تزايدت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة للدول الآسيوية بفعل اعتمادها على مصادر الطاقة القادمة من المنطقة، وجاءت الجولة الآسيوية الأخيرة للملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار من العام 2017، وشملت ماليزيا، و إندونيسيا، وبروناي، واليابان، والصين، وجزر المالديف، لتعطي الدول الآسيوية فرصة كبيرة لتنويع علاقاتها ولتشمل الاستثمار المتبادل والتعاون العسكري والتعاون الثقافي والارتقاء بالعلاقات إلى مستوى أفضل وأشمل. ومن شأن هذا أن يساعد الصين واليابان على تحقيق هدفهما في المنطقة وهو ضمان الاستقرار للحفاظ على تدفق واردات الطاقة من المنطقة. وقد يؤدي زيادة التعاون بين الدول الآسيوية والمملكة العربية السعودية والدول الخليجية إلى ظهور محور خليجي-آسيوي رغم الثقل الغربي وخاصة الأميركي في المنطقة. لكن في الوقت الحالي يشتد التنافس بين الصين واليابان على الحفاظ على علاقات قوية والاستفادة من الفرص الاقتصادية الكبيرة للمنطقة.
ماليزيا: منافع اقتصادية متبادلة
استهلَّ العاهل السعودي جولته الآسيوية بزيارة ماليزيا (26 فبراير/شباط- 1 مارس/آذار 2017)، وركزت على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين الرياض وكوالالمبور، وتوسيع التعاون في المجال العسكري و"محاربة الإرهاب". وخلال الزيارة، تم التوقيع على ست اتفاقيات ومذكرات تفاهم أهمها التوقيع على اتفاقية بين شركة أرامكو السعودية وبتروناس الماليزية بقيمة 7 مليارات دولار، تمتلك بموجبه الشركة السعودية 50% من مصفاة ومركب للبتروكيماويات في ولاية جوهور بجنوب ماليزيا. وبموجب الاتفاق أيضًا ستزود شركة أرامكو المصفاة بـ70% من حاجياتها من النفط(1). وسينتج عن الاتفاقية حركة اقتصادية كبيرة في ولاية جوهور ستحولها إلى مركز للصناعات المرتبطة بقطاع الطاقة. بالإضافة إلى النفط، تم التوقيع على اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجال الثقافة، وصناعة المنتجات الحلال، وتبادل الخبرات، و الموارد البشرية، والتربية والتعليم.
وكان التعاون العسكري ضمن أجندة الزيارة أيضًا؛ حيث وقَّع البلدان على اتفاقية للتعاون بين القوات البحرية والجوية من البلدين. وستقدم البحرية الماليزية خبرتها وتجربتها في مجال الغواصات لتعزيز القدرات الاستراتيجية للجيش السعودي(2). وفي ظل التهديدات الإرهابية المتنامية في منطقة جنوب شرق آسيا، ستدفع ماليزيا نحو مزيد من التعاون العسكري مع المملكة العربية السعودية.
فتحت زيارة العاهل السعودي آفاقًا جديدة أمام الاقتصاد الماليزي، غير أن المستفيد الأكبر من الزيارة هو رئيس الوزراء، نجيب عبد الرزاق، الذي استغل الزيارة ليثبت لمعارضيه أن ماليزيا مفتوحة في وجه الاستثمارات الخارجية من مختلف الدول، بعد الانتقادات التي وُجِّهت له بأنه باع البلد إلى الصين(3)، في إشارة إلى الحجم الهائل للاستثمارات الصينية الوافدة على ماليزيا.
إندونيسيا: فرص اقتصادية مهمة لكن دون توقعاتها
مثَّلت زيارة الملك السعودي ل إندونيسيا فرصة اقتصادية كبيرة لجذب الاستثمارات السعودية خاصة في مجال البنية التحتية والنفط، بالإضافة إلى فتح السوق السعودية أمام المنتجات الإندونيسية. ووقَّع البلدان 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مختلف المجالات وتعهدت السعودية بإنشاء صندوق بقيمة مليار دولار في إندونيسيا للاستثمار في مجالات متنوعة أهمها البنية التحتية والإسكان، فضلًا عن تأكيدها على إتمام الاتفاقية التي وُقِّعت بين شركة أرامكو وشركة بيرتامينا، في ديسمبر/كانون الأول 2016، لتوسيع مصفاة سيلاكاب في جافا الوسطى، كبرى المصافي في إندونيسيا، بقيمة خمسة مليارات دولار(4). واتفق البلدان أيضًا على التعاون في مجال الشركات الكبرى والصغيرة عن طريق تبادل الخبرات وتقاسم المعلومات.
