الضعف الاستراتيجي لقطاع السياحة في مصر

تناقش هذه الورقة واقع الضعف في القطاع السياحي بمصر، بتحليل مظاهره وأسبابه وعناصره، وعلاقته بالخلل العام في الإدارة الاقتصادية والتخطيط الاستراتيجي، كما تقدم الورقة تصورات للحلول الممكنة لمعالجة هذا الضعف.
6b23acf7151a446fabcb47c5cb52e70d_18.jpg
تسيطر السياحة الترفيهية على غالبية القطاع السياحي بمصر وهو ما يجعله مُهدَّداً بالانهيار باستمرار في حال حدوث أي اضطرابات سياسية أو اقتصادية (رويترز)

رغم مقومات سياحية ضخمة في مصر، نجد نتاجًا ودخلًا محدودين نسبيًّا بما لا يوازي تلك المقومات، كما نجد تقلبًا شديدًا فيهما بما يعبِّر عن هشاشة كبيرة في القطاع السياحي؛ مما يطرح التساؤلات عن أسباب تلك المظاهر المعبرة عن أزمة ذلك القطاع، الذي تُعلِّق عليه مصر كثيرًا من الآمال.

فبالنظر لحجم الدخل، نجد الإيرادات السياحية لم تكسر حاجز المليار دولار المتواضع جدًّا حتى عام 1990، وذلك بعد خمسة عشر عامًا من الانفتاح واستهداف توسع القطاع، ووصلت ذروتها حول 12.5 مليار دولار عام 2010(1)، لتتراجع لاحقًا مع الأزمات المحلية والإقليمية إلى حوالي 6 مليارات دولار عام 2016(2)، و 7.6 مليارات دولار عام 2017(3)، وبحيث لم تتجاوز أعلى مستوياتها نسبة 1.7% و1.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترتين (1983- 2009)، و(1994 و 2007) على التوالي(4).

لكن بتتبع مسار الدخل، نجد تغيرات الإيرادات السياحية مُتقلبة جدًّا، حتى خلال فترات الاستقرار النسبي (بما في ذلك فترة ما قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي تحتج بها السلطة دائمًا كسبب أساسي لتدهور القطاع)، حيث تتفاوت سنويًّا بشكل كبير أبعد ما يكون عن الاستقرار أو الانتظام، فنجد معدلات سلبية تصل إلى (-30%) تقريبًا كما في أعوام 1986 و1993 و1998 و2004، ومعدلات إيجابية تتراوح ما بين معدلات منطقية مثل 15.1% و10.9% عامي 1984 و2000، وقفزات غير منطقية مثل 38.2% و107.4% عامي 1988م و1992(5) (التي لم تكن أعوام تعاف تالية على أعوام تدهور نتيجة لأعمال إرهابية مثلًا)، وحتى كمتوسطات عبر مُجمل الفترة نجد تفاوتًا في متوسطات معدلات النمو الإجمالية للإيرادات؛ إذ نمت بنسبة 130% في الفترة 1986-1990، و188% في الفترة 1991-1995، و66% في الفترة 1996-2000، و42% في الفترة 2001-2005، و104% في الفترة 2006-2010(6)، وبالنظر لنسب الإشغال بالفنادق، نجد كذلك تقلبًا فيها عبر الأعوام خلال مُجمل الفترة 1984-2010 يؤكد اتجاه التقلب الكبير بالنشاط والدخل السياحيين، فتذبذبت النسبة المذكورة ما بين 43% تقريبًا عام 1993 و73% تقريبًا عام 2000(7).

ويؤكد مؤشر تنافسية السياحة -كما يُفسِّر جزئيًّا- هذا الضعف والتقلب في الدخل، فحازت مصر المرتبة 74 من إجمالي 136 دولة غطاها المؤشر عام 2017، وبقيمة 3.6 درجات من 7 درجات تمثل الدرجة العُليا للمؤشر(8)، ما يضع مصر في مرتبة متوسطة سياحيًّا متأخرةً عن نصف دول العالم تقريبًا، وهي مرتبة يتضح مدى سوئها ببيان أن نصيب مصر من السياحة الدولية وفقًا لعدد السياح -رغم التقدم النسبي منذ منتصف السبعينات(9) - لا يزال أقل من 1% من إجمالي عدد السياح الدوليين عالميًّا، بما لا يتناسب مع حجمها ومكانتها المُفترضة، فضلًا عن مقوماتها السياحية الكبيرة.

