أصبح التعاقد مع الشركات الأمنية الخاصة ظاهرة منتشرة في إفريقيا (الأوروبية – أرشيف) |
ملخص وتبقى هذه الشركات الأمنية لتي تعمل الآن بكثر في قارة إفريقيا مؤسسات تستبيح المجال الإفريقي استخباراتيا وترتبط بشكل متصل بالقوى الغربية التي كانت تستعمر دول القارة. ولعل ضعف أغلب الدول الإفريقية وهشاشة مؤسساتها العسكرية قد شجع على الاستعانة بخدمات هذه الشركة. |
توطئة
تعتبر الشركات الأمنية الخاصة إحدى الأذرع العسكرية للعولمة الأمنية(1)، ويُعَدُّ انتشارها بشكل متزايد في إفريقيا تحديدًا بمثابة أداة استعمارية جديدة تُؤَكِّد عجز المنظومة السياسية للدول الإفريقية لمجابهة آليات اختراق السيادة.
إنها نمط يمتدُّ إلى دول تتجه جيوشها إلى قمع الشعوب الإفريقية بدل حماية الحدود وصيانة السيادة، وإلا كيف نفسِّر الإنفاق العسكري المتزايد في إفريقيا والتسابق المحموم على التسلُّح من جهة، والضعف البنيوي في حماية الدولة، ولعلَّ حالات (ساحل العاج، إفريقيا الوسطى، غينيا، أنغولا، الصومال، سيراليون، ليبيا، مصر) خير دليل على غلبة منطق (العسكرة) على منطقة التعاطي مع المؤسسة العسكرية بشكل احترافي.
وينتشر في العالم عددٌ كبير من الشركات الأمنية العسكرية العملاقة التي تتخذ من القارات الخمس بؤرة لنشاطها التدخُّلي المحموم؛ فعلى سبيل المثال تنشط الشركة البريطانية (G4) في 110 دولة، وتُوَظِّف أكثر من 570 ألف موظف؛ ولك في حين تمارس الشركة السويسرية الأمنية (securitas) نشاطها في 45 دولة، وتُوَظِّف ما مجموعه 250 ألف موظف، وتمارس الشركة الفرنسية (scopex)(2) عملها بحرية تامة في أقاليم إفريقيا تحديدًا وآسيا دون حسيب أو رقيب؛ وذلك في ظل تنسيق كبير من رؤساء دول إفريقيا؛ التي يحمل عدد كبير من سياسييها جنسيتها!
لعلَّ التساؤلات الجوهرية التي تستحثُّ الباحث عند مقاربة الإشكالية:
-
إلى أي مدى يُترك المجال على مصراعيه لهذه المؤسسات الأمنية الدولية للعمل في إفريقيا دون رقابة في ظلِّ تنامي التهديدات الأمنية؟
-
هل بإمكان هذه الشركات الأمنية "الربحية/التدخُّلية" أن تعمل حقيقة على صيانة (أمن دول) ينخر فيها الفساد؟
إفريقيا بين كماشة الجماعات الراديكالية ونمو الشركات الأمنية الخاصة
تُعَدُّ الشركات الأمنية الدولية الخاصة أحد أهم مظاهر العولمة الأمنية، وتُشير التقارير المختلفة إلى أن هذه الشركات تمتلك معسكرات تدريب ولها سجون، ولا تخضع للقوانين المحلية بشكل يفتح ثغرات واسعة في جدار السيادة؛ الذي تعتبره الدول أحد أبرز سماتها.
وتمثِّل هذه الشركات مظهرًا من مظاهر العولمة من خلال المؤشرات التالية:
-
تشكِّل نمطًا من الخصخصة؛ فبعد أن كانت الدولة تحتكر "القوة الخشنة" المتمثلة في القوة الأمنية والعسكرية، أصبحت هذه الشركات تُزاحم أجهزة الدولة بعضًا من وظائفها.
-
تدلُّ المؤشرات المتوفرة على أن هذه الشركات تُسهم في تشجيع الكفاءات على الهروب من المؤسسات العسكرية؛ حيث تصل الأجور إلى ما بين 400-600 دولار يوميًّا، وتصل أحيانًا إلى 1000 دولار يوميًّا.
-
تنقل هذه الشركات الأسلحة عبر الحدود دون الخضوع لرقابة السلطات الحكومية في هذه البلاد، علمًا بأنها تمارس عمليات النقل في حوالي 50 دولة منها دول عربية؛ بل يعمل في العراق حوالي 55 شركة من هذه الشركات.
