حجم الدينامية التي أطلقها حراك عام 2011 لم يكن لينتج على مستوى الإصلاح السياسي أكثر مما تم إنجازه حتى اللحظة (الأوروبية-أرشيف) |
ملخص إن حجم الدينامية التي أطلقها حراك عام 2011 لم يكن لينتج على مستوى الإصلاح السياسي أكثر مما تم إنجازه حتى اللحظة. وبالنظر إلى تغير نسخ حكومة ما بعد عام 2011 يتضح أن الإصلاح بالنسبة لشركاء حزب العدالة والتنمية في الحكومة باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الصغير، لم يكن أولوية لهم طيلة هذه المرحلة. ولذلك، فإن المسار الحكومي في علاقته بالإصلاح يعتبر مشتتًا ومتناقضًا لدرجة تصل حدَّ عرقلة المبادرات السياسية والاقتصادية من الداخل بين شركاء الحكومة. علمًا بأن المسار الإصلاحي يحتاج وجود حدٍّ أدنى من الاتفاق حول عناصره ومنهجيته. |
توجَّه ضرباتٌ متتالية لرئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران في الأشهر الأخيرة التي تفصل عن الانتخابات التشريعية القادمة. ولا يجد خصومه، الذين هم شركاؤه في الحكومة في آن واحد، أفضل من الظروف الحالية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية، لإدراكهم أنه لا يطمح حاليًا إلى أكثر من الوصول إلى لحظة الانتخابات دون هزَّة تصيب الحكومة. وهو ما يجعل مهمته أشبه بعملية "إطفاء الحرائق السياسية" التي يرجَّح أن يزيد اشتعالها تباعًا.
في المغرب تُقدَّم الملكية على الإصلاح السياسي ببطء وحذر شديد، في حين تتباين رؤى الفاعلين السياسيين إلى الإصلاح حسب أولوياتهم، بين اتجاه يرى الإصلاح السياسي على صغر حجمه خطرًا، فهو يرمي إلى المحافظة على الأوضاع القديمة حماية لمصالح متراكمة على مدى سنوات، ويعتقد أن تحمل الإسلاميين لتكلفة السنوات الماضية قد أدَّى الدور المطلوب، وآن الأوان ليتراجعوا للخلف.
وهنالك اتجاه ليس الإصلاح أحد أولوياته، بل التواجد في السلطة. واتجاه آخر يحمل مطالب إصلاحية محدودة، لكنها تصطدم برغبات وسلوك الشركاء السياسيين المتباينة. لكن بالمحصلة لا يمكن إغفال أن أحد الإنجازات، وهو متغير أساسي، يتمثَّل في وجود رُوح للإصلاح السياسي في هذه المرحلة، رغم غياب كثير من القرارات التي يريدها البعض أن تكون أكثر جذرية.
قيود الدولة وصراع الشركاء
يمكن وصف السنوات الخمس التي تلت حراك عام 2011 بأنها حققت "إصلاح الحدِّ الأدنى" سياسيًّا. وبين قيود الدولة وصراع الشركاء لم تتطور هذه التجربة بشكلها الطبيعي نتيجة الهزَّات المتتالية، وغلبة سياسة "إطفاء الحرائق" على هذا المسار الصراعي، خاصة حول محور الصلاحيات. ولولا وجود حدٍّ معقول من روح الإصلاح السياسي لَمَا استفاد حزب العدالة والتنمية سياسيًّا، وحصل على ما حصل عليه في الانتخابات الأخيرة التي اكتسح فيها المدن على حساب حزب الأصالة والمعاصرة، الذي لم تمنع صلته بالدولة من خسارته المدن.
وفي كل مرة تعيد الإشكالات التي تتعلق بسلوك المؤسسة الأمنية وكيفية تعاملها مع المحتجين، أو في حالات تجاوز اختصاصات رئيس الحكومة في مجال تدبير المال العام، النقاشَ المجتمعي حول محدودية إمكانات الإصلاح السياسي وتدني سقفه. وبعد خمس سنوات على دينامية عام 2011، فإن الدولة المغربية لا تزال عصيَّة من حيث تسرُّب الإصلاح السياسي إلى مفاصلها المؤثرة، فهي تمارس قيودًا على سلوك الفاعلين السياسيين بداخلها وتحاول تكييفهم حسب رؤيتها.