وإجمالًا، يعني ما سبق على صعيدي حجم الدخل ومساره، معاناة القطاع من مشكلات ضعف الناتج وعدم الاستدامة حتى في فترات الاستقرار النسبي، بما لا يمكن تفسيره بمجرد الاضطرابات السياسية والعوامل الإدارية كما يفعل كثير من الأدبيات السائدة والتقارير الرسمية. إذن، يطرح هذا بذاته تساؤلًا عن سبب التأثير الكبير لتلك للعوامل، أو بعبارة أخرى: التساؤل عن أسباب الهشاشة الاقتصادية للقطاع التي تسمح لهذه العوامل بذلك التأثير؛ ما يفرض تحليلًا هيكليًّا موجزًا للقطاع، تحليلًا يفسر هذه الهشاشة التكوينية للقطاع ويتجاوز مجرد تعداد العوامل الخارجية المؤثرة عليه.

هيكل القطاع

وهو يعني على سبيل الإيجاز: تحليله نوعيًّا (حسب نوع النشاط السياحي)، وسوقيًّا (حسب مصدر الطلب سواء كان داخليًّا أم خارجيًّا)، وجغرافيًّا (حسب دول السياح الوافدين)، واجتماعيًّا (حسب المستوى الاجتماعي للطلب أرستقراطيًّا وشعبيًّا)؛ وذلك على النحو التالي:

1. الهيكل نوعيًّا: تغلب عليه السياحة الترفيهية التي تسيطر على 75% من النشاط السياحي وفقًا لتقديرات المنظمة العالمية للسياحة لعام 1990(10)، وفي تقدير آخر للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن عام 1996، يسيطر الترفيه والاستجمام مع السياحة الثقافية بزيارة الآثار على حوالي 81% من إجمالي السياح(11)، وهو الاتجاه المستمر حتى تاريخه مع وصول تقديرات منظمة السياحة العالمية لنسبة هذا النوع بمعناه الواسع من إجمالي السياحة الوافدة إلى مصر إلى متوسط غير معقول بلغ حوالي 98% خلال الفترة (2016-2012)(12)، والذي يتضح اختلاله الشديد بمقارنته بالمتوسط العالمي لسياحة الترفيه الذي بلغ 52% فقط عام 2013 مثلًا(13)، ويقلِّل هذا الاختلال المتواصل من تنوع النشاط السياحي ويجعله مُهددًا بالانهيار باستمرار حال حدوث أي اضطرابات سياسية أو اقتصادية تؤثر على هذا النوع من السياحة "الترفيه" خصوصًا وبالتعريف.

2. الهيكل سوقيًّا: يضعف ضمنه الطلب الداخلي ولا يحظى بتنظيم واهتمام حقيقيين؛ حيث يسيطر الاهتمام بالطلب السياحي الخارجي بالأساس كونه مصدرًا للعملة الصعبة ولمعدل أعلى من العائد؛ ما يزيد من دور العوامل السياسية في التأثير على القطاع؛ كونه يصبح أكثر تماسًّا في هيكل الطلب على خدماته- المنحاز للخارج بصورته هذه- مع كافة العوامل المؤثرة على حركة السياح الدوليين، بما فيها مواقف الحكومات التحكمية!

3. الهيكل جغرافيًّا: يسود نوع من التركز في الأصول الجغرافية للسياح الوافدين على مصر؛ حيث يمثل الأوروبيون حوالي 74% منهم والعرب 18% منهم، بما لا يقل مجموعه عن 92% من إجمالي السياح كمتوسط للفترة 2012-2015(14). وفي مسح أكثر تفصيلًا لعام 2010، بلغت نسبة السياح الروس حوالي 20% من إجمالي السائحين الوافدين، والبريطانيين 10% منهم والألمان مثلهم (15)؛ ما يعني سيطرة ثلاث دول لا غير على 40% من إجمالي السياح الوافدين لمصر هذا العام؛ ما يشكِّل وضعًا مُهدِّدًا وورقة ضغط لصالح حكومات تلك الدول، وهو ما اتضح في الضرر الكبير الناتج عن تراجع السياحة الروسية بعد تفجير طائرة الركاب المدنية الروسية فوق سيناء يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015.

