤية القوى الثورية للنظام الحالي وطريقة التعامل معه: هل يميلون إلى لعب دور المعارضة من داخل النظام، أم يريدون إسقاطه (1) ؟
وفي الذكرى الرابعة لثورة يناير/كانون الثاني ظهرت ملامح مضطربة في خطاب 6 إبريل وفقًا للأجنحة المختلفة وتوجهاتها السياسية إلا أن أبرز ما ظهر مقال للقيادة السجينة ممثلة في أحمد ماهر يتهم الإخوان بخيانة الثورة ويرفض التعاون معهم، وفي المقابل يسعى بعض المجموعات الشبابية داخل الحركة للنزول والتظاهر والاحتجاج، فيما كان البعض يترقب الإعلان عن عفو رئاسي لعدد من النشطاء الشباب. وعلى الرغم من ذلك أعلنت الحركة تضامنها مع حركات شباب ضد الانقلاب وغيرها من الحركات التي تظاهرت في نواحي ميدان التحرير قبل حلول الذكرى الرابعة للثورة، ودافعت عن حق الجميع في التظاهر أيًّا كانت انتماءاتهم السياسية، وأعلنت أنها ضد القمع والاعتقالات التي يتعرض لها الشبان المتظاهرون، مع رفض دعوات التصنيف والتفريق والتمزيق. ولا شك أن منطلقات هذا الإعلان الأخير قبل ذكرى يناير/كانون الثاني تعبِّر عن الاتجاه التوافقي الذي يؤكد على الاستمرار بالثورة ويرفض التصنيفات التي تفرِّق شمل الحراك الثوري، وينتقد النظام القائم بقوة. وهكذا فإن 6 إبريل ما زالت تتخذ سياسة الغموض البنَّاء في موقفها وهدفها النهائي من السيسي والنظام، بحيث لم تحدد هل الهدف هو فقط التظاهر أم إسقاط السيسي والنظام أم الضغط التدريجي وصولًا لذلك الهدف(2).
إن عدم إعلان الاتجاه الثوري الشبابي ممثلًا في 6 إبريل وجبهة صمود الثورة عن فعاليات كبرى في ذكرى يناير/كانون الثاني يشير إلى تراجع في وتيرة الحضور مقارنة حتى بفعاليات العام الماضي المحدودة، والتى تم تنظيمها تحت مظلة جبهة صمود الثورة التي اختفت تقريبًا منذ اعتقال علاء عبد الفتاح دينامو الجبهة وأبرز مؤسسيها إلى جانب استمرار تغييب مؤسس حركة 6 إبريل أحمد ماهر ومتحدثها الإعلامي النشط محمد عادل واختيار شباب مصر القوية لخيار الترقب والتراوح بين العمل السياسي الاحتجاجي والعمل الانتخابي. أما حركة الاشتراكيين الثوريين فقد دعت لتنظيم عدد من الفعاليات الخاصة بالحركة بشكل مستقل تنطلق من أمام مركز الدراسات الاشتراكية، ولم تنسق الحركة مع أي من الحركات والأحزاب والقوى الثورية. ودعت الحركة لحلقات نقاشية بالتركيز على ثلاث فئات اجتماعية أساسية في الثورة، هي: المرأة والعمال والأقباط.
أما الوجه النسائي للقوى الثورية والشبابية فقد تراجع حضوره أو غاب تمامًا عن المشهد بعد اختفاء شخصيات بارزة، مثل: أسماء محفوظ ونوارة نجم وأخريات مقابل صعود نسبي في حضور شخصيات، مثل: سناء سيف وماهينور المصري. أما الأحرار الطلقاء من رموز شباب الثورة فيبحثون عن مشاريعهم الخاصة أو السفر ويلجؤون إلى ممارسة أنشطة اجتماعية وتنموية غير مكلفة حرياتيًّا وجسديًّا ومربحة ماديًّا؛ فكثير من هذه النخب الثورية صار ينتهج الواقعية السياسية والبرود الأكاديمي في تحليل المشهد وترك وراءه فترة الحلم والانطلاق.
