تحديات الرفاه الاجتماعي بإيران في سياق احتجاجات 2017

تناقش هذه الورقة الظروف الاقتصادية للأقاليم الإيرانية إلى جانب رصد الاتجاهات العامة في الجمهورية الإسلامية. وتبحث علاقة ذلك بحالة الاحتجاج التي شهدتها، خاصة وأن إيران وإن كانت حققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، إلا أن مردود ذلك على تحسن المستوى المعيشي للمواطنين كان ضعيفًا.
9adfa1befd2146888e45926c93847802_18.jpg
مجسم لصواريخ باتريوت وصورة لمرشد الثورة في ميدان "بهارستان" وسط طهران [رويترز]

مقدمة

في الثامن والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2017، اندلعت تظاهرات في مدينة مشهد الإيرانية للاحتجاج على تدني الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد. انتشرت التظاهرات إلى أقاليم مهمشة اقتصاديًّا (ومتداعية بيئيًّا) من إيران وخاصة في غرب البلاد في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية المرتفعة وفي الجنوب الغربي في المناطق التي يسكنها العرب ومجموعة من الأعراق الأخرى. ناهيك عن دور الصراعات النخبوية في تأجيجها، ترجع التظاهرات إلى الإحباط الاقتصادي لدى المواطنين بشأن ثمار الاتفاق النووي ورفع نظام العقوبات بعد ارتفاع توقعاتهم بشأن نتائجها. فبينما حققت إيران معدلات نمو اقتصادي مرتفعة بعد رفع العقوبات، بفعل ارتفاع الصادرات النفطية والغازية، كان مردود ذلك على تحسن المستوى المعيشي للمواطنين ضعيفًا. السمة البارزة لتلك الاحتجاجات الشعبية هو انتشارها وتناثرها الجغرافي بعيدًا عن العاصمة نحو الهامش مع تراجع حجم الاحتجاجات في طهران نفسها مقارنة بالاحتجاجات السابقة(1). يستوجب ذلك البحث في الظروف الاقتصادية للأقاليم الإيرانية وتقييمها إلى جانب رصد الاتجاهات الاقتصادية العامة في الجمهورية الإسلامية.

1- التضخم والأجور

- التضخم: 

استطاع الرئيس، حسن روحاني، خلال فترته الرئاسية الأولى بصورة رئيسية، السيطرة على موجة الركود التضخمي التي كانت تواجه البلاد آنذاك. حين تولى روحاني الرئاسة في 2013 كان التضخم قد تجاوز 40 في المئة بسبب العقوبات القاسية على القطاع النفطي في العام السابق، والعقوبات المصرفية، وسوء الإدارة النقدية(2). وعلى الرغم من تقليص معدل التضخم من معدل ذي رقمين إلى معدل ذي رقم واحد خلال فترة رئاسة روحاني الثانية، وفقًا لبيانات البنك المركزي الإيراني، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابًا على النمط المعيشي للمواطنين الإيرانيين. وفقًا لتقارير البنك المركزي السنوية عن متوسط إنفاق ودخول الأسر الإيرانية، تراجع معدل نمو الإنفاق السنوي على المواد الغذائية من 31.5 في المئة في العام الفارسي 1392 (السنة المالية 2013-2014) الذي تولَّى فيه روحاني الرئاسة إلى 8 في المئة في العام الفارسي 1395 (السنة المالية 2016-2017)(3). خلال هذه الفترة، تراجع وزن المواد الغذائية والمشروبات (بالإضافة إلى التبغ) المستهلكة من قبل الأسر الإيرانية بنسبة 6.08 في المئة تقريبًا، وفقًا لحسابات الباحث(4). وفيما شهدت أسعار مواد غذائية أساسية تراجعًا بعد تولي روحاني للحكومة، عاودت أسعار هذه المواد الصعود في عام 1395ش (2017) الذي أُعيد انتخابه فيه (انظر الشكل 1). ولكن في النصف الثاني من السنة المالية الحالية 1396، بدأ معدل التضخم في الصعود. يعزو مركز بحوث البرلمان الإيراني ذلك إلى التالي: 1- صعود الأسعار العالمية وقيمة الواردات. 2- تراجع قيمة الفوائد المصرفية. 3- نمو السيولة النقدية في السوق(5).