4. الهيكل اجتماعيًّا: تسيطر على جانبه المنظم السياحة النخبوية المُوجهة للأرستقراطية والطبقة المتوسطة العليا، وذلك نتيجة انخفاض متوسط الدخل عمومًا وسوء توزيع الدخل خصوصًا، وما يرتبط بالتخلف والفقر عمومًا من قلة وقت الفراغ؛ بما يُخرج الغالبية العظمى من الشعب من سوق السياحة الداخلية المنظمة، ولا يجعلها مُستهدفة بخدمات القطاع ولو بالخدمات الجماعية منخفضة التكلفة، التي لا تتوافر إلا استثناءً لفئات محدودة في أوقات الركود الحاد للقطاع.

جوهر الأزمة

وهي الأزمة الناتجة عن السمات الهيكلية المذكورة أعلاه، والتي تتجلى في بضع سمات أساسية للقطاع تمثل جوهر أزمته، هي:

أولًا: تقلب التشغيل؛ نتيجة قلة التنوع الهيكلي للقطاع؛ فغلبة الاعتماد على أنواع محددة ومحدودة من النشاط السياحي، والانحياز لإشباع نطاق معين وضيِّق من الطلب سوقيًّا واجتماعيًّا، يضيِّق من قاعدة طلب القطاع ويجعل تقلبه اعتياديًّا على ما سبق بيانه، كما يعرضه لمخاطر التدهور السريع مع أي توتر أو عارض يؤثر على هذه المكونات المحدودة، ما يمكن تجنبه أو على الأقل تقليل آثاره حال تنويع أنشطة وتوسيع نطاق عمل القطاع.

ثانيًا: ضعف العمق الإنتاجي والروابط التكاملية، ما نتج عن -إلى جانب عوامل أخرى بالطبع- الضيق النوعي لأنشطة القطاع، ما يتجلى أثره في ارتفاع المُكون الأجنبي المُستورد في الأصول والمُنتجات السياحية (16)؛ ومن ثم ارتفاع التكاليف وضعف الفائض السياحي وتسرب فائض النقد الأجنبي من ناحية، وضعف الآثار التحفيزية للقطاع على القطاعات الاقتصادية الأخرى -كذا ضعف دعمها له- من ناحية أخرى. وتقدِّر دراسة سهير أبو العينين بناءً على جداول المدخلات والمخرجات لعام 1996-1997، أن التشابكات الأمامية للقطاع أقل بكثير منها للتشابكات الخلفية، وتتسم الاثنتان بالانخفاض عمومًا، خصوصًا بمقارنتها بنظيرتها للقطاعات الأخرى (17)، والمؤكد استمرار هذا الاتجاه "الانخفاضي عمومًا" مع استمرار الاتجاه العام المزمن لتراجع أو ركود -في أحسن الأحوال- قطاع الصناعة التحويلية، الغني عن البيان.

ثالثًا: ضعف التكوين الرأسمالي ماديًّا وبشريًّا، ما ينعكس في الضعف النوعي للتجهيزات وللعمالة، ورغم قدر من التحسن في الاثنتين معًا كمًّا وكيفًا عكسته الاستثمارات فيهما منذ منتصف السبعينات، إلا أن تقييم التجهيزات المادية ضعيف نسبيًّا (مصر رقم 78 من 139 في القدرة الفندقية)، كما يتأثر عمومًا بضعف البنية التحتية خصوصًا على صعيد مشاكل النقل البري (رقم 114 من 139 في كثافة الطرق) والجوي (رقم 122 في المؤخرة تقريبًا في كثافة الطيران) (18)، فيما يرى السياح مستوى المرشدين السياحيين غير مُرض نسبيًّا (19).

أسباب الأزمة

وبناءً على ما سبق، وانطلاقًا من ذلك التكوين الهيكلي للقطاع، يمكن إجمال الأسباب الأساسية في أزمة القطاع السياحي في مصر فيما يلي:

1. ضعف التنويع الاجتماعي والنوعي والسوقي للقطاع؛ نتيجة أولًا: ضعف القاعدة الاجتماعية للقطاع أو أرستقراطيته الطاغية؛ حيث تتوجه خدمات القطاع المنظمة أساسًا لشرائح اجتماعية عالية الدخل نسبيًّا ومحدودة الحجم بطبيعة الحال، وثانيًا: محدودية الأنشطة النوعية للقطاع بما يزيد من تأثير أي هزات بها على مُجمل القطاع، وثالثًا: محدودية مصادر الطلب بما يؤدي لذات النتيجة؛ فتكون النتيجة العامة ضيقًا في نطاق الطلب الكلي بالقطاع وزيادة في تقلبه وآثاره على مُجمل نشاطه.