واستأثر التعاون في المجال الديني بحيز لا بأس به، وتم الاتفاق على زيادة عدد الحجاج الإندونيسيين بـ10.000 حاج ليصل إلى 221.000 حاج هذا العام(5). وفي إطار تعزيز الحوار بين البلدين و"محاربة الإرهاب"، تم التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون الثقافي وأخرى للتعاون في المجال الدعوي. وفي هذا السياق، تسعى إندونيسيا إلى الاستفادة من برامج المملكة في إعادة تأهيل "المتشددين" لمواجهة "النزعات المتطرفة" لدى بعض الجماعات الإسلامية في إندونيسيا، وقطع الطريق أمام انتشار التطرف ونشوء بيئة حاضنة للفكر "المتشدد"، وذلك في إطار الإجراءات الوقائية ضد "الإرهاب".
لكن الاتفاقيات الموقَّعة بين البلدين خلال الزيارة لم ترقَ إلى مستوى التطلعات الإندونيسية؛ حيث كانت توقعات المسؤولين الإندونيسيين قبل الزيارة تشير إلى التوقيع على اتفاقيات بقيمة 25 مليار دولار(6).
كما لم تتطرق المحادثات بين العاهل السعودي والرئيس الإندونيسي إلى موضوع العمالة الإندونيسية في المملكة البالغ عددها مليون شخص. ويمثِّل هذا الموضوع أهمية كبيرة ل إندونيسيا، خاصة بعد منع إندونيسيا عاملات المنازل من العمل في بعض الدول من بينها السعودية، بسبب مزاعم تتعلق بظروف عيش وعمل العمالة الإندونيسية في السعودية.
وإذا كانت المنافع الاقتصادية للزيارة دون مستوى التوقعات، فإن الزيارة قدمت منافع سياسية كبيرة للرئيس جوكو ويدودو؛ حيث إن لقاءه مع العاهل السعودي رفع من شعبيته لدى المسلمين، خاصة بعد تراجعها في الآونة الأخيرة، بسبب دفاعه عن عمدة جاكرتا المتهم بالإساءة للقرآن الكريم(7).
وبالرغم من أن الاستثمارات السعودية لم تكن بحجم التوقعات الإندونيسية، إلا أن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين خلال زيارة العاهل السعودي، قد تمنح دفعة قوية للاقتصاد الإندونيسي المتباطئ والذي شهد مؤخرًا إصلاحات موسَّعة لرفع التنافسية وزيادة المرونة. بالإضافة إلى ذلك، قد تشكِّل الزيارة منصة لتعزيز العلاقات بين البلدين في المستقبل وبداية لتدفق الاستثمارات السعودية والخليجية بصفة عامة إلى إندونيسيا.
وإذا كانت كل من ماليزيا وإندونيسيا قد حقَّقتا بعض المكاسب الاقتصادية، إضافة لبعض المكاسب السياسية داخليًّا، من زيارة العاهل السعودي، فإن الزيارة بالنسبة لليابان والصين، تتجاوز في تداعياتها المكاسب الاقتصادية لتشمل مكاسب استراتيجية على المدى البعيد منها ضمان الأمن الطاقيِّ للبلدين وتوسيع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
اليابان: الاستثمار في استقرار المنطقة
تنظر اليابان إلى زيارة العاهل السعودي (12-15 مارس/آذار 2017) باعتبارها فرصة لتعزيز أمنها الطاقي والحصول على استثمارات كبيرة في السوق السعودية التي تتجه نحو الانفتاح في إطار رؤية المملكة 2030. يلعب النفط ومصادر الطاقة الأخرى دورًا أساسيًّا في توجيه سياسة اليابان نحو السعودية والشرق الأوسط بصفة عامة؛ حيث تعتمد اليابان بشكل شبه كلي على نفط الخليج العربي. وتستورد اليابان 83% من نفطها من الخليج العربي تتوزع كالتالي: السعودية 34%، والإمارات 25%، والكويت 8%، وقطر 8%، ثم إيران 5%. كما تستورد 24% من حاجياتها من الغاز الطبيعي من الخليج: قطر 15%، والإمارات 6%، ثم سلطنة عُمان 3%(8).
