ما يزال الهيكل التنظيمي لحركة طالبان وقيادتها الجديدة يحتفظ ببنيته التنظيمية كما هي؛ حيث يتكون من: شورى العلماء والمشايخ، والشورى القيادي، والأمير، ونوابه، واللجان العليا، واللجان المحلية، والقادة الميدانيين والمقاتلين؛ لكنه تعرض للضعف، وخسر بعضًا من إمكاناته وقوته بسبب التصدعات والانشقاقات؛ التي تعرضت لها الحركة؛ كانت طالبان قد تعرضت سابقًا لبعض التصدعات في حياة الملا محمد عمر؛ لكنها لم تؤثر عليها كثيرًا، إلا أن الخلافات الأخيرة -التي وقعت بعد الإعلان عن وفاته- كانت قوية جدًّا نسبيًّا؛ حتى إنها وصلت ولأول مرة إلى جبهات القتال حيث المقاتلين والقادة الميدانيين؛ ومن هنا يتوقع أن يكون لهذا التصدع تأثير سلبيٌّ على بنية الحركة ومستقبلها وعلى جمهورها، كما سيضعف من موقفها في المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، أو مع سواها من الخصوم، والأهم أنه سيتسبب في إراقة مزيد من الدماء؛ ولكن هذه المرة بين طالبان والمنشقين عنها، وربما يتيح هذا الصراع المستجد الفرصة أمام تنظيم الدولة الإسلامية ليوسع من نفوذه في المنطقة.
ما إن أعلنت حركة طالبان عن وفاة الملا محمد عمر في 30 يونيو/حزيران 2015 حتى ظهرت الخلافات داخل حركة طالبان؛ حيث خرجت مجموعة من قياداتها التاريخية إلى وسائل الإعلام على غير عادتها ورفضت تعيين الملا أختر محمد منصور أميرًا لها، ونادت بتعيين ابن الملا محمد عمر الملا محمد يعقوب أميرًا لحركة طالبان، ومذاك الحين والخلافات داخل الحركة في تفاعل مستمر، وهو ما تتناوله هذه الورقة، لاسيما للوقوف على خلفياته، وآثاره المتوقعة على المشهد الأفغاني.
التشكيل التنظيمي لحركة طالبان والجهات المؤثرة فيها
- أولاً: العلماء والمشايخ: مع أن العلماء والمشايخ ليسوا ضمن تشكيل رسمي لحركة طالبان؛ فإن دورهم محوري في الحركة، وظهر ذلك جليًّا في التغلب على أزمة تعيين القيادة الجديدة بعد إعلان وفاة الملا محمد عمر.
- ثانيًا: الشورى القيادي: يتشكل الشورى القيادي حسب التصريحات الرسمية من 18 عضوًا، وينتشر أعضاؤه في جميع أنحاء باكستان، وقد يتواجد بعضهم داخل أفغانستان أيضًا.
- ثالثًا: الأمير: ويشغل هذا المنصب حاليًّا الملا أختر محمد منصور من مواليد 1968 في قرية "بند تيمور" مديرية ميوند، بولاية كندهار.
- رابعًا: نواب الأمير، ويشغل هذا المنصب حاليًّا كل من الملا سراج الدين حقاني، والشيخ هيبة الله.
- خامسًا: اللجان العليا؛ النشطة منها في الحركة 12 لجنة، وكل منها بمنزلة وزارة في حركة طالبان(1).
- سادسًا: اللجان المحلية على مستوى الولايات والمديريات؛ خاصة في الولايات والمديريات التي يتواجدون فيها بقوة، ويرأس اللجان المذكورة محافظو الولايات ومسؤولو المديريات حسب الترتيب.
- سابعًا: القادة الميدانيون والمقاتلون(2).
هذه هي البنية الأساسية لحركة طالبان، وهذه هي مراكز قوتها وصنع القرار فيها، ما يدعو للقول: إن الكتلة الكبرى داخل حركة طالبان ما زالت مع الملا أختر محمد منصور، رغم كل التصدع الذي تعرضت له الحركة، مع العلم أن بعض الانقسامات قد وقع قبل الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر، وبعضها الآخر حصل بعد الإعلان عن الوفاة.