وقد أدى زخم الأحداث والحراك الثوري في الشارع في الأيام الأولى للذكرى الرابعة للثورة إلى دفع الحركات الشبابية إلى نزول الشارع في المناطق الملتهبة وتحديدًا في منطقة ميدان المطرية التي تحولت إلى رمز للمواجهة والثورة، وظهر ذلك في دعوة حركة 6 إبريل شبابها ومؤيديها لدعم المتظاهرين في المنطقة، وتجاوز معظم المواقع والكتابات الشبابية الثورية خصومتها مع الإخوان وشروطها المسبقة للتعاون والتنسيق فأظهرت تضامنًا وتأييدًا واضحًا للحراك الثوري في مواجهة السلطة.
الاتجاه الثاني: القوى الثورية في الأحزاب السياسية (شركاء جبهة الإنقاذ)
يضم هذا الاتجاه القوى الحزبية والنخب السياسية التي كانت جزءًا من ثورة يناير/كانون الثاني ودعمت 3 يوليو/تموز 2013، وشاركت في إدارة الحكومة ومؤسسات الدولة ولكن الانقسام فيما بينها وعدم وجود حاضنة شعبية قوية جعلها في موقف ضعيف أمام قوة الدولة وسطوة النظام، وكانت مشاركتها في البداية تعكس اتجاه نظام 3 يوليو/تموز إلى إضفاء طابع رمزي وثوري على شرعيته يحتاجها جناح السيسي لترسيخ شرعيته وإحداث توازن في مواجهة تغلغل أنصار مبارك وشفيق في مؤسسات الدولة.
يضم هذا الاتجاه قوى التيار الشعبي وحزب الدستور والتحالف الاشتراكي والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وبعض أجنحة حركة تمرد، وشبكات متنوعة من المثقفين والنخب الناصرية واليسارية والليبرالية الموجودة في أجهزة الدولة والإعلام والصحافة. وهذا الاتجاه يمثل الشريك الضعيف للسلطة وهو يعارض توجهاتها في قضايا الحريات وقانون التظاهر، ويظهر دعمًا لحق القوى الثورية والشبابية في الاعتراض والتظاهر، ولكنه يتحرك في إطار المسموح به من النظام، ولم يلجأ إلى ممارسة الاحتجاج بشكل رسمي ويتجنب التعرض لشرعية النظام أو الرئيس.
وتعد حركة تمرد الجناح الأكثر تمثيلًا لهذا التوجه من حيث المنطلقات والرؤى الكلية، ولكنها انقسمت إلى ثلاثة أقسام أساسية بعدما غاب زخمها وانصرف عنها أكثر مؤيديها؛ فهناك قسم منها يدعم السيسي بشكل مباشر بقيادة محمود بدر ومحمد النبوي ويستعد للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وهو يحظى بدعم إعلامي وسياسي من السلطة وبعض الجهات الخارجية. وقسم منها عاد إلى قواعده في حركة كفاية والاتجاه الناصري والتيار الشعبي ممثلًا في حسن شاهين ومحمد عبد العزيز، وهذا الجناح يمثل المعارضة تحت سقف النظام القائم مع رفض سياساته ولكنه لم ينزل الشارع محتجًّا بعد. وهناك قسم ثالث انضم إلى صفوف الحراك الثوري منشقًّا عن تمرد ومعلنًا قيام حركة تمرد 2 أو تحرر، ولكن مشاركته في الاحتجاجات لا تزال هامشية رغم دعوته للمشاركة في فعاليات 25 يناير/كانون الثاني(3).
