التغلغل الإسرائيلي في شرق إفريقيا: أهدافه ومخاطره

تقدم الورقة قراءة في الأبعاد الاستراتيجية والسياسية والأمنية والاقتصادية لجولة بنيامين نتنياهو في دول شرق إفريقيا في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى المنطقة منذ عقود، وتبحث في سياقات التغلغل الإسرائيلي في القارة السوداء ومخاطره على الأمن القومي العربي.
94945ff6deda44f7a5ce847b5f04c2a3_18.jpg
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال جولته شرق الإفريقية بأبعادها العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية (رويترز)

في 8 من يوليو/تموز 2016، اختتم رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" جولته شرق الإفريقية، والتي شملت كلًّا من أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا، وذلك في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى المنطقة منذ عقود. 

وعلى ضوء هذه الزيارة يستعرض الباحث جانبًا من تاريخ العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية، والتي تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي، وتطورت فيما بعد إلى التغير ما بين انقطاع العلاقات تارة، والانفراج والتطبيع تارة ثانية، مع تغير صورة إسرائيل تدريجيًّا كدولة نموذجية، حتى نجحت أخيرًا في تثبيت أقدامها في القارة الإفريقية عمومًا وشرقها خصوصًا. 

كما يُلقي الباحث الضوء على أهداف الزيارة والتي تتراوح ما بين أهداف استراتيجية سياسية وأمنية وأخرى اقتصادية، باعتبار المنطقة تمتلك ممرات بحرية حيوية مطلة على المحيط الهندي والبحر الأحمر. إلى جانب ما يسود هذه الزيارة من شكوك حول احتمالية تحريض إسرائيل دولَ منبع النيل المناهضة لحصتي مصر والسودان من مياه النيل. 

ويتناول الباحث أيضًا أهمية الزيارة بالنسبة للجانبين، وذلك في ظل تحول الاهتمامات الاسرائيلية نحو التهديدات التي تشكِّلها الحركات الجهادية على مصالحها في المنطقة؛ ما يوفِّر بيئة خصبة للتنسيق نحو  تبني استراتيجية أمنية جديدة من أجل كسر جماح الحركات المتطرفة. 

وأخيرًا، يستشرف الباحث مستقبل العلاقات الإسرائيلية-شرق الإفريقية والتي ربما ستشهد تطورًا ملحوظًا نظرًا لحجم الملفات المتبادلة بين الجانبين على المستويات السياسية والاستخباراتية والاقتصادية.

مقدمة 

في 8 من يوليو/تموز 2016، اختتم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولته شرق الإفريقية والتي شملت كلًّا من أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا، وذلك في إطار أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى المنطقة منذ عقود، وترتبط هذه الزيارة برؤية استراتيجية وأمنية إسرائيلية تهدف إلى التغلغل في دول منابع النيل، وذلك إلى جانب أهميتها الاقتصادية. 

خلفية عن العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية 

تعود العلاقات الإسرائيلية–الإفريقية إلى بداية الخمسينات من القرن الماضي؛ وتطورت إلى التغير ما بين التقارب تارة، وانقطاع العلاقات تارة ثانية، والانفراج والتقارب تارة ثالثة، وذلك بسبب التقلبات السياسية في النظام الدولي والإقليمي؛ حيث شهدت العلاقات الإسرائيلية بالدول الإفريقية، ولاسيما غير العربية منها، تحولات فارقة خلال الخمسين عامًا الماضية. 

فالعصر الذهبي للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا والذي شمل عقد الستينات سرعان ما شهد نهاية حاسمة له بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ حيث أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، آنذاك، إلى تغيير صورة إسرائيل، من دولة فتيَّة ومسالمة في نظر الأفارقة، إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية. قامت الدول الإفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وذلك حينما اتخذت منظمة الوحدة الإفريقية في اجتماعها، الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 1973، قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية مطالبةً إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير. 

وقد استجابت الدول الإفريقية لهذا القرار -بما في ذلك دول شرق إفريقيا- باستثناء جنوب إفريقيا، وذلك لدوافع وأسباب مختلفة لا يتسع المجال لذكرها(1). 

