خرج هاشمي رفسنجاني في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وكان قد استلم للتو زمام إدارة البلاد، بمشروع تحويل إيران إلى ما أسماه حينها "قلب طريق الحرير" ومركز ثقل اقتصادي يصل شرق آسيا بأوروبا وإفريقيا. ولكن خلافات إيران مع الولايات المتحدة والغرب من جهة، وضعف الإمكانات المالية والاقتصادية لإيران من جهة أخرى، إضافة إلى الظروف الأمنية والسياسية للمناطق التي كان يجب على مشروع "طريق الحرير" العبور منها، جعلا هذا الحلم مستحيل التنفيذ عملياً.
واعتبر طرح مشروع السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أميركا السابقة، عام 2011، والمتمثل بمد طريق يصل شرق آسيا إلى أوروبا ضربة قاضية للحلم الإيراني.وقد صادف طرح مشروع الرئيس الصيني "شي جينبينغ" الرامي إلى إعادة إحياء "طريق الحرير" عام 2013، تقدما في مفاوضات إيران مع الـ1+5 التي أدت للاتفاق النووي، ما سهّل بدوره عقد اتفاقية عبور طريق الحرير عبر إيران. ثم عاد الأمل لإحياء حلم رفسنجاني القديم، ولكن هذه المرة بوجود حليفه حسن روحاني في السلطة. وقد قابلت طهران مشروع الرئيس الصيني بحفاوة بالغة أدت إلى توقيع عقود تزيد عن أربعين مليار دولار، ومنح امتيازات وتسهيلات كبيرة للجانب الصيني، أملا في تحقيق الحلم الإيراني القديم.
إضافة إلى ذلك، بدأت إيران تفاوض الروس لوصل بحر عمان والمحيط الهندي ببحر قزوين وأوروبا عبر روسيا، كي تزيد من تعزيز موقعها الاستراتيجي اقتصاديا. لذلك يمكن القول إنه، وعلى الرغم من أن مبادرة طريق الحرير كانت صينية، لكنها اليوم باتت تحقيقا لحلم إيراني قديم.
مقدمة
على الرغم من أن الصينيين بدأوا مفاوضات مكثفة مع عدد من البلدان من أجل إقناعها بالمشاركة في مبادرتهم لإعادة إحياء طريق الحرير(1)، إلا أن الإيرانيين لم يحتاجوا لمن يقنعهم، إذ إن إعادة إحياء طريق الحرير بالنسبة إليهم يعتبر حلما تداولته الحكومات الإيرانية منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي. فقد كان الحلم الإيراني بإعادة إحياء طريق الحرير وجعل إيران قلب هذا الطريق أحد مشاريع هاشمي رفسنجاني الذي لقب نفسه بـ"قائد الإعمار" في إيران.
كان المشروع يهدف حينها إلى محاولة إحياء طريق الحرير لربط الهند والصين وبلدان شرق آسيا وبلدان آسيا الوسطى (التي كانت قد حصلت على استقلالها من الاتحاد السوفيتي السابق) بأوروبا وإفريقيا من جهة، وربط بلدان شمال إيران بالمياه الدافئة للخليج وبحر عمان. ومع أن مداخيل إيران من تجارة العبور (الترانزيت) كانت ستدر على البلاد أرباحا كبيرة، إلا أن الأهم من ذلك هو جعل إيران مركز ثقل تجاري عالمي لا يمكن تحييده بأي شكل من الأشكال. وكان من شأن ذلك أن يحوّل إيران إلى موقع جيواستراتيجي وسياسي عالمي لا مثيل له. حينها، كان بإمكان رفسنجاني، لما كان يتمتع به من سلطة ونفوذ داخل البلاد، تذليل الصعوبات وتعديل القوانين الداخلية التي كانت تعرقل المضي في تنفيذ هذا المشروع. لكنه لم يستطع القيام بذلك بسبب محدودية الاستثمارات الأجنبية، والمعارضة الأميركية الشديدة له من جهة أخرى. فقد وضعت الولايات المتحدة حينها كل ثقلها لمنع تنفيذ المشروع.