وقد شهدت الشهور الأخيرة اتجاهات تطرح إمكانية بلورة بديل ثالث تقوده القوى الثورية بالتعاون مع أحزاب ورموز سياسية بارزة شاركت في ثورة يناير/كانون الثاني تحت مظلة الجمعية الوطنية للدستور، فهذه الأحزاب والكيانات وفَّرت -ولا تزال- حاضنة لدعم الحركات والقوى الثورية الشبابية وذلك من قبيل أحزاب التيار الشعبي والدستور والاجتماعي الديمقراطي وحتى حزب المصريين الأحرار. فهذه الحاضنة السياسية تتعاطف مع الحركات الشبابية، ليس فقط بسبب ميراث التعاون والتنسيق خلال ثورة يناير/كانون الثاني ولكن أيضًا -وهو الأهم- بسبب وجود قواعد شبابية لهذه الأحزاب لديها صلات وثيقة بالحركات الشبابية والثورية. فالعلاقات الأفقية بين الحركات الثورية والقواعد الشبابية للأحزاب قائمة ومتنوعة عبر أشكال مختلفة من التحالفات الشبكية، من بينها حركات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام وغيره. ولا تزال النخب الثورية وقيادات هذه الأحزاب يحدوها الأمل في الحصول على جزء من كعكة السلطة، خصوصًا في انتخابات البرلمان القادم من جهة، ويسيطر عليها هاجس عودة الإخوان برغبة في الانتقام من جهة أخرى؛ ولذلك فهي تُحجم عن توفير دعم جاد لحراك القوى الثورية والشبابية المستقلة بل تعمل على ضبط حركتها وتخفيض سقف معارضتها ضد النظام. ويلعب بعض الشخصيات النافذة من رجال الأعمال أدوارًا مهمة في التأُثير على الحراك الشبابي والقوى الثورية من خلال تبني ظهور بعض الشخصيات الإعلامية المحسوبة على ثورة يناير/كانون الثاني في قنواتهم الفضائية ووسائل إعلامهم.
الاتجاه الثالث: القوى المنسحبة من تحالف دعم الشرعية
قاد تحالف دعم الشرعية، الذي يضم الإخوان إلى جانب أحزاب أقرب للوسط واليمين السلفي، المظاهرات والاحتجاجات الواسعة في مصر منذ 30 يونيو/حزيران 2013، وصولًا إلى إحياء الذكرى الرابعة لثورة يناير/كانون الثاني، ولكن ظهر العديد من المشكلات الداخلية التي أدت إلى انسحاب بعض القوى والاتجاهات من التحالف؛ وهي تشمل قوى ثورية ومعارضة للسلطة وتصفها بالانقلاب، ولكنها فقدت الثقة في قدرة وفعالية تحالف دعم الشرعية وحده على تغيير الأوضاع، مثل: أحزاب الوطن والوسط وبعض أجنحة الجماعة الإسلامية، ولذلك انسحبت على أمل تشكيل تحالف أوسع مع الاتجاهين السابقين والإخوان كي يتم توسيع خريطة المعارضة، وربما كانت تسعى في البداية للاستجابة لبعض التوجهات الداعية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، ولكن اتجاه القوى التقليدية والفلول للسيطرة على البرلمان وتعثر أداء السلطة يجعلها أقرب للاستمرار في خط الثورة والاحتجاج.
الاتجاه الرابع: الحركات الثورية والشبابية الجديدة المنطلقة من الحاضنة الشعبية الإسلامية
استمرت حركة الإخوان وأنصارها من السلفيين في الحراك الشعبي والاحتجاجي ضد السلطة خلال أكثر من 19 شهرًا، حيث مرت بمنحنيات صعود وهبوط متعددة، ولم تنجح السلطة في وأد الحراك رغم استخدام الأساليب الأمنية الشرسة، وأعلن الإخوان تبني الثورة كخيار استراتيجي في المرحلة المقبلة حيث رفضت الاعتراف بالنظام القائم متمسكه بشرعية الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت بعد الثورة. وقد أفرز هذا الحراك كيانات شبابية ثورية جديدة نابعة من الحاضنة الشعبية الإسلامية الثورية التي تقف في مواجهة السلطة؛ فقد تبلورت معالم تيار شبابي ثوري جديد يعبِّر عن روح الثورة دون الالتزام بالكيانات الشبابية الثورية التقليدية اعتراضًا على ممارساتها وأخطائها السياسية، فظهر كثير من الوجوه والرموز الشابة والمستقلة من جيل ثورة يناير/كانون الثاني التي تسعى لتأسيس كيان شبابي جديد، كان من أبرزها حركة "أحرار" و"شباب ضد الانقلاب" ثم "طلاب ضد الانقلاب". وفي حين أن أحرار ترفض عودة مرسي والشرعية بشكل صريح فإن هذا القضية لا تشغل كثيرًا اهتمام وخطاب شباب ضد الانقلاب التي أعلنت المقاطعة الإيجابية لكل الاستفتاءات والانتخابات باعتبارها "مسرحيات هزلية"(4)، كما دعت للتظاهر في ميدان التحرير في مظاهرات مفاجئة مع الانسحاب سريعًا قبل الصدام مع الأمن. وقد أعلنت الحركة بالتعاون مع حركة طلاب ضد الانقلاب عن تدشين موجة ثورية جديدة تزامنًا مع الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، ودعت الأطياف والقوى الثورية للتوحد حول أهداف الثورة، وبدأت فعالياتها بمظاهرات مفاجئة في ميدان الأوبرا ووسط البلد في 21 يناير/كانون الثاني 2015(5). وتشكيل الحركة ورموزها وأجنحتها المختلفة يرتبط بالجهات الشبابية التي تنشط في الفعاليات الاحتجاجية المرتبطة بتحالف دعم الشرعية أو المستقلين إلا أنها تختلف عنه في قدرتها على امتلاك زمام المبادرة والمشاركة في فعاليات جريئة في الميادين الكبرى، خصوصًا ميدان التحرير مثلما حصل بعد صدور حكم براءة مبارك في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وكذلك في مضمون الاحتجاجات حيث لا ترفع صور أو شعارات عودة مرسي(6).