مقابل ذلك، بقيت العلاقات التجارية بين إسرائيل والدول الإفريقية على حالها السابقة، فيما سعت الدبلوماسية الإسرائيلية من جديد لإعادة علاقاتها؛ حيث كانت سنتا (1980 و1981) آخر فترة الانقطاع الكامل للعلاقات، مع تغير صورة دولة إسرائيل تدريجيًّا كدولة نموذجية، حتى نجحت أخيرًا في تثبيت أقدامها في المنطقة عبر مجالات شتَّى كانت بحاجة إليها مثل الزراعة والمشاريع التنموية(2). 

وكانت دول شرق إفريقيا من الدول الإفريقية التي ارتبطت إسرائيل بعلاقات وطيدة مع زعمائها كغيرهم من قادة الأفارقة، وذلك في إطار تشكيل إسرائيل لقاعدة عريضة من الموالين لها من الصفوة السياسية الإفريقية ممن تلقَّوا تعليمًا وتدريبًا في "إسرائيل". 

وقد ركَّزت إسرائيل في تفاعلاتها مع دول شرق إفريقيا منذ الاستقلال، وحتى في ظل سنوات القطيعة الدبلوماسية بينها وبين إفريقيا، على المساعدات العسكرية في مجال تدريب قوات الشرطة وقوات الحرس الرئاسي لعدد من الدول في الشرق الإفريقي، مثل: أوغندا وكينيا. كما تنشط هذه المساعدات في إثيوبيا ودول أخرى في المنطقة. 

وفي المجال الاستخباراتي تُوِّج النشاط الاستخباري "الإسرائيلي" في شرق إفريقيا منذ عام 1976 أي بعد انطلاق عملية "الكوماندوز الإسرائيلي" من كينيا إلى أوغندا لاقتحام طائرة تابعة لشركة إير فرانس، والتي كانت تحمل 83 إسرائيليًّا من إجمالي 229 راكبًا اختطفتهم مجموعة فلسطينية بغرض مبادلتهم بأسرى فلسطينيين. 

وفي أعقاب تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي ودار السلام، عام 1998، نشط جهاز الموساد في العمل بدول المنطقة تحت مبرر مكافحة الإرهاب فيما ظلت الاستخبارات الإسرائيلية تدير عملياتها في إفريقيا انطلاقًا من كينيا. 

وأثناء الهجوم الذي شنَّته حركة الشباب الصومالية على مجمع "ويست غيت" التجاري، في عام 2013، تدخلت قوات إسرائيلية سريعة لمساندة القوات الكينية لإعادة السيطرة على المركز التجاري. 

إضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من المستشارين والخبراء الإسرائيليين يعملون في صفوف جيوش تلك الدول لتدريب عناصرها ومدِّهم بالسلاح خصوصًا "سلاح الطيران"، وهذا يتضح من خلال أسلحة الجيش الكيني والأوغندي -إسرائيلية الصنع- خصوصًا الطائرات والزوارق الحربية والمدفعية والأجهزة الإلكترونية ومعدات الاتصال. كما عملت إسرائيل على نقل المهارات التقنية لدول المنطقة عن طريق البرامج التدريبية، وإنشاء شركات مشتركة أو على الأقل نقل الخبرات والمهارات الإدارية للشركات الإفريقية. 

وفي المجال الاقتصادي والتجاري، يحتل آلاف "الإسرائيليين" مراكز اقتصادية مهمة في منطقة شرق إفريقيا لاسيما في مجالات التجارة وإدارة المزارع والمشروعات الخدمية؛ حيث تحتكر الشركات "الإسرائيلية" معظم الأنشطة الاقتصادية في كينيا وأوغندا وإثيوبيا، ويتجلَّى ذلك من خلال عدد من الشركات الإسرائيلية العاملة في المنطقة مثل شركة "سوليل بونيه" التي تعمل في مجالات تتعلق بقطاعات التشييد، وإقامة المطارات والموانئ وتشييد المباني السكنية والحكومية، وشركة "أجريد أب" التي تعمل في مجال تطوير الزراعة، وشركة "كور" المنتِجة للمعدات الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدنية، إضافة إلى شركة "موتورلا" التي تُعنى بمدِّ شبكات الكهرباء والمياه، وتوريد أجهزة السيطرة المائية، وشركة "كرمل" للمواد الكيماوية وتختص بإنتاج المواد الكيماوية، ولها مشروعات في شرق إفريقيا. 

