تستعد نيجيريا للانتخابات العامة لاختيار رئيس البلاد وأعضاء الجمعية الوطنية، وتشهد أوساطها السياسية تطورات لا مفر منها في دولة متعددة الأعراق والأديان، مما يعني أن ممارسة عملية الانتخابات في البلاد تنطوي على العديد من الفرص والمخاطر. كما يميز هذه الممارسةَ في بعض الأحيان العنفُ والفسادُ والتخويفُ والاحتيالُ من قبل الساسة والمتنافسين على الكراسي الوطنية، بينما يوجد من الناخبين من يُهدون ولاءاتهم وأصواتهم حسب المصالح والانتماءات الإثنية-الدينية(1).
ولعل من السيناريوهات الأكثر تكرارًا أن أصدقاء الأمس يصبحون قبيل الانتخابات بشهور أعداء اليوم، وأن زملاء الأحزاب السياسية يتنقلون دون استحياء من حزب سياسي حاكم إلى حزب معارض حتى لو سبق لهم أن هاجموه وانتقدوه(2). وبالفعل لم تكن الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في يوم السبت 16 فبراير/شباط 2019 مستثناة من هذه الحالة.
من الناحية الرسمية، يجب على المرشح لكي يفوز في الانتخابات الرئاسية أن يحصل على أغلبية الأصوات المدلى بها، وكذلك الحصول على ما لا يقل عن 25% من الأصوات في ثلثي ولايات البلاد البالغة 36 ولاية(3). وهناك تقليد شبه رسمي منذ الجمهورية الرابعة(4) ينص على أن تداول المنصب الرئاسي ينبغي أن يكون كل ثماني سنوات بين رئيس من الشمال ذي الأغلبية المسلمة ومن الجنوب التي يتساوى فيها المسلمون والمسيحيون(5).
خريطة اللاعبين في رئاسيات فبراير/شباط 2019
في سبتمبر/أيلول 2019، اتفقت قيادات حزب "مؤتمر جميع التقدميين" (All Progressives Congress) الحاكم، بالإجماع على اختيار محمد بخاري، الرئيس المنتهية ولايته، والبالغ 76 عامًا، بأن يكون مرشحه الرئاسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة(6)، بينما فاز رجل الأعمال الثري، "أتيكو أبوبكر"، في الانتخابات الأولية بوصفه المرشح الرئاسي لـ"حزب الشعب الديمقراطي" (People’s Democratic Party)، وهو الحزب المعارض الرئيسي في البلاد(7).
ومع أن عدد المتنافسين على المنصب الرئاسي بلغ أكثر من 50 مرشحًا فإن ملفات بعضهم كانت أهم من بعض؛ نظرًا لخبرة أصحابها وقدرتهم على تنظيم حملاتهم الانتخابية والمناطق التي ينتمون إليها. كما أن دور تولي الرئاسة لا يزال من حق منطقة الشمال (أي من عامي 2015 إلى 2023)، وهذه العوامل لعبت دورًا مهمًّا لصالح كل من "بخاري" و"أتيكو" في هذه الانتخابات، فهما مسلمان وينتميان إلى عرقية الفلان في الشمال، واختار كل منهما لنفسه نائبًا مسيحيًّا من الجنوب؛ "ييمي أوسنباجو" نائبًا لبخاري، و"بيتر أوبي" نائبًا لـ"أتيكو".
أولا: محمد بخاري: ملف الأمن وملف الاقتصاد
ينتمي محمد بخاري إلى خط مجموعة الرجال العسكريين الأقوياء الذين هيمنوا على مفاصل الحكم في نيجيريا أكثر من ثلاثة عقود أي ما بين عامي 1966 و1999. فكان بخاري حاكمًا عسكريًّا للبلاد عبر انقلاب في أواخر 1983 حتى وإن كان زملاؤه أطاحوا به في انقلاب عسكري آخر في أغسطس/آب 1985(8).