التصدعات قبل إعلان وفاة الملا محمد عمر
مرت حركة طالبان بمراحل تاريخية صعبة، من أهمها سقوط حكمها بسقوط كابل عام 2001، حيث أصبحت معرضة لتصدعات كبيرة بفعل الإغراء والتضييق؛ اللذين بلغا أشدهما حينها، وكانت أبواب المعتقلات مفتوحة على مصراعيها بل التصفيات الجسدية كانت على قدم وساق، وكان اتهام الشخص بكونه على صلة بحركة طالبان يكفي أن يغيب في غياهيب السجون الأميركية لسنوات من غير أن يقدم لمحاكمة أو يعرض على مرجع قانوني، ثم خف التضييق -لاسيما بعد أن أدَّت هذه الممارسات بالحركة إلى لم شملها، وبمقاتليها إلى التجمع تحت لوائها- في حين استمرت الإغراءات بالمناصب الحكومية وبالأموال في مقابل الاستسلام للحكومة عن طريق المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، وهذه السياسة لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا؛ وإن كانت تتعرض لبعض التغيير من حين لآخر.
وظهرت في هذه المرحلة عدة انشقاقات داخل الحركة؛ لكنها لم تترك أثرًا كبيرًا عليها؛ لأن أغلب المنشقين لم يكونوا من المؤثرين في مراكز القوة داخل الحركة؛ ومن أهم تلك الانشقاقات:
بينما تقول مصادر مقربة من حركة طالبان أن الجبهة المذكورة هي عبارة عن شخص اسمه "نجيب الله وردك" ومعه بعض أفراد أسرته، وأن له علاقات وطيدة بالاستخبارات الباكستانية، ويعيش إلى الآن تحت حمايتها، وقد تعرض الرجل المذكور لمحاولة اغتيال من قبل حركة طالبان في إقليم بلوشستان الباكستانية عام 2014(6)، ويبدو أن لهذه الجبهة تواجدًا في الولايات الجنوبية والجنوبية الغربية، وأن الملا منصور داد الله شقيق الملا داد الله القائد الشهير لحركة طالبان يؤيدها.
التصدعات بعد إعلان وفاة الملا محمد عمر
بعد إعلان وفاة الملا محمد عمر بفترة تعالت أصوات قوية من داخل الشورى القيادي لحركة طالبان ضد تعيين الملا أختر محمد منصور زعيمًا لحركة طالبان، وكان من أقواها الملا محمد حسن رحماني، ومعه الملا عبد الرزاق والملا عبد الجليل أيضًا، وقد ظهر هؤلاء على وسائل إعلام أفغانية وغربية معترضين على تعيين الملا أختر محمد منصور، ودعوا إلى مبايعة الملا يعقوب ابن الملا محمد عمر أميرًا لحركة طالبان بعد والده؛ خاصة أن أسرة الملا محمد عمر كانت من معارضي الملا أختر محمد منصور في بداية الأمر، ولو استمرت على مخالفتها له لواجه معارضة أقوى مما هي عليه الآن.
بهذا فقد تعرضت الحركة لتصدعات على الرغم من نجاحها في الحد من بعضها(7)، فإن بعضها الآخر سيلازم الحركة وسيكون له تأثير على مستقبلها، ويمكن الوقوف عند بعضها؛ منها تصدع له طابع فردي وهو أقل خطورة، وآخر جماعي وهو الأشد خطرًا على الحركة:
- أولاً: اعتبر أن إخفاء وفاة الملا محمد عمر لأكثر من سنتين هو خطأ تاريخي، وأنه كان شخصيًّا يمثل ميتًا طوال الفترة المذكورة.
- ثانيًا: إن تعيين قيادة حركة طالبان خارج أفغانستان خطأ تاريخي آخر(9)، ويقول: "كان من المفروض أن يتم تعيين القيادة في اجتماع داخل أفغانستان، وكل من تم تعيينه من الخارج كان مآله إلى الفشل". يشير بذلك إلى أن الحكومة الأفغانية التي تم تعيينها في مدينة بون بألمانيا كانت فاشلة؛ فكذلك إذا تم تعيين قيادة حركة طالبان في باكستان ستكون فاشلة كذلك(10).
2. المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية
"المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية" هو من أكبر المجموعات التي انشقت حتى الآن عن حركة طالبان، (د إسلامي أمارت عالي شورى)، أعلن عن نشأته رسميًّا في 8 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 باجتماع عقدته في مديرية "شين دند" بولاية هرات، وأعلن الملا محمد رسول أميرًا عليها، في حين اختير: الملا منصور داد الله شقيق الملا داد الله القائد الشهير لحركة طالبان، والملا باز محمد حارث أحد قادة طالبان في جنوب غربي أفغانستان، والملا شير محمد بن المولوي منصور (زعيم أحد الأحزاب الجهادية ضد الاتحاد السوفيتي"حركة الانقلاب الإسلامي")، نوابًا له في المجال العسكري والحربي؛ كما اختير الملا عبد المنان نيازي نائبًا للأمير في الشؤون السياسية وناطقًا رسميًّا باسم الحركة الجديدة (11).
