الانتخابات الرئاسية النيجيرية: أي رهان؟

من الصعب معرفة الفائز في الرئاسيات النيجيرية المتوقع إجراؤها منتصف فبراير الجاري، فالرئيس الحالي جوناثان غودلاك مرشح الحزب الحاكم، وتشكيلات المعارضة عينت محمدو بوهارو مرشحها وهناك مرشحون آخرون، ويبقى الوضع الأمني المقلق بفعل عمليات بوكو حرام عقبةً ستؤثر في هذه الانتخابات وما سينتج عنها.
201522271924376734_20.jpg
المعارضة النيجيرية تتحد خلف المرشح بوهارو (رويترز)
ملخص
تم تصنيفُ نيجيريا سنة 2014 على أنها أكبر اقتصاد إفريقي متقدمةً بذلك على جنوب إفريقيا، إلا أن هذا النمو الاقتصادي يأتي في سياق أمني مقلقٍ وخطيرٍ جراء ازدياد نفوذ جماعة بوكو حرام الجهادية في العديد من المناطق بشمال نيجيريا فضلا عن تمدد نشاطها ليشمل دولا مجاورة مثل الكاميرون. وتأتي هذه التطورات الاقتصادية والأمنية لتلقي بظلالها على المشهد السياسي الذي يترقب رئاسيات منتصف فبراير /شباط 2015 الوشيكة. تقدم الرئيس الحالي جوناثان غودلاك للترشح مجدّدًا للرئاسيات لكن حصيلة سنواته الأربع على المستوى الأمني تشكل عقبة كأداء أمامه، فضلا عن أن المعارضة الديمقراطية قد التأم شملها خلف مرشحها الموحد: محمدو بوهارو. إلا أن  هنالك تحدياتٍ كثيرةً تنظر هذه الانتخابات الحاسمة في تاريخ نيجيريا السياسي ولعل من أبرزها استحالة إجراء الاقتراع في المناطق التي تسيطر عليها جماعة بوكو حرام. ومن بين تلك التحديات أن المعارضة، رغم وقوفها خلف مرشح واحد، فإن خطابها قد لا يكون مقنعا للناخب النيجيري خصوصا وأن أغلب قادتها جاؤوا من حزب الشعب الديمقراطي الحاكم فنقطة ضعفهم أنهم إذا انتقدوا السلطة وحزبها الحاكم فسيكون في ذلك انتقادٌ لهم هم أنفسهم، فمعظم المنتقدين من المعارضة هم أعضاء سابقين في ذلك الحزب، أو في تلك السلطة حتى وقت قريب.

يتناول هذا المقال الانتخابات الرئاسية النيجيرية والحالة الاقتصادية للبلد الذي يعيش صداما مع تنظيم بوكو حرام الموسوم بالإرهابي في ظل تعاظم شأن مرشحين للرئاسة من بين عدة مرشحين وفي ظل تأجيل هذه الرئاسيات من طرف اللجنة الوطنية للانتخابات لغاية 28 مارس/ آذار 2015 (بعد أن كان إجراؤها مقررا في 14 فبراير/ شباط 2015).

السيل لا يتوقف أبدًا! فالإعلام الدولي مستمر في تقديم الأخبار السلبية يومًا بعد يوم عن أكثر الدول الإفريقية كثافة سكانية: نيجيريا. المعلومات الإيجابية عن نيجيريا؛ التي تجعلها رسميًّا الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في إفريقيا في العام 2014(1) تاركة بذلك جنوب إفريقيا وراءها, تبدو بعيدة المنال. قبل أيام قليلة من وقت انطلاق الانتخابات الرئاسية منتصف فبراير/شباط القادم حيث يتقدم الرئيس الحالي جوناثان غودلاك(2) مرشحا عن الحزب الحاكم, أصبح من الضروري أخذ بعض الوقت لتحليل السنوات الأربع الماضية؛ التي أصبحت فيها حركة بوكو حرام أكبر وأكبر، كما أن الاقتصاد أظهر بعض نقاط الضعف المقلقة؛ وهذا ما يجعل الحملة الرئاسية الحالية متميزة؛ خاصة أنه للمرة الأولى منذ أن أصبحت الديمقراطية مطبقة في البلاد نجد المعارضة متحدة خلف مرشح واحد هو محمدو بوهارو.(3) 