لقد برز دور حركة أحرار التي تعارض مرسي وحكم العسكر منذ 3 يوليو/تموز 2013 ولكنها ما زالت أكثر الحركات الشبابية غموضًا من حيث العضوية والقيادة وتعرضت مظاهراتها خصوصًا في ميدان سفنكس في 30 أغسطس/آب 2014 لقمع أمني عنيف، ورغم ذلك تعددت الاتهامات الموجهة لها تارة بأنها تابعة للإخوان أو حركة حازمون أو حتى إنها مخترقة أمنيًّا. وقد نظَّمت "حركة أحرار" تظاهرة مفاجئة في 22 يناير/كانون الثاني 2015 في ميدان التحرير واجهتها قوات الأمن بالخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، وألقت القبض على 25 متظاهرًا، ينتمون لـ"حركة أحرار" و"6 إبريل" و"الإخوان المسلمين"، كما تظاهر شباب حركة أحرار، داخل مترو الأنفاق، في محطة البحوث، بالقرب من ميدان الدقي.
والواقع أنه في ظل تراجع الكيانات الثورية التقليدية التي كانت طليعة ثورة يناير/كانون الثاني برزت اتجاهات ثورية جديدة لا تُعرف حقائقها كاملة بعد بسبب الضباب والغموض الذي يلف المشهد السياسي والثوري؛ فهناك جيل ثوري موجود في الشوارع والميادين يقود حراكًا ثوريًّا في ظروف صعبة، وينتظر الفرصة السانحة كي يتبلور كرموز وقيادات قادرة على التعبير عن الروح الثورية الجديدة من خلال قوى ثورية جديدة تتجاوز نخبة يناير/كانون الثاني 2011. هذه القيادات الثورية الجديدة قد لا تكون إحلالًا كاملًا محل القوى الثورية التقليدية ولكنها تضفي روحًا جديدة وتقدم رموزًا ثورية مبدعة تتجاوز تكلُّس الأطر الثورية التقليدية؛ فالأطر التقليدية التنظيمية للقوى الثورية تفقد حضورها وبريقها يومًا بعد يوم وينصرف عنها أفرادها الغاضبون إما إلى تشكيل كيانات جديدة أو التعاون مع كيانات قائمة لا تزال تملك جرأة الحراك في الشارع؛ فحركات مثل أحرار وشباب ضد الانقلاب وقسم من حركة 6 إبريل هي الأكثر مبادرة وتقوم بتحركات مفاجئة في الميادين مثل مظاهرات الأوبرا والتحرير يومي 21 و22 يناير/كانون الثاني التي نظمتها أحرار وشباب ضد الانقلاب وشارك بها أفراد من الوايت نايتس و6 إبريل في ميدان طلعت حرب والذين تراوحت أعمارهم بين 15-18 عامًا (7-8)، ومظاهرات أحرار و6 إبريل في الإسكندرية في القائد إبراهيم وكامب شيزار في 22 يناير/كانون الثاني(9)، ومظاهرات 28 يناير/كانون الثاني بالقرب من التحرير، وغيرها من الفعاليات السريعة والمفاجئة التي تتحدى أجهزة الأمن في أماكن بارزة.