تعمل اليابان على تأمين مواردها من الطاقة في الشرق الأوسط عبر زيادة وتكثيف تعاونها الاقتصادي مع السعودية، باعتبار أن التعاون الاقتصادي سيسهم في ازدهار المنطقة وسيؤدي بالتالي إلى الاستقرار.
يعود التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى سبعينات القرن الماضي عندما استثمرت شركة سايباتسو اليابانية في قطاع البتروكيماويات السعودي. ثم في بداية القرن الحالي وبالضبط في 2009، بدأ العمل في مشروع "بترو رابغ"، واحدة من أكبر المصافي والمركبات البتروكيماوية في العالم، بالشراكة بين شركة أرامكو وسوميتومو اليابانية. بعد أن كان البلدان قد أنشآ في العام 2007، لجنة التعاون الصناعي السعودي-الياباني المشتركة لتطوير أربعة قطاعات صناعية، هي: السيارات، والطاقة الشمسية، والتعدين، والبلاستيك(9).
وسيشهد توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين زخمًا كبيرًا، بعد زيارة العاهل السعودي لليابان؛ ففي إطار رؤية اليابان-السعودية 2030، اتفق البلدان على 31 مشروعًا اقتصاديًّا(10)، أهمها: تطوير اليابان للمناطق الاقتصادية الحرة التي ستقوم السعودية بإنشائها بهدف تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار عن طريق تسهيل إجراءات الاستثمار والتخفيف من القيود الجمركية، والتعاون مع بورصة طوكيو لتسجيل شركة أرامكو في البورصة، وتقاسم المعلومات بين البنوك اليابانية الكبرى والهيئة السعودية العامة للاستثمار بهدف الترويج للاستثمارات اليابانية في السعودية، بالإضافة إلى التعاون بين شركة أرامكو وكل من مجموعة جي إكس هولدينغ للطاقة، وشركة جي جي سي لتطوير التكنولوجيا المتطورة في مجال الطاقة.
في المجال العسكري، عيَّنت الرياض ملحقًا عسكريًّا في سفارتها لدى طوكيو، بالتزامن مع زيارة العاهل السعودي، بعد أن كانت اليابان قد اتفقت على تعزيز العلاقات العسكرية مع السعودية خلال الزيارة الأخيرة لولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى طوكيو في سبتمبر/أيلول 2016. وتعهدت اليابان بالمساهمة في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، و"محاربة الإرهاب"، وتقديم مساعدات غير عسكرية مثل المساعدات الإنسانية للاجئين.
ستفتح زيارة العاهل السعودي الباب أمام اليابان لزيادة نفوذها الاقتصادي في الشرق الأوسط، كما أن سعي طوكيو إلى تعزيز العلاقات مع الرياض في مجال الدفاع يأتي في إطار ضمان استقرار المنطقة للحفاظ على استقرار وارداتها من النفط، في ظل تراجع الدور الأمني للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. خاصة وأن اليابان، وعلى النقيض من البلدان الغربية، لم تحاول تنويع مصادر التزود بالطاقة بعيدًا عن الشرق الأوسط، بقدر ما حاولت تقليل الاعتماد على النفط واستيراد كميات أكبر من الغاز الطبيعي.
وفضلًا عن التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، استثمرت اليابان أموالًا طائلة في الشرق الأوسط على شكل مساعدات مالية وقروض ميسرة ومساعدات تقنية؛ حيث قدمت اليابان سنة 2013، 2.2 بليون دولار من المساعدات لدول المنطقة، وفي العام 2015 تعهدت بتقديم 2.5 مليارات دولار(11).
وترى اليابان أن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ضروري للحفاظ على مصالحها الوطنية، وأن الازدهار الاقتصادي هو أفضل وسيلة لتحقيق الاستقرار في دول المنطقة؛ لذا تحاول في الآونة الأخيرة زيادة مساعداتها المالية لها، وتعمل أيضًا على تقوية نفوذها الاقتصادي خاصة في القوى الإقليمية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية، حيث مثَّلت زيارة العاهل السعودي فرصة كبيرة لليابان للمضي قدمًا في تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط.