ورغم هذا السياق فقد تمكَّن زعيم العدالة والتنمية، ابن كيران، الذي يتحمل مسؤولية تنزيل الإصلاحات السياسية بما تقتضيه التغييرات الدستورية التي تمت، من إحداث اختراقات مهمة في علاقته بالدولة، لكن هذه الاختراقات تظل محكومة في جزء مهم منها فقط بحاجة إسلاميي العدالة والتنمية كحزب سياسي للتطبيع مع الدولة، لا بعلاقة الدولة بإصلاح أعطاب السياسة المغربية عمومًا.
وبدون شك، فإن سلوك رئيس الحكومة تجاه الدولة يبقى مختلفًا عن نظرائه من رؤساء الحكومات سابقًا. ويظهر ذلك من خلال المنهجية التي يدير بها ملفات تتعلق بالمؤسسة الأمنية وأسلوب عملها؛ حيث يظهر الخط الفاصل في سلوك ابن كيران الذي يسعى للظهور كرجل دولة من جهة، وكرجل سياسي يسعى لتطبيق إصلاحات سياسية من جهة أخرى، في سعيه الذي ينجح فيه تارة ويفشل فيه أخرى، في إدارة علاقته بالدولة العميقة مثبتًا لها أنه رجل دولة، ودعمه في نفس الوقت تغيير سلوكها في علاقتها بالمواطن في حالات الصدام؛ وهذا ما تجلَّى في الحادثة الأخيرة التي تم فيها مواجهة الأساتذة المتدرِّبين بعنف مبالَغٍ فيه.
وبقدر ما يوجِد لنفسه مسافة من حادث التجاوز الأمني، فإن ابن كيران لم يتبرأ من مسؤوليته السياسية؛ ذلك أن الاصطفاف في اتجاه رفض منطق عمل وزارة الداخلية يمنح خصومه الفرصة لتأكيد مقولاتهم بكونه ليس رجل دولة، وأن تجاوزه الحدود المتفق عليها أمر وارد.
وإذا كان إصلاح المؤسسة الأمنية أمرًا معقدًا، بالنظر لصلاحيات رئيس الحكومة المحدودة تجاهها، والتي لديها أجندتها غير الخاضعة لنظر الحكومة، وإن كانت ممثَّلة في شخص وزير الداخلية، إلا أن هذه المؤسسة تعرف تغيرات تتعلق بالثقافة الأمنية وعلاقتها بالتعامل مع المواطنين. وهي تغيرات بطيئة جدًّا لكنها تسمح بالقول بأنها تقدم ملحوظ، إذا ما عُقدت المقارنة مع سلوك وثقافة هذه المؤسسة لعقود خَلَتْ، وذلك بعد أن تأثرت هذه المؤسسة بتحديث وإيجاد عدد من القوانين الجديدة.
يرتبط بالفكرة التي تشكِّل محور المشهد السياسي المغربي حاليًا، وهي "الإصلاح في ظل الاستقرار" تعقيدات كبيرة، لأن المسارات الإصلاحية تتناقض في أغلب الأحيان مع مبدأ الاستقرار لما يتطلبه ذلك من مصادمة ومواجهة بين القوى الفاعلة، نتيجة سعي الأطراف إلى تغيير أوضاع سياسية قائمة، وتمسُّك أطراف أخرى بالحفاظ على الأوضاع القديمة. ولذلك تحوَّل مسعى الإصلاح السياسي في المنطقة العربية إلى حالة " انهيار الاستقرار". وضمن هذا السياق تنظر المؤسسة الملكية إلى إصلاح الدولة بحذر شديد، وتتحكم في مساره الأساسي، ويمكن القول: إنه في الجزء الأساسي من هذه العملية يعتبر عملية إصلاحية "فوقية المنحى" وإن كانت استجابت متأثرة بعوامل الاحتجاج الاجتماعي عام 2011.
وبالنظر لطببيعة التحولات التي دخلتها المنطقة العربية نتيجة الثورات، فإن ما أقدمت عليه الملكية وشركاؤها من إصلاحات اتسم بخاصيتي الحذر والتدرج الشديد في إحداث التغييرات على طبيعة سلوك الدولة وعلاقاتها بباقي الفاعلين والمشهد السياسي والمدني عمومًا. وهذا التدرج الشديد هو ما ينتج الانطباع لدى كثير من الفاعلين السياسيين ومن المجتمع المدني بوجود حالة انسداد في المسار الإصلاحي، ونماذج لما يعتبرونه نوعًا من الرِّدَّة السياسية في بعض المجالات، كما يدفع إلى اعتقاد البعض بأن شيئًا لم يتحقق طيلة السنوات الخمس الماضية.