بوكو حرام: وحش نامٍ

بعد تأسيسها من طرف محمد يوسف عام 2002, تحولت الحركة الإسلامية المعروفة ببوكو حرام إلى مجموعة إرهابية منذ 2009؛ وذلك عقب مقتل قائدها على يد الجيش النيجيري في عاصمة ولاية بورنو ميدوغوري في الشمال الشرقي من البلاد، ومنذ ذاك الوقت يمكن تلخيص استراتيجية حكومة الرئيس غودلاك, الذي أخذ السلطة بعد وفاة عمر يارادوا عام 2010, في شعار واحد: تعزيز الأمن والجيش أكثر وأكثر، وقد أدى الافتقار إلى الإرادة من أجل نقاشات سياسية مع القادة الفعليين لحركة بوكو حرام، وأيضًا استخدام الأسلحة الثقيلة ضد الجماعة, إلى جعلها ثورية وغير قابلة للتفاهم أو الطاعة. شيئًا فشيئًا, تحولت هوية بوكو حرام من جماعة دينية تدعو إلى المزيد من احترام الشريعة المطبقة في اثنتي عشرة ولاية شمالية من نيجيريا بين عامي 1999 و2000 وأيضًا إلى إقناع السياسيين الشماليين بذاك التوجه, إلى مجموعة إرهابية قادرة على إرسال فتيات صغيرات مفخخات بقنابل إلى الأسواق المكتظة لقتل أكبر عدد من المواطنين. تحولت الرسالة الدينية الصادقة التي يتمسك بها العساكر إلى حركة ضخمة تتم قيادتها أساسًا من طرف بعض المجرمين الذين يمارسون أعمالاً عبر الحدود ويتزايدون يومًا بعد يوم بسبب الفوضى العارمة.

ساعدت جماعة بوكو حرام جميع الناس من دون أية علاقة محددة؛ وذلك إما من أجل إخفاء عمل ما (نهب الناس على الأرض وإبقاء بعض المنافسات جانبًا)، أو من أجل مشروع سياسي ما (إسقاط الرئيس الحالي جوناثان غودلاك؛ وهو مسيحي قادم من الجنوب). ويشتبه في أن بوكو حرام قد حصلت على الدعم من طرف بعض السياسيين الشماليين؛ وذلك بسبب غضبهم من إبعادهم عن السلطة في أبوجا؛ وهو ما منعهم من الحصول على بعض الأعمال المربحة؛ إذ إن قطاع النفط يسيطر عليه حلف قريب من الرئيس غودلاك وينتمي لنفس جماعته العرقية: الإيجاو, ديزاني آليسون مادويك. وقد تكون حركة بوكو حرام تلقت مساعدة من طرف السياسيين, لكن من الصعب معرفة إن كان أولئك السياسيون, الذين كانوا متضايقين في بداية حقبة الرئيس غودلاك, لا يزالون يُمسكون بقبضتهم على الجماعة؛ التي يبدو أنها أصبحت شيئًا فشيئًا تنظيمًا هرميًّا بين القادة والمسلحين.

في إطار سعيها إلى قهر بوكو حرام, قامت الحكومة النيجيرية بزيادة ميزانية الأمن والدفاع من 100 مليار نيرس نيجيري (أي ما يعادل 625 مليون دولار) في 2010 إلى تريليون نيرس نيجيري في الأعوام 2012, و2013، و2014.(4) وقد أدى تفاقم الصراع العسكري في المدن الثلاث الرئيسة (بورنو, آداماوا ويوبى) حيث تنشط حركة بوكو حرام؛ وحيث إن الرئيس غودلاك قام أيضًا بفرض حالة طوارئ منذ مايو/ أيار 2013,(5) إلى زيادة العنف أكثر وأكثر وذلك بسبب أن العديد من المواطنين؛ الذين لا يمتُّون بأية صلة للحركة قد قتلهم الجيش النيجيري.