ومع تزايد انتشار الشركات الأمنية الخاصة كمظهر من مظاهر التدخل الدولي الجديد وكآلية "للعولمة الخشنة"، تنامت ظاهرة مكملة لتعاظم الشركات الأمنية، وهي ظاهرة عولمة السجون، وظهور آليات وأذرع لهذه الشركات (شبكات تجسسية جديدة، وسائط دعم لوجستي عسكري، تنسيق مع مختلف الدوائر والمؤسسات الدبلوماسية للدول العظمى، امتلاك سجون داخل الدول الإفريقية ومخابئ ومدخرات للأسلحة).
من الضروري الإشارة إلى عولمة السجون؛ التي تعدُّ الدول العربية من أبرز الدول المشاركة فيها؛ إذ تشير الدراسات إلى أن هناك 66 دولة تحتفظ بسجون "معولمة"؛ منها تسع دول عربية، وتعني عولمة السجون أن تحتجز دولة معينة في أراضيها سجناء يحملون جنسية دولة ثانية، وذلك لحساب دولة ثالثة، وعبر شركات طيران أو وسائط نقل تابعة لدولة رابعة؛ ويرتبط هذا الأمر بتماهي الحدود الفاصلة بين الأمن المحلي والأمن الخارجي، وترابط عمل الأجهزة الأمنية المحلية والخارجية مع تجاوز واضح للقيود الدستورية بين الدول. ويرتبط بهذه الظاهرة بروز موضوع عولمة القضاء؛ إذ أصبح بإمكان منظمات دولية أن تُشَكِّل محاكم لها صلاحيات محاكمة زعماء وقادة سياسيين متجاوزة القضاء الوطني وتشريعاته، وتدل الأرقام المتاحة أنه حتى عام 2007 كان هناك 300 قاض دولي يعملون في مجال النظر في قضايا حقوق الإنسان في مناطق مختلفة من العالم(3).
في الولايات المتحدة الأميركية -على سبيل المثال- يفوق حجم الإنفاق وحجم التوظيف في القطاع الأمني الخاص ما هو الحال عليه في القطاع الأمني الحكومي الرسمي؛ ففي عام 1990 وحدها أنفقت أميركا نحو 25 مليار دولار على القطاع الأمني مقارنة بـ 30 مليار على الشرطة الرسمية، وبالنظر إلى الأوضاع الوظيفية نجد أن أكثر من 10 آلاف شركة أمن خاصة قامت بتوظيف نحو 1.5 مليون حارس؛ وهو ما يمثل ثلاثة أمثال الحال في القوى الأمنية الحكومية؛ التي بلغ العدد فيها نحو 554 ألفًا.
وتقوم الشركات الأمنية الخاصة في الدول الأوروبية كبريطانيا وألمانيا وهولندا بالعديد من الأدوار؛ فهي تُسهم في تنظيم وحراسة المنشآت التجارية وحماية الشخصيات؛ وهي بذلك تعد إحدى المنظمات الأمنية الداعمة للقطاع الأمني الرسمي بما توفِّره من مقومات مهمَّة في عملية حفظ الأمن والاستقرار(4).
واستنادًا إلى ما أوردته صحيفة (نيويورك تايمز) فإن بلاك ووتر خلقت شبكة من أكثر من 30 شركة وهمية وشركات تابعة للحصول على ملايين الدولارات من عقود الحكومة الأميركية.
تُعَدُّ شركة داينكورب (Dyncorp) واحدة من أكبر الشركات الأمنية الخاصة في العالم إذ توظف 17 ألف شخص، ولها أعمال تتجاوز 200 مليار دولار، وهي جزء من (الرابطة الدولية لعمليات السلام) التي تمثل مصالح اللاعبين الرئيسين "صناعة السلام والاستقرار" في العالم.
وتعتبر إفريقيا الملعب المثالي للشركات الأمنية الدولية الخاصة؛ لأنها في عام 2004 انتزعت شركة (داينكورب) عقدًا لتدريب قوات حفظ السلام في السودان وعمليات المساعدة في بناء البنية التحتية والنقل من قوات السلام للاتحاد الإفريقي.