ولعل من أهم المكاسب التي حققها بخاري في تلك الفترة كرئيس لنظام عسكري أنه أطلق ما بات يُعرف في نيجيريا بـ"الحرب على عدم الانضباط"(9)، وهي تجربة أكسبته رصيدًا من النزاهة والقدرة على محاربة الفساد، وجلبت له أيضًا انتقادات واسعة أسهمت في إخفاق محاولاته الثلاث لتأمين المنصب الأكثر شهرة في البلاد؛ إذ خسر بخاري رئاسيات 2003 أمام أولوسيغون أوباسانجو(10)، كما هزمه الرئيس عمر يارادوا في رئاسيات 2007 رغم ما أشيع عنها من العنف وتزوير صناديق الاقتراع(11)، كما انتصر عليه غودلاك جوناثان في رئاسيات 2011 وسط اتهامات بالاحتيال مما أدى إلى اندلاع أعمال شغب عنيفة في الشمال(12).
وقد أسهم تفشي الفساد الإداري في حكومة الرئيس جوناثان، ونهب الأموال العامة دون مراقبة أو مساءلة قانونية، إلى اعتبار جوناثان في أواخر فترة رئاسته شخصية ضعيفة؛ فاستغل محمد بخاري وفريقه هذه الثغرة في رئاسيات 2015، إضافة إلى شهرته السابقة كضابط سابق ملتزم وسليم من التهم التي وقع فيها أصدقاؤه من الضباط السابقين، وقدرته المتصورة على ردع تمرد "بوكو حرام" الذي جذب اهتمام عامة الناس حينئذ(13).
انتصر محمد بخاري مرشح حزب "مؤتمر جميع التقدميين" على غودلاك جوناثان وهو مرشح "حزب الشعب الديمقراطي" الذي حكم نيجيريا مدة 16 عامًا بعد العودة إلى الحكم المدني في عام 1999(14). ومنذ تسلم بخاري زمام السلطة اتسم أسلوبه في البداية بإدارة الملف الأمني ومحاربة الفساد إدارة سليمة واعتماده منهج الحكم الرشيد، وما لبث أن دبَّ الترهل إلى ذلك النهج، والمؤيدون لبخاري يرون أن له إنجازات غير مسبوقة، بينما يسرد خصومه ومعارضو حكومته عشرات الأسباب التي تجعله غير مستحق لإعادة الانتخاب.
تعهد بخاري قبل وبعد وصوله للسلطة، عام 2015، بمعالجة ثلاثة تحديات شائكة، هي: الفساد وانعدام الأمن والاقتصاد(15). وفي حين ركزت إدارته على قضايا الفساد والأمن فإنها لم تولِ المشاكل الاقتصادية اهتمامًا كافيًا، وهي ذات أهمية قصوى في الرأي العام؛ حيث يرى المحللون الاقتصاديون أنه فشل في منع الركود الذي أعقب انهيار أسعار النفط في عام 2015(16).
وبغضِّ النظر عما يقال من تنازل الرئيس محمد بخاري عن إدارة اقتصاد نيجيريا لنائبه، البروفيسور ييمي أوسينباجو، المحامي الشهير الذي لم يكن لديه أي خلفية أو خبرة اقتصادية، وإضاعته للفرصة عند اجتماعه مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أبريل/نيسان 2018، حيث طلب من الأخير طائرات مقاتلة لمحاربة "بوكو حرام" بدلًا من الدعم الاقتصادي(17)؛ وقد دافع بخاري عن نفسه بأنه غير قادر على دفع عجلة الاقتصاد بسبب هبوط أسعار النفط وانخفاض الإيرادات الحكومية. ومن المعلوم أن سعر النفط قد ارتفع إلى 108 دولارات للبرميل قبل وصول بخاري إلى السلطة، وانخفض بشكل حاد إلى 63 دولارًا في الشهر الذي أدى فيه بخاري اليمين كرئيس البلاد، واستمر انخفاض سعر النفط خلال المراحل الأولى من إدارته، حيث بلغ أدنى مستوى له، وهو 35 دولارًا للبرميل(18)، في فبراير/شباط 2016.