لقد باتت رؤية الجيش المتمثلة في ترويض حركة بوكو حرام هي الرؤية السائدة وما عداها يبقى في حكم النادر، وقد حاول مستشار الأمن القومي النيجيري الحالي صمبو دسوقي, وهو المسؤول عن الهيئات الأمنية للدولة والمكلف بتقديم المشورة للرئيس حول تلك القضايا, شرح استراتيجية أخرى خلال مؤتمر صحفي في مارس/ آذار 2014.(6) وقد تعهد المستشار يومئذ بإيجاد استراتيجية لمكافحة الإرهاب سماها: "الأسلوب السلس" للظفر بالحرب ضد بوكو حرام.(7) وقد شرح المستشار أيضًا الحاجة الماسَّة لتكييف نظام لاعتقال وسجن أعضاء بوكو حرام، وقد دافع أيضًا عن الجهود الطارئة حول التنمية في شمال نيجيريا؛ خاصة المنطقة الشمال/شرقية؛ حيث توجد قاعدة بوكو حرام وحيث الاقتصاد في فوضى منذ عقود. إن أغلب المشاريع التنموية في نيجيريا تتركز أساسًا في منطقتين رئيستين إحداهما العاصمة السابقة لاغوس، حيث توجد كل الخدمات والبنى التحتية الثقافية كالدراما النيجيرية (نوليوود) ومقرات الشركات، أما الثانية فهي دلتا النيجر حيث اكتُشفت تموينات من النفط والغاز منذ أواخر الخمسينات. أما باقي مناطق نيجيريا فلا يمثل الأهمية نفسها بالنسبة إلى الحكومة الفيدرالية في أبوجا.

كان يمكن للاستراتيجية المعتمدة ضد بوكو حرام أن تكون مغايرة لو أن التمرد حدث في منطقة أخرى؛ فعلى سبيل المثال تم تقديم العفو عن عشرين ألف مسلح في دلتا النيجر في 2009؛ وذلك لوقف التخريب المتعمد للبنى التحتية المتعلقة بالغاز والنفط؛ الذي تسبب بشكل مباشر في خلق مشاكل لاقتصاد الدولة. وإلى الآن, فالاستراتيجية التي اقترحها مستشار الأمن القومي سامبو داسوكي لم تؤثر بشكل حقيقي على الحكومة؛ التي ما زالت نظرتها الأمنية تقودها مؤسسة الجيش، التي حصلت على تمويلات ضخمة مقابل نتائج ضئيلة على أرض الواقع.

لا تمثل جماعة بوكو حرام اهتمامًا لنيجيريا وحدها بل للكاميرون وتشاد أيضًا؛ فالكاميرون هي أكثر الدول –بعد نيجيريا- عرضة لعمليات الجماعة؛ إذ إن الكثير من الهجمات قد حدثت على الجزء الشمالي من أقاليمها. فعلى خلفية اعتقال بعض أعضاء الجماعة في يوليو/تموز 2014 –مثلاً- ومحاكمتهم من طرف القضاء الكاميروني, قامت الجماعة بخطف زوجة رئيس الوزراء الحالي آمادو علي. والحالة نفسها حدثت لأسرة فرنسية (موليين فورنيي)، وقد تم اختطافها مع أطفالها لبضعة شهور في 2013. في أوائل فبراير/ شباط 2015، كانت دولة النيجر للمرة الأولى المتضرر المباشر من جماعة بوكو حرام خصوصا في جنوب مدينة ديفا.(8)