لم يتحقق الحلم الإيراني حينها لعدة أسباب، وبانتهاء ولاية هاشمي رفسنجاني الرئاسية تم حفظ المشروع في أدراج مخازن المشاريع المنسية إلى أن يحين الوقت المناسب لإحيائه. ومع وصول حسن روحاني، حليف هاشمي رفسنجاني، للسلطة وعودة عدد كبير من وزراء حكومة رفسنجاني إلى مناصبهم السابقة، أعيد طرح مشروع طريق الحرير مجددا، وبدأت إيران تتفاوض مع البلدان المعنية بغية تنفيذه. لكنها لم تستعمل اسم "طريق الحرير" أو "تحويل إيران إلى قلب هذا الطريق"، كي لا تتحرك ضدها الدول المعارضة للمشروع. فقد أدركت أن معارضة الولايات المتحدة لإحياء طريق الحرير لم يكن يستهدف إيران وحدها، بل كان يهدف إلى تحجيم الصين وروسيا أيضا.
وبوصول روحاني إلى السلطة وتوصّل إيران إلى الاتفاق النووي، الذي يقضي برفع بعض العقوبات الدولية، طرحت الصين مبادرتها لإعادة إحياء طريق الحرير، فاستقبلته إيران بترحيب بالغ ووقّعت معها اتفاقيات بمليارات الدولارات، ووعدت بمنحها تسهيلات مختلفة.
طريق الحرير الصيني وإيران
عندما طرح الرئيس الصيني "شي جينبينغ" مبادرة إحياء طريق الحرير عام 2013 خلال زيارته لقرغيزستان، لم يستطع الرئيس القرغيزي حينها إخفاء فرحته بهذا المشروع. ولكن الترحيب الأكبر كان في إيران؛ حيث إن الحكومة الإيرانية الجديدة استعادت حلم البلاد القديم بتأسيس طريق الحرير وأن تكون إيران قلبه(2). فالمشروع الصيني يهدف إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات، ومد طرق مواصلات حديدية ومائية، إضافة إلى مد أنابيب الغاز والنفط والطاقة وخطوط الألياف البصرية، ومعظمها يمر عبر إيران ويصل بحر الصين في الشرق بأوروبا وإفريقيا في الغرب(3).
استطاع الإيرانيون إقناع الصينيين بتوقيع اتفاقية تعاون تجاري مشترك لتحويل إيران إلى مركز "ترانزيت" للبضائع الصينية ريثما يتم تفعيل طريق الحرير. وخلال زيارة الرئيس الصيني لطهران، تم التوقيع على 17 اتفاقية تعاون اقتصادي تزيد قيمتها على الـ40 مليار دولار(4).
يتضمن المشروع ممرين اثنين: "طريق بحري" و"طريق بري". يبدأ الطريق البحري من ميناء منطقة شينجيانغ في شمال الصين ويمتد إلى أوروبا وإفريقيا عبر البحر الأحمر وضفافه من جهة. وخط آخر يتصل بموانئ إيران الجنوبية، ومن ثم يتم شحن البضائع بالقطار أو بالشاحنات باتجاه أوروبا أو البحر الأبيض المتوسط.
أما الطريق البري فيبدأ من منطقة "شيآن" في جنوب الصين ثم يدخل كازاخستان عبر مدينة "أرومشي"، ويمتد عبر آسيا الوسطى ليدخل إيران من منطقة "سرخس" قبل أن يتفرع في غرب إيران إلى ثلاثة فروع:
- الأول: يدخل تركيا ثم أوروبا عبر اسطنبول كي يتفرع إلى قسمين في ألمانيا: الأول يتجه إلى مرفأ نوتردام في هولندا والثاني إلى مرفأ البندقية في إيطاليا.
- الثاني: يدخل آذربيجان عبر منطقة آستارا الإيرانية ثم يتجه نحو موسكو، وبعد ذلك الى فنلندا في شمال أوروبا.
- الثالث: يتجه إلى العراق ثم سوريا حيث يتفرع ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مرفأي اللاذقية وبيروت.
تجدر الإشارة إلى أن الطريق البري سيتم تشغيله عبر القطارات السريعة وشبكة طرق لاستخدام الشاحنات، علما وأن هناك خطة لطريق آخر يعبر أفغانستان من الصين ويدخل إيران ويتصل بباقي الطرق في إيران.