 الشكل رقم 1: معدل (%) التضخم السنوي وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية في إيران (1392 – 1395)

المصدر: بيانات البنك المركزي الإيراني 

 - الأجور:

خلال الفترة السابق ذكرها أيضًا، تراجع معدل نمو الأجور من 32 في المئة في العام الأول من تولي روحاني الرئاسة إلى 11.3 في المئة في عام 1395 على خط نزولي شبه متواز مع معدل التضخم الذي تراجع من 34.7 في المئة إلى 9 في المئة تقريبًا(6). وفيما لم تزد قيمة النمو الحقيقية للأجور عن 2 في المئة تقريبًا في العام المالي 1395، لم تزد قيمة النمو الحقيقية للأجور في إيران عن هذا المعدل كثيرًا منذ عام 1393 (السنة المالية 2014-2015) الذي تجاوز فيه معدل نمو الأجور لأول مرة معدل التضخم منذ عدة سنوات(7). وبذلك، يجب أن توضع إنجازات الرئيس روحاني فيما يخص مكافحة التضخم في سياق ذي معنى بالنسبة لتحسن المستوى المعيشي ككل. وفقًا لمؤشر جيني (Gini coefficient) لقياس درجة المساواة الاقتصادية، زاد عدم المساواة في إيران في المناطق الحضرية بازدياد الرقم من 0.35 إلى 0.37، وعلى مستوى الجمهورية ازداد الرقم من 0.36 إلى 0.39(8).

 2- البطالة وتوزيعها الجغرافي

تعد البطالة مشكلة أخرى ذات طبيعة سياسية حرجة تعاني منها إيران. وترتبط مشكلة البطالة المرتفعة في إيران، التي تظل في مستوى الرقم المزدوج، بعدد من العوامل الاقتصادية المتداخلة كهامشية الاستثمار (الأجنبي)، وتراجع الإقراض، والإنفاق الحكومي وأولوياته، وأهمها: استمرار اعتماد اقتصاد البلاد على الريع النفطي. على المدى القصير، يبدو أن هناك علاقة شبه طردية بين معدلي البطالة والتضخم. في حين كانت الحكومة الإيرانية برئاسة روحاني ناجحة في خفض التضخم مما يقارب 40 في المئة في السنة الأولى إلى تضخم ذي رقم واحد في العام الفارسي الأخير، كان معدل البطالة في صعود خلال الفترة السابق ذكرها من 10.4 في المئة إلى 12.4 في المئة(9). في النصف الثاني من العام الفارسي 1396، بدأ معدل التضخم يعاود الصعود. بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول ارتفع التضخم، وفقًا لتقديرات البنك المركزي، من 8.4 في المئة إلى 10 في المئة بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول(10)(11). في المقابل، بدأ معدل البطالة خلال صيف هذه العام في التراجع تدريجيًّا ليصل إلى 11.7 في المئة (وبذلك يكون قد حقَّق تراجعًا بنسبة 0.9 في المئة مقارنة بمعدل البطالة في فصل الربيع)(12).

وتسعى إدارة روحاني إلى معالجة مشكلة البطالة ولكن من خلال تحويل ذلك العبء تدريجيًّا من الحكومة إلى القطاع الخاص (المحلي والأجنبي). ففي سياق سياسات السوق، تنوي الحكومة الإيرانية في موازنة عام 1397 (2018-2019) تقليص الإعانات النقدية للمواطنين ليصل متلقوها إلى 40 مليون مواطن من بين 85 مليون مواطن يتلقى هذه الإعانات في الوقت الحالي؛ إذ إن استمرار تقديم الإعانات سيكون منوطًا بتقديم المواطن ما يثبت تلقيه أقل من 700 ألف تومان شهريًّا (156 دولار أميركي تقريبًا)، مع استثناء متلقِّي المعاشات إلى جانب فئات أخرى(13). تنوي الحكومة في هذه الموازنة كذلك تقليص دعم الجازولين (والمحروقات عمومًا) ليزيد سعره بنسبة 50 في المئة(14). ويتوقع تقرير لمركز بحوث البرلمان أن يؤدي رفع سعر المحروقات إلى تقليل النمو الاقتصادي بنسبة 0.75 في المئة في السنة المالية لهذه الموازنة، وهو ما يعني فقدان ما بين 360 و480 ألف وظيفة(15). ووفقًا لأحد التقديرات، قد يتم فقدان ما يقارب 800 ألف وظيفة(16). في المقابل، ولامتصاص الصدمة المحتملة التي ستسببها الإجراءات السابق ذكرها، ضاعفت الحكومة من مخصصاتها لخطط إيجاد وظائف جديدة وذلك من 30 تريليون تومان (6.7 مليارات دولار تقريبًا) في موازنة عام 1396 إلى 74 تريليون (16.5 مليار دولار تقريبًا) في الموازنة الجديدة(17).  