وتؤكد دراسة زينب توفيق أهمية هذا التنوع، بتأكيدها على أن أهم عنصرين في الإيرادات السياحية هما نسب الإشغال في الفنادق ومتوسط تكلفة الإقامة في الغرفة السياحية، واللذان يرتبطان بعدد السياح من جهة، أي تنويع الأنشطة السياحية، وبعدد ليالي الإقامة من جهة أخرى، أي تنويع الخدمات الفندقية وعدم التركيز على السياحة الممتازة للشرائح الغنية فقط (20).

2. ضعف التخطيط للقطاع؛ نتيجة براغماتية النظرة الحكومية له؛ إذ تنظر له أساسًا كمجرد مورد للنقد الأجنبي (وفرص العمل جزئيًّا)، بدلًا من النظر له كقطاع اقتصادي كغيره من القطاعات، ما يهم هو نموه واستقراره في الأجل الطويل، بحيث لا يعدو تحصيل النقد الأجنبي (العاجل) منه أن يكون أحد أهدافه، لا مبرره الوحيد تقريبًا إلى جانب التشغيل.

3. ارتفاع نسبة السياحة العكسية؛ نتيجة لضعف تشجيع السياحة الداخلية وعدم ترشيد تحركات المصريين للخارج خصوصًا في مجالي السياحة الترفيهية والدينية؛ ما يضعف فائض الميزان السياحي المصري، حتى إنه كان يتراوح خلال التسعينات مثلًا ما بين صفر و20% في أفضل أحواله (21)، وما يرتب كذلك تذبذبًا كبيرًا في ذلك الفائض (يصعب تخطيط موازنة النقد الأجنبي اعتمادًا عليه)؛ نتيجة الاستقرار النسبي لتلك السياحة العكسية (بحكم طبيعتها)، مقابل التقلب الشديد في السياحة الوافدة على ما سبق ذكره.

4. عدم توازن العلاقات الدولية والإقليمية، حيث نجد أولًا عدم تكافؤ العلاقات التعاقدية مع الشركات الفندقية متعددة الجنسيات التي تفرض عديدًا من الشروط والمُستحقات الثقيلة بما يستنزف قسمًا كبيرًا من العوائد السياحية والنقد الأجنبي بطبيعة الحال(22)، وثانيًا: ضعف القدرة التفاوضية للحكومة المصرية في مواجهة غيرها من حكومات دول السياح الوافدين، كما تجلى في أزمة السياح الروس مؤخرًا، واختلاف التعاطي الروسي مع مصر وتركيا، بالتشدد مع مصر والتساهل مع تركيا، تماشيًا مع اختلاف أوضاع القوة النسبية لكلٍّ من البلدين وقدرته على التفاوض.

5. عدم الاستقرار النقدي والاقتصادي، وما يرتبانه من تقلبات معتبرة في الأسعار عمومًا، ومن ثم في تكاليف وإيرادات التشغيل، وبالتالي صعوبة التخطيط للنشاط أحيانًا، سواءً داخليًّا أو خارجيًّا، كذا آثارهما على الأسعار النسبية لخدمات السياحة المصرية بالمقارنة بالدول الأخرى، وهو العنصر المعروف بأهميته الشديدة نتيجة ارتفاع مرونة الطلب السياحي، والتي بلغت في مصر 1.95 للطلب مُقدَّرًا بأعداد السائحين و2.1 له مُقدَّرًا بعدد الليالي السياحية، خلال الفترة 1990-2008(23).

لمحة حول الآثار الاقتصادية المُتوقعة للتغيرات الإقليمية والدولية الحالية على قطاع السياحة

يمكن بيان الآثار الاقتصادية الرئيسية للتغيرات الإقليمية والدولية الحالية على قطاع السياحة بشكل مُوجز من خلال بيان آثارها عبر قناتي الطلب والعرض.