حلم إيران لتكون قلب طريق الحرير
يمكن تلخيص المشروع الإيراني لطريق الحرير الذي تم تداوله خلال نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي بشبكة خطوط المواصلات التالية:
-
خط سكة حديد وطريق مواصلات يبدأ من الصين ويمر عبر دول آسيا الوسطى ويتفرع في إيران إلى طريقين: أحدهما يعبر تركيا ويدخل أوروبا عبر اسطنبول، والآخر يعبر العراق وسوريا ولبنان ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط.
-
خط سكة حديد يبدأ من "ميناء جابهار"، وخط آخر من ميناء "بندر عباس" في جنوب إيران. ويتصل الخطان بالخطوط الأخرى التي تنتهي في أوروبا والبحر الأبيض المتوسط.
-
توسعة خطوط المواصلات بين الموانئ الجنوبية في إيران باتجاه تركيا.
-
استحداث خطين لسكة حديد وخط مواصلات من ميناء "أروند رود" في منطقة خوزستان وميناء بوشهر، أحدهما يعبر العراق وسوريا ولبنان ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط، والثاني يتصل بالخطوط السابقة للعبور عبر تركيا ليدخل أوروبا.
-
استحداث خطوط أنابيب غاز ونفط لبلدان آسيا الوسطى، تعبر إيران وتركيا كي تصل إلى أوروبا.
في البداية كانت هذه المشاريع تهدف إلى ربط الصين وشبه القارة الهندية وشرق آسيا بأوروبا وإفريقيا، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تأثرت هذه المشاريع باستقلال بلدان آسيا الوسطى، وتعذرت محاولة ربطها اقتصاديا بإيران. بعد ذلك، اهتمت إيران بتطوير علاقاتها مع الصين والهند وروسيا، سعيا منها لتصبح نقطة عبور لبضائع تلك البلدان تجاه أوروبا وإفريقيا والعكس بالعكس. وعلى هذا الأساس شرعت طهران في تطوير بعض المشاريع التي لم تكن مطروحة من قبل، أبرزها مشروع قناة وصل بحر قزوين بالمياه الدافئة جنوبي إيران(5). لقد كان هذا المشروع حلما للقياصرة الروس منذ مئات السنين، وكانت حكومة أحمدي نجاد قد أعلنت عام 2012 بداية العمل به لوصل بحر قزوين ببحر عمان عبر الصحارى الشرقية في إيران، بشكل يسمح بالملاحة في تلك القناة(6).
في المقابل، وقع إحياء حلم القياصرة الروس للوصول إلى المياه الدافئة في السنوات الأخيرة بعد تحسن العلاقات الإيرانية الروسية. وقد عرض الروس على إيران إحداث قناة ملاحية تصل بحر قزوين ببحر العرب أو الخليج. في الوقت ذاته، أدرك الإيرانيون أن الروس يستطيعون مساعدتهم في تحقيق حلم تحويل إيران إلى همزة وصل لطريق الحرير، ولكن هذه المرة عبر موسكو وفنلندا باتجاه أوروبا. إلى جانب ذلك، انطلق مشروع وصل سكك حديد إيران بأذربيجان وروسيا عبر منطقة "آستارا" كي تستطيع إيران تكميل مشروعها القاضي بأن تصبح قلب طريق الحرير(7).
ويعود مشروع القناة هذا، إلى القرن التاسع عشر حين قام مهندسون روس بدراسة إمكانية إحداث تلك القناة. ولكن الظروف التي كانت تحكم العلاقات الإيرانية الروسية حينها لم تكن تسمح بتنفيذ المشروع. وتظل الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة تركيا من أبرز المعارضين لمشروع القناة(8)، حيث سيقلل من الأهمية الاستراتيجية لتركيا ويختصر مسافة الطريق المؤدي إلى أوروبا، ويعطي إيران وضعية جيواستراتيجية ذات ثقل أكبر في التجارة العالمية(9).
أميركا ومعارضة طريق الحرير عبر إيران
لم تخف الولايات المتحدة انزعاجها من مبادرات إعادة إحياء طريق الحرير عبر إيران، وعرضت مقابل ذلك مشروعها الخاص الذي يتضمن العبور حول إيران من خلال ثلاثة طرق:
- الأول يمر عبر الخليج ثم العراق وتركيا باتجاه أوروبا.
- الثاني يمر عبر الشواطئ الإفريقية على ضفاف البحر الأحمر ثم مصر قبل أن يصل إلى البحر الأبيض المتوسط.
- الثالث يمر عبر شواطيء بلدان الخليج العربية ومن هناك إلى العراق وتركيا ثم أوروبا.