3- التوزيع الجغرافي وعامل الجفاف المائي

يعكس التوزيع الجغرافي للبطالة جانبًا معتبرًا من التحديات التي تواجهها حكومة الرئيس روحاني والنظام الإيراني ككل على المستويين السياسي والأمني مع ارتفاع معدل البطالة في الفئة العمرية بين 15 و29 سنة. وتتركز البطالة في إيران في المحافظات الشمالية الغربية ذات الكثافة السكانية الكردية العالية (والتي تستوطنها أيضًا مجموعات سكانية من أعراق أخرى)، مثل: كرمنشاه، وكردستان، وأذربيجان الغربية، والمحافظات الجنوبية الغربية. في العام المالي 1395، بلغت البطالة بين الفئة العمرية السابق ذكرها 25.9 في المئة (21.4 في المئة للذكور و42.3 للإناث)؛ وبذلك تكون قد ارتفعت مقارنة بالعام المالي 1392 الذي بلغت فيه البطالة (بين ذات الفئة العمرية) 21.2 في المئة (17 في المئة للذكور و39.1 للإناث)(18)(19). كان أعلى عشر محافظات ارتفعت فيها البطالة (بين ذات الفئة العمرية) في عام 1395 هي (بالترتيب): چهار محل وبختياري، وكرمنشاه، وكردستان، وأردبيل، وإيلام، ومازندران، وکهگيلويه وبويراحمد، وگيلان، وكرمان(20).

ويبدو أن الجفاف المائي الذي تعاني إيران منه أحد العوامل المساهمة في تفاقم مشكلة البطالة (انظر الشكل 2)، وخاصة في المناطق الشمالية الغربية والشرقية وشمال وسط البلاد التي يعتمد اقتصادها المحلي على الزراعة (انظر الشكل 3). في شمال غرب البلاد يستحوذ القطاع الزراعي مثلًا في محافظة أذربيجان الغربية على 32.7 في المئة من نسبة التوظيف (بلغت نسبة البطالة في المحافظة 11 في المئة و21.9 للفئة العمرية بين 15 و29 سنة، في عام 1395 الفارسي)(21)، فيما بلغت نسبة الجفاف الشديد والجفاف المتطرف في المحافظة 49.8 و3.4 في المئة (على التوالي) من مساحة الأراضي بين ديسمبر/كانون الأول من عامي 2016 و2017(22). وفي شمال وسط البلاد، يستحوذ القطاع الزراعي في محافظة أردبيل على 35 في المئة من نسبة التوظيف (بلغ معدل البطالة 15.3 في المئة وبلغت نسبة البطالة في الفئة العمرية السابق ذكرها 31.2 في المئة)(23)، فيما بلغت نسبة الجفاف الشديد وعالي الشدة 39.1 و4.2 في المئة من مساحة الأراضي على التوالي في الفترة السابق ذكرها(24). وأما في شمال شرق البلاد، فيستحوذ القطاع الزراعي في محافظة خراسان الشمالية على 40 في المئة من نسبة التوظيف (بلغت نسبة البطالة 11.2 في المئة وبلغت 23.8 في المئة للفئة العمرية السابق ذكرها)(25)، فيما بلغت نسبة الجفاف الشديد والمتطرف 57.6 و3.4 في المئة (على التوالي) من مساحة الأراضي الإيرانية(26).