وتتباين وجهات النظر حول نجاح الرئيس بخاري في محاربة الفساد. وعلى الرغم من ذلك فقد سجَّل تقدمًا في مقاضاة سياسيين رفيعي المستوى وموظفين مدنيين وضباط عسكريين متقاعدين بتهمة الفساد والخيانة المالية، وأدانت المحاكم عددًا من المسؤولين السابقين(19)، بل واستعادت إدارته مليارات الدولارات من الأصول المسروقة من السياسيين الفاسدين في الإدارة السابقة(20).
ويذهب المنتقدون إلى أن نيجيريا شهدت تحت حكم بخاري، ومنذ عام 2016، استمرار انعدام الأمن وخاصة فيما يتعلق بالصدامات المتكررة بين الرعاة والمزارعين في الولايات الواقعة بوسط نيجيريا، وعودة الهجمات المكثفة من قبل "بوكو حرام". وهناك من يصف حكومته الحالية بعدم الاهتمام بحقوق الإنسان، مع إفلات بعض وزرائه وأعضاء حزبه المتهمين بالفساد من العقاب(21).
ثانيًا: أتيكو أبوبكر والمحاولة الرئاسية الرابعة
قد تسهل ملاحظة أوجه الاختلافات بين محمد بخاري وأتيكو أبوبكر، ولكنهما في الوقت نفسه يشتركان في أشياء أخرى؛ فأتيكو منافس شرس بالنسبة لبخاري وحزبه الذي كان عضوًا فيه حتى ديسمبر/كانون الأول 2017 عندما غادره وعاد إلى حزبه الأول "حزب الشعب الديمقراطي" المعارض. ويضاف إلى ما سبق أن ترشح أتيكو لانتخابات فبراير/شباط 2019 القادمة يُعد المرة الرابعة التي يتقدم فيها للرئاسة بعد محاولات فاشلة في الأعوام 2007 و2011 و2015(22).
وبفضل عمله في دائرة الجمارك النيجيرية لمدة عشرين عامًا، وشغله منصب نائب الرئيس خلال إدارة أوباسنجو لمدة ثماني سنوات من 1999 إلى 2007، اكتسب أتيكو أبوبكر خبرات داخلية في السياسة النيجيرية ونفوذًا بين الطبقة الحاكمة ورجال الدولة الأقوياء، حتى وإن كان محل شك منتقديه الذين اتهموه كثيرًا(23).
وهناك أصدقاء لأتيكو انتقلوا معه من حزب "مؤتمر جميع التقدميين" الحاكم إلى "حزب الشعب الديمقراطي" المعارض، من بينهم رئيس مجلس الشيوخ، بوكولا ساراكي، ورئيس مجلس النواب، ياكوبو دوغارا، والعديد من المشرِّعين وحكام الولايات السابقين والحاليين، وشكَّلوا فريقًا مهمته الأساسية القضاء على نظام الحزب الحاكم الذي لم يقضِ سوى السنوات الأربع الأخيرة في سدة الحكم.
وقد دأب أتيكو منذ أن ترك حزب "مؤتمر جميع التقدميين"، على انتقاد أداء محمد بخاري بلهجة قوية مستغلًّا الشكاوى المحلية، وتتميز حملته ووعوده الانتخابية بالوعد بإيجاد فرص العمل وتعزيز الاقتصاد الوطني المفتوح القادر على التنافس، والتعاون مع القطاع الخاص المدعوم من قبل المؤسسات العامة التي تدار بكفاءة، وهي رسالة من المرجح أن يتردد صداها بين مجتمع الأعمال والشعب النيجيري العادي نظرًا لارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
وقد قال أتيكو في خطاب قبول ترشيحه للرئاسة أمام حشد من أنصار حزب الشعب الديمقراطي: "لدينا فرصة رائعة لإعادة حزب الشعب الديمقراطي إلى السلطة. لقد عددنا التحديات التي تواجهها البلاد مرارًا وتكرارًا، وما يتعين علينا فعله هو تقديم حلول. هذا ما سيجعلنا مختلفين عن الحكومة الجاهلة"(24).