وإلى جانب تلك ظهرت حركات ثورية أكثر راديكالية تتبنى تكتيكات الشغب والحرق وقطع الطرق ومواجهة الشرطة وإغلاق الهيئات والمؤسسات وتهديد رموز النظام مثل حركة المقاومة الشعبية والعقاب الثوري(10). وهذه الموجة الجديدة من الحركات تتجاوز الشكل التقليدي المعروف للقوى الثورية التقليدية من حيث لغة الخطاب العنيفة وروح التمرد والاتجاه للمواجهة والصدام مع أجهزة الأمن واستخدام السلاح في أحيان كثيرة. ويأتي ذلك التطور الخطير في إطار خطة للإرباك وإنهاك أجهزة الأمن والنظام من خلال تكتيكات وأساليب العصيان المدني والشغب بشكل مختلف عن القوى الثورية التقليدية والحركات الشبابية والإخوان التي اعتادت التظاهر في الميادين والشوارع الرئيسية. وهذا يرفع من سقف المخاطر بإمكانية ظهور حركات أو تنظيمات مسلحة تتبنى العنف والإرهاب كاستراتيجية وحيدة إذا استمرت حالة الانسداد السياسي وتفاقم القمع الأمنى.
محاور الاختلاف والتوافق
تغيرت المواقف تدريجيًّا وتنوعت السياسات بسبب التطورات المتلاحقة في المشهد المصري؛ فقد واجهت القوى الثورية خصوصًا الحزبية منها مأزقًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، فهي ساهمت في صنع السلطة الحالية لكنها جنت الإقصاء من مواقع القرار وخلفتها القوى التقليدية سواء من أنصار مبارك وشفيق أو الأحزاب التقليدية مثل الوفد والتجمع أو الاعتماد على جهات عسكرية وكثير منها على عداء وعدم وفاق مع القوى الثورية. وفي المقابل، شهد تحالف دعم الشرعية تفككًا في قمته بعد خروج الوسط والوطن وتململ الجماعة الإسلامية.
ويظهر تعدد وتنوع في المواقف والسياسات بين الاتجاهات المختلفة؛ فالاتجاه الأول الذي تمثله القوى الشبابية الثورية يتخذ موقف المعارضة منذ فضِّ رابعة وقانون التظاهر ولكنه لم يعلن صراحة سقوط شرعية النظام، وذلك على الرغم من المعارضة المستمرة لمجمل سياساته؛ فالتوجه السائد في الشهور الأخيرة هو وصف ما يحصل في مصر منذ 3 يوليو/تموز بأنه ثورة مضادة وانقلاب على يناير/كانون الثاني (وليس انقلابًا على مرسي) وهو ما يشي بقطيعة نهائية مع النظام خصوصًا من قِبل الاشتراكيين الثوريين و6 إبريل، فيما يبدو أن خطاب مصر القوية وأبو الفتوح لا يزال يحتفظ بشعرة معاوية مع النظام.
وفي المقابل، يعوِّل الاتجاه الثاني الذي تمثله الاتجاهات الحزبية على تحسين وضعه السياسي، مستفيدًا من ضغوط القوى الثورية والحراك الشعبي لإظهار قدرته على دعم النظام ومساعدته. وعلى عكس الطرف الأول الذي لا يملك ما يخسره فإن هذا الاتجاه لا يزال يسعى لتحسين تمثيله في السلطة من خلال البقاء في مناصب معينة مثل المجلس الأعلى للصحافة والإعلام والثقافة ومجلس حقوق الإنسان، وذلك إلى جانب الرغبة في الحصول على نسبة جيدة في البرلمان والطموح إما لتشكيل الحكومة أو المشاركة فيها بنصيب وافر. وفي ظل قانون الانتخابات الأخير وضعف الشعبية، يبدو أن هذا الاتجاه يفقد المراهنة تدريجيًّا على ذلك ويجد نفسه تدريجيًّا في موقع المعارضة للنظام، ويمكنه التحول في لحظة معينة إلى تبنى خيار المعارضة الثورية في الشارع إن وجد الفرصة سانحة للتغيير.