في علاقتها بالمسار الإصلاحي، لا يمكن النظر إلى المؤسَّسة الملَكية باعتبارها كتلة واحدة، وهي في عمقها مركز لقوى فاعلة أخرى مؤثِّرة في الدولة، ولذلك، فإن الإصلاح يخضع لضرورات التفاهم بين الاتجاهات التي قد تكون مواقفها متباينة سواء في قراءتها لأولويات المرحلة، أو طبيعة نظرتها للفاعلين السياسيين الحاليين، وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية.
وقد ظلَّ فاعلون في الدولة على اعتقادهم بأن إسلاميي العدالة والتنمية غير قادرين ولا يمتلكون الكفاءة اللازمة لإدارة هذه المرحلة سواء على المستوى السياسي وبالأخص المستوى الاقتصادي. وبعد مُضي خمس سنوات على قيادتهم للأغلبية الحكومية فإن عددًا من الأرقام والحلول الاقتصادية قد أظهر أن هذه الرؤية خاطئة إلى حدٍّ كبير.
الإصلاحات السياسية محكومة بعاملين أساسيين، هما: دينامية المجتمع وطبيعة الوضع الإقليمي، وتأثيراته على الفاعلين في الداخل. وإذا كانت احتجاجات عام 2011 قد وفَّرت دينامية جديدة للمسار المطالِب بإصلاح المؤسسات الاقتصادية والسياسية، بعد مرحلة شهدت تراكم صعوبات اقتصادية وحالة انسداد سياسي. إلا أن تلك الدينامية نفسها عرفت تراجعًا مع مرور الوقت، وأسهم في هذا التراجع عدد من الفاعلين السياسيين، خاصة بعد اتجاه بعضهم، وعلى رأسهم حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي المنتميان تاريخيًّا وسياسيًّا للأحزاب الوطنية، إلى إعادة تموضعهم، وتأجيل أولوية الإصلاح السياسي لمواجهة حزب العدالة والتنمية.
حجم الدينامية التي أطلقها حراك عام 2011 لم يكن ليُنتج على مستوى الإصلاح السياسي أكثر مما تم إنجازه حتى اللحظة. وبالنظر إلى تغير نسخ حكومة ما بعد عام 2011 يتضح أن الإصلاح بالنسبة لشركاء حزب العدالة والتنمية في الحكومة باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الصغير، لم يكن أولوية لهم طيلة هذه المرحلة، ولذلك، فإن المسار الحكومي في علاقته بالإصلاح يعتبر مشتتًا ومتناقضًا لدرجة تصل حدَّ عرقلة المبادرات السياسية والاقتصادية من الداخل بين شركاء الحكومة. علمًا بأن المسار الإصلاحي يحتاج وجود حدٍّ أدنى من الاتفاق حول عناصره ومنهجيته.
هنالك عنوان بارز طبع العملية الإصلاحية في السنوات الخمس الماضية، وكان بلا شك مؤثِّرًا فيها، ويتعلق بسعي حزب العدالة والتنمية إلى تطبيع العلاقة مع المؤسسة الملكية وإقناع قوى فاعلة أخرى في الدولة بأنه لا يمثِّل تهديدًا لمصالحها ونفوذها. وهو مسعى تم النظر إليه من زاويتين؛ حيث تعتبره الأولى إنجازًا يمنح المغرب مزيدًا من الاستقرار، باعتبار ما مثَّلته تاريخيًّا العلاقات المتوترة من إعاقة للتطور السياسي والتنموي للبلاد. في حين نُظر إلى هذا التطبيع من زاوية أخرى باعتباره أولوية تخص إسلاميي العدالة والتنمية وحدهم في علاقتهم بالمؤسسة الملكية، وليس أولوية للإصلاح السياسي في مساره العام.