تتجه العلاقات اليابانية-السعودية نحو مزيد من التعاون المشترك عبر الخروج بها من التعاون في مجال الطاقة إلى مجالات أرحب تشمل الاستثمار المتبادل والتعاون العسكري والثقافي. لكن تعميق العلاقات مع السعودية يطرح تحديات على اليابان مثل الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع مختلف القوى الإقليمية في الشرق الأوسط وضمنها إيران، ثم التنافس الاستراتيجي مع الصين التي تسعى لتقوية حضورها في منطقة الشرق الأوسط.
الصين: تنظر للمنطقة عبر السعودية
شكَّلت الصين ما بين (16- 18 مارس/آذار 2017) المحطة الأهم في جولة العاهل السعودي الآسيوية. ويدل حجم الاتفاقيات الموقَّعة بين البلدين وتنوعها على تنامي العلاقات بين الطرفين؛ حيث تم التوقيع على 22 مذكرة تفاهم واتفاقية بقيمة 65 مليار دولار(12)، للتعاون والاستثمار المشترك في مجال الطاقة، فضلًا عن اتفاقيات في مجال الثقافة والتعليم والعلوم وغيرها.
ويبقى النفط العنصر الأساسي في العلاقات بين البلدين والشرق الأوسط بشكل عام؛ حيث تستورد الصين 14% من حاجياتها من النفط من السعودية(13)، وتتجاوز حصة منطقة الشرق الأوسط 50% من مجموع واردات الصين من النفط. ومن المتوقع أن تسهم الزيارة في توطيد العلاقات في قطاع النفط، فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين شركة أرامكو وشركة نورينكو الصينية للنظر في بناء مجموعة من المصافي ومنشآت بتروكيماوية في العديد من المدن الصينية. ووقعت شركة سابك مع شركة سينوبيك الصينية اتفاقية لتطوير منشآت بتروكيماوية في كل من الصين والسعودية.
الاستثمار المشترك بين البلدين سينمو في المستقبل أيضًا؛ حيث فتحت الزيارةُ البابَ أمام المستثمرين الصينين للاستثمار في المملكة العربية السعودية والاستفادة من رؤية المملكة 2030 التي بموجبها ستعرض المملكة للبيع حصصًا في العديد من الشركات السعودية الحكومية وخاصة شركة أرامكو، والمشاركة في مشاريع تطوير البنية التحتية التي تخطط المملكة لإنشائها في إطار الخطة نفسها. وقد وقَّع الطرفان اتفاقية تعاون استراتيجي للاستثمار في مشروعات متعددة لتوسيع الاستثمارات المشتركة بين البلدين، ومذكرة تفاهم للإطار العام للاستثمار الصناعي والبنى التحتية، خلال زيارة العاهل السعودي.
من جهة أخرى، تزايد التعاون العسكري بين البلدين، منذ صفقة الصواريخ الصينية إلى السعودية في ثمانينات القرن الماضي وتلك التي تم إبرامها في العام 2007(14). وحاليًّا، تشغِّل القوات الجوية السعودية طائرات صينية من دون طيار، وشاركت القوات السعودية في مناورات لمكافحة "الإرهاب" في الصين. كما زادت وتيرة زيارة السفن الصينية إلى الموانئ السعودية والدول الخليجية الأخرى، بعد أن بدأت الصين عمليات محاربة القرصنة في خليج عدن. ووقَّع البلدان خلال الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي، على اتفاقية لتصنيع الطائرات الصينية من دون طيار في المملكة.
والحقيقة أن تنامي التعاون العسكري بين البلدين يرجع إلى زيادة الاهتمام الصيني بمنطقة الشرق الأوسط لحماية مصادر الطاقة، والطرق البحرية التي تمر بها هذه المصادر (الولايات المتحدة تقوم بهذا الدور حاليًّا)، بالإضافة إلى "محاربة الإرهاب"؛ حيث تتخوف الصين من عودة المسلمين الإيغور الذين التحقوا بتنظيم الدولة في سوريا والعراق إلى الصين وتنفيذ عمليات داخل التراب الصيني. لكن التعاون العسكري بين البلدين يبقى بطيئًا ومحدودًا مقارنة مع التعاون العسكري السعودي مع الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأميركية، ولا يمكن الارتقاء بالتعاون العسكري مع الصين إلى مستوى الشراكة الدفاعية الكاملة، على الأقل على المديين القريب والمتوسط، لأن الصين غير قادرة على لعب الأدوار الأمنية التي تقوم بها واشنطن في المنطقة. غير أن الصين ستحاول الاستفادة من زيارة العاهل السعودي للدفع أكثر نحو مزيد من النفوذ العسكري والسياسي في المنطقة.