ومن القضايا الوطنية الحساسة التي يركز عليها أتيكو في حملته الانتخابية إعلانه موافقته النسبية على إعادة هيكلة نظام الحكم النيجيري والتي طالما دعا إليها زعماء سياسيون من جنوب شرق البلاد؛ إذ أكد على ضرورة بقاء الحكومات المحلية كهيئة مستقلة عن حكومة الولاية، وذلك لأن تطوير القواعد الشعبية يتطلب الاعتراف بالحكومات المحلية كهيكل مستقل للحكم وليس كملحق لمكتب حكومة الولاية. كما أوضح أنه يجب للولايات التي توجد بها احتياطيات من المناجم والموارد المعدنية أن تتحكم في مواردها وأن تدفع نسبة من العوائد للحكومة الفيدرالية، وهو إجراء لا يطبقه النظام الحالي، وهذا الموقف منح "أتيكو" شعبية لا بأس بها في جنوب البلاد(25).
هل بالإمكان تجاوز المشهد الحزبي التقليدي؟
لا شك أن تفاعلات المشهد السياسي في نيجيريا تؤشر إلى أن السياسة النيجيرية بحاجة إلى أن تمتد إلى ما وراء الأحزاب السياسية التقليدية التي غالبًا ما يُتهم أعضاؤها بالافتقار إلى أفكارٍ أصيلة وأن غايتهم القصوى هي السعي إلى السلطة لجمع الثروة. كما أنه بات من الضروري وجود مرشحين أقل سنًّا في السباق الرئاسي يمكنهم أن يحظوا بفرصة إقالة النخبة الحاكمة أو على الأقل رفع راية مطالب الشباب في البلاد. نظرًا لأن نسبة الشباب (بين 18 و25 عامًا) المسجلين للإدلاء بأصواتهم تناهز 43 مليون شاب مسجل أي ما يقارب 51.1? من جميع الناخبين على مستوى الجمهورية النيجيرية(26).
ومع ذلك، تشير التوقعات المحلية إلى أن أيًّا من هذه القوى البديلة لا تحظى بفرصة ضد الأحزاب السياسية الرئيسية التي تهيمن على الساحة السياسية في البلاد، لأن الذين شكلوا هذه القوى ليست لديهم تلك الثروات الضخمة اللازمة للفوز بالانتخابات النيجيرية، كما أنهم لا يتمتعون حتى الآن بشعبية الأحزاب الرئيسية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.
وفي محاولاتهم لإقالة النخبة الحاكمة منذ استقلال البلاد؛ أطلق مؤيدو أحزاب هذه القوى البديلة نداءات التحالف والتعاون بين زعماء هذه المجموعة، وكانت النتيجة أن تنحت السيدة أوبي إيزيكويسيلي (Oby Ezekwesili)، وهي المرشحة الرئيسية الوحيدة في سباق هذا العام وكانت قد شغلت منصب وزيرة المعادن الصلبة والتعليم في حكومة الرئيس السابق أوباسانجو، فعزفت عن الترشح للانتخابات الرئاسية بدعوى أن هدفها الآن هو بناء ائتلاف من شأنه أن يوفر بديلًا عن حزب مؤتمر جميع التقدميين وحزب الشعب الديمقراطي(27).
أما المرشحان، وموييلي سووري (Omoyele Sowore) وكينغسلي موغالو (Kingsley Moghalu)، فما زالا يواصلان حملاتهما الانتخابية؛ فالأول هو مؤسس وناشر "صحراء/ريبورتز" (SaharaReporters) الشهيرة، وهي صحيفة استقصائية إلكترونية لها مساهمتها في الكشف عن فساد المسؤولين النيجيريين؛ مما عزز حملته الانتخابية وأكسبه تأييدًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية واتحادات الشباب والطلبة الجامعيين(28).
ويُعرف أن المرشح موغالو كان أستاذًا في إدارة الأعمال الدولية والسياسة العامة في كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس بولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأميركية، كما عمل في الأمم المتحدة في الفترة من 1992 إلى 2008، وكان نائب محافظ البنك المركزي النيجيري من 2009 إلى 2014؛ حيث قاد إصلاحات واسعة في النظام المصرفي النيجيري بعد الأزمة المالية العالمية(29).