- أولاً: تتهم هذه المجموعة القيادة الجديدة لحركة طالبان بأنها عُيِّنَتْ من قِبَل الاستخبارات الباكستانية؛ فقد صرح الملا منصور داد الله بأن المناصب القيادية في حركة طالبان توزع من قبل الاستخبارات الباكستانية. وأضاف: إنه غادر باكستان لأن الاستخبارات الباكستانية كانت تطالبه بأمور تتعارض مع مصالح أفغانستان.
- ثانيًا: اتهم الملا منصور داد الله الأمير الجديد لحركة طالبان بالخيانة والغدر وقال: إنه أخفى وفاة الملا محمد عمر لمدة سنتين، وكان يبلغ أفراد حركة طالبان بأوامر من الاستخبارات الباكستانية باسم "فرامين"؛ أي قرارات الملا محمد عمر.
- ثالثًا: أن اختيار الملا أختر محمد منصور أميرًا كان من قبل مجموعة صغيرة من أعضاء الشورى القيادي، ولم يتم تعيينه بصورة علنية من قبل العلماء وأهل الحل والعقد داخل أفغانستان(12).
من الواضح أن أغلب هذه المبررات تستحث وتحاكي مشاعر الكراهية المتنامية في صفوف مقاتلي حركة طالبان ضد باكستان عمومًا؛ وضد استخباراتها العسكرية (ISI) التي تشرف على الملف الأفغاني بصفة خاصة، ويبدو أن الخلافات التي ظهرت الآن بقوة كانت موجودة في حياة الملا محمد عمر لأسباب مختلفة، وبعضها كان لأسباب شخصية كما حصل مع الملا منصور داد الله، فهو يعتقد أنه ظلم من قبل قيادة حركة طالبان، لأن الملا محمد عمر لما عزله عن قيادة الجبهة التي كان يقودها ورجع إلى باكستان اعتقلته السلطات الباكستانية وذلك عام 2008؛ وبقي رهن الاعتقال إلى عام 2014(13)، ويعتقد الملا منصور داد الله أن اعتقاله كان بإيعاز من قيادة حركة طالبان؛ أما الملا محمد رسول فكان بينه وبين قيادات حركة طالبان مشاكل قديمة، ولم يكن يذعن لأحد غير الملا محمد عمر(14)، وقس على ذلك باقي الشخصيات التي اجتمعت في هذا الكيان الجديد.
احتواء التصدع
لو بقي الخلاف بين السياسين لكان الأمر عاديًّا، ولما اهتمت به القيادة الجديدة لحركة طالبان كثيرًا؛ فهي مثلاً لم تهتم كثيرًا لاستقالة الملا معتصم آغا، ومحمد طيب آغا، مع أنهما كانا من الشخصيات السياسية الكبيرة داخل حركة طالبان؛ لكن الأمر مختلف مع مجموعة "المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية"؛ إذ إن التصدع وصل بسبب اختلافهم إلى جبهات القتال والقادة الميدانيين والمقاتلين العاديين؛ ومن هنا أولت القيادة الجديدة لحركة طالبان انشقاق هذه المجموعة اهتمامًا خاصًّا، وحاولت إفشاله قبل شيوع خبره، وتمكنت إلى حد كبير من الحد من الخلاف وحجم التصدع؛ الذي يمكن أن تتعرض له حركة طالبان، واستخدمت في سبيل ذلك طرقًا وأساليب متعددة للقضاء عليه؛ من أهمها:
الدبلوماسية النشطة: أرسلت قيادة حركة طالبان وفودًا من العلماء والوجهاء لإقناع عدد من الشخصيات بالرجوع عن قرار الانضمام إلى هذه المجموعة، ونجحت مع مجموعة كبيرة منهم، من أهمهم الملا عبد المنان أخو الملا محمد عمر وابنه الملا محمد يعقوب، والملا حسن رحماني (توفي أثناء إعداد هذه الورقة)، والملا عبد الرزاق، والملا عبد الجليل، والملا عبد القيوم ذاكر، وغيرهم(15).