الشكل رقم 2: الرقم القياسي المعياري للتبخر النتحي للهطول (SPEI) في إيران في الفترة بين أغسطس/آب 2016–2017(27)

المصدر: المركز الوطني لمراقبة الجفاف والإنذار (إيران)

الشكل رقم 3: نسب (%) توظيف القطاع الزراعي للأيدي العاملة على مستوى المحافظات الإيرانية (2015–2016)(28)

المصدر: مركز بحوث البرلمان الإيراني

 وفقًا للإحصاءات، تراجعت حصة القطاع الزراعي من التوظيف من 25 في المئة في العام الفارسي 1384 (2005-2006) إلى 18 في المئة عام 1394 (2015-2016)، أي خلال عقد زمني تقريبًا(29). ولكن غير واضح ما إذا كان عامل الجفاف المائي (بسبب تغيرات مناخية) أم الهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية صاحب التأثير الأكبر في هذا التراجع المعتبر في إسهام القطاع الزراعي في خلق الوظائف (وبالتالي الاقتصاد الكلي). ولكن هناك عامل ثالث محتمل وهو تطبيق برنامج الاقتصاد المقاوم الذي دفع بالبلاد أثناء فترة العقوبات إلى الاكتفاء الذاتي، وخاصة في القطاع الزراعي، مما دفع إلى الاستهلاك الكثيف للموارد المائية للبلاد، فبحسب مراقبين، وضع برنامج الاقتصاد المقاوم إنعاش الاقتصاد كأولوية على حساب استدامة السلامة البيئية(30). وأحد الاتجاهات البارزة خلال السنوات السابقة في القطاع الزراعي هو تراجع نمو الدخول الخاصة. وفقًا لإحصاءات البنك المركزي، تراجع نمو هذا النوع من الدخول من متوسط 50.9 في المئة في العام الفارسي 1392، إلى 4.1 في المئة في العام 1395(31).

4- الاستثمار الأجنبي وتحدياته

بحسب تصور الرئيس حسن روحاني وفريقه الاقتصادي، يستطيع الاستثمار الأجنبي بعد رفع العقوبات الاقتصادية الإسهام في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الريع النفطي، وتمويل مشروعات بنية تحتية، وإدخال تقنيات متقدمة تستطيع من خلالها إيران تحديث قطاعاتها الاقتصادية المختلفة، ومنها قطاعها الزراعي المنكمش. فمن خلال الاستثمار الأجنبي يعوِّل الرئيس الإيراني على إيجاد وظائف جديدة وتقليص حجم البطالة في ظل تراجع النمو السكاني. إلا أن التصعيد المستمر بين طهران وواشنطن على خلفية عدم رغبة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إبقاء الولايات المتحدة الأميركية في الاتفاقية النووية دون تغيير بعض من بنودها، يجعل من نجاح طهران في عملية جذب المستثمرين الأجانب أكثر صعوبة من ذي قبل، مع نجاح إدارة روحاني بشكل محدود في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI)، مقارنة بالنتائج المتوقعة/المخطط لها من قبل الحكومة وأجهزة الدولة المعنية.

بحسب بيانات مؤسسة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (UNCTAD)، جذبت إيران في عام 2016، أي العام التالي على عقد الاتفاق النووي، استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 3.37 مليارات دولار تقريبًا، وبذلك تكون قد حققت زيادة قدرها 64 في المئة تقريبًا مقارنة بقيمة ما تم جذبه من استثمارات أجنبية مباشرة في عام الاتفاق والتي بلغت 2.05 مليار دولار تقريبًا(32). ولكن مقارنة بعام فرض العقوبات النفطية وقطع إيران عن نظام "السويفت" (SWIFT) المصرفي العالمي، أي عام 2012، تكون الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد تراجعت بنسبة 27 في المئة تقريبًا؛ إذ بلغ حجم تلك الاستثمارات في ذلك العام 4.6 مليارات دولار(33). وتستهدف إيران من خلال الخطة الخمسية السادسة (2016-2021) تحقيق استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 15 مليار دولار سنويًّا(34). ولكن وضعت الخطة حدًّا أدنى يجب ألا تتراجع عنه قيمة الاستثمارات من هذا النوع، وهي 3 مليارات دولار سنويًّا(35). ووفقًا لمراقبين، يمثِّل التعويل الكبير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الخطة السادسة اتجاهًا تنقصه الحكمة لدى الحكومة(36). ويعود النجاح المحدود لإدارة الرئيس حسن روحاني في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى العاملين التاليين:

- محدودية العلاقات المصرفية:

