أزمة مينداناو: الفلبين في مواجهة تنظيم الدولة بآسيا

تتناول الورقة سيطرة تنظيم الدولة على مدينة مراوي مستفيدًا من تعثُّر عملية السلام في مينداناو ما بين الحكومة وقوى المعارضة الإسلامية هناك، وفي سياق استراتيجية اعتمدها التنظيم للتوجه نحو آسيا كملاذ محتمل لاسيما أن دولته في العراق وسوريا تتعرض لحملة شاملة.
72a047513e584ba5a76bd135338bb6ec_18.jpg
(الجزيرة)

لم يكد الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتيه، يشرع في زيارة عالية المستوى إلى روسيا حتى أقدمت مجموعة تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، في 23 مايو/أيار 2017، على فرض حصار مفاجئ على مدينة مراوي ذات الأغلبية المسلمة في الفلبين. حاولت قوات الأمن الفلبينية في بداية الأمر التقليل من خطورة الوضع زاعمة أن السلطات المحلية تُحكم سيطرتها على المدينة بالكامل، بيد أنه في غضون يوم واحد انتشر مسلحون بقيادة جماعة "ماوتي" (Maute، نسبة إلى عائلة مؤسسيها عبد الله وعمر وإخوانهما ) المعروفة أيضًا باسم "الدولة الإسلامية في لاناو" ("لاناو ديل سور" إقليم في جزيرة مينداناو)، في جميع أنحاء المدينة، ورفعوا علم "الدولة الإسلامية" في مناطق رئيسية منها، واحتجزوا عددًا كبيرًا من الرهائن المدنيين من بينهم الأسقف الكاثوليكي، الأب تيريسيتو سوغانوب. وبدافع الخوف من اتساع رقعة "الأعمال الإرهابية" وامتدادها إلى ما وراء الجزيرة، قطع دوتيرتيه زيارته إلى روسيا وأعلن الأحكام العُرفية في مينداناو بالكامل (في 24 مايو/أيار 2017). ولم تكن هذه الإجراءات إلا استراتيجية احتواء يائسة، كشفت عن عجز الحكومة الفلبينية عن استباق ومنع هجوم إرهابي واسع النطاق بموجب الإجراءات الدستورية المعمول بها في البلاد. فبعد أن أظهرت قوات الشرطة المحلية فشلًا واضحًا في التعامل مع الموقف، سارعت الحكومة إلى الاستعانة بقوات الجيش التي لجأت فورًا إلى شنِّ غارات جوية ونشر عدد كبير من الجنود في جميع أنحاء مراوي، لتسفر المواجهات العسكرية عن أزمة إنسانية واسعة النطاق أجبرت ما يقرب من 400 ألف شخص -أي ما يقارب عدد سكان المدينة بالكامل- على الخروج إلى مخيمات النزوح. ولم تلبث القوات المسلحة الفلبينية أن وجدت نفسها في خضم حملة معقدة لحرب داخل المدينة مع هؤلاء المسلحين، الذين برعوا في استخدام تكتيكات حرب عصابات حديثة ضد القوة العسكرية التقليدية. 

اضطرت الحكومة الفلبينية، في غضون أسابيع، إلى طلب مساعدات عسكرية من أطراف خارجية، على رأسها الولايات المتحدة بسبب المخاوف من سقوط ضحايا من المدنيين نتيجة أي قصف غير دقيق، وبمرور الوقت وصلت مساعدات مماثلة من دول إقليمية، مثل: أستراليا وسنغافورة والصين. 