هذه الأحداث بَيَّنَتْ كيف أن تأثير بوكو حرام أصبح يتسع يومًا بعد يوم، وبَيَّنَتْ -أيضًا- كيف أن الحدود لا تشكِّل حاجزًا؛ بل على العكس من ذلك يمكن أن تكون الدول الأخرى مفيدة لخطف الغربيين الذين اختفوا بشكل كامل من شمال نيجيريا وطلب فديات أو الاختباء حتى من الجيش النيجيري في الدول المجاورة؛ لأن هذا الجيش لا يمكنه التوغل داخل الحدود الكاميرونية لعدم وجود اتفاق بين الدولتين الجارتين حول هذا الموضوع، وقد تم القيام بالقليل من الأنشطة منذ قمة باريس في مارس/آذار 2014 حين ناقش رؤساء النيجر, تشاد, الكاميرون، ونيجيريا طريقة مشتركة لترويض جماعة بوكو حرام مستخدمين عبارة "الحرب الشاملة" ضد الحركة؛ وكان من المهم جدًّا التأكد من أن الرؤساء كانوا يتحدثون معًا (وهو ما لم يحدث من قبل)، وأنهم يحاولون تبادل معلومات استخبارية وتنسيق استراتيجيات من شأنها هزيمة التنظيم. إلا أنه إلى الساعة, وعلى أرض الواقع, فإن كل ذلك لم يكن كافيًا، وعلى اعتبار أن الجيش التشادي يعتبر الأكثر كفاءة في المنطقة فإنه بعض كتائبه قد دخلت الكاميرون في 17 يناير/ كانون الثاني 2015 بعد أن طلب الرئيس الكاميروني بول بيا من نظيره التشادي ذلك التدخل. ونظرا لخطر بوكو حرام المتزايد فإن نيجيريا نفسها قد قبلت منذ 4 فبراير/ شباط 2015 فتح حدودها أمام القوات التشادية.(9) وهذا ما يوضح مدى تعقيد الوضع حيث إن الجيش النيجيري ظل إلى وقت قريب رافضا أي تدخل عسكري لأي جهة خارجية على أرضه. ومع بداية فبراير/ شباط 2015 فإن خمس دول هي:  نيجيريا، بينين، تشاد، الكاميرون والنيجر قد قررت تشكيل قوة مكونة من ثمانية وسبعمائة جندي لمواجهة بوكو حرام.(10)

إن هذه المنطقة هي أصلا منزعجة بسبب العديد من الهموم الأمنية القادمة من ليبيا ومالي. إن بوكو حرام ليست هي المشكلة الوحيدة؛ وإنما هي واحدة من جملة من المشاكل التي تشكل صداعًا لرؤساء المنطقة؛ زيادة على ذلك, فالقوى الأمنية لدول جوار نيجيريا تعتبر بشكل كبير أن بوكو حرام هي أولاً وقبل كل شيء حركة وطنية ذات أهداف وطنية خلافًا للجماعات النشطة في شمال مالي وجنوب ليبيا؛ التي تدعو منذ بدايتها إلى جهاد دولي. غير أن المساعدات التي يقدمها آلاف الجنود التشاديين الذين أرسلهم الرئيس إدريس ديبي إلى شمال الكاميرون في منتصف يناير/كانون الثاني 2015 تبين حجم جدية الوضع، وكيف أن الدول المحيطة بنيجيريا يزداد اهتمامها مع تنامي الخطر الذي يهدد استقرارها.