على الرغم من إعادة ربط النظام المصرفي الإيراني بنظام "السويفت" من خلال 30 مصرفًا إيرانيًّا بعد رفع نظام العقوبات، تظل كبرى المصارف من الصف الأول ((tier-one في الغرب غير راغبة في تسهيل التعاملات التي يدخل فيها طرف إيراني(37). تخشى المصارف الكبرى، التي تلعب دورًا مركزيًّا في التحويلات المالية الدولية بالنسبة للبنوك من الصف الثاني والثالث، من التعامل مع الطرف الإيراني لثلاثة أسباب(38): 1- وجود سوابق خرقت فيها هذه المصارف العقوبات الأميركية على طهران ودفعت بسببها المليارات من الدولارات. 2- خشية التعامل مع أشخاص أو مؤسسات يتبين صلاتها بمؤسسات أو شخصيات على قوائم إرهاب أميركية أو دولية. 3- خشية التضييق على تعاملات هذه المصارف من قبل السلطات الأميركية. ومع ذلك، تستمر إيران في مساعيها لتوسيع شبكة علاقاتها المصرفية وتنويعها لتتضمن المصارف الآسيوية والإفريقية، وليست الأوروبية فقط. 

تعمل السلطات الإيرانية بالتوازي على التعاون وإجراء إصلاحات مصرفية أوصت بها مؤسسات مالية دولية مثل مجموعة العمل المعنية بالعمليات المالية (FATF) والتي تتركز على الشفافية، ومكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب. ولكن نظرًا للطبيعة السياسية الحسَّاسة لإجراء هذه الإصلاحات، يعتمد الاستمرار فيها على دعم مرشد الجمهورية الإسلامية للحكومة وتوازنات المؤسسات السياسية والأمنية في البلاد. وفيما يبدو، حصلت حكومة الرئيس روحاني على الدعم للمضي قدمًا في هذه الإصلاحات مع تزامن ذلك مع تعزيز سلطات البنك المركزي وإغلاق مؤسسات مالية تعمل بشكل قانوني ترتبط بدوائر نافذة. ونظرًا لاتخاذ الحكومة الإيرانية خطوات في تطبيق توصيات مجموعة العمل السابق ذكرها فقد تم تعطيل فرض إجراءات مضادة ضد النظام المصرفي الإيراني، في يونيو/حزيران 2016، بصورة مؤقتة (مع السماح بتجديد الإعفاء على أساس تقييم مجموعة العمل للمجهودات الإيرانية) مع استمرارها في قائمة السوداء حتى تنفذ التوصيات بشكل كامل(39). إذا استطاعت الحكومة الإيرانية معالجة مواضع الخلل في نظامها المصرفي وتم رفع اسم إيران من القائمة السوداء للمنظمة فقد يكون ذلك عاملًا محفزًا للمصارف الكبرى للتعامل مع إيران.

- عدم اليقين السياسي:

يلعب التصعيد الأميركي ضد إيران ورغبة الأولى في الانسحاب من الاتفاق النووي، ما لم تُجْرَ عليه تعديلات، دورًا في تعويق جهود جذب المستثمرين. في يناير/كانون الثاني 2018، أجرت كل من مؤسسة مجموعة الأزمات الدولية ومؤسسة بورس وبازار استطلاعًا للرأي يستهدف مديرين تنفيذيين لشركات لها نشاطات اقتصادية في إيران. صرح 51 في المئة من المستجيبين بأن شركاتهم أجَّلت قرارًا تجاريًّا كبيرًا خلال السنوات الخمس الماضية(40). من هذه الفئة، صرَّح 33 في المئة بأن التأجيل عاد لمخاوف من إعادة فرض عقوبات ثانوية على إيران، فيما صرَّح 29 في المئة من المستجيبين بأن القرار عاد إلى مخاطر سياسية صاعدة(41). ويشير 51 في المئة من المستجيبين إلى أن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعدم التصديق على الاتفاق النووي كان له أثر سلبي على خطط شركاتهم بشأن الاستثمار والتجارة في إيران(42). وفيما يرى 62 في المئة من هؤلاء المديرين أن الحكومات الأوروبية على الأرجح/قطعًا لا تبذل الجهد الكافي لتشجيع التجارة والاستثمار في إيران، يرى 94 في المئة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تقوم بالكافي للوفاء بالتزاماتها في المجال الاقتصادي(43).