وبهذا تبدو صورة الفلبين مرة أخرى -سواء في المنطقة وخارجها- باعتبارها "الحلقة الضعيفة" في شرق آسيا؛ حيث باتت "مينداناو" تُمَثِّل ملاذًا محتملًا -على المدى البعيد- للحركات الجهادية العالمية، بما في ذلك تنظيم الدولة. هذا، وبعد أن دخلت "معركة مراوي" شهرها الثالث نجح 70 عنصرًا من "الميليشيات المتشددة" في صدِّ وإبعاد قوات عسكرية وصل عددها إلى 7000 جندي(1)؛ ما أسهم في رفع معنويات هذه الميليشيات وتعزيز هيبتها ليس فقط في جنوب الفلبين، وإنما في منطقة جنوب شرق آسيا بأكملها، وسط مخاوف من ظهور عهد جديد من "الإرهاب" العابر للحدود في هذه المنطقة؛ فالأزمة في مينداناو يمكن وصفها بأنها "عاصفة" بكل ما تحتمله الكلمة من معنى، نظرًا لأنها تُمثِّل تقاطع ثلاثة عوامل رئيسية؛ منها ما هو خارجي (أي مدفوع من الخارج) ومنها ما هو داخلي (أي مدفوع من الداخل).

تنظيم الدولة والاتجاه شرقًا 

في البداية، هذه الأزمة تعكس توجهًا لقيادة تنظيم الدولة نحو آسيا في الوقت الذي يتلقى فيه التنظيم انتكاسات عسكرية متسارعة في غربي العراق وشرقي سوريا، نتيجة للجهود الموحَّدة للقوى الإقليمية والدولية، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا اللتان صعَّدتا من عملياتهما العسكرية ضد تنظيم الدولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أسهم قرار تركيا بتشديد الرقابة على حدودها مع سوريا في جعل الهجرة إلى "أرض الخلافة" أو معقل تنظيم الدولة أمرًا غاية في الصعوبة، بل مستحيلًا! 

وفي ظل تدهور المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط على هذا النحو، اضطر التنظيم إلى تغيير استراتيجيته، فبدلًا من التركيز على توطيد دولته وتوسيع رقعتها في العراق وسوريا، اتجه إلى البحث عن ملاذات بديلة وتعزيز حضوره على الصعيد العالمي، أي تحوَّل إلى استراتيجية التركيز على "العدو البعيد" بدلًا من "العدو القريب"، وهو ما بدا واضحًا وجليًّا في الذراع الإعلامية للتنظيم، مجلة "دابق"، التي أخذت تتناول موضوعات من قبيل: "من غزوة الأحزاب إلى حرب التحالفات"، و"الحملة الصليبية الفاشلة"، و"مجرد إرهاب"(2). 

تستند العقيدة الاستراتيجية الجديدة لتنظيم الدولة، والتي هي نتاج لتغيُّر الأوضاع على الأرض، إلى ثلاثة عناصر: أولها: "الهجمات الإرهابية" المؤثِّرة ضد أهداف رئيسية في الغرب وكبرى العواصم العالمية؛ وثانيها: توسيع نطاق عمليات "الذئاب المنفردة" ضد الأنظمة "الكافرة"، وغالبًا ما يتم التنسيق بشأن هذه العمليات مع قيادة التنظيم للحصول على الدعم اللوجيستي اللازم؛ أما العنصر الثالث والأهم فيتمثل في إقامة ولايات للتنظيم في جميع البلدان النامية لاسيما داخل الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة في كل من إفريقيا وآسيا. 

والجدير بالذكر أن مينداناو كانت منذ فترة التسعينات من القرن الماضي، هدفًا جاذبًا للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، بدءًا من تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية -اللذين رسَّخا وجودهما على صعيد العمليات في تلك المنطقة إبَّان فترة التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انتهاءً بتنظيم الدولة في السنوات الأخيرة. 

كما أن لهذه الجزيرة حدودًا يسهل اختراقها مع كل من ماليزيا وإندونيسيا، وهما دولتان ذواتا أغلبية مسلمة؛ كما أن مؤسسات الدولة الفلبينية قد دأبت على شيطنة الجزيرة بعد صراع مستمر على مدار أربعة عقود احتضنت خلالها عددًا من الجماعات الثورية والمسلحة التي أقامت مناطق آمنة لنفسها بعيدًا عن قبضة الدولة؛ كما كانت هذه الجزيرة أيضًا حاضنة لظلم متجذر تعرضت له الأقلية المسلمة التي ما برحت تعاني من التهميش الاجتماعي والثقافي وتقبع في أدنى المستويات المعيشية، وهي أمور تعزز من احتمال تحولها إلى أرض خصبة للتجنيد والتعبئة ضمن صفوف تلك الجماعات. 