من جهته اعترف إمبري (Imbrie) مدير تطوير الأعمال في هذه الشركة سنة 2008 بأن "إفريقيا هي في الحقيقة جزء من الهدف المثالي للشركة؛ لأنها ساعدتنا في إبرام عقود مع الشركات الأميركية والأمم المتحدة؛ التي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة، وإنها تنظر في المزيد من الفرص في سلامة شركات النفط، ومعدات التعدين، والشركات الغربية الأخرى العاملة في إفريقيا، ومنذ سنة 2005 ساعدت رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية في تشكيل ما يقارب 80% من جنود عمليات حفظ السلام الإفريقية و39 ألف جندي في 20 بلدًا"(5).
بدأت القوى الدولية الكبرى تحصد نتائج استراتيجيات إعادة احتلالها البطيء والناعم -لمستعمراتها السابقة في القارة الإفريقية- في ظلِّ تزايد الدول الفاشلة(6)، ولا أدلَّ على ذلك مما حدث في القضية الشهيرة لشركة ساندلاين (Sandline) سنة 1997 ضدَّ حكومة بابوا نيو في غينيا؛ حيث استعان رئيس الوزراء السابق السير جليوس شان بخدمات شركة ساندلاين الأمنية ضدَّ المتمرِّدين في جزيرة بوجينفيل، وتسبَّب ذلك في خسارة منصبه في الانتخابات، ومديونية للدولة تقدَّر بـ 36 مليون دولار.
تُسَوِّق الشركات الأمنية العالمية خدمات الحراسة الأمنية -في عصر العولمة- كخدمة تجارية لجميع الزبائن الدوليين، ونتيجة لتطور نظام الخدمات والتنافسية بينها، اشتهرت خدمات الشركات الأميركية؛ مثل: شركة داينكورب (Dyncorp)، وشركة ميليتاري بروفشيونال رسورسيز (Military Professional Resources) (MPRI)، التي قامت بتدريب قوات الشرطة العراقية بعد احتلال العراق في مارس/آذار 2003، كما استعانت جلوبال ريسك إنترناشيونال البريطانية (Global Risk International)، باستخدام مرتزقة خدمات قوات الجيرخاء (Gurkhas) من التبت وفيجي، لتوفير الحراسة للمسؤولين الأميركيين في العراق، وقام أفراد شركة غستر باتلز (Guster Battles) بحراسة مطار بغداد ومهام نقاط التفتيش والحواجز، وتولَّت شركة إريني (Eriny)، مهمة حراسة آبار النفط العراقية. وتدخل هذه السياسة الجديدة للاستعانة بالشركات الأمنية في سياق وعد وزير الدفاع الأميركي السابق رونالد رامسفيلد بتخفيض عدد القوات الأميركية إلى 200 ألف جنديٍّ، والتوسُّع في استخدام الشركات الأمنية الخاصة بدلاً منها(7)!!
ولاحظ الباحثون الاقتصاديون أنَّ الإدارة الأميركية تُرَكِّز خططها الأمنية والعسكرية على حماية مصالحها الاقتصادية في القارة الإفريقية، وتحسب واشنطن حسابات دقيقة لدور المخاطر السياسية في تهديد المصالح الأميركية، خصوصًا أنَّ الجماعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في القارة الإفريقية أصبحت تختطف الرعايا الأميركيين، لتمارس ضغوطًا على الإدارة الأميركية، كما ظهرت كذلك المخاطر الجديدة للثورات(8).
لطالما تأسَّست الدولة الإفريقية على وضعية "تبعية التحولات" التي مرَّت بها؛ نتيجة استراتيجيات الدعم الغربيِّ للسياسيين ورجال الاقتصاد والتجارة، حتى العسكريين المتنافسين على قيادة الدول الإفريقية، وسوق مؤسساتها في خدمة الاستراتجيات المركزية للقوى الاقتصادية الدولي الكبرى، ويُدرك علماء الاقتصاد والسياسة في واشنطن ولندن وباريس وبرلين أنَّ إفريقيا ستظلُّ "قارة الفرص" لعدَّة عقود مقبلة؛ لما تمتلكه من قدرات على فتح أسواق جديدة، ترتبط فيها مصالح الدول المتقدِّمة مع رساميل الشركات العالمية العملاقة؛ حتى إنَّ إسرائيل تمتلك مشروعها الخاص في اختراق القارة الإفريقية والاستفادة منها على الصعيد الاقتصادي؛ وذلك في ظلِّ غياب الدول العربية(9).