لقد غلب على قراءة حزب العدالة والتنمية للإصلاح في السنوات الماضية المنحى السياسي لا الدستوري، وقد ركَّز على الإصلاح من بوابة الأدوات السياسة الناعمة التي يمتلك بعض أوراقها فقط مثل شعبيته الكبيرة، وذلك لافتقاره للقوة الصلبة اقتصاديًّا وإعلاميًّا. وتجعله المساحة التي يتحرك من خلالها سواء داخل الحكومة أو ضمن منظومة الحكم الأشمل مدرِكًا لمحدودية الإصلاحات الممكنة. وبالنتيجة الاندفاع نحو مربع الإصلاح الاقتصادي الذي قد يؤثِّر في المجال السياسي على المدى البعيد. وهو يفرِّق في سياسته بين ما يقتضيه "الإصلاح" وما يقتضيه خيار "المواجهة" التي تتطلب شروطًا سياسية مغايرة أثناء خوض معاركها. وهو ما يضعه في مواجهة المنتقدين لأدائه السياسي الذين يحاكمونه لطبيعة الشعارات التي رفعها في حملاته الانتخابية. لكن في الوقت الذي يطالب فيه الكثيرون رئيس الحكومة باستخدام الصلاحيات التي خوَّله الدستور إياها، فإنهم أنفسهم من يعترض عليه عندما يُقدِم على إصلاحات هيكلية للسياسات الاقتصادية مثل رفع الدعم عن السلع، من خلال قراءة سياسية ترى في كل احتمال للنجاح الاقتصادي مرادفًا للنجاح السياسي.
الاتجاهات الممكنة للمسار الإصلاحي
بعد الانتخابات التشريعية القادمة سنكون أمام اتجاهين محتملين يترجح أحدهما حسب الترتيب التالي:
يتمثَّل السيناريو الأول في فوز حزب العدالة والتنمية، ويُعتبر ذلك امتحانًا لقدرة الإسلاميين على الاستمرار (DURABILITY)(1)، بما يتيح له تشكيل حكومة لا تزال ملامحها في طور التشكُّل، لكن قد ظهر عدد من المؤشرات الدالة على شكلها العام، بالنظر للتحولات التي يعرفها المشهد السياسي الحالي، وتبعثر أوراق الاصطفاف السياسي للمعارضة في الفترة السابقة.
وفي حال نجاح هذا السيناريو فإننا سنكون أمام مرحلة جديدة سيتراجع فيها النقاش حول العديد من القضايا مثل رفع الدعم عن السلع، ولن يشغل تطبيع العلاقة بين العدالة والتنمية والمؤسسة الملكية نفس المساحة التي كالنت له في الفترة الماضية، لأن هذا المعطى قد تم تثبيته إلى حدٍّ ملموس، بالمقابل، يطرح هذا الوضع سؤالًا حول مدى إمكانية الانفتاح في العلاقة مع مراكز قوى أساسية في الدولة، لا تزال متمسكة بمواقفها السلبية تجاه هذا الحزب.
وبالإضافة إلى ولوج أجيال جديدة من الشباب إلى المجال السياسي، فإن الأوضاع القادمة ستفرض على الحزب تحديث مبادراته في مجال الإصلاح السياسي غير تلك التي تتعلق بالتركيز على التطبيع مع الملكية فحسب.
أمَّا الشركاء المحتملون لحزب العدالة والتنمية في حال فوزه في الفترة القادمة مثل حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، والذين لن يكونوا في كل الأحوال شركاء " ناعمون "، فهم وإن كانوا داعمين لكل مطالب الإصلاح السياسي منذ عقود، إلا أنهم في فترة فوز حزب العدالة والتنمية، قد حوَّلوا وجهتهم، ووضعوا أولوية الإصلاح السياسي جانبًا للتركيز على مواجهة العدالة والتنمية، الذي سعوا لإسقاطه، وكان ذلك من المعوقات الأساسية لتطور الجبهة الإصلاحية في السنوات الماضية. وتبقى العودة إلى السلطة الآن هي الهدف الأساسي بالنسبة لحزب الاستقلال(2) وكذلك الاتحاد الاشتراكي، بعد مرحلة منهِكة ومكلِّفة سياسيًّا للحزبين، كانا فيها أكبر الخاسرين. لكن حزب الاستقلال حتى وإن كان قد أعلن سابقا عن فك ارتباطه بحزب الأصالة والمعاصرة، إلا أنه بالمحصلة حزب برغماتي، وربما يجد أن التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة في حال فوزه ملائم لطموحاته السياسية، وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد الاشتراكي. وحتى وإن ظهر أن هنالك مقدمات لشكل محتمل من أشكال التحالف بين هذين الحزبين وحزب العدالة والتنمية مستقبلا، فإن سيولة المشهد السياسي تحول دون الاعتقاد بأن هذا هو الشكل الوحيد الممكن للتحالف.