ثمَّة مصادر عسكرية وأخرى مستقلة أشارت إلى أن قيادة تنظيم الدولة في سوريا (الرقة) قدَّمت دعمًا مباشرًا للمسلحين الفلبينيين في مينداناو؛ ما ساعدهم في فرض الحصار على مدينة مراوي. ووفقًا لإحدى الدراسات: "تلقت عمليات مراوي تمويلًا مباشرًا من تنظيم الدولة...وعلى الرغم من أن القرارات التكتيكية على الأرض تُتخذ من قبل قادة التنظيم المحليين في الفلبين، لكن من غير المستبعد أن يُؤخذ برأي أقرانهم الجنوب آسيويين المتمركزين في سوريا بعد انتهاء الحصار، لوضع استراتيجية للمنطقة"(3). 

والجدير بالذكر أنه خلال الفترة الممتدة من شهر يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2014، قام العديد من الجماعات الجهادية في مينداناو بمبايعة قيادة تنظيم الدولة، وذلك على أمل الاستفادة من خطابه الأيديولوجي ومهارته التنظيمية في مدينة الرقة، بغية تحكيم الشريعة في جنوب الفلبين. وبالفعل تلقت هذه الجماعات بحلول عام 2016، اعترافًا علنيًّا وكاملًا من قبل قيادة تنظيم الدولة التي اعتبرتها طلائع الدولة الإسلامية في "ولاية المشرق" تحت قيادة إيسنيلون هابيلون، الذي لُقِّب بأمير الولاية المحتملة في جنوب شرق آسيا. والشيء الوحيد الناقص لتحقيق الولاية بمفهومها الكامل هو وجود إقليم كبير وعدد لا بأس به من السكان؛ فالائتلاف الذي يقوده تنظيم الدولة يتألف من جماعات متباينة من "المسلحين المتشددين" المنتشرين على الحدود البحرية والبرية لجزيرة مينداناو، وهذا التحالف يضم جماعات أقل شهرة مثل "خلافة مينداناو الإسلامية"، و"أنصار الخلافة الفلبينية"، إلى جانب عناصر أكثر شهرة من مثل جماعة "أبوسياف" التي تنشط في جزيرتي سولو وبازيلان، وجماعة " المقاتلون الإسلاميون لتحرير بنغسامورو" التي تنشط في ماغينداناو، معقل جبهة تحرير مورو الإسلامية. أمَّا جماعة "ماوتي" فبالرغم من أنها وافد جديد نسبيًّا على الائتلاف، إلا أنه سرعان ما بزغ نجمها بفضل قوتها التنظيمية ومواردها والقيادة الطموحة للأخوين "ماوتي" (عبد الله وعمر خيام)، هذا إلى جانب معقلها الجغرافي في مدينة مراوي عاصمة إقليم لاناو ديل سور(4). ونجحت هذه الجماعات في تجاوز خلافاتها العشائرية والشخصية والتكتيكية لتنضوي تحت راية تنظيم الدولة، وهو ما أحيا آمالهم وأوقد الحماسة فيهم و"الشعور بالمسؤولية" تجاه هذا التنظيم. 