خلاصة

تتراوح تحديات إيران الاقتصادية بين عوامل داخلية وخارجية وتمثِّل التوجهات السياسية للنخب الإيرانية واتجاهاتها المؤسسية من جهة واللاعبين الخارجيين كالولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا من جهة أخرى محرِّكًا يشكِّل طبيعة تلك التحديات. فالاستمرار في إجراء إصلاحات مصرفية، والاختيار بين الاكتفاء الذاتي أو الانفتاح الاقتصادي، وإمكانية التعامل مع مصارف كبرى، هي قرارات ومساحات متشابكة ذات طبيعة سياسية حساسة. وبينما تتلقى حكومة الرئيس روحاني دعمًا من مرشد الثورة للمضي في إصلاحات مصرفية ودفع مؤسسات ثورية/عسكرية للانسحاب من الاقتصاد (أو إعادة هيكلة حضورها)، مما يساعد في جذب الاستثمار الأجنبي، فإن تصعيد واشنطن يقلِّل من فرص طهران لقطف ثمار الاتفاق ورفع العقوبات أكثر من أي وقت مضى.

ولكن تأثير الاستثمارات الأجنبية إيجابيًّا، في حال تدفقها بكميات معتبرة (وهو سيناريو ضعيف)، على المستوى المعيشي للمواطنين وخلق وظائف ليس أمرًا محسومًا. في ظل تصدر شركات تابعة لجهات حكومية أو شبه حكومية لعقد معظم الصفقات مع المستثمرين الأجانب منذ رفع نظام العقوبات، يظل القطاع الخاص الإيراني مهمَّشًا وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs). والسمة البارزة لعمل العديد من الشركات التابعة لمؤسسات ثورية هي عدم خضوعها للنظام الضريبي (بصورة كاملة أو جزئية) في ظل ضعف قدرة النظام التحصيلية أصلًا. ولكن انسحاب جميع/أو قطاع من هذه المؤسسات وشركاتها التابعة تدريجيًّا وخضوعها للنظام الضريبي بشكل كامل قد يترك متنفسًا أكبر للقطاع الخاص ويعزِّز من المالية العامة للدولة. ولكن من جهة أخرى، قد يسهم الانفتاح الاقتصادي غير المحسوب في تقويض صناعات محلية ويؤدي إلى استمرار تآكل شرائح الطبقى الوسطى.

معالجة الأسباب التي خرج من أجلها المحتجون الإيرانيون، الذين ينتمون لشرائح اجتماعية متدنية، قد تدفع الحكومة أولًا إلى إيجاد حلول قصيرة الأمد (أو بالأحرى مسكِّنات) للحيلولة دون تفاقم أبعادها السياسية والأمنية ولكن معالجتها فعليًّا قد تحتاج إلى عقد زمني (أو أكثر) كي تؤتي إصلاحات اقتصادية وهيكلية، في سياق دولي مُواتٍ يسمح بتدفقات استثمارية، أُكُلَها. في هذا السياق، تستحوذ الطبيعة العِرقية المعقدة للأقاليم الإيرانية على أهمية كبيرة، فهناك علاقة بين الانتشار الجغرافي للتظاهرات الأخيرة وخريطة المناطق المهمشة اقتصاديًّا. ومع تطور تكنولوجيا الاتصالات والتداول الكبير للهواتف الذكية في إيران، لم يعد بالإمكان التأثير على توقعات المواطنين وإعادة تشكيل تصوراتهم، بتنويعاتهم الأيديولوجية والعِرقية، تجاه الاقتصاد ورؤيتهم للعالم بسهولة. في عام 2009، كان هناك أقل من مليون إيراني يملك هاتفًا ذكيًّا، ولكن في 2017، بات 48 مليون إيراني يحمل جهازًا إلكترونيًّا مماثلًا(44). 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*تامر بدوي، باحث مصري مختص في الشأن اإليراني، وهو زميل مقيم في منتدى الشرق.

نبذة عن الكاتب

مراجع

 

(1)Kevan Harris and Zep Kalb, “How years of increasing labor unrest signaled Iran’s latest protest wave”, the Washington Post, 19  January 2018 (accessed 21 January 2018): https://goo.gl/uDZdoW  

(2) تورم از مرز 40 درصد گذشت/ تورم مواد خوراکي 57 درصد (التضخم تجاوز عتبة الأربعين في المئة/تضخم المواد الغذائية وصل إلى 57 في المئة)، خبرگزاري مهر، 12 فروردين 1392، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/jLfZMB

(3) نتايج بررسي بودجه خانوار در مناطق شهري ايران سال 1395 (نتائج بحث موازنة الأسرة في المناطق الحضرية في إيران في عام 1395)، بانک مرکزي ايران، مرداد ماه 1396، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018)، 17: https://goo.gl/VpzmAz

(4) المرجع السابق، 24.

