إيران في 2018: تحديات تثقل كاهل النظام والمجتمع

يزيد من صعوبة الملفات التي تواجهها الحكومة الإيرانية وتتطلب تقديم حلول بشأنها، فشل الوعود التي قدمها حسن روحاني معوِّلًا على الاتفاق النووي. تبحث هذه الورقة أهم التحديات التي تواجهها الجمهورية الإسلامية، وأدوات النظام لمواجهتها وتقديم حلول بشأنها.
81ecc2335b5b406aad81c5f99fe4af30_18.jpg
مجسم لصواريخ باتريوت وصورة لمرشد الثورة في ميدان "بهارستان" وسط طهران (رويتر)

تواجه إيران تحديات متعددة في العام 2018، على الصعيدين الداخلي والخارجي، تتوزع بين اقتصادية وسياسية واجتماعية، فضلًا عن الأمنية. ويزيد من صعوبة الملفات التي تواجهها الحكومة وتتطلب تقديم حلول بشأنها فشل الوعود التي قدَّمها الرئيس حسن روحاني، معوِّلًا على الاتفاق النووي للخروج من الجمود الاقتصادي وهو ما رفع سقف توقعات الشارع، وجعله يتجه للاحتجاج مطالبًا بحلول حقيقية لمشكلاته من جهة، ومن جهة أخرى مُضي الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب بعرقلة الاتفاق النووي كي لا تستطيع إيران الاستفادة من الامتيازات الاقتصادية التي كانت ترجوها.

نستعرض فيما يلي أهم التحديات التي تواجهها الجمهورية الإسلامية، عقب حالة الاحتجاج التي شهدتها المدن الإيرانية مؤخرًا، ونرصد أدوات الحكومة في تعاملها مع هذه المشكلات.

1 – التحديات الاقتصادية

إن أي مراقب يطلع على الميزانية المقدمة من قبل الرئيس حسن روحاني لمجلس الشورى يستطيع أن يتوقع أن أحد أكبر التحديات التي تواجه إيران في العام 2018 سوف يكون الضغوط الاقتصادية على عامة الشعب وقدرة تحمله لهذه الضغوط أو حسبما تفضِّل الحكومة الإيرانية الإشارة إليها بالإصلاحات الاقتصادية(1).

 ويمكننا أن نشير إلى الاحتجاجات الأخيرة، نهاية عام 2017، التي عصفت بالبلاد والتي كانت جذورها اقتصادية(2).

وبما أن مشاريع الحكومة الإيرانية، التي كانت تعوِّل على الاتفاق النووي للخروج من الجمود الاقتصادي، قامت برفع سقف توقعات الشارع من الاتفاق، ومن ثَمَّ واجهت عراقيل وضعتها الإدارة الأميركية على تنفيذ هذا الاتفاق، فإن الحكومة تعتبر أن عليها التوجه نحو محورين:

الأول: الإصلاح الاقتصادي بشكل تُؤمِّن فيه الضرائب الحجم الأكبر من مداخيل الدولة بدل البترول الذي ما زال يصعب تحصيل عائداته وأثمانه من الدول الأخرى.

 وتكمن المشكلة في أن الإيرانيين ليس لديهم ثقافة دفع الضرائب على غرار الدول الغربية، واعتادت الحكومات الإيرانية خلال مئة سنة الأخيرة، أن تؤمِّن مداخيلها عبر بيع البترول، وعادة ما كانت الضرائب تؤمِّن 7% من مداخيل الدولة كحد أقصى، وكانت تشمل ضرائب على رواتب الموظفين(3). ومن المؤكد أن محاولة الحكومة تأمين ما يزيد عن 60% من مداخيلها عبر الضرائب سيُحدث صدمة كبيرة في المجتمع، قد تؤدي إلى ردَّات فعل عنيفة من قبل المواطنين، أقلها ما شهدناه نهاية عام 2017.