في ثنايا مناخ غير مستقرٍّ وموسوم بانتشار الإرهاب وسطوة الجماعات المسلحة، ومع تعدُّد الانقلابات وازدهار أنشطة التهريب أصبحت إفريقيا بمثابة "المجال الحيوي" للشركات الأمنية الفرنسية؛ يقول جيل روسيل الذي يُدير شركة "أو بي أس أفريك"، إحدى الشركات العسكرية الناشطة على امتداد القارة الإفريقية: "نحن نقوم منذ 10 سنوات بعمليات تدخُّل في إفريقيا، على غرار غينيا الاستوائية والكونغو الديمقراطية وموريتانيا وإفريقيا الوسطى، ومؤخَّرًا نقوم بذلك في تونس"..
إن هذه الشركات تُطالب اليوم بأن يقع النظر إليها كمقدِّم خدمات، تنشر عناصرها حين يظهر الفشل على أحد أنظمة الدفاع في الدول الإفريقية؛ وذلك على غرار ما حصل في عام 2013، حينما تدخَّلت شركة "أو بي أس" الفرنسية لحماية رئيس إفريقيا الوسطى السابق فرانسوا بوزيزي من هجوم قادته السيليكا (تنظيم عسكري سياسي)، وتمكَّنت من تهريبه خارج البلاد؛ وبذلك "تُعتبر إفريقيا سوقًا مستقبلية للشركات الأمنية الخاصة، كونها تستفيد من الشبكات التي تتوافر عليها فرنسا على مستوى القارة"(10).
من جانبه يُؤَكِّد "دافيد بفوتيهاور" الكاتب بالنشرية الإفريقية للدفاع أنه على الرغم من غياب المعطيات الرقمية عن عدد الشركات الأمنية الخاصة الناشطة في القارة الإفريقية؛ فإن هذه الشركات تنقسم إلى صنفين: تلك التي تتدخَّل بشكل مباشر في الأزمات؛ وذلك مثل وضعٍ يتطلَّب إخماد نيران انتفاضة ما على غرار شركات؛ مثل: "إكزيكوتيف أوتكمس" (Executive Outcomes) و"ساندلاين"، وتلك التي تتبع عمليات حفظ سلام؛ مثل شركة "دينكورب"؛ التي لجأ إلى خدماتها لتدريب الجيشُ الأنغولي في إطار عملية تهدئة.
ولعلَّ ما يبلور جملة هذه المعطيات يكمن في ذلك التساؤل الذي يطرحه عسكري إنجليزي بقوله: "لماذا نواصل الإنفاق على عمليات أممية غير ناجعة، فيما يمكن للشركات الأمنية الخاصة القيام بذلك بشكل أكثر فاعلية وبنفقات أقل بعشرة أضعاف؟"(11).
ارتهان الأمن الإفريقي
يقوم عدد من الضباط الإسرائيليين المتقاعدين بتأسيس شركات أمنية خاصة لتقديم خدمات أمنية في مختلف دول العالم خاصة إفريقيا؛ وكشفت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا -في بيان لها- أن هؤلاء الضباط يُسَجِّلون هذه الشركات في دول أوروبية وفي دول أخرى نظرًا إلى الحساسية التي تُثيرها جنسيتهم الإسرائيلية، ويعملون على تجنيد عسكريين من جنسيات مختلفة؛ وذلك للعمل في مجال حراسة المرافق الحساسة والشخصيات المهمَّة.
وقالت المنظمة: إن من أبرز الشركات التي تمَّ رصدها في هذا المجال شركة "بنيتل إنترناشيونال سكيوريتي"؛ التي أسَّسها الجنرال الإسرائيلي بني طال سنة 1981، وهو ضابط أمنٍ عمل في مجال الحراسات الشخصية لمسؤولين إسرائيليين كبار؛ مثل: إسحاق رابين، وشمعون بيريز, وتنشط الشركة من خلال أربعة فروع في إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا، وتفتخر بأنها بَنَتْ شبكة علاقات دولية تُقَدِّم خدمات أمنية وصلت إلى حدِّ التدخُّل في النزاعات الداخلية للدول، خاصة الإفريقية؛ واتهمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان العاملين في هذه الشركة بتحوُّلهم إلى "مجرَّد مرتزقة يرتكبون الجرائم لحساب قادة وأجهزة استخبارات متنفذة".