مثَّلت أسواق دول شرق إفريقيا واحدة من أهم الأسواق الواعدة بالنسبة لتجار السلاح الإسرائيلي منذ الستينات؛ وذلك في ظل النزاعات العِرقية والإثنية والدينية التي لا تنطفئ؛ حيث ظهر السلاح الإسرائيلي في عدد من النزاعات الإفريقية الأخيرة، منها: حرب جزيرة حنيش بين إريتريا واليمن، وفي الحرب الأهلية الدامية بين شمال السودان وجنوبه منذ الستينات. ولعل صمود قوات الرئيس "سلفاكير" أمام المعارضة المسلحة التي قادها نائبه، رياك مشار، كان السلاح الإسرائيلي سببًا رئيسيًّا فيه(3). 

وفي ظل وجود العلاقات القديمة بين إسرائيل ودول شرق إفريقيا استغلت الأولى ظهور التهديدات الأمنية على الساحة ولاسيما في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول؛ مما دفع القيادة الإسرائيلية إلى إعادة التأكيد مرة أخرى على محورية دول شرق إفريقيا وذلك في إطار سعي السياسة الخارجية الإسرائيلية لتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع دول المنطقة(4). 

أهداف زيارة "نتنياهو" إلى شرق إفريقيا 

التحرك الإسرائيلي الأخير في منطقة شرق إفريقيا يتمثَّل في جملة من الأهداف، تتراوح ما بين أهداف سياسية وأهداف عسكرية أمنية وأخرى اقتصادية، ويمكن إجمال تلك الأهداف فيما يلي: 

أولًا: أهداف استراتيجية وسياسية

تشكِّل دول شرق إفريقيا بالنسبة لإسرائيل أهمية استراتيجية في غاية الأهمية، باعتبارها تمتلك ممرات ومنافذ بحرية حيوية مطلة على المحيط الهندي والبحر الأحمر والذي يشكِّل أهمية بالغة بالنسبة للمصالح الإسرائيلية التجارية والاستراتيجية؛ حيث يمر 20% من هذه التجارة أمام سواحل القرن الإفريقي وفي مضيق باب المندب والذي تعتمد عليه إسرائيل في تجارتها مع إفريقيا وآسيا وأستراليا وإقامة علاقات دبلوماسية مع أكبر عدد ممكن من الدول الإفريقية كمدخل للقيام بنشاطات أخرى اقتصادية وأمنية مقابل إضعاف التأييد الإفريقي للقضايا العربية، وكسب الرأي العام الإفريقي إلى جانبها؛ الأمر الذي قد يُفقد العرب رصيدًا كبيرًا من التأييد السياسي لهم، بحكم الثقل التصويتي لدول القارة في المنظمات الدولية. 

ثانيًا: أهداف اقتصادية

خلال الجولة الأخيرة لنتنياهو وقَّعت إثيوبيا وإسرائيل على اتفاقات تعاون ومذكرة تفاهم حول بناء القدرات في مجال الزراعة، والسياحة، والاستثمار. كما أبرمت إسرائيل وكينيا اتفاقيات شملت مجالات الصحة والهجرة لتُضاف إلى اتفاقات أخرى وُقِّعت بين الطرفين في مجال الزراعة والري في فبراير/شباط 2016. وبالتزامن مع ذلك، أقرَّ مجلس الوزراء الإسرائيلي اقتراحًا بفتح مكاتب للوكالة الإسرائيلية للتنمية في الدول الأربعة، كما أعلن عن تخصيص 13 مليون دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون معها. 

ويتزامن ذلك مع وقت تنامت فيه الاستثمارات الإسرائيلية بالسوق الإثيوبية بسرعة مذهلة، لاسيما في مجال زراعة الزهور والتصنيع الزراعي، ووفقًا لهيئة الاستثمار الإثيوبية فقد بلغ عدد المشاريع الإسرائيلية في إثيوبيا 187 مشروعًا بقيمة 1.3 مليار بر إثيوبي (ما يوازي 58.4 مليون دولار). 

تعاقدت وزارة الزراعة الرواندية أيضًا مع شركة إيبوني المحدودة، وهي شركة إسرائيلية، لوضع خطة رئيسية للري الرواندي، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين، يوم 22 يناير/كانون الثاني 2007، في مقر الوزارة في مدينة كيغالي. 