معوقات التحالفات وإمكانيات التعاون والتنسيق
هناك الكثير من الأسباب التي تعوق التنسيق والتوافق بين تحالف دعم الشرعية والقوى الثورية والشبابية، وتتمثل في:
1- الاختلاف حول الغاية والوسيلة: على الرغم من الاتفاق على الأهداف العامة لثورة يناير/كانون الثاني كعنصر وحدوي للتقارب، واستهداف هذه القوى من جانب الثورة المضادة إلا أن هناك اختلافًا حول الهدف السياسي الدقيق والوسيلة وتعريف الثورة والثورة المضادة، فتحالف دعم الشرعية يعتبر عودة مرسي وسيلة لتحقيق هذه الأهداف بينما تريد القوى الشبابية العودة إلى تاريخ 12 فبراير/شباط 2011 ورفض كل ما ترتب عليه من مسارات، أما اتجاه القوى السياسية فيقبل خريطة طريق السلطة منذ انقلاب 3 يوليو/تموز، ويريد تحسين وضعه التفاوضي في معادلة السلطة لمواجهة أجنحة السلطة الموالية لمبارك وشفيق.
2- الاستقطاب الأيديولوجي: حيث ينتمي التحالف للمرجعية الإسلامية التي ترفضها القوى الثورية؛ فتوجهات القوى الثورية الشبابية إما علمانية مدنية ليبرالية أو يسارية أو قومية من جهة.
3- اختلاف الوزن النسبي: حيث تميل الكِفَّة لصالح القوى الإسلامية في الحراك وفي الانتخابات بينما تعاني القوى الثورية من ضعف قوتها الانتخابية والشعبية، وفي المقابل تملك القوى الحزبية والثورية حضورًا مهمًّا في المجال الإعلامي وتعاطفًا خارجيًّا يُعتد به في الإعلام العالمي، ونزولها الشارع يحظى دائمًا بتعاطف خارجي لأنها تجمع بين معارضة السلطة الانقلابية والإسلاميين في نفس الوقت.
4- الاختراقات الخارجية ووجود اتجاهات متناقضة داخلها: فمعظم القوى الأساسية سواء في السلطة أو الخارج أو حتى الإخوان والإعلام ورجال الأعمال والقوى التقليدية لديها نفوذ وجهات مؤيدة في أوساط القوى الثورية والشبابية، واستراتيجيات النظام تستخدم العصا والجزرة فتقرِّب بعضها حينًا وتعاقبها حينًا آخر.
5- هناك مراكز قوى غير محددة بدقة وممتدة بين الحركات والأحزاب والداخل والخارج قادرة على توجيه الأفكار في القوى الشبابية، وقادرة على إعاقة التعاون أو إثارة الخلافات رغم عدم انتمائها الصريح للقوى الثورية.
6- الانعكاسات السلبية للتعاون والتقارب على الحلفاء الأصليين: فتحالف دعم الشرعية سيفقد بعضًا من داعميه من الاتجاهات الإسلامية السلفية والمحافظة، والقوى الثورية ستفقد بعضًا من داعميها من الاتجاهات العلمانية.
آفاق التعاون والتقارب
هناك دعوات متكررة للاصطفاف والتوافق بين القوى الثورية دون استثناء من خلال "حسم الرؤية بتحديد خطاب ثوري يتحرك في مسارات ثلاثة: خطاب يشرع في التهيؤ للممارسة الواسعة للنقد الذاتي. خطاب دعوة إلى الاصطفاف الثوري بين الجميع. خطاب مقاطعة صريحة لأي استحقاق انتخابي". وتعتبر هذه الدعوات أن "التوافق السياسي، الآن، ضرورة وواجب لحماية ظهر المتظاهرين الشباب المقاوِم على الأرض، بضم شباب آخر إليهم"(11).