دلتا النيجر: جوهرة الفيدرالية الفاسدة

لا تزال قرابة 60% من مداخيل الدولة النيجيرية تأتي من صناعة الغاز والنفط، وبالنسبة إلى الحكومة, يمثل قطاع النفط المصدر الرئيس للحصول على رؤوس الأموال؛ خاصة على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية حين بقي سعر برميل النفط عاليًا. غير أن دلتا النيجر(11) والمتكونة من تسع ولايات منتجة للنفط, والمعرضة لما بات يعرف "بسرقة النفط". وهنالك تنظيم ضخم يمتهن التلصص وتضم العديد من الشبكات وله عملاء عديدون, يقوم بسحب النفط الخام مباشرة من الأنابيب ويبيعه لمصفاة في المنطقة أو يصفيه هذا التنظيم بنفسه في حاويات خاصة. ويباع المنتوج المصفى في السوق السوداء بأسعار تنافسية مقارنة مع وقودٍ مستورد مدعوم من طرف الدولة. وقد أصدر الرئيس السابق عمارو يارادوا عفوًا عما بات يعرف بـ"المناضلين"، الذين كانوا يخربون منشآت النفط والغاز باحثين بذلك عن وسيلة للضغط على شركات النفط وعلى الحكومة من أجل تقسيم أكثر عدلا للثروة النفطية. وقد توقف التخريب تقريبًا لكن سرقة النفط ما فتئت خارجة عن السيطرة. في عام 2014, أشار مالكو الشركات النفطية الكبرى إلى أن ثلاثمائة ألف برميل تتم سرقتها يوميًّا وهو ما يعادل إنتاج الكونغو. وتبدو هذه المعطيات مقلقة؛ إذ إنها تمثل خسائر تقدر بـ12 مليار دولار لكل من الحكومة وشركات النفط؛ وذلك حين كان سعر برميل النفط بـ 100 دولار. وبسبب هذا الأمر فإن سرقة الإنتاج النفطي وانعدام نظرة ذات إطار قانوني بعيدة الأمد فإن بيتروليوم إنداستري بيل (Petroleum Industry Bill) قد قادت مفاوضات مع الدولة منذ 2007، يضاف إلى ذلك الانسحاب الواسع لكبريات الشركات النفطية مثل "شيل"(12) و"شيفرون" من استغلال الاحتياطات النفطية الشاطئية منذ ابتداء مأمورية الرئيس غودلاك (2011-2015). كما أن شركة "كونكوفيليبس" ConocoPhillips قد باعت كل أصوبها لشركة "وانادو" النيجيرية.(13) وقد خلَّف ذلك عواقب على الإنتاج الذي هبط من 2.38 مليون برميل في اليوم عام 2012 إلى 2.2 مليون برميل في اليوم عام 2014، وحتى إن كان الاقتصاد الآخر غير النفطي (الخدمات51% من الناتج المحلي مقارنة مع الصناعة التي تبلغ نسبة 24%) في نمو, فإن مداخيل النفط تبقى ضرورية بالنسبة إلى الحكومة لدفع رواتب الموظفين، وأيضًا لإقامة بنى تحتية أساسية للدولة ذات 170 مليون نسمة. إن القليل من مشاريع النفط الضخمة هي قيد النمو باستثناء بونغا في الجنوب الغربي؛ حيث تعمل شركة "شيل"؛ التي يمكن أن تضيف 200.000 برميل في اليوم في ظرف زمني قدره 5 سنوات. علاوة على ذلك, وبعد هبوط برميل النفط إلى 45 إلى 50 دولار في فبراير/ شباط 2015, فقد يجعل نيجريا تواجه سنة صعبة جدًّا لأن الحكومة لم تنجح في استثمار الكثير من المال حين كان السعر مرتفعًا مع أنها أنشأت "حساب الرصيد الخام" في 2014 حين بدأ النفط ارتفاعه، ومنذ سنة 2011 فإن الدولة تدير "الهيئة السيادية للاستثماء" التي لا يوجد في رصيدها اليوم أكثر من 2 مليار دولار.(14)

استحقاقات فبراير/شباط: تعليق حقيقي يلوح في الأفق

قد يكون من الصعب تنظيم انتخابات فبراير/شباط 2015 الرئاسية في المدن التي تنشط فيها جماعة بوكو حرام وينطبق ذلك أيضًا على المدن التي تتزايد فيها التفجيرات وانعدام الأمن كما هو حال ولاية كانو (وهي أكثر الولايات كثافة سكانية في البلاد). إلا أن تلك المسألة ليست من اهتمام حزب جوناثان غودلاك (المرشح عن حزب الشعب الديمقراطي) وحده؛ لأن تلك الولايات الشمالية في الأغلب ستصوت للمعارضة على غرار كانو, بورنو, آداماوا، ويوبي؛(15) لأن حكامها لا ينتمون لحزب الشعب الديمقراطي الحاكم. وفي حال انخفاض معدل التصويت في تلك الولايات فإن ذلك قد يؤثر بشكل كبير على حظوظ مرشح المعارضة محمدو بوهاري. هذا الأخير تم اختياره عقب استطلاع للرأي في ديسمبر/كانون الأول 2014 في لاغوس حين منحه آلاف الجنود الشرعية ليكون المرشح الوحيد للمعارضة في مواجهة الرئيس غودلاك. محمدو بوهاري جنرال سابق في الجيش النيجيري، وقد سبق له أن حكم البلاد ما بين عامي 1983 و1985. وتعد هذه هي المرة الأولى منذ القضاء على الدكتاتورية وموت الرئيس السابق ساني آباشا, التي تجتمع فيها المعارضة تحت يافطة واحدة (مؤتمر كل التقدميين APC) وخلف مرشح واحد. وسيكون حزب الشعب الديمقراطي, الذي حكم البلاد بشكل مستمر منذ 1999, أمام تحدٍّ كبير في سعيه لقهر المعارضة.