فمن جهة الطلب نجد أن:

1. التدهور في أسعار النفط والانخفاض المُحتمل في دخول الدول النفطية ودخول مواطنيها سيؤدي من جهة لانخفاض إنفاقهم السياحي كنسبة من إجمالي دخولهم، وإن كان من المحتمل من جهة أخرى أن يزيد نصيب مصر في سياحتهم الخارجية باعتبارها إحدى الوجهات السياحية الرخيصة نسبيًّا؛ ما يعني زيادة نسبة السياح العرب ضمن كتلة السياح الوافدين لمصر؛ ومن ثم ضرورة الوعي بمتطلباتهم والعمل على إشباعها.

2. من المُتوقع ارتفاع الطلب السياحي من الصين ودول جنوب شرق آسيا مع الارتفاع المطَّرد في مستويات المعيشة بها؛ ما يفرض توجيه قدر أكبر من الاهتمام لترويج السياحة المصرية لدى شعوب تلك المناطق.

أما من جهة العرض، فنجد أن: 

1. تعاظم حالة عدم الأمن دوليًّا وبوادر التشكك في العلاقات التاريخية مع بعض القوى الكبرى، قد تدفع بقطاع من رؤوس الأموال العربية -النفطية خصوصًا- لالتماس الأمن في الاقتصاد المصري (حال استطاعت مصر تقديم الضمانات الضرورية لذلك بما فيها الأمن العام والاستقرار الاقتصادي)؛ الأمر الذي سيدعم قطاع السياحة بشكل مباشر عبر الاستثمار فيه، وبشكل غير مباشر مع الاستثمار في قطاعات مرتبطة به وتحسن الحالة الاقتصادية بعامة.

2. يؤدي تعاظم حالة عدم الأمن دوليًّا لارتفاع تكاليف النقل والتأمين وغيرها من تكاليف الخدمات المرتبطة بـالسياحة والمُكملة لها؛ ما يرفع أسعارها ويقلل الطلب السياحي ويخفض "إيراداته الإجمالية" من جهة، كما يقلِّل "صافي الأرباح" السياحية نفسها من جهة ثانية، مع اضطرار مُقدمي الخدمات السياحية نفسها لتحمل جزء من التكاليف المتزايدة في خدماتهم نفسها والخدمات المُكملة لها، دون رفع مواز في أسعار الخدمات السياحية يعوض تلك التكاليف؛ ما قد يُنذر بانكماش في القطاع حال لم تؤدِّ عوامل إيجابية مضادة لتعويض تلك الآثار السلبية.

خاتمة: علاج ضعف السياحة

يتبين مما سبق أن ما يُضعف القطاع السياحي في مصر ويجعله هشًّا تجاه الاضطرابات الإقليمية الدولية -بخلاف طبيعته جزئيًّا- هو: 

أولًا: من جهة الطلب: تركُّز هيكل طلبه نوعيًّا وسوقيًّا واجتماعيًّا بالأخص؛ ما يجعل حل تلك الأزمة هو توسيع القاعدة الاجتماعية للقطاع، بتنويع النشاطات وتوسيع النطاق الاجتماعي للطلب، بتحفيز الطلب المحلي على خدمات السياحة الداخلية، واستهداف شرائح اجتماعية أوسع، وهو ما يؤتي ثماره على المدى الطويل بتحسين توزيع الدخل والثروة في الأجل القصير ورفع مستوى المعيشة في الأجل الطويل.

ثانيًا: من جهة العرض: ضعف الروابط مع القطاعات الأخرى وضعف التكوين الرأسمالي المادي والبشري؛ ما يستلزم تحسين البنية التحتية وزيادة المكون المحلي في التكوين الرأسمالي والإنتاج السلعي للقطاع، ورفع مستوى التكوين المهني للعمالة المنخرطة فيه، وهو أيضًا ما يؤتي ثماره على أفضل نحو بدمج نمو القطاع ضمن خطة شاملة للنمو الاقتصادي التكاملي بقيادة القطاعات السلعية عمومًا والصناعة التحويلية خصوصًا؛ بما يعزز الترابط الإنتاجي بينها والتراكم التكنولوجي لها جميعًا.