خاتمة
إن الحساب السياسي في الأوساط الشبابية والثورية لواقع وحجم التراجع الضخم إن لم يكن هزيمة الثورة أمام ما يعتبرونه ثورة مضادة قوية وكاسحة صار جليًّا؛ ولذلك فإنهم يفضِّلون الكُمُون والترقب والانتظار دون اندفاع في مواجهات وحراك غير مضمونة العواقب. وهناك شبه توقف كامل لفعاليات الحراك الثوري والاحتجاجي من قبل القوى الشبابية والحركية بسبب ضعف الأداء والتراخي والتكلفة السياسية المرتفعة. وقد شهدت أجواء ما قبل يناير/كانون الثاني 2015 شبه إحجام واضح من القوى الثورية التقليدية عن إعلان النزول للشارع أو الوصول للميادين، وسيق العديد من الحجج من قبيل أن التظاهر ليس هو الشكل الوحيد لإحياء ذكرى 25 يناير/كانون الثاني(12). ويفسر بعض الاتجاهات داخل القوى الثورية موقفها الرافض للتظاهر المستمر بالمآلات السلبية المرتبطة بالاعتقالات والأحكام والمواجهات الأمنية، وذلك إلى جانب رفض نزول الشارع مع الإخوان لما يرتبط بذلك من خلافات ومصادمات حول طبيعة الشعارات المرفوعة؛ حيث يقوم بعض الفعاليات الشبابية برفع شعارات ليس فقط ضد النظام ولكن ضد الإخوان ومرسي في نفس الوقت تحت الشعار الشهير "يسقط كل من خان: عسكر وفلول وإخوان".
وفي المقابل، يؤدي زخم الأحداث وتصاعد الحراك الثوري في الشارع إلى تقارب وتضامن بين جميع القوى الثورية، كما تجلَّى في أحداث الذكرى الرابعة للثورة، وتحديدًا في ميدان المطرية الذي يتحول تدريجيًّا إلى ميدان جديد للثورة يماثل التحرير ورابعة في الذاكرة الثورية المصرية. وظهر ذلك في دعوة حركة 6 إبريل شبابها ومؤيديها لدعم المتظاهرين في الميدان، وذلك إلى جانب المشاركة في فعاليات مشتركة في وسط البلد وتحديدًا في منطقة عبد المنعم رياض ونقابة الصحفيين في اليوم الأول للذكرى، وأظهر معظم الاتجاهات الثورية تضامنًا وتعاطفًا واضحًا مع المتظاهرين في هذه الأحداث؛ فالروح الثورية لا تزال متوقدة وهناك تصاعد في المزاج الثوري لدى القواعد الشبابية الإخوانية والسلفية التي صارت تقود الحراك الثوري في الشارع، كما أخذت تلوح فرص متعددة لاستعادة مسار الثورة مرة أخرى من خلال تعاون بين الكيانات الثورية التقليدية والكيانات والقوى الجديدة التي يقودها ويوجِّه حركتها حُلم التغيير والثورة مما يجعلها أكثر قدرة على تجاوز ضغوط الواقع وقيوده.
ويلاحَظ أن القوى الشبابية والثورية والحزبية تدرك أن الإخوان والقوى الشعبية المؤيدة يتواجدون بقوة في الشارع في تظاهرات وفعاليات مستمرة ويبادرون إلى دعوات لحراك شعبي بينما تعاني القوى الشبابية والثورية من ضعف التنسيق وغياب الزخم وانصراف القواعد الغاضبة؛ وبالتالي فإن فرصتها في قيادة الحراك الثوري في 25 يناير/كانون الثاني أو توجيهه صارت أصعب إلا من خلال تنسيق مع الإخوان وقواعدهم الشعبية. وفي المقابل، فإن هناك توجهًا آخر يرتبط بشباب الأحزاب السياسية يفضِّل الانتظار والصبر حتى يُنهِك الصدام بين الإخوان والنظام الطرفين، ويضطران إمَّا للمصالحة فيما بينهما أو انسحاب الإخوان وتحالف دعم الشرعية وتراجعهم عن تصدر المشهد، مما يسمح بتبلور البديل الثالث الذي تقوده القوى الثورية بالتعاون مع أحزاب ورموز سياسية لا تزال توفر حاضنة لدعم الحركات والقوى الثورية والشعبية من قبيل أحزاب التيار الشعبي والدستور والاجتماعي الديمقراطي وحتى حزب المصريين الأحرار، خصوصًا في ظل حالة من الغموض التي تسود علاقة هذه الأحزاب جميعًا بالنظام.