غير أنه لا تزال لدى حزب الشعب الديمقراطي أوراق كثيرة يمكنه أن يستخدمها؛ أولاً: وكما قلنا من قبل فإن المناطق التي تعوِّل عليها المعارضة تعاني من محيط فوضوي بسبب تمرد بوكو حرام، وأما ثانيًا: فبحكم أنه الرئيس, يمكن لجوناثان غودلاك أن يضع يده على رؤوس الأموال الضخمة، كما يمكنه استخدام إدارة حزب الشعب الديمقراطي الكبيرة وشبكاته على عموم تراب نيجيريا، حيث تنشط العساكر في كل الولايات الست والثلاثين. وثالثًا: توجد انتقادات عديدة موجهة لمحمدو بوهاري، ومن المؤكد أن حزب الشعب لن يفوت الفرصة لاستخدام تلك الانتقادات كلما كان ذلك ممكنًا. نذكر من تلك الانتقادات أن محمدو بوهاري وصل إلى السلطة عام 1983 عن طريق انقلاب عسكري، وسبق له أن فشل كمرشح في ثلاثة استحقاقات رئاسية في أعوام 2003, و2007، و2011 كما أنه -أيضًا- رجل مسن إذ يبلغ من العمر 72 عامًا، وأخيرًا بما أنه مسلم فبعض قادة حزب الشعب الديمقراطي الحاكم يُخَوِّفون المصوتين بالقول: إنه سيُبْعِدُ المسيحيين.

إن نتائج رئاسيات فبراير/شباط 2015 القادمة لن تتأثر بالإنجازات التي حققها الرئيس الحالي غودلاك؛ وإنما بقدرة الحزب الشعبي الديمقراطي على السيطرة على الوضع واستخدام نفوذه (المال والتنظيم) لاستمالة رغبات المصوتين. إلا أن لدى يافطة المعارضة المتمثلة في "مؤتمر كل التقدميين" بطاقة يمكن أن تلعبها وذلك بأن يستخدم بمهارة لاعبيه المتصدرين المشهد (وهم حكام أكبر الولايات، مثل: لاغوس, كانو، ريفرز) مثل: الناطق باسم البرلمان أمينو وزيري, نائب الرئيس السابق عتيقو أبو بكر وآخرون. لكن وبحكم أن بعضهم هم أعضاء سابقون في حزب الشعب الديمقراطي الحاكم، مثل: عتيقو أبو بكر, أمينو وزيري، وروتيمي آميتشي من ريفرز, فنقاط ضعفهم هي الافتقار إلى رؤية مشتركة وإلى برنامج؛ بيد أن انتقاد سلطة ما وحزب معين قد يكون مهمَّة صعبة؛ خاصة إذا كان معظم المنتقدين هم أعضاء سابقين في ذاك الحزب، أو في تلك السلطة حتى وقت قريب، وقد يفهم المصوتون الأمر على أن أولئك القادة انتهازيون يقودهم افتقادهم للفرصة في الحصول على مسيرة أفضل في الحزب الذي غادروه: حزب الشعب الديمقراطي الحاكم. وهذه النقطة -أيضًا- قد يستخدمها حزب الشعب لنزع الثقة من المعارضة.
_____________________________
بنيامين أوجى - باحث مشارك في برنامج إفريقيا جنوب الصحراء بالمركز الفرنسي للعلاقات الدولية.

ملاحظة: ترجم النص إلى اللغة العربية: المصطفى محمد - باحث وكاتب موريتاني.