تدهور عملية السلام وانتعاش التشدد 

في الفترة بين عامي 2002 و2015، أدى التعاون المكثف في مجال مكافحة الإرهاب بين الحكومة الفلبينية والولايات المتحدة إلى تقويض القدرات العملياتية لمختلف الجماعات المسلحة بما في ذلك "جماعة أبوسياف" -فصيل منشق عن جبهة تحرير مورو الوطنية- غير أن الأحداث تغيرت خلال السنوات الأخيرة الماضية لمصلحة هذه الجماعة، ويُعزى في جانب منه إلى الجمود الذي اعترى مفاوضات السلام بين الحكومة والجماعات الكبرى المعارضة (المسلمة) في الفلبين، في الوقت الذي كان تنظيم الدولة يتوجه نحو الشرق. فبعد سنوات من المحادثات المتفائلة بين إدارة الرئيس بنينو أكينو وقيادة جبهة تحرير مورو الإسلامية التي تضم أكثر من 12 ألف مقاتل في صفوفها، مُنيت عملية السلام بانتكاسة كبيرة في أعقاب "مذبحة ماما سابانو"، في يناير/كانون الثاني 2015، التي شهدت مواجهات دامية بين قوات العمليات الخاصة بالشرطة الفلبينية من جهة وخليط من مقاتلي جبهة تحرير مورو الإسلامية والفصيل "المتشدد" المنشق عنها، أي "المقاتلون الإسلاميون لتحرير بنغسامورو" من جهة أخرى(5). 

وهذا يعني أن الدعم الشعبي والتشريعي لعملية السلام برمتها قد انتهى؛ ما تسبب بأزمة سياسية كبيرة لإدارة أكينو، فضلًا عمَّا أعقب ذلك من عرقلة لتمرير "قانون بنغسامورو الأساسي"، الذي كان ضروريًّا لإقامة حكم ذاتي مستقل للأغلبية المسلمة في مينداناو، فشكَّل انهيار محادثات السلام فرصة مثالية للجماعات "المتشددة" المسلحة لتجنيد عناصر تابعة لها، وليس فقط من السكان المسلمين المتضررين من الفقر والصراع الذي طال أمده ولكن أيضًا لتجنيد "العناصر المتشددة" التي بدأت تفقد الثقة في عملية السلام في صفوف "جبهة تحرير مورو الإسلامية". وبحسب أحد الخبراء المختصين، استطاعت عائلة "ماوتي"، عام 2016، في بداية الأمر، "تنظيم مجموعة لا تقل عن 300 مقاتل من مقاتلي تنظيم الدولة"، من الأسر الناقمة على الأوضاع ولها ارتباطات بجبهة تحرير مورو الإسلامية"(6). 

ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في الأزمة الأخيرة، تركيز الرئيس، رودريغو دوتيرتيه، المبالغ فيه على محاربة المخدرات، فخلال الأشهر الستة الأولى من توليه منصبه، قام الرئيس بحملة قاسية ضد متعاطي المخدرات ومروجيها المشتبه فيهم، ما أثار إدانة واسعة النطاق بين جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الليبرالية والمجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء الفلبين الرئيسيين في الغرب. أضف إلى ذلك، أن الحرب على المخدرات التي شنَّها الرئيس من أقصى البلاد إلى أقصاها أدت إلى إضعاف الموارد المحدودة التي خصصتها مؤسسة الدفاع بالدولة لجوانب أخرى مثل الاستخبارات والمالية والقوى العاملة(7). 

هذا، ومن اللافت أن جماعة "ماوتي" استطاعت قبل أشهر من العملية في مراوي، بناء شبكة من الأنفاق تحت الأرض ونشر معدات في عدد من المناطق الرئيسية بالمدينة، كما تمكن المسلحون المحليون من الحصول على الدعم المالي واللوجستي من قيادة تنظيم الدولة عبر وسطاء إندونيسيين، في حين يبدو أن المسلحين الأجانب نجحوا في الإفلات من قبضة سلطات الهجرة ليشاركوا في المعركة. 

كل هذا يشير إلى فشل الاستخبارات المعنية بمكافحة الإرهاب وإخفاق سلطات إنفاذ القانون داخل الحكومة الفلبينية التي كانت متراخية نسبيًّا، وتعتمد خطابًا عامًّا في تعاطيها مع تهديد تنظيم الدولة المحدق بالبلاد(8). 