وفي تعليقها على هذا التقرير نبَّهت المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى مدى النفوذ والحصانة المطلقة التي تتمتع به هذه الشركة في هذه الدول، وهو ما يُبرز "الاختراق الإسرائيلي الرسمي للدول الإفريقية، والتحكُّم في مقدَّراتها السيادية"..
وطالبت المنظمةُ المجتمعَ الدولي ودول الاتحاد الأوروبي بمراجعة التراخيص الممنوحة لهذه الشركات؛ حتى لا تكون هذه الدول "قاعدة تنطلق منها لتنفيذ جرائم باسم الأمن"(12).
ويُشير الخبراء في مجال "إدارة التهديدات الدولية" إلى الخطورة التي ينطوي عليها غياب تنظيم قانوني لنشاط هذه الشركات، ويرون أنه من الضروري اعتماد إطار قانوني يُنَظِّم أنشطة الشركات العسكرية الخاصة؛ حتى لا تُشَكِّل وضعًا تفرض من خلاله هذه الشركات إملاءاتها على الدول؛ التي ستكون حينئذٍ قد تخلَّت عن دورها السيادي بتأمين وظيفة الدفاع(13)؛ فضلاً عن الاعتبارات السياسية التي صاحبت وضعها، بحيث تظهر صعوبة كبيرة في تطبيق الشروط الخاصة بالمرتزقة على هذه الشركات(14).
إن انسحاب الدول العظمي مضافًا إليه عجز الأمم المتحدة عن تعبئة القوات اللازمة؛ قد سهَّلا استئناف نشاطات المرتزقة على إثر اندلاع بعض النزاعات الإفريقية؛ وذلك بسبب الحاجة التي أبدتها بعض الدول الضعيفة أو الديكتاتورية في التسعينات من القرن الماضي، كانت الشركات الأولى التي استرعت الانتباه هي شركة جنوب إفريقية إكزيكوتيف أوتكمس (Executive Outcomes)، وإسرائيلية (لفدان)، وبريطانية (ساندلاين)، وأميركية (MPRI)، وقد تدخَّلت في الأزمات ذات الطابع الاقتصادي المهم؛ كالنفط في أنغولا، والماس في سيراليون، وقد رأى الاختصاصيون في الظاهرة "انبعاثًا للارتزاق في شكل جديد".
تمثل شركة إكزيكوتيف أوتكمس نموذجًا لهذه النشاطات؛ فقد تأسَّست عام 1989 في جنوب إفريقيا، وأبرمت عقدها الأول عام 1992 مع شركات نفطية بـ80 مليون دولار مع الحكومة الأنغولية، وفي أوج نشاطها كانت هذه الشركة موجودة في أكثر من ثلاثين بلدًا إفريقيًّا؛ وذلك مع 500 موظف في أنغولا وسيراليون، وقد تمَّت تصفية الشركة رسميًّا عام 1998؛ لكن الظاهرة لا تنحصر في المرتزقة، وذلك لكون نشاطات الشركات الأمنية الدولية تلبِّي عددًا أوسع من الحاجات الأمنية، ويمثل القطاع الخاص الموسع للنشاطات الأمنية مقدار أعمال يبلغ حوالي خمسين مليار دولار في جميع المجالات، ويعمل فيه مليونا شخص إذا تمَّ احتساب موظفي الولايات المتحدة؛ من بينهم 800 ألف في أوروبا؛ ففي فرنسا وحدها يبلغ إجمالي هذا القطاع 1.5 مليار دولار، و90 ألف وظيفة؛ أي يُعادل عدد الشرطة الوطنية.
وفي مصر شكَّلت الشركات الأمنية الخاصة كيانات متخصصة في أعمال مكافحة الشغب، وهي تتستَّر وراء وظيفة تقديم خدمات أمنية، ويتشكَّل الهيكل الأمني لهذه الشركات من ضباط من الجيش والمخابرات، كما أن تسليحها لا يخضع لضوابط قوية؛ بل هشَّة ومطاطة، وأبرز شركة عملاقة في الأمن شركة فالكون؛ التي يرأسها رجل الأعمال نجيب ساويرس.