(5) بررسي لايحه بودجه سال 1397 کل کشور 64. ابعاد کلان بودجه و چشم انداز اقتصاد ايران در سال 1397 (بحث لائحة موازنة عام 1397 لإيران 64. الأبعاد الكلية للموازنة مع استشراف لأداء الاقتصاد الإيراني في عام 1397)، مرکز پژوهش‌هاي مجلس، 18 دى 1396، (تاريخ الدخول: 20 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/cVN3Z8  

(6) نتايج بررسي بودجه خانوار در مناطق شهري ايران سال 1395، المرجع السابق.

(7) المرجع السابق.

(8) انظر في الجدول التالي (الرابط): https://goo.gl/QTcGWD  

(9) چکيده نتايج طرح آمارگيري نيروي کار 1395 (ملخص نتائج مشروع إحصاء القوة العاملة لعام 1395)، مركز آمار ايران (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018)، 4: https://goo.gl/ToBWt5

(10) شاخص بهاي كالاها وخدمات مصرفي در مناطق شهري ايران شهريورماه 1396 (مؤشر نمو السلع والخدمات الاستهلاكية في المناطق الحضرية في إيران في شهر شهريور لعام 1396)، مهرماه 1396، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/Ci3a8W   

(11) بانک مرکزي تورم آذرماه را 10 درصد اعلام کرد (البنك المركزي يعلن أن تضخم شهر آذار وصل إلى 10 في المئة)، خبرگزاري ايرنا، 5 دى 1396، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/ujY7Hk

(12) نرخ بيکاري تابستان به 11.7 درصد رسيد/ بهبود يک درصدي نسبت به پارسال (معدل البطالة الصيف وصل إلى 11.7 في المئة/تحسُّن بنسبة واحد في المئة مقارنة بالعام الماضي)، خبرگزاري ايرنا، 12 مهرماه 1396، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/b2FFj8  

(13) زير 700 هزار تومان شرط يارانه نقدي (شرط الإعانات النقدية هو سقف 700 ألف تومان)، روزنامه شرق، 9 دى 1396، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/XCqTUK  

(14)  بنزين 1500 توماني، سوخت 800 هزار شغل (بنزين الألف وخمسمئة تومان، وقود 800 ألف وظيفة) روزنامه شرق، 29 آذار 1396 (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/NuY8Z3  

(15)  المرجع السابق.

(16) المرجع السابق.

(17) اعتبارات حوزه اشتغال در لايحه بودجه 97 با افزايش 2 برابري رو به رو است (مخصصات خلق الوظائف في لائحة موازنة عام 1397 ستتضاعف مرتين)، خبرگزاري تسنيم، 23 دى 1396 (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/oSzY8v  

(18) چکيده نتايج طرح آمارگيري نيروي کار 1395، مرجع سابق، 4.

(19) چکيده نتايج طرح آمارگيري نيروي کار 1392 (ملخص نتائج مشروع إحصاء القوة العاملة لعام 1392)، مركز آمار ايران (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018)، 5: https://goo.gl/f96CJx  

(20) آسيب شناسي سياست ها و مقررات بازار کار ايران 1. شناخت وضع موجود بازار کار با تأکيد بر تفاوت هاي استاني (تشخيص عَوَار السياسات والقوانين المنظِّمة لسوق العمل في إيران 1. معرفة الوضع القائم في سوق العمل مع التركيز على الاختلالات المناطقية)، مرکز پژوهش‌هاي مجلس، 20 آذار 1396 (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018)، 74: https://goo.gl/KJheUy   

(21) آسيب شناسي سياست ها و مقررات بازار کار ايران 1، مرجع سابق، 69.