 يضاف ذلك إلى معضلة البطالة التي تطول بصورة أساسية الشباب الذين يشكِّلون الأكثرية النسبية للمجتمع الإيراني، وهي تشبه كرة الثلج التي تكبر يومًا بعد يوم.

 الثاني: الاقتصاد المقاوِم الذي يعتمد على إعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد الإيراني بحيث يقوم بتأمين حاجة البلاد من السلع والمواد الأساسية، بحيث لا تحتاج لاستيراد البضائع بشكل يمكِّن أعداء إيران من استغلال العقوبات الاقتصادية ضدها.

وفي الواقع، فإن ما يشابه مشروع الاقتصاد المقاوم بدأ تنفيذه في بداية الثورة وتحمل الشعب أعباء كبيرة لتنفيذ هذا الاقتصاد خاصة في ظل الحرب الإيرانية-العراقية(4)، ولكن بعد وصول الرئيس السابق، هاشمي رفسنجاني، إلى السلطة بدأت الإصلاحات الاقتصادية الجديدة على أساس الانفتاح على العالم و"استيراد العجلة بدلًا من إعادة تصنيعها من البداية"، حسب ما كان أنصار رفسنجاني يعبِّرون عن مشاريعهم التي كانوا يقصدون منها أن إيران يجب أن تستورد التكنولوجيا الحديثة وتعمل على صناعة ما بعدها بدل أن تبدأ بالصناعة من الصفر.

 والمشكلة الأساسية التي تواجه إيران في هذا الشِّق هو أن البنية التحتية لهذا النوع من الاقتصاد تحطمت خلال العقدين الأخيرين؛ وبالتالي فإن إعادة عجلة الاقتصاد لهذا المحور تحتاج إلى وقت طويل يُقدَّر بأكثر من عشر سنوات في حين أن الحكومات الإيرانية عادة تريد التسريع بالحصول على نتائج في دورتها قصيرة المدى ولا تستثمر لتمكِّن الحكومات المستقبلية من جني ثمار ما زرعته هي أثناء حكمها(5).

 2 – التحديات السياسية

وتتمحور أيضًا حول محورين:

الأول: المشاكل الداخلية خاصة وأن إيران ستكون على موعد مع الانتخابات المقبلة لمجلس الشورى الإسلامي خلال عام 2019، وتشكِّل التجاذبات السياسية عام 2018 أرضية لهذه الانتخابات(6). وعليه، فإن الاتجاهات السياسية المختلفة سوف تحاول ضرب بعضها البعض، وستكون حكومة الرئيس روحاني وبرامجها في شتى المجالات أحد أسهل الأهداف وصولًا لجميع الاتجاهات السياسية.

 وفيما يحاول أنصار الحكومة السيطرة على البرلمان في الانتخابات المقبلة، فإن معارضي الحكومة يحاولون استغلال الظروف الاقتصادية الداخلية في تصوير حكومة الرئيس روحاني بأنها فشلت في تحقيق وعودها وأن النواب الداعمين للحكومة لم يقوموا بتنفيذ أي من وعودهم أثناء حملاتهم الانتخابية.

وبما أن الظروف السياسية الدولية حاليًّا لا تساعد حكومة الرئيس روحاني كثيرًا، وأن عددًا كبيرًا من الشباب الذين كانوا يشكِّلون العدد الأكبر من نسبة الناخبين، الذين أوصلوا أنصار الرئيس روحاني إلى المقاعد الانتخابية في البلاد، باتوا يشعرون بخيبة أمل نتيجة تصويتهم، فقد أعطى ذلك زخمًا للمعارضين لسياسة التقارب مع الغرب، حيث بدأوا يزدادون قوة داخل البلاد، ومثلما عودتنا ظروف إيران السياسية خلال العقود الأربعة السابقة، فمن الممكن أن نشهد بدء سيطرة المتشددين على مراكز القرار ليكونوا قادرين على مواجهة قرارات المتشددين في مراكز القرار في الولايات المتحدة.