ويرى الخبراء أن استبدال هذه الشركات برجال الداخلية جاء بسبب الضغوط الداخلية والإقليمية لوضع حدٍّ للاضطرابات في الداخل المصري, ويرون أن الاستعانة بشركة فالكون في مصر هو بمثابة ردِّ الجميل لرجل الأعمال ساويرس؛ الذي ساند تدخُّل الجيش في مصر في يونيو/حزيران 2013؛ لأنه يملك 40% من رأس مال هذه الشركة، وأضافوا أن ميزانية فالكون أكبر من ميزانية البحث العلمي في كل جامعات مصر، وقد سجلَّت مجموعة فالكون ما يتجاوز 164 مليون جنيه من إيرادات سنة 2013(15).
ولا تُوجد إحصائية رسمية تُبَيِّن عدد الشركات العاملة فعليًّا بشكل إجمالي في مجال التأمين والحراسة في مصر؛ لكن هناك تقارير ودراسات مختلفة قدَّرت عدد هذه الشركات بما يتراوح بين 200 – 500 شركة؛ وتعتبر شركة "كير سرفيس" أول شركة مصرية أمنية خاصة؛ حيث تأسست عام 1979، تولَّت مهمة حراسة السفارة الأميركية، ثم تطوَّر عملها ليصل إلى حدِّ التنسيق الأمني بين الطرفين المصري والإسرائيلي(16).
استنتاجات عامة
-
الشركات الأمنية الخاصة آليةٌ تدخلية في القارة الإفريقية المستباحة؛ يتمازج فيها العمل العسكري الاستخباراتي بالخبرة اللوجستية، وتتحالف بشكل متين مع الدول الاستعمارية السابقة، كما تعمل بتنسيق قوي مع الممثليات الدبلوماسية للدول الكبرى.
-
الشركات الأمنية سيتعاظم دورها في ظلِّ مؤسسة عسكرية إفريقية غير احترافية تعاني كباقي المؤسسات من مظاهر الفساد والصفقات المشبوهة، وهي تتحالف مع أنظمة هشَّة.
-
من العجيب أن حجم الإنفاق على التسلُّح يتزايد في إفريقيا، وعلى الرغم من ذلك لا تزال المؤسسة العسكرية في إفريقيا (جنوب الساحل تحديدًا) عاجزة عن إحلال الأمن الداخلي، وهو ما يجعلها أسيرة تحالفات مع مؤسسات عسكرية دولية (ظاهرها أمني) وباطنها استخباراتي.
_________________________
أ. د. بوحنية قوي: أكاديمي جزائري.
الهوامش
(1) حول العولمة العسكرية وخصخصة القطاع الأمني يُطالَع: (الكتاب المميز في 239 صفحة).
Joakim Berndtsoon، the privatisation of security and state control of Force، changes، challenges and the case of Iraq، University of gothenburg،2009.
(2) يطالَع الحوار مع المدير التجاري السيد (David Hornus) للشركة الفرنسية الأمنية (Scopex) مع الموقع الإلكتروني (afrik.com)على الرابط:
la sécurité made in France le 23 Juillet 2003 par David cadasse.
www.afrik.com/article6393.htmle تم التصفح يوم 28 فبراير/شباط 2015.
(3) وليد عبد الحي، انعكاسات العولمة على الوطن العربي، الدار العربية للعلوم ناشرون (مركز الجزيرة للدراسات، 2011، الدوحة)، ص66-68 (بتصرف).
(4) منصور مقعد العتيبي، دور شركات الأمن الخاصة في المجال الأمني من وجهة نظر المختصين، رسالة مقدَّمة لاستكمال متطلبات شهادة الماجستير في العلوم الاجتماعية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ص45، 46، 48.
(5) Régis soubrouillard. sociétés militaires privées. après la guerre. la paix privatisée.04/11/2010
http://www.marianne.net/Dossier-Societes-militaires-privees-la-paix-privatisee_a199291.html page web consultée le 01/03/2015.
(6) أولريش بيك، مجتمع المخاطر العالمي: بحثا عن الأمان المفقود (القاهرة: المركز القومي للترجمة، المشروع القومي للترجمة، المركز الثقافي الألماني، العدد: 2006، 2013)، ص217.
(7) حسن الحاج علي أحمد، خصخصة الأمن: الدور المتنامي للشركات العسكرية والأمنية الخاصة (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سلسلة دراسات، العدد: 123، 2007)، ص10.
(8) صبحي قنصوه، "التحولات الديمقراطية الحالية في إفريقيا: الأسباب في الموسوعة الإفريقية" (طرابلس: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، المجلد الخامس، مايو/أيار 1997)، ص109-144.