ومن الواضح من الاستراتيجيات الجديدة التي تبناها حزب المرشح بخاري وحزب المرشح أتيكو لخوض هذه الانتخابات أنها لا تخلو من استغلال للرُّوح العرفية المتجذرة في البلاد، فكلا المرشحين يلوِّح تلميحًا وتصريحًا بأن رئاسة نيجيريا المقبلة، أي استحقاق 2023، ينبغي أن تكون لعرقية اليوروبا والإيبو. ونلاحظ أن نائب أتيكو أبوبكر في هذه الانتخابات هو بيتر أوبي وهو من الإيبو، مما يوحي بأن هنالك تهيئة لمرشح من هذه العرقية لاستحقاق 2023. وعلى نفس المنوال، وعد سكرتير الحكومة الاتحادية، بوس مصطفى، عرقية الإيبو بالمنصب الرئاسي في عام 2023، ولكن بشرط تأييدهم لإعادة انتخاب بخاري(30). بينما قدَّم وزير الطاقة والأشغال والإسكان، باباتوندي فاشولا، ونائب الرئيس الحالي، ييمي أوسنباجو، وكلاهما من اليوروبا العرض نفسه لعرقية اليوروبا(31).
ومما قد يحسم أمر الانتخابات؛ حياد مؤسسات ووكالات الدولة الرئيسية تجاه المرشحين، مثل الأجهزة الأمنية، واللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (INEC) المتهمة بميلها إلى مرشحين معينين بمن فيهم الرئيس محمد بخاري، ولجنة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية (EFCC) التي تُنتقد دائمًا باستهداف عناصر المعارضة بشكل انتقائي.
ومما يرجح كفة المخاوف حول حيادية هذه الوكالات أن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة عينت السيدة أمينة زكاري، التي يُزعم أنها من أقارب الرئيس بخاري، لتكون مسؤولة عن ترتيب نتائج الانتخابات. وقد أثار الرئيس المنتهية ولايته، بخاري، أزمة سياسية أخرى عندما علَّق القاضي والتر أونونجين من منصب رئيس المحكمة العليا، وعيَّن نيابة عنه قاضيًا آخر باسم إبراهيم تانكو محمد. وكانت النتيجة أن وُصف بخاري من قبل قادة المعارضة والمجتمع القانوني بالديكتاتور، وأنه يخطط لتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستُجرى في 16 فبراير/شباط 2019(32)؛ حيث قد يكون هذا الإجراء أحد الأمور التي تشير إلى أن هذه الانتخابات لن تكون ذات مصداقية وسيتم تحديها بغضِّ النظر عن الفائز(33).
وفي حين أدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توقيت تعليق والتر أونونجين بدعوى أنه قد يقوض نزاهة الانتخابات(34)، إلا أن الحكومة بررت القرار بأنه جاء بأمر من محكمة "القواعد السلوكية" (Code of Conduct) في أبوجا بعد أسبوعين من محاكمة القاضي، بسبب إعلانه الكاذب والمزيف عن أصوله، وأن الأجهزة الأمنية تتبعت "معاملات مشبوهة تصل إلى ملايين الدولارات" في حساباته الشخصية(35).
الاحتمالات والتوقعات
أطلق الكثير من النقاد على طبيعة القيادة السياسية النيجيرية مصطلح "حكم الشيوخ" أو (Gerontocracy)، لأن القادة والطبقة الحاكمة متقاربون في السن؛ فالرئيس "بخاري" من مواليد عام 1942 بينما وُلد المعارض أتيكو في عام 1946، أي قبل استقلال نيجيريا(36). ومع ذلك، فإن كل التوقعات تفيد بأن الرئيس القادم في الانتخابات المقبلة سيكون من نصيب أحد الحزبَين الرئيسيين، حزب مؤتمر جميع التقدميين أو حزب الشعب الديمقراطي. كما أن قيام النموذج السياسي في نيجيريا على مستوى تأمين المرشح لدعم النخبة المهيمنة يجعل في غاية الصعوبة فوز المرشحين من الجيل الجديد الساعين إلى إعادة صياغة السياسة النيجيرية وبنائها على القضايا والأيديولوجيات بدلًا من انتماء الشخصية المرشحة وتأييدات نخبة معينة.