أما بالنسبة إلى أنابيب الغاز والنفط في دول آسيا الوسطى، فإن المشروع الأميركي يقترح مدّها عبر قعر بحر قزوين وآذربيجان. كما يقترح وصل دول آسيا الوسطى بالبحار عبر أفغانستان والهند وباكستان بدلا من إيران. وكانت هيلاري كلينتون قد عرضت في العام 2011 الخطوط العام للمشروع الأميركي لطريق الحرير الجديد(10).
أهمية مبادرة طريق الحرير الصينية من المنظور الإيراني
حسب الدراسات التي أجريت، فإن هذا الطريق من شأنه أن يربط 65 دولة بعضها ببعض، ويحقق تبادلا تجاريا يزيد عن 21 تريليون دولار من البضائع، وينشئ سوقا تجارية يزيد عدد سكانها عن 4.4 مليار نسمة. وإذا تحقق هذا المشروع فإن كلفة شحن البضائع سوف تنخفض بنسبة ما بين 40 و60% مقارنة بكلفتها الحالية. وبالنظر إلى هذه الأرقام، يمكننا أن نتصور حجم الأرباح التي سيدرّها طريق الحرير الجديد على الدول التي سيمر عبرها(11).
واذا ما قورنت المبادرة الصينية بالمشروع الإيراني لطريق الحرير، فإن المبادرة الصينية تؤمن كل ما هو مطلوب في الحلم الإيراني كي تصبح إيران قلب هذا الطريق. ولذلك فمن الطبيعي أن تلاقي إيران المبادرة الصينية بترحيب بالغ، وقدمت للصين تسهيلات كثيرة وعروضا مغرية خلال زيارة الرئيس الصيني "شي جينبينغ" إلى طهران عام 2016. إلى جانب ذلك، بادرت إلى توقيع مذاكرات تفاهم وتعاون اقتصادي مع الهند وروسيا في مجال نقل وعبور البضائع، ومد خطوط نقل للقطارات والشاحنات، ودراسة استحداث قناة بحرية تصل الجنوب الإيراني بمياه بحر قزوين. وفي إطار الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين، قدمت إيران للصين تسهيلات كبيرة، خاصة في ميناء شابهار (الميناء الإيراني الوحيد الذي يقع على ضفاف بحر العرب)، وميناء بندر عباس، في محاولة لإغراء الصين بجعل موانئ إيران مركز عبور رئيس للبضائع الصينية. كما قدمت إيران تسهيلات مماثلة للجانب الهندي في "شابهار"، علما وأن الهند ثاني أكبر شريك تجاري لها في شرق آسيا، وهو ما سيجعل من المنطقة الحرة في شابهار نقطة توزيع هامة للبضائع الصينية والهندية معا.
المبادرة الصينية ودور إيران في المنطقة
كما تقدم بيانه، تختلف رؤية واشنطن لطريق الحرير عن المبادرة الصينية وتهدف إلى إخراج إيران من المبادرة الصينية. وبالتالي فمن مصلحة إيران تسريع تنفيذ المشاريع المطروحة وربط البلدان المعنية بعضها ببعض لفرض موقع إيران كأفضل طريق لعبور البضائع، لاسيما بالنظر إلى الظروف الأمنية التي تشهدها دول مثل أفغانستان وسوريا والعراق واليمن والصومال وبلدان شرق إفريقيا. فالمرور عبر هذه البلدان ليس آمنا في الوقت الراهن، وهو ما يمنح إيران الأولوية لتفرض نفسها كأفضل ممر ممكن لهذه المبادرة ولتصبح بالفعل قلب طريق الحرير الجديد. وإذا ما تم تفعيل شبكات المواصلات عبر إيران، فسوف يكون من الصعب أن يتم تغييرها في المستقبل.
في هذا السياق، تتوقع إيران أن يتم مستقلا ربط شبكات مواصلاتها بأفغانستان وباكستان من جهة، والعراق وسوريا ولبنان من جهة أخرى. وبذلك ستتحول إيران إلى شريان حيوي لنقل البضائع عبر جميع هذه الدول، وسيصبح موقعها الجيوسياسي أهم بكثير مما هو عليه اليوم، إضافة إلى المداخيل العالية التي ستجنيها من حركة التبادل التجاري ومن رسوم عبور البضائع. علاوة على ذلك، فإن تفعيل هذا الطريق من شأنه توفير ما يزيد عن مليوني فرصة عمل في إيران. وإذا ما تم وصل شمال وجنوب إيران بمشروع القناة المقترحة، فإن كثيرا من المناطق الجافة والفقيرة في البلاد ستتحول إلى مناطق سياحية وتجارية.