تعتمد الصين بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط؛ لذا أصبح استقرار المنطقة يشكِّل الهاجس الأكبر لها، لكنها التزمت في السابق بعدم التدخل في النزاعات هناك. ومع زيادة الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للصين بدأت في تغيير مقاربتها نحو قضايا المنطقة وخاصة القضية السورية.
تُعارض الصين، منذ اندلاع الثورة السورية، إسقاط نظام الرئيس الأسد، واستعملت حق الرفض (الفيتو) ست مرات للحيلولة دون فرض عقوبات على سوريا، علمًا بأن الصين لم تستعمل حق الرفض سوى 11 مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة(15). ويتعارض الموقف الصيني مع نظيره السعودي حول هذه القضية، بينما يكاد يتماهى مع الموقف الإيراني. وبالرغم من الاختلاف الكبير في موقف الدولتين من القضية السورية، إلا أن الصين حافظت على علاقات جيدة مع كل من إيران والسعودية.
أكدت الصين، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى الشرق الأوسط في العام الماضي، أنها لا تبحث عن ملء الفراغ الأميركي ولا تريد في نفس الوقت التدخل في الصراع الطائفي في المنطقة(16). وقد استطاعت الصين، لحد الآن الحفاظ على علاقات جيدة مع مجموعة من الدول المتنافسة على النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، لكن مع ازدياد النفوذ الصيني في المنطقة ستضطر إلى الاختيار والتحالف مع طرف على حساب الطرف الآخر.
كما تزايد الاهتمام الصيني بالمنطقة، بحكم موقعها في ملتقى ثلاث قارات، هي: إفريقيا وأوروبا وآسيا. وترى الصين أن الموقع الجغرافي للمملكة يؤهلها لتكون نقطة ارتكاز في مبادرة "طريق واحد، حزام واحد" التي تسعى الصين عن طريقها إلى إنشاء شبكة من الطرق البرية والبحرية وسكك الحديد لربط الصين بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا، بهدف تعزيز المبادلات التجارية وفتح الأسواق الخارجية في وجه المنتجات الصينية؛ حيث تسعى الصين إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط يتوافق مع قوتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية. ويشير حجم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين خلال زيارة العاهل السعودي الأخيرة، وتنامي التعاون العسكري بين البلدين في السنوات الأخيرة، إلى أن الصين تقدمت خطوة أخرى تجاه الحفاظ على أمنها الطاقي، والانفتاح على سوق استثمارية واعدة، وجذب الاستثمارات السعودية، وتقوية وجودها في الشرق الأوسط بالرغم من بعض الصعوبات المرتبطة بالخلافات الصينية مع السعودية خاصة حول القضية السورية.
خاتمة
بالنظر إلى التطورات التي شهدتها العلاقات السعودية مع الدول الآسيوية، خاصة تلك التي تحتل مكانة اقتصادية كبرى، ليس فقط الهند والصين، بل دول أخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية، ومحاولة تلك الدول تنويع العلاقات لتشمل الاستثمار والتعاون العسكري ومكافحة الإرهاب، فضلًا عن زيادة اعتماد الدول الآسيوية على النفط الخليجي، من المتوقع أن تتزايد مصالح الدول الآسيوية مع السعودية، وبالتالي زيادة التعاون بين هذه الدول والسعودية، بالإضافة إلى الدول الخليجية الأخرى.
من جهة أخرى، ستسعى الدول الآسيوية إلى مزيد من الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، عن طريق تقديم المزيد من المساعدات التنموية والاقتصادية للدول الفقيرة في المنطقة، باعتبار أن غياب التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط يعتبر واحدًا من أهم أسباب التوتر والاضطرابات في المنطقة.