(9) إيان بريمر، بريستون كيت، الذيل السميك: أهمية المعرفة السياسية في الاستثمار الاستراتيجي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، المشروع القومي للترجمة، المركز الثقافي الألماني، العدد: 1872، 2012)، ص361.
(10) الفوضى تُرَوِّج لشركات الأمن الخاصة في إفريقيا، العربي الجديد، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
http://www.alaraby.co.uk/economy/8a8ad96d-c0f9-4570-88d0-f818c08f3450
تم التصفُّح يوم 1 مارس/آذار 2015.
(11) إفريقيا.. سوق مزدهر للشركات العسكرية الخاصة،
http://www.almorakib.com/article.php?id=260526&pid=56
تم التصفح في 1 مارس/آذار 2015.
(12) إسرائيل تتغلغل أمنيًّا في إفريقيا،
http://www.aljazeera.net/news/international/2012/7/28إسرائيل-تتغلغل-أمنيًّا-في-إفريقيا
تم التصفح يوم 23 فبراير/شباط 2015.
(13) الفوضى تروّج لشركات الأمن الخاصة في إفريقيا، مرجع سابق.
(14) أسمهان عبد الحميد، دور شركات الأمن الخاصة في الصراعات الداخلية في إفريقيا،
http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=633649 تم التصفح يوم 23 فبراير/شباط 2015
(15) أسباب تنامي الشركات الأمنية بالعالم العربي،
http://ajel.net/articles/outdetails/28/874135.aspx
(16) عادل القاضي، التجارة الرابحة: شركات الأمن الخاصة في زمن الانفلات الأمني وتحلل الدولة، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2014،
http://altagreer.com/التجارة-الرابحة-شركات-الأمن-الخاص-في-ز/
أهم الشركات الأمنية العسكرية الخاصة
اسم الشركة |
الدولة |
|
اسم الشركة |
الدولة |
Aid |
USA |
Hill |
USA |
|
Ad |
USA |
ICI |
US |
|
Airscan.inc |
USA |
International |
USA |
|
AMA |
UK |
International |
Israël |
|
Armorgroup |
USA |
Kroll |
USA |
|
Atlantic |
France |
Life |
S |
|
Automatique |
USA |
Logicon،inc |
USA |
|
Beni |
israël |
Mamboji |
Angola |
|
Betac |
USA |
Meteoric |
S |
|
Booz |
USA |
Nicholas |
S |
|
Bridge |
S |
Northbridge |
UK |
|
Compagnie |
France |
Olive |
UK |
|
Euro |
France |
Strategic |
US |
|
Executive |
Etats-unis |
Saladin |
UK |
|
Falconer |
S |
Sandline |
GB |
|
Genric |
Etats-unis |
Saracen |
Ouganda |
|
GEOS |
France |
Southern |
Sierra |
|
Global |
UK |
Special |
UK |
|
Global |
UK |
Special |
UK |
|
Global |
Canada |
SSI |
UK |
|
Global |
UK |
Strategic |
UK |
|
Global |
UK |
Sygma |
SWITZERLAND |
|
اسم الشركة |
الدولة |
|
اسم الشركة |
الدولة |
Aid |
USA |
Hill |
USA |
|
Ad |
USA |
ICI |
US |
|
Airscan.inc |
USA |
International |
USA |
|
AMA |
UK |
International |
Israël |
|
Armorgroup |
USA |
Kroll |
USA |
|
Atlantic |
France |
Life |
S |
|
Automatique |
USA |
Logicon،inc |
USA |
|
Beni |
israël |
Mamboji |
Angola |
|
Betac |
USA |
Meteoric |
S |
|
Booz |
USA |
Nicholas |
S |
|
Bridge |
S |
Northbridge |
UK |
|
Compagnie |
France |
Olive |
UK |
|
Euro |
France |
Strategic |
US |
|
Executive |
Etats-unis |
Saladin |
UK |
|
Falconer |
S |
Sandline |
GB |
|
Genric |
Etats-unis |
Saracen |
Ouganda |
|
GEOS |
France |
Southern |
Sierra |
|
Global |
UK |
Special |
UK |
|
Global |
UK |
Special |
UK |
|
Global |
Canada |
SSI |
UK |
|
Global |
UK |
Strategic |
UK |
|
Global |
UK |
Sygma |
SWITZERLAND |
المصدر: http://www.infoguerre.fr/fichiers/eclairage_smp.pdf
تم التصفح يوم 2 مارس/آذار 2015، بتصرف.