وإذ يخوض كل من محمد بخاري وأتيكو أبوبكر هذا السباق الرئاسي وهما من الطبقة الحاكمة، فإن ما سيحدد الفائز هو مدى استفادة كل منافس من دعم النخبة من كل منطقة؛ حيث إنه مما ساعد بخاري في انتخابات عام 2015 أن النخبة أجمعوا على وجوب رحيل غودلاك جوناثان، بخلاف الوقت الراهن الذي يشترك بخاري وأتيكو في تقاسم القواعد الشعبية ودعم النخبة والتمويل الجيد.
ويرى بعض متابعي الشأن النيجيري أنه من المحتمل أن يفوز الرئيس المنتهية ولايته، محمد بخاري، في هذه الانتخابات لا لأنه أوفى بتوقعات النيجيريين الذين انتخبوه في عام 2015، ولكن لأن خصمه الرئيسي، نائب الرئيس السابق، أتيكو أبو بكر، هو مرشح ضعيف يثير من الشكوك أكثر مما يعطي من الضمانات، وخصوصًا فيما يتعلق بمؤهلاته التجارية ومصدر ثرواته المثير للجدل؛ إذ يعتقد الكثيرون أنه حقق أمواله من خلال المحسوبية وأنشطة مشكوك فيها(37).
خاتمة
يتضح مما سبق أن المشهد السياسي في نيجيريا تحركه الانتماءات العرقية والدينية، وأن السياسة الراهنة في البلاد غير مبنية بشكل أساسي على الأرصفة الفكرية؛ مما يعني ضرورة رصد قدرة القوى البديلة أو المرشحين الجدد في تحدي الطريقة التقليدية للحكم الرئاسي النيجيري، وقدرتهم في المرحلة القادمة على تغيير الوضع الراهن القائم على دعم النخبة والطبقة الحاكمة بدلًا من تقديم الحلول للقضايا الوطنية.
أما الآن، فلا يوجد أمام الناخبين النيجيريين سوى خيارين يبدوان كوجهَين لعملة واحدة. وفي هذين الخيارين يبدو الرئيس منتهي الولاية، "محمد بخاري"، وكأنه يتمتع بتفوق على منافسه، "أتيكو أبوبكر".
___________________________________________
* حكيم نجم الدين: باحث نيجيري مختص بالشؤون الإفريقية.
(1)- David Tuesday Adamo, “Religion and elections in Nigeria: a historical perspective”, Studia Historiae Ecclesiasticae, Pretoria 2018, (accessed on 29 January 2019):
http://www.scielo.org.za/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S1017-04992018000300006&lng=en&nrm=iso&tlng=en
(2)- B.T. Badejo, S.C. Agunyai & S.O. Buraimo, “The Politics of Defection and Power Game in Nigeria: Insights from the 7th Lower Legislative Chamber”, Public Policy and Administration Research, (Vol.6، No.9، 2016), p. 6.
(3) - Sule Babayo، Azizuddin Mohammed، Sani Mohammed & Mat Bakri, “Political Behaviour and Voting Pattern in Nigeria: A Study of 2015 Presidential Election”, Asia Pacific Journal of Education، Arts and Sciences، (Vol. 4 No. 4, October 2017), p. 9.
(4) - بدأت الجمهورية الرابعة في نيجيريا في عام 1999 عندما تسلمت الحكومة المدنية زمام السلطة وحكم البلاد وفقًا للدستور الجمهوري الرابع، وذلك بعد وفاة الديكتاتور وحاكم نيجيريا العسكري، الجنرال ساني أباشا، في عام 1998، وأطلق خليفته، الجنرال عبد السلام أبوبكر، عملية الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم الديمقراطي في عام 1999؛ فرُفع الحظر المفروض على الأنشطة السياسية، وأُفرج عن السجناء السياسيين.