أما على صعيد البلدان التي لديها اعتراضات على المبادرة الصينية، فإلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، هناك معارضون آخرون ولكل منهم أسبابه الخاصة:
فالروس لا يريدون خسارة موقعهم كمصدر أساسي للطاقة والغاز الطبيعي إلى أوروبا. وعلى هذا الأساس فإن أي مشروع من شأنه تحويل مسار الإمدادات الى أوروبا خارج الأراضي الروسية، لن يكون محل ترحيب. أما الهند فتحاول تحقيق قدر من التوازن في منافستها للصين في المجالات الصناعية. وبالتالي، فإن تفعيل طريق الحرير دون منح بضائعها تسهيلات مناسبة كي تصل إلى مقاصدها بأسعار تنافسية، ودون أخذ مصالحها وحاجتها من الطاقة بعين الاعتبار عند مد أنابيب الطاقة الى الصين، من شأنه توسيع هوة المنافسة الاقتصادية بين البلدين. ولذلك فإن الهند تسعى إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع إيران تمكنها من الحصول على امتيازات خاصة في التجارة عبر طرق المواصلات الجديدة. من جهتها، تحاول تركيا أن تصبح قلب طريق الحرير، وبالتالي تنافس إيران على هذه الوضعية، لا سيما وأنها تتمتع بأفضلية على صعيد العلاقات السياسية. في حين أن إيران تتمتع بالأفضلية على صعيد الموقع الجغرافي، خاصة إذا استمرت الأوضاع الأمنية في سوريا والعراق وأفغانستان واليمن والصومال على حالها.
أما البلدان العربية، ولاسيما الخليجية منها، فلا تبدو متحمسة لحصول إيران على هذا الموقع الجيواستراتيجي الدولي، نظرا للتوتر في العلاقات والخلافات السياسية الموجودة بين إيران وتلك الدول، وبوجه خاص المملكة العربية السعودية. فمن مصلحتها أن يمر المشروع عبر شواطئها، إما عن طريق السعودية والأردن وسوريا ثم البحر الأبيض المتوسط، أو العبور من السعودية إلى شواطئ البحر الأحمر ثم من هناك عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط. ومن جهة ثالثة، المرور عبر العراق إلى تركيا وأوروبا، ولكن هذا المسار يتطلب ضمان الأمن والاستقرار في البلدان المعنية. عربيا أيضا، من شأن تنفيذ هذا المشروع إضعاف موقع قناة السويس وخفض عوائدها المالية، وبالتالي الإضرار بالاقتصاد المصري الذي تمثل عوائد قناة السويس أحد أضلعه الأساسية.
خاتمة
يمكن القول إن هذا المشروع بالنسبة لإيران يعتبر حلما ممكن التحقق ومن شأنه أن يحل الكثير من مشاكل إيران الاقتصادية، إلى جانب تحويلها إلى ممر دولي رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه في المستقبل. وهو ما يعني من جهة أخرى صعوبة فرض عقوبات اقتصادية عليها. أما سياسيا، فسيمكنها هذا الموقع من توثيق علاقاتها بجوارها وبجميع الدول المرتبطة بطريق الحرير، ما يعني تعزيز نفوذها الإقليمي في مستويه السياسي والاقتصادي.
________________________________
عماد آبشناس: كاتب، صحفي و أستاذ جامعي
ملاحظة: كل المواقع المشار إليها في المصادر تم الدخول إليها بتاريخ 7 مايو/أيار 2017.