تشارك إسرائيل أيضًا في مشروع ثلاثي مع ألمانيا وكينيا لتطهير مياه بحيرة فيكتوريا التي تبلغ مساحتها حوالي 69 ألف كيلومتر مربع وتشكِّل المنبع الرئيس لنهر النيل، وتم في 17 أغسطس/آب 2012 التوقيع في نيروبي بين الدول الثلاث على مشروع إنقاذ بحيرة فيكتوريا، التي تعتبر أكبر خزان للمياه العذبة في إفريقيا بهدف إعادة الثروة السمكية إليها وإبادة نباتات مائية ضارة سيطرت على البحيرة، ويتضح توظيف إسرائيل مرة أخرى للبُعد الإنساني في علاقاتها مع إفريقيا من خلال هذا المشروع الذي من المفترض أن يوفر فرص العمل لحوالي خمسة ملايين شخص في الدول الواقعة على البحيرة، وهي: كينيا، وأوغندا، وتنزانيا. 

ولذلك، فإن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى كلٍّ من أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا تكشف عن طموحات اقتصادية واسعة من قبل إسرائيل لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول الإفريقية. ولعل ما يفسر جانبًا من ذلك هو كثرة عدد الوفد الذي رافق نتنياهو في زيارته؛ حيث رافق نتنياهو وفد كبير مكون من 80 شخصًا من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين يمثِّلون أكثر من 50 شركة إسرائيلية بغرض دعم العلاقات الاقتصادية. 

إضافة إلى ذلك، فإن هناك رغبة إسرائيلية في تنويع شراكاتها الاقتصادية بخلاف الاعتماد المفرط على أسواق أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وفي غضون الأعوام الماضية، اتسمت العلاقات الإسرائيلية مع دول شرق إفريقيا بتعاون نشط في مجالات التجارة والاستثمار، بحيث يتمثل التعاون التجاري المشترك -والذي يسعى نتنياهو إلى تعزيزه- في وجود مكاتب وشركات تجارية لإسرائيل في كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا لتعزيز التبادل التجاري بين إسرائيل وبين تلك الدول، وذلك في ظل ارتفاع الصادرات الإسرائيلية لدول المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية. 

فالصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا بلغت 18 مليون دولار عام 2008، وبلغ حجم الواردات الإسرائيلية في نفس العام 46 مليون دولار، وتُصدِّر إسرائيل لإثيوبيا المواد الكيماوية والآلات الصناعية والبرمجيات، وتستورد إسرائيل منها المنتجات الزراعية والتبغ. كما تضاعفت الواردات الإسرائيلية لإثيوبيا أكثر من ثلاثين مرة خلال عقد التسعينات من 1.9 إلى 5.8 ملايين دولار سنويًّا(5). أمَّا كينيا فقد بلغت الصادرات الإسرائيلية إليها في عام 2007 (97 مليون دولار)، وبلغ حجم الواردات في نفس العام (22 مليون دولار). 

ثالثًا: أهداف أمنية وعسكرية

تأتي زيارة نتنياهو في إطار تحول الاهتمام الإسرائيلي نحو التهديدات التي تشكلها الحركات الجهادية على مصالحها في المنطقة، وهو ما بات محورًا أساسيًّا في علاقتها مع دول شرق إفريقيا وذلك من أجل مواجهة الحركات الجهادية ومنع تهديد مصالحها كما حدث في العمليات التي ضربت أهدافًا أميركية وإسرائيلية في العقدين الأخيرين وآخرها مجمع "ويست غيت" التجاري والذي يملكه رجل أعمال يهودي. 

يظل تهديد القاعدة والعمليات التي نفذتها في كينيا ضد مصالح إسرائيلية -كما أسلفنا- محطَّ الاهتمام الإسرائيلي؛ حيث تحولت دول شرق إفريقيا -لاسيما كينيا وإثيوبيا وأوغندا- خلال السنوات الأخيرة إلى قاعدة للمخابرات الإسرائيلية بجميع أجهزتها من أجل محاولة فهم ما يدور في القرن الإفريقي، والحد من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة في شرق إفريقيا باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل. 

ولذلك، فإن الضغوط الأمنية التي تتعرض لها دول المنطقة باستمرار من قبل حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة "توفر بيئة خصبة للتنسيق بين إسرائيل ودول شرق إفريقيا حول تعزيز الجهود الأمنية وذلك من أجل كسر جماح الحركات المتطرفة". 