(5)- Ayo Awopeju, Olufemi Adelusi & Ajinde Oluwashakin, “Zoning Formula and the Party Politics in Nigerian Democracy: a Crossroad for PDP in 2015 Presidential Election”, Research on Humanities and Social Sciences, (Vol.2, No.4, 2012) p. 11 – 12.
(6)- Thisday Newspaper, “APC Adopts Buhari as Presidential Candidate”, November 21, 2018 (Accessed on 30 January 2019):
https://www.thisdaylive.com/index.php/2018/11/21/2019-upp-adopts-buhari-as-presidential-candidate/
(7)- Punch Newspaper, “Atiku emerges PDP presidential candidate”, (Accessed on 30 January 2019):
https://punchng.com/breaking-atiku-wins-pdp-presidential-primary/
(8)- Henry Aniagoa Kifordu, “Nigeria’s political executive elite: paradoxes and continuities, 1960–2007”, International Institute of Social Studies, Erasmus University Rotterdam Netherlands, (Thesis for Doctor Degree, 2012), p. 86.
(10)- Alex Kireev, ”Nigeria’s Presidential Election 2003”, Electoral Geography, 19 APRIL 2003 (Accessed on 31 January 2019):
https://www.electoralgeography.com/new/en/countries/n/nigeria/nigeria-presidential-election-2003.html
(11)- Tom Ashby, “Yar'Adua declared winner of Nigeria poll "charade”, Reuters, 22 April 2007, (Accessed on 31 January 2019):
https://www.reuters.com/article/us-nigeria-election/yaradua-declared-winner-of-nigeria-poll-charade-idUSL2149632920070423
(12)- BBC News, “Nigeria election: Riots over Goodluck Jonathan win”, 18 April 2011, (Accessed on 31 January 2019):
https://www.bbc.com/news/world-africa-13107867
(13)- Mwangi S. Kimenyi, “Nigeria 2015 presidential election: Significance and challenges ahead”, Brookings Institution, 31 March 2015, (Accessed on 1 February 2019):
https://www.brookings.edu/blog/africa-in-focus/2015/03/31/nigeria-2015-presidential-election-significance-and-challenges-ahead/
(15)- Premium Times, “Buhari opens campaign, promises to address corruption, insecurity, economy”, 7 January 2015, (Accessed on 1 Febuary 2019):
https://www.premiumtimesng.com/news/headlines/174402-buhari-opens-campaign-promises-address-corruption-insecurity-economy.html
(16)- BBC News, “Nigerian economy slips into recession”, 31 August 2016, (Accessed on 1 February 2019):
https://www.bbc.com/news/business-37228741
(17)- IOL News, “Trump gives Buhari 'banned' military aircraft”, 1 May 2018, (Accessed on 1 Febuary 2019):
https://www.iol.co.za/news/world/trump-gives-buhari-banned-military-aircraft-14724854
(18)- Reuters, “Oil dives below $35, lowest in 11 years, as U.S. supply swells”, Reuters, 5 January 2016, (Accessed on 1 February 2019):
https://www.reuters.com/article/us-global-oil-idUSKBN0UK04C20160106
(19)- Imad Mesdoua & Gbenga Abosede, "Buhari’s fight against corruption", Control Risks, 11 October 2018, (Accessed on 1 January 2019):
https://www.controlrisks.com/our-thinking/insights/buharis-fight-against-corruption
(20)- Yomi Kazeem, “Nigeria says it’s recovered $9.1 billion in looted funds, but won’t name the culprits”, Quartz Africa, 6 June 2016, (Accessed on 1 Febuary 2019):
https://qz.com/africa/700036/nigeria-says-its-recovered-9-1-billion-in-looted-funds-but-wont-name-the-culprits/
(21)- Eniola Akinkuotu, Gbenro Adeoye, & Jesusegun Alagbe, “Eight politicians with N232bn corruption cases working for Buhari’s re-election”, Punch Newspaper, 1 September 2018, (Accessed on 1 February 2019):