(1) تاريخيا، كان هناك عدة طرق تربط الصين والهند وشرق آسيا بإفريقيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط. وبما أن الحرير كان أشهر وأثمن البضائع التي كانت تصدر من الصين إلى البلدان الأخرى فقد سمي هذا المسار بطريق الحرير. وكانت هذه الطرق تمر عبر الامبراطورية الفارسية في ذلك الحين وكان أحد هذه الطرق وأكثرها أمانا يسمى طريق الشاهي (أي الملكي)، وكانت القوافل تحتاج إلى 93 يوما كي تمر عبره. وكان هذا الطريق يحتوي على أكثر من 111 محطة نزول. وكان يبدأ من منطقة "سين كيانغ" شرق الصين ويعبر آسيا الوسطى وفارس وبين النهرين ثم يدخل الشامات وينتهي في مدينة تدمر السورية، حيث كانت القوافل تتمركز في تدمر لكي تنقل البضائع برا وبحرا إلى أوروبا وإفريقيا. وتشير المعلومات التاريخية إلى أن طريق الحرير كان ممرا للقوافل التجارية قبل ميلاد المسيح بمئات السنين، وحاول الروم مرارا السيطرة عليه أو إحداث طرق موازية له لكسر احتكار الفرس للتجارة بين الشرق والغرب. فسيطرة الفرس على هذا الطريق وجبايتهم ضرائب عبور السلع عليه، كانت تعطيهم أفضلية على الروم وباقي الشعوب. انظر:
- عنايت الله رضا، جاده ابريشم
http://www.cgie.org.ir/fa/article/25139
- عبدلي، محمدوغركني، راضيه، تاريخ وجغرافياي تاريخي جاده ابريشم (انتشارات جمال هنر، تهران، 2012)، المجلد الأول ، صفحة 28.
(2) تقرير لوكالة أنباء الطلبة ايسنا
"پروژه چين براي تسخير جهان" (المشروع الصيني للتسلط على الكون)
"نقش مهم ايران در جاده هزار ملياردي ابريشم" (دور ايران في طريق الالف مليار للحرير) إضغط هنا
(4) تقرير وكالة أنباء خبرأونلاين عن توقيع 17 اتفاقية تعاون إيرانية صينية
"ايران وچين 17 سند همکاري مشترک امضا کردند"
http://www.khabaronline.ir/detail/502344/Politics/government
(5) تحليل لمحطة شفاف عن إمكانية وصل بحر قزوين بالخليج
"آيا اتصال خزر به خليج فارس شدني است؟" إضغط هنا
(6) تقرير لمحطة تابناك عن كواليس اتصال بحر قزوين بالخليج
"پشت پرده هاي اتصال خزر به خليج فارس" إضغط هنا
(7) المشروع العظيم، وصل بحر قزوين بالخليج، خطوة واحدة باقية للتنفيذ:
"پروژه بزرگ اتصال خزر به خليج فارس، يک گام تا اجرا" إضغط هنا
- سفير طهران في موسكو: المفاوضات لإحداث قناة ملاحة بحرية بين بحر قزوين والخليج الفارسي جدية وسوف ندور حول قناة السويس.
"سفير تهران در مسکو: مذاکرات جدي ايران وروسيه در باره احداث کانال کشتي راني خزر به خليج فارس ، کانال سوئز را دور مي زنيم !!!" إضغط هنا
- وكالة أنباء اسبوتنيك الروسية: إيران سوف تحتاج روسيا كي تمد قناة بحر قزوين إلى الخليج.
Iran will need Russia to Build its Caspian Sea –Persian Gulf Canal إضغط هنا.
(8) تقرير لنادي الصحفيين الإيراني: المشروع العظيم لاستحداث قناة ملاحة بحرية بين بحر قزوين و الخليج، قناة السويس الإيرانية من الحلم إلى الحقيقة: إضغط هنا.
"ابر پروژه کانال کشتي راني خزر- خليج فارس روياي کانال سوئز ايران از رؤيا تا واقعيت"
(9) رنجبران، يوسف، "صحراي ايزدخواه".
http://ezadkhastnews.blogfa.com/post/1862011
(10) تقرير لوكالة انباء فارس المصالح و الخلافات الجديدة للولايات المتحدة و الصين في مشروع طريق الحرير.
"منافع وچالش هاي جديد آمريکا وچين در طرح جاده ابريشم"
http://www.farsnews.com/13960209001142
(11) روح الله صالحي، مبادرة طريق الحرير الصينية الاهداف والموانع والمشاكل، دراسة جامعية، الجامعة الحرة - طهران، عام 2016 صفحة 17
احمديان، بهرام امير ودولت آبادي، روح الله صالحي، "ابتكار «جاده ابريشم جديد»چين (اهداف موانع وچالشها)"، (دراسة جامعية)، الجامعة الحرة - طهران، 2016، صفحة 17.