ثالثًا: من جهة السياسة السياحية: نظرة الحكومة قصيرة النظر للقطاع باعتباره مجرد مصدر للنقد الأجنبي؛ ما يجب تغييره باتجاه التعامل معه كقطاع اقتصادي محلي ينتج للسوق المحلية كما يصدِّر الخدمات السياحية، شأنه شأن غيره من القطاعات المحلية التي تصدِّر السلع بعد أن تشبع احتياج سوقها المحلي منها (نظريًّا كما نعلم أو عمليًّا كما نأمل!)، بحيث يتم رفده وتنميته كقطاع محلي بحد أدنى من الطلب المحلي الواسع اجتماعيًّا والمتنوع أنشطةً؛ لضمان حد أدنى من استقراره واستدامة نموه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مجدي عبد الهادي، باحث اقتصادي.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)      المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المسح الاجتماعي الشامل للمجتمع المصري، المرحلة الثانية 1980–2010، المجلد الاقتصادي، تحرير ابتسام الجعفراوي، (القاهرة، 2016)، ص 501. 

(2)    World Economic Forum, The Travel & Tourism Competitiveness Report 2017, Paving the way for a more sustainable and inclusive future, 5 April 2017, Geneva, p 150.

(3)    إيرادات مصر من السياحة تقفز بأكثر من 100% في 2017، شبكة CNBC عربية، 31 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018): https://goo.gl/EqQivh

 (4)  السيد عليوة، زينب توفيق، "تقييم أثر النشاط السياحي في النمو الاقتصادي في مصر"، بحوث اقتصادية عربية، (العدد 65، شتاء 2014، القاهرة)، ص 93.

(5)  المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المسح الاجتماعي الشامل للمجتمع المصري، المرحلة الثانية 1980–2010، المجلد الاقتصادي، ص 501.

(6)  المرجع السابق، ص 480.

(7)  المرجع السابق، ص 499

(8)    World Economic Forum, The Travel & Tourism Competitiveness Report 2017, p. 150.

(9)  زيتون، محيا، السياحة ومستقبل مصر..بين إمكانات التنمية ومخاطر الهدر، (دار الشروق، القاهرة، 2002)، ص 52.

(10)  كفافي، حسين، رؤية عصرية للتنمية السياحية في الدول النامية، (مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005)، ص 216.

(11)  زيتون، السياحة ومستقبل مصر، ص 59-60.

  (12)  The World Tourism Organization (UNWTO), Egypt: Country-specific: Basic indicators (Compendium) 2012 - 2016 (12.2017), (Visited on 23 September 2018): https://www.e-unwto.org/doi/pdf/10.5555/unwtotfb0818010020122016201712.

(13)  مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مصر على خريطة السياحة العالمية، سلسلة تقارير معلوماتية، مجلس الوزراء المصري، السنة الثامنة، (العدد 74، ديسمبر/كانون الأول، 2014)، ص 5.

(14)  الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي السنوي 2016، القاهرة، سبتمبر/أيلول 2016، الباب الثالث عشر، السياحة.

(15)  المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المسح الاجتماعي الشامل للمجتمع المصري، المرحلة الثانية 1980–2010م، المجلد الاقتصادي، ص 467.

(16)  حسب بعض التقديرات، يصل حجم المُكون الأجنبي في صناعة الفنادق في الدول النامية إلى أكثر من 50% من إجمالي الاستثمارات السياحية والفندقية، وهو الوضع الذي يمتد بعمر المشروع حتى مستلزمات التشغيل اليومية، انظر: كفافي، رؤية عصرية للتنمية السياحية في الدول النامية، ص 9.

(17)  زيتون، السياحة ومستقبل مصر، ص 237-239.

  (18)  William M Butterfield & el al., Assessment of the Tourism Sector in Egypt, USAID, June 2012, p. 17- 19.

(19)  زيتون، السياحة ومستقبل مصر، ص 71.

(20)  السيد عليوة، تقييم أثر النشاط السياحي في النمو الاقتصادي في مصر، ص 91.

(21)  زيتون، السياحة ومستقبل مصر، ص 133 -134.

(22)  المرجع السابق، ص 202: 204.

(23)  علي عثمان، سعيد عبد العزيز؛ السيد فراج، محمد جابر حسن، تداعيات "الأزمة المالية العالمية على قطاع السياحة المصري..السيناريوهات المحتملة والحلول المُقترحة"، مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية، جامعة الإسكندرية، (العدد 2، المجلد 46، يوليو/تموز 2009)، ص 46.