تحصين الصف الداخلي: حاولت حركة طالبان تحصين صفها الداخلي بتشكيل الوفود من العلماء والمشايخ لإقناع مقاتليها والمنتمين إليها بأن ما جرى من إخفاء خبر وفاة الملا محمد عمر، وتعيين الملا محمد أختر منصور كان بالتشاور مع العلماء والمشايخ، ولأجل المصالح التي قدرها العلماء والمشايخ، وأن العلماء والمشايخ كانوا على علم بذلك وقد أقروه، وقد نشطوا لهذا الغرض في كل المناسبات، الجنائز والولائم والأفراح وغيرها(16).
الدعاية الإعلامية المضادة: قام الكتاب المنتمون لحركة طالبان بكتابة مقالات دعائية كثيرة جدًّا، وكان التركيز فيها على التقليل من شأن مجموعة "المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية"؛ فركزوا في هذه الكتابات على: أن هذه الفرقة قليلة العدد، تجمعها مصالح مادية، وأنه لا يوجد من بينها شخصيات مؤثرة، كما اتهمتها بالعلاقة مع جهاز الأمن الأفغاني؛ بل وصلت بالدعاية ضد هذه المجموعة إلى حد اتهامها بالعلاقة مع تنظيم الدولة الإسلامية؛ وأنها جمعت حولها الأوزبك (المنضمين إلى تنظيم الدولة) الذين نزحوا من وزيرستان بسبب العمليات العسكرية للجيش الباكستاني(17).
استعمال القوة: حاولت القيادة الجديدة لطالبان أن تقضي على مقاتلي المجموعة المنشقة (المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية) ومراكزها العسكرية بالقوة والسلاح لتجهضها قبل أن تعلن هذه الأخيرة عن وجودها رسميًّا؛ لكنها لم تفلح(18)، وقال أحد قيادات مجموعة الملا أختر محمد منصور في ولاية زابل: "هذا ما كنا نخافه، لقد نجح العدو في غايته، أراد أن يشق الصف الطالباني ليقاتل بعضهم بعضًا وهذا ما يحدث الآن"(19).
- أولاً: وقوف العلماء والمشايخ إلى جانب القيادة الجديدة: لقد وقف العلماء من أفغانستان وباكستان في الغالب إلى جانب الملا أختر محمد منصور في هذه القضية، وأيدوه بكل قوتهم في قضية الخلافات الداخلية بينهم، ونتيجة لهذا التأييد والتدخل المؤثر رجع أغلب أعضاء الشورى القيادي إلى بيعة الملا أختر منصور رغبة أو رهبة.
- ثانيًا: امتلاك إمكانات الإغراء والتهديد: تملك القيادة الجديدة لحركة طالبان إمكانات واسعة للإغراء والتهديد، استفادت منها في تحجيم التصدع إلى حدٍّ كبير، فقامت بمقاتلة من خالفها من القادة الميدانيين(20)، أما السياسيين، فقد هددت بعضهم بالعزل عن المناصب القيادية، وأغرت بعضهم بمناصب أخرى، لتتدارك بذلك الخرق قبل أن يتسع عليها(21).
إحكام السيطرة من قبل الملا أختر: كان الملا أختر محمد منصور يقود حركة طالبان(22) أو يشارك في قيادتها منذ عام 2007، وتمكن خلال هذه الفترة من إحكام سيطرته عليها، ووطد علاقاته بكل القادة الميدانيين فيها، كما نحى من المواقع القيادية كلَّ مَنْ كان يتوجس منه أنه سيعارضه، وأضف إلى هذا جميعًا الخبرة في القيادة ما هيأ له فرصة التعامل مع معارضيه وتغيير مواقفهم.
دور الخصوم في إذكاء الصراع
لا شك أن حركة طالبان هدف لجهات استخباراتية متعددة، ولن يتردد أي منها للوقيعة بها تحقيقًا لأهدافه بالمنطقة، ومن ذلك أن الاستخبارات الباكستانية يعنيها استمرار الضغوط على الحكومة الأفغانية لتحقيق مصالحها في النزاع الحدودي مع أفغانستان على خط ديورند، وفي قضية المياه، والعلاقات الهندية الأفغانية وغيرها، ويمكن لطالبان أن تكون إحدى وسائل الضغط هذه؛ كما لن تتردد الاستخبارات الأفغانية في السعي إلى إضعاف طالبان أو الاستفادة من هذه الأخيرة لدفع الضغوط الباكستانية عنها؛ ويبدو أن الاستخبارات الباكستانية قد وجدت ضالتها في دعم مجموعة الملا أختر محمد منصور، أو في إفساح المجال لها لتتصدر حركة طالبان(23)؛ وذلك في حين وجدت الاستخبارات الأفغانية في تعزيز حضور المجموعة المنشقة، مجموعة الملا محمد رسول والملا منصور داد الله، وسيلة لإضعاف القيادة الجديدة لطالبان وشقِّ صفها. وفي هذا السياق فتحت وسائل الإعلام الأفغانية والأجنبية الناطقة باللغات المحلية الأفغانية صفحاتها وقنواتها لنشر أخبار الجماعة المنشقة ونشر المقابلات مع قياداتها؛ حتى إن وسائل الإعلام التي مقرها كابول، قامت بتغطية الاجتماع الذي أعلن فيه الملا محمد رسول عن تشكيل "المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية"؛ وكأنها تغطي نشاطًا لمجموعة من المجتمع المدني في كابول نفسها.