ومع تزايد القدرات العسكرية لكل من الهند والصين، وتغيير اليابان لدستورها من أجل رفع القيود الدستورية التي تمنعها من المشاركة في العمليات العسكرية في الخارج، ستعمل الدول الآسيوية في المستقبل على مزيد من الاستثمار في العلاقات الأمنية والعسكرية مع السعودية ودول الخليج العربي، لتقليل اعتماد الدول الآسيوية على الضمانات الأمنية الأميركية التي تعتبر الركيزة الأساسية حاليًّا في الحفاظ على استقرار وأمن الخطوط البحرية التي يمر عبرها النفط. مما يعني أن زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين القوى الآسيوية الكبرى والسعودية، ستؤدي في المستقبل إلى زيادة التعاون العسكري الآسيوي-السعودي، وبالتالي تغير الأدوار الاستراتيجية التي تلعبها كل من الصين واليابان في الشرق الأوسط، خاصة مع وجود مخاوف لدى كل من الصين واليابان من تأثير عدم الاستقرار، الذي يطبع منطقة الشرق الأوسط، على مصالحهما الاقتصادية في المنطقة، يضاف إلى ذلك مخاوف الصين من تحولات الإدارة الأميركية الجديدة في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فيما يتعلق باستفزازها عبر خاصرتها في تايوان والعمل على محاصرتها في مجالها الحيوي.
______________________________________
عبد الرحمن المنصوري - كاتب متخصص في الشؤون الآسيوية
1- Norshahril Saat, Malaysia Capitalizes on Saudi King Salman’s Visit, Yosuf Ishak Institute, 8 March 2017 (accessed 13 April 2017)
https://www.iseas.edu.sg/images/pdf/ISEAS_Perspective_2017_14.pdf
2- Tengku Nur Qistina Petri, Military cooperation with Saudi Arabia Enhanced, The New Straits Times, 14 March 2017 (accessed 13 April 2017)
http://www.nst.com.my/news/2017/03/220559/military-cooperation-saudi-arabia-enhanced
3- Norshahril Saat, Malaysia Capitalizes on Saudi King Salman’s Visit, Yosuf Ishak Institute, 8 March 2017 (accessed 13 April 2017)
https://www.iseas.edu.sg/images/pdf/ISEAS_Perspective_2017_14.pdf
4- Hendarsyah Tarmizi, Saudi investment: Not big but not too small, The Jakarta Post, 9 March 2017 (accessed 13 April 2017)
5- Siwage Darhma Negara, The Impact of Saudi King’s Visit to Indonesia, Yosuf Ishak Institute, 10 March 2017 (accessed 13 April 2017)
https://www.iseas.edu.sg/images/pdf/ISEAS_Perspective_2017_16.pdf
6- Hendarsyah Tarmizi, Saudi investment: Not big but not too small, The Jakarta Post, 9 March 2017 (accessed 13 April 2017)
7- Siwage Darhma Negara, The Impact of Saudi King’s Visit to Indonesia, Yosuf Ishak Institute, 10 March 2017 (accessed 13 April 2017)
https://www.iseas.edu.sg/images/pdf/ISEAS_Perspective_2017_16.pdf
8- U.S Energy information Administration, Japan Analysis, Feb 2017 (accessed 13 April 2017)
https://www.eia.gov/beta/international/analysis.cfm?iso=JPN
9- Makio Yamada, Saudi Arabia’s look east diplomacy ten years on, Middle East Policy Journal, Winter 2015, Volume 22
10- Saudi Arabia plans economic zones to court Japan Inc. Nikkei Asian Review, 13 March 2017 (accessed 13 April 2017)
11- Mina Pollman, Japan's 'Mercantile Realism' in the Middle East, The diplomat, 23 January 2015 (accessed 13 April 2017)
http://thediplomat.com/2015/01/japans-mercantile-realism-in-the-middle-east/
12- China, Saudi Arabia eye $65 billion in deals as king visits, Reuters
, 16 March 2017 (accessed 13 April 2017)
http://www.reuters.com/article/us-saudi-asia-china-idUSKBN16N0G9
13- Anthony Dipaola, Saudi Arabia Holds China Market Share Lead on Record Oil
Output, Bloomberg, 24 August 2016 (accessed 13 April 2017)
14- Jeffery Lewis, Why Did Saudi Arabia Buy Chinese Missile, Foreign Policy, 30 Jan 2014 (accessed 13 April 2017)
http://foreignpolicy.com/2014/01/30/why-did-saudi-arabia-buy-chinese-missiles/
15- Shi Jiangtao, Saudi king’s visit puts Beijing in Middle East spotlight, South China Morning Post, 14 March 2017 (accessed 13 April 2017)
16- Ting Shi, How China Is Building Bridges With The Middle East, Bloomberg, 25 Jan 2016 (accessed 13 April 2017)