وفي هذا الإطار، فقد أشار نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى أن إسرائيل ودول المنطقة سيعملان معًا من أجل مواجه الإرهاب. كما ركَّزت مباحثات نتنياهو مع القادة الأفارقة خلال زيارته الأخيرة على المسألة الأمنية وتعزيز التعاون الأمني؛ ما يعني أن عامل الإرهاب ظل محفزًا إسرائيليًّا كبيرًا لتوطيد علاقاتها مع دول المنطقة. 

رابعًا: التأثير على دول حوض النيل

وبما أن الدول الأربعة (كينيا، إثيوبيا، أوغندا، رواندا) التي زارها نتنياهو تضم دول حوض النيل المناهضة لحصتي مصر والسودان من مياه النيل فإن زيارة نتنياهو إلى تلك الدول تأتي في إطار سعي إسرائيل الدؤوب للتحريض على دول المنبع ضد دول المصب وخاصة جمهوريتي مصر والسودان، وذلك من خلال تغذية الخلافات وتأجيجها مع دول حوض النيل كمحاولة من إسرائيل لزيادة نفوذها في الدول المتحكمة في منابع النيل، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تهدف إلى سحب المياه من بحيرة فكتوريا التي تشترك في ملكيتها عدَّةُ دول في شرق إفريقيا، كما تسعى إسرائيل إلى تصوير مصر والسودان على أنهما المستفيدان الوحيدان من مياه النيل. 

خامسًا: التشجيع على إكمال سد النهضة "الإثيوبي"

حملت زيارة نتنياهو إلى إثيوبيا أهمية كبرى تجاوزت بقية الدول، رغم أن علاقة إسرائيل بكينيا أقدم من علاقتها بإثيوبيا؛ حيث تعتبر الأولى قاعدة رئيسية تراقب منها إسرائيل ما يجري في المنطقة الإفريقية. 

ولعل زيارة نتنياهو تأتي في سياق الدعم الإسرائيلي الخفي لأديس أبابا وبالتزامن مع موعد بداية تخزين المياه في سد النهضة دون موافقة مصر وفشل المفاوضات؛ ما يؤكد خطورة التحدي الماثل أمام مصر، ليبرهن ذلك على أن المشكلة ليست فنية إنما تتعلق بأهداف سياسية إقليمية كبرى. 

وفي نفس الوقت تتطلَّع إسرائيل من خلال هذا الدعم إلى ضمان أمنها المائي والحصول على حصة ثابتة من مياه نهر النيل(6). 

ولعل الوعود الني أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"مساعدة إثيوبيا على الاستفادة من مواردها المائية في تطوير الزراعة، ومدِّها بالتكنولوجيا الإسرائيلية" خلال جولته الأخيرة لدول المنطقة تثير عدة تساؤلات حول تداعيات وأهداف تلك الزيارة في هذا التوقيت الذي سبق توقيع عقود الدراسات الفنية لـ"سد النهضة" بأيام قليلة(7). 

وعلى الرغم من أن تقارير مصرية تقلِّل من أية آثار سلبية محتملة للدور الإسرائيلي على المصالح المصرية في حوض النيل باعتبار أن الوجود الإسرائيلي يعتبر محدودًا مقارنة بالتواجد المصري في نفس الدول؛ إذ إن لمصر 8 سفارات في جميع دول الحوض, في حين لا تملك إسرائيل سفارات سوى في 3 دول فقط، هي: إثيوبيا وكينيا وأوغندا، إلا أنه سيكون هناك العديد من الانعكاسات السلبية لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي على الأمن المائي المصري، خاصة في ظل وعود نتنياهو لمجلس النواب الإثيوبي بدعم إثيوبيا للاستفادة من مواردها المائية، وهو ما يتطلب تحركات مصرية للتخفيف من وطأة الأثر السلبي تدريجيًّا مقابل تلاقي المصالح ما بين مختلف الأطراف المصرية والإسرائيلية والإفريقية. 