تداعيات الانقسام
من المؤكد أن القيادة الجديدة لحركة طالبان بقيادة الملا أختر محمد منصور ستستعمل كل إمكاناتها للقضاء على المجموعة المنشقة؛ أو الحد من قوتها عن طريق الاستعانة بالعلماء، والاستفادة من الدعاية الإعلامية، ووسائل الإغراء والتهديد، أو استعمال القوة ضد المعارضين.
- أولاً: ستزداد معاناة الشعب بتزايد المجموعات المسلحة نفسها، كما أن حركة طالبان لن تتمكَّن من محاسبة القادة الميدانيين والمقاتلين؛ لأنها كلما أرادت أن تحاسب شخصًا سينضم إلى الفريق المخالف، وهو سيحميه.
- ثانيًا: سيؤدي الخلاف داخل طالبان إلى عرقلة محادثات المصالحة؛ لأن معارضي المصالحة في الطرف المقابل سيتذرعون بتعدد المجموعات المقاتلة، وسيقولون مع من نتصالح؟
- ثالثًا: سيقلل الاختلاف داخل حركة طالبان من أهميتها في محادثات الصلح؛ لأنها كانت فيما سبق تتخذ موقفًا بقبول المحادثات أو رفضها من موقع القوة والنفوذ، وكانت تعبِّر عن أكبر عدد من المقاتلين على أرض الواقع؛ أما بعد الاختلاف فلن يكون الأمر كذلك؛ لأن كل فريق -مسلح وعدده كثير نسبيًّا- سيعبر عن مجموعته من المقاتلين فقط، وسيفاوض عنها لا عن الجميع؛ وربما تتنافس فيما بينها في تقديم التنازلات ليكون كل منها الطرف الأجدر بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية من سواه.
- رابعًا: سيؤدي النزاع إلى إراقة مزيد من الدماء والقتال بين الفريقين، وسيضيف أسبابًا أخرى للانقسام داخل المجتمع الأفغاني؛ لأن حركة طالبان بقيادة الملا أختر محمد منصور ستحاول أن تقضي على هذه المجموعات عن طريق استعمال القوة؛ كما فعلت مع تنظيم الدولة، وقد بدأت تتهم الفريق المعارض بالانضمام لهذا الأخير؛ ليتسنى لها استعمال القوة ضده.
- خامسًا: سيؤدي النزاع داخل طالبان إلى تناقص الدعم الشعبي لها عمومًا؛ بل سيتخلى عنها بعض من مؤيديها؛ لأن الشعب جرب النزاعات الحزبية من قبل، وعانى منها كثيرًا.
- سادسًا: يمكن أن يستفيد تنظيم الدولة الإسلامية من الانشقاق الذي أصاب طالبان لتوسعة نفوذه في المنطقة عن طريق التحالف مع فريق ضد آخر.
وفي الختام يبدو أن حركة طالبان مقبلة على اشتداد الانقسام والتصدع، ويقوي من هذا الاحتمال وصول الخلاف إلى جبهات القتال والقادة الميدانيين والمقاتلين العاديين، وعدم وجود قيادة منتخبة يجمع الجميع على وجوب طاعتها دينيًّا كما كان الحال مع الملا محمد عمر، وأضف إلى ذلك أن هناك أجهزة استخبارتية عديدة تعمل على توسعة شقة الخلاف بين الفريقين المتنازعين في الحركة؛ إلا أن القيادة الجديدة لحركة طالبان ما زالت تملك الكتلة الكبرى من المنتسبين، ومن الإمكانات المتاحة التي تستطيع أن تستخدمه لتحجيم من التصدعات داخل الحركة والحد منهما.
_______________________________________