 الثاني: مواجهة المشاكل الخارجية مع الحكومة الجديدة للولايات المتحدة وجيران إيران خاصة المملكة العربية السعودية(7)، من جهة، واستمرار الوجود الإيراني في المنطقة وصناعة الصواريخ البالستية والأسلحة الدفاعية؛ الأمر الذي يعتبره النظام في إيران ضمانة للأمن القومي الإيراني، من جهة أخرى(8)، وما يمكن أن يشكِّله هذا الحضور من أعباء سياسية واقتصادية تنعكس على الداخل الإيراني.

 وفي حين تعوِّل الحكومة الإيرانية على الاتفاق النووي لكسر وحدة الدول الغربية ضدها(9)، بدأت أصوات تعلو في الداخل الإيراني تطالب الحكومة باتخاذ موقف صارم تجاه هذا الاتفاق وازدادت الضغوط على الحكومة. وعلى وقع التحضير للانتخابات القادمة، فقد يؤدي ذلك إلى موقف إيراني غير متوقع تجاه الاتفاق النووي مثل وقف تنفيذ الاتفاق وإعادة العمل على تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من الاتفاق حتى يقوم الجانب المقابل بتنفيذ جميع بنود الاتفاق(10). وفي الواقع، إن التصور الغالب هو أن الحكومة الأميركية الجديدة تحاول دفع إيران في هذا الاتجاه عبر التلاعب بتنفيذ الاتفاق النووي والتهديد بتنفيذ عقوبات جديدة ضد إيران.

 ويهدف السلوك الأميركي تجاه إيران إلى إعادتها الى كرسي المفاوضات مجددًا، وهذا أدى إلى صعود الاتجاهات المتشددة داخل إيران مجددًا حيث يصعب على أية شخصية سياسية اليوم أن تتحدث عن مفاوضات على غرار ما حدث قبيل الانتخابات النيابية.

 وبالطبع، فإن أحد أكبر التحديات الأخرى التي تواجه حكومة الرئيس روحاني منذ وصولها إلى السلطة كان، وما زال، إعادة العلاقات وحل الخلافات بين إيران وبعض جيرانها العرب في حين أن الظروف السياسية الفعلية للمنطقة لا تعكس أي أمل يمكن التعويل عليه في هذا الاتجاه.

 أضف إلى ذلك، الكلفة الاقتصادية للحضور الإيراني في سوريا والعراق ولبنان والذي تعتبره أجهزة صنع القرار، امتدادًا استراتيجيًّا لإيران تستطيع من خلاله ضمان أمنها مقابل تهديدات إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وتنظر إيران إلى صناعة الأسلحة الدفاعية خاصة الصواريخ البالستية بحساسية بالغة؛ إذ تعتبرها الوسيلة الوحيدة لمنع أعدائها في المنطقة من استخدام الأسلحة المتطورة التي تزودهم الولايات المتحدة بها، ضدها.

 ومع الإقرار بالكلفة الاقتصادية والسياسية لهاتين المسألتين، إلا أنه لا صوت يعلو في أجهزة القرار في إيران من شتى الاتجاهات السياسية لمعارضة ذلك، بل تحظيان بالدعم. وعليه، فإن التحدي الكبير لإيران سيكون كيفية الاستمرار بهاتين السياستين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية للبلاد.

 وما هو مؤكد، أن صنَّاع القرار في إيران يعتبرون أن هاتين النقطتين اللتين تحاول الولايات المتحدة مفاوضة إيران عليهما، لا يقلان عن تكاليف الحرب الإيرانية-العراقية، بالنسبة لإيران، أهمية. وعليه، فإن الأولوية في المصارف الحكومية سوف تكون لهما.

 ومن جهة أخرى، فإن الإعلام الغربي بدأ بالتأثير على الشارع الإيراني في حين أن الإعلام الداخلي لم يكن بالمستوى المطلوب ليستطيع الإجابة على تساؤلات الناس، وشهدنا محتجين في مظاهرات نهاية 2017 يتساءلون عن سبب توجيه الصرف إلى قضايا مثل سوريا وفلسطين بدل الداخل الإيراني الذي يرونه أحقَّ وأولى، ومع زيادة الضغوط الاقتصادية على الداخل الإيراني فإن التساؤلات من هذا القبيل ستزداد حدة.

 وهنا، يجب أن ننوِّه إلى أن موضوع دعم المقاومة الفلسطينية ولبنان وسوريا ليس موضوع خلاف بين الساسة الإيرانيين في كلا الاتجاهين السياسيين الأصليين في البلاد بعكس ما يتصوره البعض خارج إيران. ويجب ألا ننسى أن مشروع تأسيس حزب الله ودعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق كان مشروع اليسار الإيراني الذي أضحى في ما بعد يُسمَّى بالإصلاحيين، وكان أشهرهم حينها السفير الإيراني السابق في دمشق، علي أكبر محتشمي بور (من الآباء المؤسِّسين لحزب الله لبنان) الذي شغل منصب وزير داخلية حكومة الرئيس خاتمي فيما بعد، ولم تبخل حكومة الرئيس حسن روحاني في دعم حركات المقاومة خلال السنوات الخمس الماضية على الرغم من الظروف الاقتصادية للبلاد.

 وأكبر سبب لهذا الموقف هو أن الرئيس روحاني شخصيًّا من بين كبار الساسة الإيرانيين الذين يؤمنون بأن توسيع دائرة نفوذ إيران في المنطقة وتوسيع قدرات إيران الدفاعية من شأنها تأمين الأمن القومي الإيراني وتأمين أوراق تستطيع إيران استغلالها في أية مفاوضات مستقبلية.

 3 – التحديات الاجتماعية

تواجه إيران شرخًا كبيرًا بين الجيل الجديد الذي يُعتبر الجيل الخامس للثورة والأجيال الأولى والثانية للثورة في مجالات اجتماعية وثقافية عدَّة؛ حيث إن تمسك الأجيال الأولى للثورة بمبادئها مقابل ابتعاد الأجيال الجديدة عن هذه المبادئ(11) يؤدي إلى تصادم كبير في الأفكار. وعلى الرغم من أن معظم احتجاجات بداية عام 2018 بدأت لأسباب اقتصادية إلا أن الشباب الذين سايروا هذه الاحتجاجات فيما بعد كان معظمهم يعبِّر عن موقفه تجاه الظروف الاجتماعية والثقافية التي تواجهه إلى جانب مشاكله الاقتصادية خاصة البطالة.

وقد ازداد الصراع الطبقي في المجتمع في الآونة الأخيرة في إيران زاد وهو ما زاد الطين بلة، فالتباهي بالثراء لم يعد أمرًا غريبًا في بلد كانت ثقافته مبنية على عدم التباهي.

ولم يعد بالإمكان أن نمرَّ ببساطة على تأثير الإعلام والثقافة الغربية في الجيل الشاب في إيران. وفي حين أن آباء هؤلاء الشباب تعوَّدوا أن يعيشوا حياة بسيطة ومستقرة تقوم على عدم التبذير فإن الشباب الإيراني اليوم بات يريد العيش في حياة مليئة بالرفاهية والمغامرة والتبذير.

 وفي حين كان آباء هؤلاء الشباب مثلًا يعتبرون شراءهم للملابس أو اقتناءهم للسلع حاجة اجتماعية لكسو أجسامهم بملابس وطنية عالية الجودة واستعمال البضائع المصنعة محليًّا مثل السيارات للمضي في حياتهم العادية، فإن الشباب الإيرانيين باتوا اليوم لا يرضون بشراء ألبسة محلية الصنع بل يهتمون بماركات الملابس الأجنبية أكثر من جودة الملابس نفسها ولا يرضون بشراء بضائع أو سيارات محلية بل يريدون التفاخر والتباهي بشراء بضائع وسيارات فاخرة أجنبية. وانتشرت في الآونة الأخيرة لوحات الماركات الأجنبية خاصة الغربية في شوارع المدن الكبرى في إيران.

 وهذه الثقافة المستوردة التي بدأت بالإصلاحات الاجتماعية والثقافية بعد وصول الرئيس الأسبق، هاشمي رفسنجاني، ومن بعده الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة باتت اليوم مشكلة كبيرة تواجه البلاد في سياساتها التقشفية للعام المقبل، خاصة أن رفع تكلفة استيراد البضائع الأجنبية وسفر الإيرانيين إلى خارج البلاد يؤثِّر بشكل مباشر على هذا الجيل ومتطلباته.

 ولا تسهم زيادة الضرائب على استيراد البضائع خلال السنوات الماضية، من تقليل شرائها، لكنها تؤدي إلى زيادة التهريب والفساد الاجتماعي والاقتصادي، فتوجه الشباب إلى حياة رفاهية يؤدي إلى زيادة الاختلاسات والسرقات أو حتى الفساد الأخلاقي والجنسي، والشباب العاطلون عن العمل يلجؤون إلى طرق غير قانونية لتأمين رغباتهم، وفي ظروف أخرى يتجه عدد كبير منهم إلى الإدمان على المخدرات لكبت مطالبهم وحاجاتهم(12).

 ويمكن القول: إن تحدي المتطلبات الاجتماعية هو من أكبر التحديات التي تواجهها إيران في هذا العام. وإذا ما لم يتم التعامل مع هذه التحديات، فإنها ستكون الأكثر تعاظمًا وستكبر مثل كرة الثلج.

 4 – التحديات البيئية

يمكن القول: إن إيران من ضمن الدول التي تواجه تحديات بيئية كبيرة(13) خاصة في مجال تلوث البيئة وهجوم الغبار والرمال الصحراوية وانحصار الغطاء النباتي. إن المشكلات التي برزت بداية العام 2018 تنبئ بأن إيران سوف تواجه شُحًّا في المخزون المائي نظرًا لانخفاض معدل هطول الأمطار(14).

 5 – التحديات الأمنية والإعلامية

إذا ما نظرنا إلى خريطة إيران السياسية فيمكن أن نلاحظ أن "المجموعات الإرهابية" تتواجد في كل المناطق الحدودية لإيران وتترصد للنفاذ داخل البلاد بأي شكل من الأشكال(15). وما يزيد من خطورة التهديد أن دولًا معادية لإيران بدأت تمويل المجموعات المعارضة بشكل سخي جدًّا خلال الآونة الأخيرة(16)، وبات المعارضون الإيرانيون خارج البلاد يمتلكون وسائل إعلام فضائية وشبكات تواصل اجتماعي قوية جدًّا تؤثر على الداخل الإيراني بشكل كبير.

 وفيما كانت إيران مطمئنة خلال العقود الماضية لعدم وجود حركات معارضة قوية داخل البلاد، إلا أن هذه الحركات بدأت بجذب آراء عدد كبير من الإيرانيين خاصة الشباب منهم.

 وعلى الرغم من أننا لا يمكننا اعتبار هذه الحركات المعارضة خطرًا يهدد استقرار النظام في إيران، إلى الآن، إلا أنها قادرة على إثارة المشاكل الداخلية خاصة مع وجود شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفضائية الموجهة بشكل مباشر للشارع الإيراني بسياسات مختلفة حزبية كانت أم اجتماعية أم ثقافية.

 وفيما أثبتت وسائل الإعلام الداخلية ضعفها في مواجهة هذه الحرب الباردة، فإن أحد أكبر التحديات التي تواجه إيران في العام المقبل يمكن أن تعتبر الحرب الباردة الخارجية ضدها (17)، (18).

[الجزيرة]

6 – تحديات الحركات الانفصالية

مع زيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية من جهة والدعم المالي والإعلامي الأجنبي بهدف إيجاد مشاكل داخلية وتجزئة البلاد، بدأت مجموعات انفصالية كردية، خاصة في مناطق كردستان، أو بلوشية، في مناطق بلوشستان أو المناطق الغربية والجنوبية مثل خوزستان ذات الأغلبية العربية، بالتحرك والتوسع. كما أن عدم اكتراث الحكومة المركزية بمشاكل أهالي هذه المناطق، خاصة الاقتصادية والبيئية منها، يؤدي إلى تقوية وتوسع المجموعات الانفصالية(19).

 كيف ستجيب إيران على هذه التحديات؟

إن هذا السؤال هو أكثر الأسئلة المطروحة على طاولة الحكومة الإيرانية تعقيدًا؛ فمثلًا محاولتها حل المشاكل الاقتصادية عبر الإصلاحات الاقتصادية يواجه اعتراضات داخلية في حين أن محاولاتها إعادة علاقاتها مع جيرانها يواجه شرطًا وهو نفوذها الإقليمي وضرورة تراجعها على هذا الصعيد؛ الأمر الذي تعتبره إيران سببًا لبقائها وضمانًا لأمنها القومي.

 وفي المقابل، ومع وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السلطة، فإنه لا مجال لتنفيذ الاتفاق النووي ورفع الضغوط عن إيران، وعليه يمكن اعتبار أن الحكومة الإيرانية تواجه طرقًا مسدودة من كل اتجاه، وتحاول تسيير الأمور بأقل الخسائر ريثما تتغير الأجواء وتتمكن من إيجاد صيغة للخروج من هذه الأزمات.

 ويمكن القول: إن الطريق الوحيد أمام حكومة الرئيس روحاني هو أن تحاول تسيير الأمور بالشكل الحالي حتى يتسنى لها أن تجد حلًّا أو طريقًا للخروج من هذه المشاكل. وبالنسبة لميزانية الحكومة الإيرانية للعام الإيراني المقبل الذي يبدأ في مارس/آذار من عام 2018؛ فمن المتوقع أن يُجري البرلمان بعض التعديلات عليها ثم يقرها.

 ومن المستبعد البدء بمفاوضات جديدة مع الغرب بالنسبة لنفوذ إيران في المنطقة أو موضوع الصواريخ البالستية الإيرانية. ولا تستطيع الحكومة الإيرانية في الظروف الحالية من الانتقادات، بسبب عدم التزام الولايات المتحدة بتعهداتها السابقة في الاتفاق النووي، طرح هذا الموضوع أمام المجتمع الإيراني، هذا إلى جانب ما أسلفناه سابقًا من أن شخص رئيس الجمهورية الإيرانية من الذين يؤمنون بأن توسع النفوذ الإيراني في المنطقة والقدرات الدفاعية الإيرانية هي السبيل الوحيد لضمان أمن إيران. وكما رأينا خلال السنوات الأخيرة، فإن الحكومة الإيرانية لم تقم بتخفيض نسبة صرفها على هذين الملفين بل زادت ميزانيتها في هذا المجال مقابل تخفيض باقي الميزانيات. ومن المتوقع أن تقوم إيران بالاستمرار في زيادة نفوذها في المنطقة في محاولة لقطف ثمار جهودها السابقة.

 ويُعتقد أن الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يحصل هو أن تكون هناك مفاوضات تسوية خلف الكواليس بوساطة الأوروبيين تؤدي إلى إرضاء الطرفين، الإيراني والأميركي، عبر اتفاق غير رسمي أو غير مكتوب لإنقاذ الاتفاق النووي، دون الجلوس على طاولة المفاوضات مثل السابق أو فتح ملف تعديل الاتفاق النووي مجددًا، لربما تخرج إيران من الطريق المسدود الذي تواجهه حاليًّا.

 ولا يستبعد البعض حصول تصادم فيما بين إيران والولايات المتحدة في حال استمرار الوضع الموجود وانسداد جميع الطرق السلمية للوصول إلى حل يرضي الطرفين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عماد آبشناس، باحث وأستاذ جامعي إيراني.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) آبشناس، عماد، "ماذا تحمل ميزانية إيران للعام المقبل؟"، شبكة الجزيرة، 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/CKp2Tb   

(2) داننده، مصطفى، "مردم چگونه بايد صداي خود را به مسئولان برسانند"، شبكة عصر إيران، 7 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/s4mDUa  

(3) محمودي اصل، حسين، "فرهنگ مالياتي"، جريدة جهان إقتصاد، الرقم 6612، أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

(4) دژپسند، فرهاد و رئوفي، حميدرضا، "إقتصاد جنگ در دوران جنگ تحميلي"، (طهران- مرکز اسناد و تحقيقات دفاع مقدس،2008)، ص 21 و26.

(5) "موانع تحقق إقتصاد مقاومتي"، جريدة دنياي إقتصاد، الرقم 3935، 30 أبريل/نيسان 2016، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 (6) "برنامه جوانان احزاب اصلاح طلب در انتخابات آتي"، شبكة صداي ايران، 8 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/wG9w9J

(7) "پيش شرط روحاني براي رابطه با عربستان"، جريدة جامعه فردا، رقم 33 ، 10 ديسمبر/كانون الأول 2017، ص 1.

(8) "چرا ايران از سوريه حمايت مي کند"، وکالة انباء تسنيم، 22 أبريل/نيسان 2013، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/R6HCPQ

(9) "احتمال جدايي اروپا از آمريکا بر سر برجام"، شبكة مشرق الإخبارية، 29 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/mTUCeV

(10) " آيت الله اراکي: بايد به وضعيت قبل از برجام برگرديم"، شبكة تجارت نيوز الإخبارية، 30 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

  goo.gl/i37uoQ

(11) "بي توجهي آفت جامعه"، جريدة اطلاعات، العدد رفم25481، 26 يناير/كانون الثاني 2014.

(12) " آيا نسل سومي ها با انقلاب بيگانه اند"، شبکه پايگاه خبري فرهنگ انقلاب اسلامي، 7 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 http://www.farhangnews.ir/content/176184

(13) "شاخص آلودگي هواي تهران رکورد زد"، شبكة وكالة انباء تسنيم، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

goo.gl/tmYyPG

(14) "تجمع اعتراضي مردم اهواز در پي آلودگي هوا"، شبكة عصر ايران الإخبارية، 14 فبراير/شباط 2017، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/YRmEZ6

(15) "علت عضويت ايراني ها در داعش چيست"، شبكة آفتاب الإخبارية، 10 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 http://www.aftabir.com/news/article/view/2017/06/10/1712246

(16) "نفوذ دو گروه تروريستي به مرزهاي ايران با فرماندهي عربستان"، شبكة وكالة انباء تسنيم، 20 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

 goo.gl/Ecmvzf

(17-18) "گروه هاي تجزيه طلب، مشمول توجيهات آل سعود و رژيم صهيونيستي"، شبكة كورد پاريس الإخبارية، 8 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2018):

goo.gl/WZ9XFx

- "رسانه هاي داخلي را همچنان محدود کنيد"، شبكة وكالة أنباء الطلاب الإيرانيين (إيسنا)، 7 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول 18 يناير/كانون الثاني 2018):

goo.gl/JkdqnB

(19) "گروه هاي تجزيه طلب، مشمول توجيهات آل سعود و رژيم صهيونيستي"، شبكة كورد پاريس الإخبارية، 8 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول 9 يناير/كانون الثاني 2018):

goo.gl/nC32wa