والواقع أن نجاح القوى الثورية والشبابية في تصدر المشهد وتولي زمام القيادة بهدف إعادة تكرار سيناريو ثورة يناير/كانون الثاني يرتبط بالوصول إلى نقطة توازن تتضمن تراجع الإخوان للخلف وانسحابهم من قيادة الحراك أو تصدره، وتوافر دعم الحاضنة الحزبية والسياسية من شركاء يناير/كانون الثاني، وتعرُّض النظام لضغوط تقيده وتحد من استخدام القوة ضد الفصائل الثورية وأنصارها. وفي المقابل، لا يمكن استبعاد حدوث تحولات مفاجئة في توجهات الشارع الثوري المصري، سريع الانقلاب وتغيُّر المزاج في السنوات الأخيرة؛ مما يترتب عليه خروج مظاهرات وحشود شعبية ضخمة تفرض على جميع القوى الثورية بمختلف توجهاتها التقارب والتعاون بشكل لاحق وتابع لحراك الشارع وليس سابقًا أو موجهًا له.
_____________________________________________________
أحمد تهامي عبدالحي، أستاذ السياسات المقارنة والباحث في شؤون الحركات الاجتماعية والشبابية.
هوامش:
1) سيف الدين عبدالفتاح، ثورة يناير تنادي بالاصطفاف، 23 يناير/كانون الثاني 2015،
http://www.alaraby.co.uk/opinion/49fab644-b581-4521-be3b-285f2909a600
http://rassd.com/1-128573.htm (2)
(3) "تحرر" تعقد مؤتمرًا صحفيًّا غدًا لبحث مظاهرات 25 يناير، المصريون 21 يناير/كانون الثاني 2015،
ttp://almesryoon.com/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9/646349-%C2%AB%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D8%B1%C2%BB-%D8%AA%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%8B%D8%A7-%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%D9%8B%D8%A7-%D8%BA%D8%AF%D9%8B%D8%A7-%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-25-%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1
(4) حركة شباب ضد الانقلاب تدعو للتظاهر يوم 6 إبريل، إخوان أونلاين، 3 إبريل/نيسان 2014،
http://www.ikhwanonline.com/Article.aspx?ArtID=181323&SecID=230
(5)طلاب وشباب ضد الانقلاب تعلنان حالة النفير بدءًا من اليوم استعدادًا لذكرى 25 يناير، المصريون، 21 يناير/كانون الثاني 2015،
http://almesryoon.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/blog/11-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86/646109-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B1-%D8%A8%D8%AF%D8%A1%D9%8B%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D9%8B%D8%A7-%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9
(6) "شباب ضد الانقلاب" تتخلَّى عن شعارات عودة مرسي، المصريون، 21 يناير/كانون الثاني 2015،
http://almesryoon.com/%D8%AF%D9%81%D8%AA%D8%B1-%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86/646693-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%B3%D9%8A
(7)http://www.elwatannews.com/news/details/645761
(8)http://www.youm7.com/story/2015/1/22/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%…-% D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D9%8A%D9%81%D8%B6%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D8%A9-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%AA-%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%AA%D8%B3-%D9%886-/2036723#.VMIaCUeUeTs
(9)
http://www.youm7.com/story/2015/1/22/%D8%A3%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%B1--%D9%88-6-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%84--%D9%8A%D9%82%D8%B7%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%86%D9%8A%D8%B4-%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B4%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%83%D9%86%D8%AF%D8%B1/2037079#.VMIZlkeUeTs
(10) http://www.elwatannews.com/news/details/645917
(11) سيف الدين عبدالفتاح، ثورة يناير تنادي بالاصطفاف، 23 يناير/كانون الثاني 2015،
http://www.alaraby.co.uk/opinion/49fab644-b581-4521-be3b-285f2909a600
(12) سياسيو الإسكندرية: المناخ العام يمنعنا من التظاهر بذكرى الثورة، مصر العربية، 25 يناير/كانون الثاني 2015، http://www.masralarabia.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9/469907-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%83%D9%86%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%86%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D9%81%D9%8A-25-%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84