ويدعم اتجاه السيناريو الأول احتمال راجح بتراجع حدَّة الرفض الإقليمي تجاه وجود الإسلاميين في تجارب شراكات سياسية في السلطة في الفترة القادمة، نتيجة للتموضع الجديد للأولويات السياسية والأمنية في المنطقة، وإعادة تعريف المهددات الأساسية للأمن القومي العربي.
ويتمثَّل السيناريو الثاني في تمكن حزب الأصالة والمعاصرة من الفوز بالانتخابات القادمة، وتشكيل حكومة يكون مستأثرًا بأهم وأكثر مفاصلها، مع فتح المجال لتركيبة حزبية ضعيفة، تؤثِّت صورة ومشهدًا أغلبيًّا حكوميًّا فقط. حيث تشير التحولات المتعلقة بالأحزاب الكبيرة التي فكَّت تحالفها مع حزب الأصالة والمعاصرة، بالإضافة إلى طريقة تدبير الحزب الاحتكارية لنتائج انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي مع شركائه إلى أن وجودها في الحكومة سيكون ضعيفًا، إذا ما قررت الانضمام إلى تحالف يقوده حزب الأصالة والمعاصرة.
ويعني تحقق هذا السيناريو أننا سنكون أمام تموضع جديد يتيح للقوى المحافظة في الدولة إعادة النظر في جرعات الإصلاح السياسي التي طُرحت في السنوات الماضية على ضعفها، وتنحيتها جانبًا، والعمل على إضعاف الفاعلين السياسيين الكبار. وهذا جزء مفهوم من طبيعة وسلوك القوى المحافظة التي تحرص على الحفاظ على الأوضاع والعلاقات السياسية على حالها.
وضمن هذه السيناريوهات تبقى الصيغة السياسية الأصعب والأعقد في المرحلة القادمة هي مدى إمكانية حدوث نوع من التفاهم بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يُترجَم خلال تشكيل الحكومة القادمة.
خاتمة
ليس كل ما يقع ضمن المسارات الإصلاحية ينتمي لدائرة المعقول سياسيًّا، بل يخضع لدائرة الممكن والمستحيل أيضًا. وهنالك تعقيدات حقيقية ارتبطت بتطبيق الإصلاح السياسي وفق كل ما يمنحه الدستور الجديد وبوتيرة سريعة جدًّا في السنوات الخمس الماضية. ذلك أن المضي في إصلاحات سياسية جذرية كان سيؤثِّر على مبادرات الإصلاح الاقتصادي نفسها ويجعلها أكثر تعقيدًا، ولحالَ دون تحقق عدد من الإنجازات, لأن ارتفاع منسوب الإصلاح السياسي بعناصر من قبيل إعادة بناء فلسفة الانتخابات مثلًا كان سيدفع إلى تمترس القوى الرافضة بشكل أكثر حدَّة نتيجة تضارب المصالح والنفوذ.
ويظهر ما تقدم من خلال الاستماتة التي يتحلَّى بها شركاء العدالة والتنمية في الحكومة، للظفر بصلاحيات مالية تدبيرية كبيرة في تناقض مع ما ينص عليه الدستور من توزيع للصلاحيات، كما حدث مع صندوق تنمية العالم القروي الذي آل لوزير الفلاحة "الشريك والخصم" في الحكومة في آن واحد، ويُرجَّح أن يتواصل هذا الوضع في الأشهر المتبقية من عمر الحكومة؛ حيث لا يُنظر إلى ذلك بمنطق الصلاحيات وحدودها، بل بمنطق الأحقية في الحصول على جزء من السلطة على المال والنفوذ، في وقت يفضِّل ابن كيران تجنُّب الصدام مع الدولة بسبب هذه القضايا.
________________________________________
كمال القصير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات- مسؤول منطقة المغرب العربي
إحالات
1- للتوسع في دراسة هذه الجزئية تُراجَع دراسة للباحث AVI SPIEGEL بعنوان: Succeeding by surviving: Examining the durability of political Islam in Morocco
http://www.brookings.edu/~/media/Research/Files/Reports/2015/07/rethinking-political-islam/Morocco_Spiegel-FINALE.pdf?la=en
2- بوستة ينتقد شباط، ويقول: أخطأتم بالخروج من الحكومة ومن الممكن العودة بـ10 مقاعد لكن بالجهاد، صحيفة المساء المغربية، بتاريخ: 13يناير/كانون الثاني 2016.
http://www.almassaepress.com/%D8%A8%D9%88%D8%B3%D8%AA%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%AF-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%B7-%D9%88%D9%8A%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A3%D8%AA%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC/