الأزمة المالية في البحرين: الارتهان المستمر للمساعدات الخليجية

تعاني البحرين من أزمة مالية مستعصية تتطلع من أجل مواجهتها إلى الحصول مرة أخرى على معونات خليجية تتفادى بها إجراء إصلاحات داخلية مكلفة سياسيًّا.
c98a91357d9e49b79a1539d26b65a5f8_18.jpg
آفاق داكنة أمام اقتصاد البحرين (رويترز)

يعاني أصغر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي مشاكلَ مالية خطيرة وعديدة. ميزانية البحرين في حالة عجز مزمن منذ سبع سنوات متتالية نتيجة الارتفاع المستمر للنفقات العسكرية والمصروفات الأخرى غير الإنتاجية. أضف إلى ذلك ظهور معضلة جديدة غير معروفة في بلدان المجلس وهي عجز الميزان التجاري السلعي. لذلك، تضطر الدولة إلى السحب من الاحتياطي النقدي وإلى الاقتراض الداخلي والخارجي. عندئذ تزداد حدة مشاكلها.

لمواجهة هذا الوضع المتدهور، اتخذ برنامج عمل الحكومة عدة إجراءات ترمي إلى تحسين الإيرادات العامة والحد من تصاعد النفقات العامة. بيد أن عدم التوصل إلى نتائج إيجابية رغم مرور ثلاث سنوات على هذا البرنامج دليل واضح على ضعف فاعليته. علمًا بأن أسعار النفط تتجه نحو الارتفاع. وعلى هذا الأساس، لا تجد المنامة بدًّا من الاعتماد على المساعدات الخليجية خاصة السعودية.

1. تقدير خطورة الأزمة

أدت السياسة المالية في البحرين إلى ارتفاع العجز المالي. أصبحت هذه المشكلة، وما يترتب عليها من تبعات سلبية اقتصادية واجتماعية وسياسية، مستعصية. إنها إذن أزمة حقيقية تشتد خطورتها سنويًّا.

العجز المالي

صيغت الميزانية الحالية بعجز قدره 1315.5 مليون دينار (1)، أي ما يعادل 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة في المقاييس العالمية والأوروبية والخليجية. فقد نصت اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي، التي تأثرت نصوصها بمنطقة اليورو، على سقف للعجز المالي قدره 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

تسعى السياسة المالية البحرينية إلى الحفاظ على حجم معين من النفقات العامة لا ترغب إطلاقًا بالتنازل عنه. خلال السنوات الخمس الفائتة تراوحت هذه النفقات بين حدٍّ أدنى قدره 3532 مليون دينار وحد أقصى بمبلغ 3601 مليون دينار أي إن الفرق بينهما ضئيل. في حين يتسع الفرق فيما يخص الإيرادات العامة التي تراوحت خلال هذه الفترة بين 1897 مليون دينار و3089 مليون دينار. بمعنى آخر، يعتمد حجم العجز المالي اعتمادًا أساسيًّا على العوائد النفطية؛ كلما انخفضت هذه العوائد ارتفع العجز دون أن تلعب النفقات دورًا في هذه المعادلة. يبين هذا الوضع ضعف الجهود الرامية إلى تقليص الإنفاق العام بغية تحقيق التوازن المالي. لذلك تزداد الديون العامة ويتراجع الاحتياطي النقدي.

تعتمد ميزانية الدولة على عوائد النفط والغاز الطبيعي البالغة 1842 مليون دينار في عام 2018(2) أي 77.6% من الإيرادات العامة. وترتفع هذه العوائد أو تنخفض تبعًا لثلاثة عوامل: سعر السوق والسعر المرجعي والإنتاج المحلي.

في الوقت الحاضر يبلغ سعر مزيج برنت 74 دولارًا للبرميل. في حين حُدِّد السعر المرجعي لتقديرات إيرادات الميزانية العامة الحالية بمبلغ 55 دولارًا للبرميل (3). يفترض إذن أن يهبط العجز الفعلي مقارنة بالعجز التقديري المذكور أعلاه. أما الإنتاج فيعتمد بطبيعة الحال على الصناعة النفطية بالمفهوم المتعارف عليه. لكنه يعتمد أيضًا وبالدرجة الأولى على العلاقات السياسية والمالية التي تربط المنامة بالرياض؛ إذ يتأتى نفط البحرين من حقلين: حقل البحرين 50 ألف ب/ي. وحقل أبو سعفة 150 ألف ب/ي، وهو مشترك؛ إذ يتقاسم الطرفان إنتاجه حسب الاتفاقات بينهما. وقد جرت العادة على أن توافق السعودية عندما تقدم مساعداتها على زيادة حصة البحرين من الإنتاج.

في الظروف الحالية وحتى تتوازن الميزانية العامة، يتعين أن يصل سعر البرميل في السوق إلى 114 دولارًا، وهذا أمر مستبعد، أو أن تتنازل السعودية عن كامل حصتها في حقل أبو سعفة لصالح البحرين. وهذا أمر ممكن وحدث في السابق ولكن لمدة محددة.

أما مساهمة الرسوم والضرائب، فهي رغم ارتفاعها السنوي لا تزال ضعيفة ولا تتعدى 12.5% من الإيرادات العامة. وأما النفقات العامة، فتتكون بالدرجة الأولى من المرتبات التي تستحوذ على 39.2% من هذه النفقات. وقد صرح المسؤولون في مناسبات عديدة بعدم رغبتهم بتقليصها أو بتخفيض الأبواب الأخرى للإنفاق العام. وهكذا، لا توجد نية حقيقية لتقليص العجز المالي. عندئذ تستمر البحرين في سياستها الرامية إلى تمويل العجز بالاقتراض فترتفع الديون الداخلية والخارجية.

تفاقم المديونية العامة 

البحرين كغيرها من الأقطار العربية لم تقترض بدوافع تنموية بل من أجل سد العجز في الميزانية العامة التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي. فمن المعلوم أن القسط الأكبر من نفقاتها يتكون من مرتبات ومصاريف عسكرية وإعانات اجتماعية. وبغض النظر عن أهمية هذه الأبواب إلا أنها غير إنتاجية ولا تسهم في تحسين القدرة المالية للدولة. أما النفقات الاستثمارية لعام 2018 فلا تتعدى 330 مليون دينار أي 8.9% فقط من النفقات العامة. وهذا ما يفسر النتائج السلبية للديون وصعوبة سدادها.

تتأتى خطورة ديون البحرين من سرعة تزايد حجمها؛ فقد انتقل حجمها من 705 ملايين دينار في عام 2008 إلى 11501 مليون دينار في مايو/أيار 2018(4). أي بمعدل سنوي يفوق المليار دينار. كما ارتفعت فوائدها خلال هذه الفترة من 54 مليون دينار إلى 553 مليون دينار أي ازدادت عشرة أضعاف. غير أن الديون لا تقاس بحجمها فقط بل كذلك بعلاقتها مع المؤشرات الاقتصادية. ففي عام 2007، شكَّلت ديون البحرين 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي ثم ارتفعت سنويًّا لتصل في العام الجاري إلى 86.6% منه، في حين يتعين ألا تتخطى 60%. وتعكس علاقة الديون بالدخل الفردي بالضبط نفس نتائج المعيار السابق. بمعنى أن الدخل الفردي الحالي الذي يعادل 9480 دينارًا يتضمن دَيْنًا بمبلغ 8215 دينارًا.

وارتفعت علاقة فوائد الديون بالصادرات من 2.5% في عام 2014 إلى 8.2% في عام 2017. في بداية هذه الفترة، كانت الصادرات النفطية لمدة 15 يومًا كافية لسداد الفوائد فأصبح من اللازم في نهايتها تصدير نفط لمدة 55 يومًا لتغطيتها. وستزداد المدة في العام الجاري رغم تحسن أسعار النفط وذلك بسبب الارتفاع الكبير الذي ستسجله الفوائد.

وفي عام 2008، كانت فوائد الديون 54 مليون دينار أي 0.9% من النفقات العامة لميزانية الدولة ثم ارتفعت في عام 2018 لتبلغ 553 مليون دينار أي 14.9% من النفقات العامة. يوضح هذا المعيار الدور الكبير الذي تلعبه الديون في العجز المالي (5).

قاد هذا العبء الثقيل إلى ظهور حالة جديدة بالغة الخطورة؛ لم يعد القسط الأكبر من القروض والمساعدات الخارجية موجَّهًا للإنتاج أو حتى للاستهلاك بل لدفع فوائد الديون القديمة. أضف إلى ذلك، أن القروض الحالية تنقلب لاحقًا إلى ديون سيتحمل الجيل القادم سدادها. مما لا شك فيه أن ميزانية البحرين تخصِّص سنويًّا قسطًا من إيراداتها لصالح احتياطي الأجيال القادمة. لكن هذه الأموال (20.6 مليون دينار في العام الجاري) أقل بكثير من الزيادة السنوية لفوائد الديون.

يترتب على تزايد العجز المالي والديون عدة نتائج سلبية من بينها إضعاف القدرة المالية للدولة عن طريق انخفاض الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي.

تراجع الاحتياطي النقدي

انتقل حجم الاحتياطي النقدي البحريني من 6229 مليون دولار في عام 2014(6)، أي ما يعادل 115 يومًا من الواردات السلعية، إلى 1716 مليون دولار في مايو/أيار 2018(7) أي ما يعادل 33 يومًا فقط. ومن المعلوم أن الاحتياطي النقدي في البلدان النامية يجب أن يغطي الواردات السلعية لمدة لا تقل عن تسعين يومًا. وهذا هو الحد الأدنى للمستوى الآمن.

إن هذا التقهقر الحاد والسريع والمستمر يعني تدني قدرة البنك المركزي على الدفاع عن سعر صرف الدينار. الأمر الذي يهدد بقوة سياسة التثبيت أي ربط الدينار البحريني بالدولار الأميركي. كما يفسر ضعف القابلية لمعالجة العجز المالي وعجز الميزان الجاري. وبالتالي، لم يعد ممكنًا معالجة الأزمة المالية إلا عن طريق المساعدات الخليجية. كما يترجم هذا التراجع انخفاض التصنيف الائتماني للبحرين.

هبوط التصنيف الائتماني

يشير إلى مخاطر في الاستثمار وصعوبات في سداد الديون، كما تجد الدولة عراقيل أمام حصولها على التمويل الخارجي بشروط مقبولة.

خفضت ستاندرد آند بورز تصنيف البحرين من (بي بي) إلى (بي بي) سالب خلال فترة قصيرة (8). وذكرت أن هذه النتيجة تعكس التوازن بين مؤشرين: أولهما: احتمال عدم قدرة البنك المركزي على تلبية الطلب المتزايد على العملات الأجنبية. وثانيهما: المساعدات المقررة من قبل بلدان مجلس التعاون. وترى وجود صعوبات لدى البحرين في سداد ديونها حتى وإن بلغ سعر النفط ثمانين دولارًا.

أما موديز، فقد كانت في منتصف 2007 تمنح البحرين درجة مرموقة قدرها (إيه 2) أي ما يعادل 80%. وهذا يدل على سلامة المؤشرات الاقتصادية. لكنها خفضت تصنيفها عدة مرات ليصل في منتصف عام 2017 إلى بي 1 مع نظرة مستقبلية سلبية (9). ويمثل هذا التراجع نسبة متدنية قدرها 35%. ويعود إلى قناعة الوكالة باستمرار العجز في السنوات القادمة وعدم وضوح السياسة المالية.

ارتفاع الإنفاق العسكري

حسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بلغت النفقات العسكرية للبحرين 1384 مليون دولار (10)، أي 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي و14.1% من الإنفاق العام. وهذا من المعدلات العالية على الصعيد العالمي.

لكن هذا المبلغ لا ينطبق حتى مع التقارير الرسمية. يتعين بتقديرنا ألا يقتصر الحساب على وزارة الدفاع بل لابد أيضًا من دمج نفقات وزارة الداخلية ومصاريف الحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني. ووفق ميزانية الدولة، بلغت النفقات المتكررة لهذه الإدارات الأربع 3118 مليون دولار في عام 2018(11)، أي 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي و31.7% من الإنفاق العام.

الجهاز العسكري والأمني البحريني غير إنتاجي أي لا يسهم في الصناعات التحويلية وفي الصادرات. إنه يعتمد في مرتباته على مخصصات الميزانية العامة وفي تجهيزاته على الأسلحة المستوردة. لذلك، يؤثِّر أي مبلغ يخصَّص له تأثيرًا سلبيًّا على النمو ويقود إلى ارتفاع الديون العامة.

وعلى افتراض انخفاض الإنفاق العسكري والأمني بالمفهوم المذكور أعلاه بنسبة 30% فقط، فإن المبلغ المقتصد سيغطي نصف فوائد الديون العامة. لكن هذه الفرضية غير ممكنة التطبيق بسبب التوتر السياسي الشديد على الصعيدين الداخلي والإقليمي. وبدلًا من العمل على تخفيف حدة هذا التوتر بنقل المصاريف في هذه القطاعات غير الإنتاجية إلى قطاعات تنموية تحاول الدولة التصدي لأزمتها المالية بطرق أخرى.

2. إجراءات معالجة الأزمة غير فاعلة

يتضمن برنامج عمل الحكومة (2015-2018) إجراءات محددة ودقيقة لمواجهة الأزمة المالية. وبالتالي، لابد من تحليل مدى فاعليتها.

تعديل رسوم الخدمات الحكومية

والمقصود زيادة حصيلة هذه الرسوم لكن البرنامج يضع شرطين: أولهما: ألا ترتفع الأعباء التي يتحملها المواطنون. وثانيهما: ألا يقود هذا الإجراء إلى التأثير سلبيًّا على المقدرة التنافسية للبحرين في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية (12). وبالتالي، فإن المعني بدفع هذه الرسوم هو الأجنبي غير المستثمر أي صاحب الأجر أو المرتب. وهذا توزيع غير عادل للأعباء العامة.

تخفيض المصروفات المتكررة للإدارات الحكومية

وهي المرتبات التي تستحوذ على القسط الأكبر في ميزانية الدولة. وبالتالي، فإن تقليصها يقود بالضرورة إلى تحسين الوضع المالي (13).

من الناحية العملية، ترتفع هذه المصروفات سنويًّا؛ فقد بلغت 2159.8 مليون دينار في عام 2018، أي بزيادة قدرها 40.4 مليون دينار مقارنة بالعام السابق.

وقد أكد صندوق النقد الدولي على ضرورة تخفيض هذه المرتبات خاصة أنها تسجل أعلى نسبة في البحرين (58.5%) مقارنة بدول مجلس التعاون، وحَثَّ الدولة على تشجيع التوظيف في القطاع الخاص (14).

تقليص الدعم الحكومي

تتبنى البحرين دعم أسعار الطاقة والماء والمواد الغذائية، وتمنح إعانات اجتماعية. ونظرًا للوضع المالي المتردي أوصى صندوق النقد الدولي بتقليصها، ويرى أن ما أقدمت عليه الحكومة غير كاف ولابد من إجراءات أخرى (15).

حسب وزارة المالية، هبط الدعم الحكومي من 653.2 مليون دينار في عام 2017 إلى 644.3 مليون دينار في عام 2018. لا يتعدى حجم التقليص إذن تسعة ملايين دينار. وبالتالي، لا يزال الدعم مرتفعًا ويمثل 17.3% من الإنفاق العام.

لكنَّ أسبابًا سياسية تحول دون تخفيضه لأن الدعم الحكومي لا يقل أهمية من حيث مستوى المعيشة عن المرتبات والأرباح. وبالتالي، تفضي الإجراءات إلى استياء داخلي فيزداد الوضع الأمني تأزمًا. لذلك، يدعو الصندوق حكومة البحرين إلى رفع الوعي العام وزيادة التأييد الشعبي.

شركة "ممتلكات" في الميزانية العامة

على خلاف جميع الصناديق السيادية الخليجية، لم يستطع "ممتلكات" -ولمدة سنوات عديدة- تحقيق هدفه بتنويع مصادر إيرادات الدولة؛ لأن أرباحه كانت تمول خسائر بعض الشركات المملوكة لها خاصة شركة طيران الخليج. وحتى لا يتضخم العجز المالي، تقرر إبعاد "ممتلكات" عن ميزانية الدولة. وعلى إثر تحسن المركز المالي لهذه الشركات أصبح "ممتلكات" يدرُّ أرباحًا صافية. بذلك، اتخذت الحكومة قرارًا يقضي بإدراج قسط من أرباحه في ميزانية الدولة.

يمكن إبداء ملاحظتين حول جدوى هذا القرار:

الملاحظة الأولى: أن "ممتلكات" أصغر صندوق سيادي خليجي ويبلغ رأسماله عشرة مليارات دولار فقط (320 مليار دولار رأسمال جهاز قطر للاستثمار). أرباحه الصافية ضئيلة نسبيًّا لا تتعدى 68 مليون دينار في السنة (16)؛ خُصِّص منها عشرة ملايين لميزانية الدولة. هذا المبلغ لا يغطي سوى 0.8% من العجز المالي.

الملاحظة الثانية: هذه الأرباح تكاد تكون صورية؛ لأن "ممتلكات" مدين بمبلغ مليار دولار (17).

نستنتج أن الإجراءات المقررة في برنامج عمل الحكومة ضعيفة الفاعلية، ويزداد هذا الضعف سنويًّا. لذلك، تُعقَد الآمال على المساعدات الممنوحة من قبل السعودية والإمارات والكويت.

المساعدات الخليجية ضرورية

نظرًا لارتفاع المديونية العامة وتراجع الاحتياطي النقدي وهبوط التصنيف الائتماني، أصبح حصول البحرين على القروض الخارجية صعبًا ومكلفًا. وبسبب ضعف الجهود الحكومية للتخفيف من الأزمة المالية تكتسي المساعدات الخليجية أهمية خاصة.

تعتمد البحرين على المساعدات الخليجية منذ عدة سنوات. وحسب صندوق النقد الدولي، قدمت السعودية للبحرين دعمًا قدره 2.8 مليار دولار خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني 2011 وأبريل/نيسان 2014(18). وهنالك تقديرات أخرى تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.

تتخذ المساعدات الخليجية للبحرين ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: ودائع مصرفية لدعم القيمة التعادلية للدينار. والشكل الثاني: إعانات مباشرة تستخدم في ميادين اقتصادية عديدة. والشكل الثالث: ترتيبات نفطية سعودية تتعلق بحقل أبو سعفة. للبحرين حاليًّا 150 ألف ب/ي كما أسلفنا، أي 50% من إنتاج حقل أبو سعفة. ومن المتوقع أن توافق السعودية قريبًا على زيادة النسبة إلى 75%. عندئذ تحصل البحرين على إيرادات إضافية بمبلغ 1.5 مليار دولار في السنة على أقل تقدير.

إذا حصلت المنامة على ذلك، يتحسن الاحتياطي النقدي ويسهل سداد الديون العامة. من هذا الباب تصبح المساعدات ضرورية لكن فاعليتها تتوقف على رغبة المنامة في إجراء الإصلاحات المالية اللازمة. فقد أصبح بديهيًّا أن المساعدات بدون إصلاحات لا تعالج الأزمة بل تؤجل آثارها.

الاقتصاد البحريني صغير جدًّا قياسًا بالحجم الاقتصادي للبلدان المانحة. وبالتالي، يسهل على هذه الأخيرة منح المساعدات اللازمة. لكنها تعاني أيضًا من مشاكل من بينها العجز المالي المزمن؛ الأمر الذي جعلها مضطرة للقيام بإصلاحات واسعة النطاق شملت إدخال الضريبة على القيمة المضافة (السعودية والإمارات). لذلك، يفترض أن تكون مساعداتها مشروطة بأن تبذل البحرين جهودًا مماثلة. لكن ستأتي المساعدات الخليجية حتى وإن أخفقت المنامة في القيام بالإصلاحات المطلوبة؛ لأن عدم حصولها على الدعم يعني انهيار اقتصادها وما يترتب عليه من التخلي عن سعر الصرف الثابت للدينار. وهذا بحد ذاته خطر يهدد السياسات الاقتصادية لدول مجلس التعاون التي تخشى من انتقال عدوى التعويم إليها (أي فك ارتباط عملاتها بسعر ثابت مع الدولار).

ويتعين على الدول المانحة مراعاة اعتبارات التوقيت؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ستُستحق على البحرين ديون قيمتها 750 مليون دولار (19)؛ لذلك يتعين تقديم الدعم قبل هذا التاريخ.

وللمساعدات الخليجية جوانب سياسية أيضًا من زاويتين: الزاوية الأولى: أن تردي الوضع الاقتصادي يفضي إلى حراك شعبي تحرص على تفاديه. لذلك لا مناص من تقديم الدعم. والزاوية الثانية: تتعلق بالعلاقة بين هذه المساعدات وحصار قطر. فمما لا شك فيه أن البحرين تضرَّرت جرَّاء هذا الحصار. ولكن لا تستطيع المنامة الوقوف ضد الحصار؛ لأن خسائرها ستكون فادحة؛ إذ إن الدعم المالي متعدد الأشكال الذي تحصل عليه من السعودية أكبر بكثير من المكاسب الاقتصادية التي تحققها مع قطر.

خاتمة

تتطلب الأزمة المالية للبحرين إعادة النظر في السياسة الاقتصادية برمتها. ويتم ذلك عن طريق التأثير على إيرادات ونفقات الميزانية العامة.

فمن حيث الإيرادات، بات من الضروري فرض ضريبة القيمة المضافة أسوة بالسعودية والإمارات واستجابة لقرار قادة دول مجلس التعاون. كما يجب تطبيق ضريبة بأسعار معتدلة على دخول الأفراد والشركات بغضِّ النظر عن الجنسية. ولابد من فتح ملف التخلي كليًّا عن شركة "ممتلكات" القابضة والاستفادة من أموالها لسداد ديونها من جهة وتحسين الأوضاع المالية لميزانية الدولة من جهة أخرى.

أما تقليص النفقات العامة، فيستوجب بالمقام الأول إيجاد حل سريع وفاعل للتوترات السياسية الداخلية التي تستنزف أموالًا طائلة. إن تخفيض المصروفات العسكرية والأمنية كفيل بإعادة التوازن إلى ميزانية الدولة وكذلك إلى الميزان التجاري؛ عندئذ يزداد الاحتياطي النقدي فيرتفع التصنيف الائتماني وتعود الثقة بماليتها وسياستها الاقتصادية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*صباح نعوش- باحث في الاقتصادات الخليجية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)      وزارة المالية، جداول قانون اعتماد الميزانية العامة للدولة 2017-2018، الجدول رقم 1.

(2)      المرجع السابق.

(3)      بيانات وزارة المالية البحرينية، (تاريخ الدخول: 22 يوليو/تموز 2018):https://www.mof.gov.bh/FinancialFramework.aspx

(4)      بيانات مصرف البحرين المركزي، العمود الأخير من الجدول رقم 11.:https://www.cbb.gov.bh/assets/statistics/May_2018.pdf

(5)      أجرى المؤلف حسابات المعايير الأربعة.

(6)      بيانات البنك الدولي:https://donnees.banquemondiale.org/indicateur/FI.RES.TOTL.CD?locations=BH&view=chart

(7)      موقع اتجاهات اقتصادية، (تاريخ الدخول: 23 يوليو/تموز 2018):https://tradingeconomics.com/bahrain/indicators;

(8)      موقع اقتصاد الدول:https://countryeconomy.com/ratings/standardandpoors

(9)      9موقع اتجاهات اقتصادية:https://fr.tradingeconomics.com/bahrain/rating

(10)    معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام:https://bit.ly/2xBeLDB

(11)    "ميزانية الدولة لعام 2018"، مرجع سابق.

(12)    برنامج عمل الحكومة 2015-2018، نحو مجتمع العدل والأمن والرفاه، الفصل التشريعي الرابع، ص 17.

(13)    برنامج عمل الحكومة، ص 18.

(14)    صندوق النقد الدولي، مشاورات المادة الرابعة، بيان صحفي رقم 186/16، بتاريخ 26 أبريل/نيسان 2016.

(15)    صندوق النقد الدولي، مصدر سابق.

(16)    التقرير السنوي لعام 2016، (تاريخ الدخول: 26يوليو/تموز 2018): http://annual.mumtalakat.bh/

(17)    تصريح للرئيس التنفيذي لشركة ممتلكات بتاريخ 29 يونيو/حزيران 2014، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018):http://www.alayam.com/alayam/first/301824/News.html

(18)    "البنك الدولي: المساعدات السعودية للبحرين تمثل 8.4% من أجمالي الناتج المحلي"، الوسط البحرينية، 16 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2018:http://www.alwasatnews.com/news/991705.html

(19)    "الاقتصاد البحريني بين وحل الديون والتضخم، بوابة الشرق الإلكترونية، 7 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018): https://bit.ly/2xAIqua