https://punchng.com/eight-politicians-with-n232bn-corruption-cases-working-for-buharis-re-election/
(22)- Adedayo Akinwale, "Atiku’s Many Shots at Presidency", This Day Newspaper, 8 October 2018, (Accessed on 1 February 2019):
https://www.thisdaylive.com/index.php/2018/10/08/atikus-many-shots-at-presidency/
(24)- Lagun Akinloye, “Can Atiku unseat President Buhari in Nigeria’s 2019 elections?”, African Arguments, 8 October 2018, (Accessed on 1 February 2019):
https://africanarguments.org/2018/10/08/atiku-unseat-president-buhari-nigeria-2019-elections/
(25)- Saharareporters, “COMPILED: The 45 Campaign Promises Of Atiku Abubakar”, 21 November 2018, (Accessed on 1 February 2019):
http://saharareporters.com/2018/11/21/compiled-45-campaign-promises-atiku-abubakar
(26)- Daniel Mumbere, “A quick look at what's at stake in Nigeria's 2019 General Elections”, Africa News, 28 January 2019, (Accessed on 2 February 2019):
http://www.africanews.com/2019/01/28/a-quick-look-at-what-s-at-stake-in-nigeria-s-2019-general-elections
(27)- John Campbell, “Oby Ezekwesili Steps Down as Nigerian Presidential Candidate”, Council on Foreign Relations, 29 January 2019 (Accessed on 2 January 2019):
https://www.cfr.org/blog/oby-ezekwesili-steps-down-nigerian-presidential-candidate
(28)- Caleb Okereke, “Is spicy Omoyele Sowore the “deviant” Nigeria needs?”, African Arguments, 1 February 2019, (Accessed on 2 February 2019):
https://africanarguments.org/2019/02/01/is-spicy-omoyele-sowore-the-deviant-nigeria-needs/
(29)- Jamilah Nasir, "Moghalu outlines plans for presidency", TheCable, 28 February 2018, (2 February 2019):
https://www.thecable.ng/independent-efcc-announce-cabinet-members-48-hoursmoghalu-outlines-plans-2019-presidency
(30)- TheCable, “SGF to Igbo: Endorse Buhari now, get presidency in 2023”, 21 November 2018, (2 February 2019):
https://www.thecable.ng/sgf-to-igbo-endorse-buhari-now-get-presidency-in-2023
(31)- Musliudeen Adebayo, “How Yoruba can produce president in 2023 – Osinbajo”, Daily Post, 22 December 2018, (Accessed on 2 February 2019):
http://dailypost.ng/2018/12/22/yoruba-can-produce-president-2023-osinbajo/
(32)- Paul Wallace, “Nigeria Leader Sparks Pre-Vote Crisis by Replacing Top Judge”, Bloomberg, 25 January 2019, (Accessed on 2 February 2019):
https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-01-25/buhari-suspends-nigeria-s-top-judge-ahead-of-election-aide-says-jrcau3pn
(34)- Samuel Ogundipe, “Onnoghen: U.S., EU react, express ‘deep concern’”, Premium Times, 26 January 2019, (Accessed on 2 February 2019):
https://www.premiumtimesng.com/news/headlines/308147-onnoghen-u-s-eu-condemn-unconstitutional-move.html
(35)- Saharareporters, “Nigeria Will Not Allow Foreign Interference In Its Affairs, Presidency Tells UK, US, EU”, 27 January 2019, (3 February 2019):
http://saharareporters.com/2019/01/27/nigeria-will-not-allow-foreign-interference-its-affairs-presidency-tells-uk-us-eu
(36)- Joseph Olusegun Adebayo, “Gerontocracy in African Politics Youth and the Quest for Political Participation”, Journal of African Elections, (Volume 17 No 1, 2018), P. 141-161.
(37)- Churchill Okonkwo, “Apologies Atiku, But When It Comes To Corruption, You Should Shut Up By Churchill Okonkwo”, Saharareporters, 21 November 2017, (2 February 2019):
http://saharareporters.com/2017/11/21/apologies-atiku-when-it-comes-corruption-you-should-shut-churchill-okonkwo