مستقبل العلاقة الإسرائيلية–شرق الإفريقية في ظل الغياب العربي 

ستشهد علاقة إسرائيل مع دول شرق إفريقيا تطورًا ملحوظًا في السنوات القليلة القادمة نظرًا لحجم الملفات المتبادلة بين الجانبين على المستويات السياسية والاقتصادية والاستخباراتية علمًا بأن العلاقات المتينة بين دول شرق إفريقيا وإسرائيل تأتي في اطار الاستراتيجية الإسرائيلية التي بدأت منذ وقت مبكر، أي بعد نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948 وذلك في محاولة إسرائيلية للالتفاف على حالة العداء العربي لها وهي الاستراتيجية التي بلورها أول رئيس وزراء إسرائيلي، "دافيد بن غوريون"، وشدَّد من خلالها على تعزيز العلاقات مع الدول غير العربية المحيطة بالدول العربية والانطلاق منها إلى إثارة النعرات الطائفية والعِرقية والدينية في المجتمعات العربية من أجل إشغالها عن الصراع العربي-الإسرائيلي واستنفاد قدراتها في صراعات أخرى. وقد تجلَّى ذلك بوضوح عبر الدور الإسرائيلي في السودان ودعم الحركة الشعبية التي وجدت ملاذًا لها للانطلاق من كينيا وأوغندا وغيرهما من دول المنطقة. 

التوجه الإسرائيلي الأخير نحو دول شرق إفريقيا يشكِّل جزءًا من الصراع العربي-الإسرائيلي، وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على اكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية وحرمانها من أي نفوذ داخل منطقة تعتبر واعدة في المجالات التجارية والاستثمارية. كما أن الوجود "الإسرائيلي" القديم والمتجدد من شأنه أن يؤدي إلى تَكوُّن محور استخباري أمني (نيروبي-أديس أبابا) من خلاله تستطيع إسرائيل مساعدة الأفارقة من جهة، وتطويق الأمن القومي العربي من جهة ثانية، وذلك في ظل الدور العربي الضعيف في المنطقة. 

خاتمة 

تبقى الزيارة التي سجَّلها نتنياهو في عدَّة دول شرق إفريقية دليلًا على عمق التغلغل الإسرائيلي في القارة السوداء خاصة منطقة القرن الإفريقي وهو ما يشكِّل تهديدًا دائمًا للأمن القومي العربي، مقابل الإهمال العربي لإفريقيا الشرقية؛ الأمر الذي يمنح "تل أبيب" فرصة ثمينة لتنخرط في تعاون واسع مع معظم العواصم في شرق إفريقيا، ولتؤسِّس أيضًا قواعد أمنية وعسكرية واقتصادية لها في منطقة تعتبر واعدة في المجال التجاري والاستثماري.

_________________________________

فهد ياسين- باحث بمركز الجزيرة للدراسات

نبذة عن الكاتب

مراجع

1. إبراهيم، كمال، "عودة إسرائيل إلى إفريقيا 1980-"1990، الموقع الإلكتروني لمجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 1، العدد (5)، ص 237، (تاريخ الدخول: 20 يوليو/تموز 2016): إضغط هنا.

2. - سرور، عبد الناصر، "السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا (جنوب الصحراء) بعد الحرب الباردة"، الموقع الإلكتروني لمجلة جامعة الخليل للبحوث، 2010، (تاريخ الدخول: 17 يوليو/تموز 2016):

 http://www.hebron.edu/docs/journal/v5-2/vol5-2-155-173.pdf

3. عبد الرحمن، حمدي، "إسرائيل وإفريقيا في عالم متغير"، مركز الجزيرة للدراسات، (تاريخ الدخول: 15 يوليو/تموز 2016):

http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/449795D8-9C7A-413B-8CE9-B863C5BB9BE8

4. حسن، حمدي عبد الرحمن، "إسرائيل وقوتها الناعمة في إفريقيا"، سبتمبر/أيلول 2010، (تاريخ الدخول: 25 يوليو/تموز 2016):

http://www.khutabaa.com/index.cfm?method=home.con&ContentID=2661

5. Herman, Butime, Shifts in Israel! Africa Relations, “Strategic Assessment” October 2014, (Visited on 20 July 2016):

2016http://www.inss.org.il/uploadImages/systemFiles/adkan17_3ENG%20(3)_Buti…

6. "هل تؤثِّر زيارة نتنياهو لإفريقيا على مفاوضات المياه بين مصر وإثيوبيا؟"، المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، 14 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2016):

http://www.rcssmideast.org/Article/4829/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%A4%D8%AB%D8%B1-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7

7. نصر الدين، وائل علي، "دلالات زيارة نتنياهو الإفريقية"، شبكة إضاءات، 6 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 20 يوليو/تموز 2016):

http://ida2at.com/connotations-visit-african-netanyahu/