مستقبل عاصف 

واجهت القوات المسلحة الفلبينية "حرب مدن" في مراوي، أشبهت كثيرًا المشاهد المروعة في الموصل وحلب خلال السنوات الماضية؛ فقد تعرضت أجزاء كثيرة من المدينة للدمار خلال الأسابيع القليلة الأولى من الاشتباكات العنيفة، كما لجأ المسلحون إلى نشر القنَّاصة في مواقع استراتيجية، وزرعوا الألغام؛ ما كبَّد قوات الجيش خسائر فادحة وعرقل تحركاتهم بشكل ملحوظ. وتشير بعض التقارير إلى أن وجود مقاتلين مخضرمين من شبه الجزيرة العربية والقوقاز الروسي بين صفوف "ماوتي" يثير مخاوف من تدويل معركة مراوي، (أي أن تصبح وجهة للمقاتلين الأجانب من الجهادية العالمية)(9). 

لذا، في حين كانت إدارة دوتيرتيه منشغلة بمواجهة هذا التحدي، طلبت وزارة الدفاع الوطني الحصول على مساعدة من نظيرتها الأميركية؛ فقام البنتاغون بنشر وحدة من القوات الخاصة وتم إمداد الفلبين بشحنة جديدة من الأسلحة، وتزويدها بمعلومات استخباراتية آنية من خلال مجموعة متطورة من الطائرات من دون طيار. 

كما أجرى الحليفان تدريبات بحرية مشتركة في بحر سولو وسولاويزي بهدف احتواء تهديدات جماعة أبوسياف وغيرها من الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة، والتي شاركت في عمليات واسعة النطاق للاختطاف من أجل الفدية في المنطقة. ويبدو أن دوتيرتيه، الذي سعى لتوطيد علاقاته مع بكين على حساب واشنطن، لم تتم استشارته في هذا الشأن من قبل مسؤولي وزارة الدفاع الفلبينية واضطر إلى قبول هذا الاتفاق على مضض، وبرَّر ذلك بقوله: "هذه هي حقًّا مشاعرهم، جنودنا مؤيدون للولايات المتحدة بالفعل، ولا أستطيع إنكار ذلك"(10). 

بعد فترة وجيزة، بدأ حلفاء استراتيجيون آخرون في تقديم المساعدات للفلبين؛ حيث عمدت أستراليا إلى نشر طائرات المراقبة العسكرية (ب3 أوريون) للمساعدة في جمع معلومات استخباراتية حول الجماعات المسلحة، كما تلقت الفلبين مساعدات من دول آسيوية مجاورة مثل سنغافورة، التي تبرعت بطائرات شحن وطائرات بدون طيار، والصين التي قدمت حزمة مساعدات دفاعية غير مسبوقة بلغت قيمتها 12 مليون دولار. 

وبحثت مانيلا أيضًا اتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء مناورات بحرية مشتركة مع كل من بكين وموسكو، وفي الوقت نفسه، عزَّزت ماليزيا وإندونيسيا والفلبين دورياتها المشتركة في حدودها البحرية التي يسهل اختراقها، وناقشت ترتيبات تعاون جديدة بهدف زيادة فعالية تبادل المعلومات الاستخبارية ومواجهة أيديولوجية تنظيم الدولة في الفضاء الإلكتروني(11). 

في حال ما إذا تمكنت الفلبين بمساعدة حلفائها من استعادة السيطرة على مراوي فإنها ستواجه ثلاثة تحديات رئيسية؛ أولها: إعادة إعمار وتأهيل المدينة مرة أخرى حتى لا تترك ثغرة ينفذ منها تنظيم الدولة إلى تجنيد مجموعة أكبر من الأشخاص المتضررين والراغبين في الالتحاق به في المدينة المدمرة؛ ويتمثل التحدي الثاني في تمرير نسخة جديدة من "قانون بنغسامورو الأساسي" على أن يتم تعديلها على نحو يرضي الطرفين، (الحكومة وجبهتي مورو الإسلامية والوطنية) ويعزز من فرص تمريره في البرلمان الذي يسيطر عليه حلفاء دوتيرتيه. 