الإحالات
1 – See: Africa’s new Number One (The Economist), Apr 12th 2014,
http://www.economist.com/news/leaders/21600685-nigerias-suddenly-supersized-economy-indeed-wonder-so-are-its-still-huge
2 - ولد جوناثان غودلاك سنة 1957 في ولاية بايلسا بدلتا النيجر كما أنه ينتمي لقبيلة إيجاو التي تعد واحدة من أكبر الأعراق في منطقة جنوب الجنوب بنيجيريا وتضم نحو 10 ملايين نسمة. عين غودلاك حاكما بولاية بايلسا من 2005 إلى 2007. وقبل انتخابه رئيسا في عام 2011 كان نائب الرئيس في عام 2007 وكان نائب رئيس الجمهورية سنة 2010. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في البيطرة من جامعة بورت هاركورت في ولاية ريفرز.
3 - تولى محمدو بوهاري رئاسة نيجيريا ما بين عامي 1983 و 1985، وهو الآن سياسي متقاعد.
4 - International Crisis Group, "Curbing violence in Nigeria II: the Boko Haram insurgency", Report n° 216, 3 April 2014.
5 - Again, Jonathan Extends Emergency Rule in Borno, Yobe, Adamawa, (This Day Live), 14 May 2014,
http://www.thisdaylive.com/articles/again-jonathan-extends-emergency-rule-in-borno-yobe-adamawa/178501/
6 - تم تطوير هذه الاستراتيجية مرة أخرى من قبل صمبو دسوقي في مؤتمر عقد في تشاتام هاوس في لندن في 22 يناير/ كانون الثاني 2015.
7 - Dasuki (Mohammed Sambo), Nigeria’s Soft Approach to Countering Terrorism, March 18, 2014,
http://ireports-ng.com/2014/03/18/nigerias-soft-approach-to-countering-terrorism-by-mohammed-sambo-dasuki/
8 - Boko Haram attacks border towns in Niger (Aljazeera.com), 06 Feb 2015,
http://www.aljazeera.com/news/africa/2015/02/boko-haram-attacks-border-town-niger-150206124054962.html.
 9 - Chadian Troops Kill over 200 Boko Haram Insurgents, (This Day Live), 05 Feb 2015,
http://www.thisdaylive.com/articles/chadian-troops-kill-over-200-boko-haram-insurgents/201043/
10 – See: Reuters in:
http://uk.reuters.com/article/2015/02/07/uk-nigeria-violence-cameroon-idUKKBN0LB0RY20150207.
11 – هذه المنطقة تنتج النفط والغاز منذ عام 1958 ولكنها تعاني من تلوث بيئي على نطاق واسع ومستمرة يعود إلى تسرب النفط الذي من أسبابه من سوء صيانة خطوط أنابيب النفط البرية من قبل الشركات الكبرى، كما كان نتيجة تخريب بعض المنشآت التي تهرب النفط الخام. وقد تأثرت التربة والمياه بالتلوث كما فقد الكثير من المزارعين والصيادين وظائفهم. وعلاوة على ذلك، فإن دلتا النيجر التي تحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، فإن الكهرباء مفقود بسبب انعدام شبه دائم لشبكة الغاز، ثم إن شركات النفط تفضل حرق الغاز (حتى لو كان ممنوعا بموجب القانون)، على تسعيرة الشراء المقدمة من قبل الدولة النيجرية التي لا تستحق الاستثمار حسب بعض القطاعات الخاصة.
12 – see:
http://www.thisdaylive.com/articles/shell-concludes-sale-of-oil-blocks-to-aiteo-erotron-others/191927/.
13 – See:
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/7f5454c4-1734-11e4-b0d7-00144feabdc0.html.
14 – See:
http://www.premiumtimesng.com/business/175125-nigerias-excess-crude-account-2-45-bn.html.
15 – ينتمي ولاة هذه الولايات إلى أحزاب المعارضة، ورغم ذلك فإن الرئيس الحالي غودلاك قد حصل فيها على أكثرية الأصوات خلال رئاسات 2011 متقدما على غريمه محمدو بوهاري.

نبذة عن الكاتب