(22) درصد مساحت تحت تاثيرخشکسالي 12 ماهه با شاخص SPEI منتهي به آذر ماه 1396 در استان اذربايجان غربي (النسبة المئوية للمساحة الواقعة في أذربيجان الغربية تحت الجفاف خلال في فترة 12 شهرًا تنتهي في شهر آذار من عام 1396)، مرکز ملي پايش و هشدار خشکسالي، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/etPC2h  

(23) آسيب شناسي سياست ها و مقررات بازار کار ايران 1، مرجع سابق، 69.

(24) درصد مساحت تحت تاثيرخشکسالي 12 ماهه با شاخص SPEI منتهي به آذر ماه 1396 در استان اردبيل (النسبة المئوية للمساحة الواقعة تحت الجفاف في أردبيل خلال فترة 12 شهرًا تنتهي في شهر آذار من عام 1396)، مرکز ملي پايش و هشدار خشکسالي (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/nzfVMq  

(25) آسيب شناسي سياست ها و مقررات بازار کار ايران 1، مرجع سابق، 69.

(26) درصد مساحت تحت تاثيرخشکسالي 12 ماهه با شاخص SPEI منتهي به آذر ماه 1396 در استان خرسان شمالى (النسبة المئوية للمساحة الواقعة تحت الجفاف في خرسان الشمالية خلال فترة 12 شهرًا تنتهي في شهر آذار من عام 1396)، مرکز ملي پايش و هشدار خشکسالي (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2018): https://goo.gl/QJ37sc

(27) مفتاح الشكل رقم 2: درجات الجفاف المائي في إيران من اللون الأحمر الداكن حتى الأحمر/البرتقالي الساطع تدلل (بالترتيب) على: جفاف الشدَّة، جفاف شديد، جفاف متوسط، جفاف خفيف. واما اللون الأبيض فيدلل على وجود جفاف في حدوده الطبيعية. واما ترتيب درجات الرطوبة من اللون الاخضر الساطع حتى الأخضر الداكن فتدلل على: الرطوبة الخفيفة، الرطوبة المتوسطة، الرطوبة الشديدة، والرطوبة المتطرفة.

(28) مفتاح الشكل رقم 3: درجات حجم إسهام القطاع الزراعي إلى توظيف الأيد العاملة على مستوى المحافظات الإيرانية من اللون الأخضر الساطع حتى الأخضر الداكن تدلل (بالترتيب) على: استحواذ القطاع على متوسط 41.5 حتى 29.1 في المائة من التوظيف، استحواذ القطاع على متوسط 22.2 حتى 27.6 في المائة من التوظيف، استحواذ القطاع على متوسط 17.2 حتى 20.8 في المائة  من التوظيف، استحواذ القطاع على متوسط 1.2 حتى 15.4 من التوظيف.     

(29) آسيب شناسي سياست ها و مقررات بازار کار ايران 1، مرجع سابق، 50 – 51.

(30)“End of sanctions may help Iran face an accelerating environmental crisis”, the Guardian, 20 January 2016, (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/3auxFH  

(31) نتايج بررسي بودجه خانوار در مناطق شهري ايران سال 1395، مرجع سابق، 27.

(32) “World Investment Report 2017”, UNCTAD, (accessed in 15 January 2018), 224: https://goo.gl/VFYwQS  

(33) المرجع السابق، 224.

(34) “Iran parliament stresses foreign investment in five-year economic plan”, Reuters, 15 January 2017, (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/R6maiC  

(35)“Iran Post-Deal FDI at $14b”, the Financial Tribune, 14 October 2017 (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/h74nwM  

(36)Maysam Bizaer, “The myth of no foreign investment in post-sanctions Iran”, 27  July 2016, (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/KLtzoX  

(37)Bijan Khajehpour, “Iranian banks slowly reconnect to the world”, 26 October 2017, (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/EU4mPX  

(38) المرجع السابق.

(39)Tom Keatinge, “Judgement Postponed: The Financial Action Task Force Extends Iran’s Lifeline”, RUSI, 26 June 2017 (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/kv1bHX

(40) “Great Expectations, Delayed Implementation”, Bourse & Bazaar, January 2018 (accessed in 15 January 2018), 6: https://goo.gl/GNrpJC  

(41)  المرجع السابق، 6.

(42) المرجع السابق، 6.

(43) المرجع السابق، 16.

 (44) MohammadReza Azali, “There are 48 Million Smartphones in Iran”, TechRasa, 19 July  2017, (accessed in 15 January 2018): https://goo.gl/Xi3aMW