وإلى جانب ذلك، فإن إحياء عملية السلام وإنشاء كيان خاص ببنغسامورو سوف يلعب دورًا كبيرًا في ضمان تعاون أقوى بين الحكومة وجبهة تحرير مورو الإسلامية ضد الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة، وسيكفل معالجة المظالم الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تتعرض لها الأقلية المسلمة. وأخيرًا، سيتعين على الحكومة تعزيز العلاقات السلمية والشاملة بين الأقلية المسلمة وبقية فئات السكان في مواجهة خطاب "صراع الحضارات" الذي يتبناه تنظيم الدولة بهدف إذكاء التوترات بين مختلف الطوائف الدينية، ولا شك أنها ستكون معركة شاقة ومضنية. 

إن معضلة مينداناو تعكس توجه تنظيم الدولة نحو آسيا، والمظالم المتجذرة في الجزيرة، وانهيار مفاوضات السلام بين الحكومة والجماعات المسلحة الكبرى فيها، فضلًا عن عدم التركيز والاستعداد الجيد من قبل إدارة الرئيس دوتيرتيه، وبالتالي، فإنها تؤكد على الحاجة الملحَّة إلى استجابة شاملة تأخذ في الاعتبار الأسباب الهيكلية المسبِّبة للأزمة بأقصى قدر من المساعدة من قبل الحلفاء والجيران.

____________________________________

ريتشارد جواد حيداريان، محاضر في الشؤون الدولية والعلوم السياسية بجامعة أتينيو دي مانيلا.

 

ملاحظة: أُعد النص في الأصل باللغة الإنجليزية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمه د. كريم الماجري إلى اللغة العربية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1-  Tubeza, P. “IS terrorists guarding P1.4-B loot in Marawi”, 22 July 2017, (Visited on 27 July 2017):

http://newsinfo.inquirer.net/915973/is-terrorists-guarding-p1-4-b-loot-in-marawi

2-  Ashour, O. “After Paris: ISIL's strategy against the ‘far enemy”, Aljazeera English, 24 November 2015, (Visited on 27 July 2017).

 http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2015/11/paris-isil-strategy-enemy-151124074915465.html

3- Institute for Policy Analysis of Conflict, “Marawi, The “East Asia Wilayah” and Indonesia”, IPAC Report 38, July 2017, p.1. (Visited on 1 August 2017):

http://www.understandingconflict.org/en/conflict/read/61/Marawi-The-East-Asia-Wilayah-and-Indonesia

4- Ibid.

5-  Heydarian, R.J. “Crisis in Mindanao: Duterte Battles ISIS”, Foreign Affairs, 28 June 2017, (Visited on 29 July 2017):

https://www.foreignaffairs.com/articles/philippines/2017-06-28/crisis-mindanao

6- Banlaoi, R. “Maute Group and The Rise of Family Terrorism”, Rappler, 15 June 2017, (Visited on July 2017)

http://www.rappler.com/thought-leaders/173037-maute-group-rise-family-terrorism

7- Paddock, R. “Duterte, Focused on Drug Users in Philippines, Ignored Rise of ISIS”, New York Times, 10 June 2017

8- Institute for Policy Analysis of Conflict, “Marawi, The “East Asia Wilayah” and Indonesia”, IPAC Report 38, July 2017, op. cit. p .1

9- Tan, L. “AFP chief: 40 foreign terrorists in PH; more may arrive in coming months”, CNN Philippines, 24 July 2017, (Visited on 27 July 2017):

 http://cnnphilippines.com/news/2017/06/23/Philippines-ISIS-foreign-terrorists-Maute-Marawi.html

10- Ranada, P. “Duterte: No denying it, PH soldiers are pro-U.S”, Rappler, 12  June 2017, (Visited on 29 July 2017):

http://www.rappler.com/newsbreak/inside-track/172687-duterte-philippine-soldiers-pro-united-states

11- Cheng, W. “Philippines, Indonesia, Malaysia boost joint efforts vs terrorism”, ABSCBN News, 22 June 2017, (Visited on 29 July 2017).

http://news.abs-cbn.com/news/06/22/17/philippines-indonesia-malaysia-boost-joint-efforts-vs-terrorism