استثمارات دولة قطر الخارجية في مجال الطاقة: الواقع والتحديات

إن النمو الملحوظ للدور القطري في الاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة وتحديداً الغاز الطبيعي المسال يكفل إعادة تنمية الموارد على نطاق جغرافي أوسع ويضمن أيضاً توليد دخل مستدام من قطاعات حيوية أخرى مرتبطة بالتصنيع والتسويق والخدمات.
057e02f00e0241348c112240872f1f88_18.jpg
قطر توسع شبكة استثماراتها الخارجية في الطاقة

مقدمة 

شهدت أسواق الطاقة العالمية خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من التغيرات الهيكلية التي كان لها بالغ الأثر على الكثير من دول العالم. هذا التغير والنمو المضطرد لامس أسواق الطاقة العالمية بقسميها الطاقة المتجددة وغير المتجددة. تشير التوقعات الخاصة بأسواق الطاقة غير المتجددة (Non-Renewable Energy) إلى الدور المتنامي والهام الذي يلعبه الغاز الطبيعي بالإضافة إلى النفط في أسواق الطاقة العالمية. إنَّ الظروف المحيطة والخصائص التي يتمتع بها إنتاج الغاز الطبيعي ومرونته العالية في مجال الشحن وسلاسل التزويد، بالإضافة إلى أنه من أكثر أنواع الطاقة غير المتجددة صداقة للبيئة تجعل منه مرشحاً هاماً كوقود للمستقبل. كل هذه الميزات تجعل من عملية إنتاج الغاز الطبيعي عملية تتسم بالكفاءة والتنافسية كما أنها تحظى بالثقة لانخفاض مخاطره على البيئة (1) وخاصة في اقتصاد كالاقتصاد القطري والذي يعتبر من أكبر المنتجين للغاز الطبيعي ومن أكبر الممتلكين لاحتياطيه (الثالث عالميا (24.7 ترليون متر3)) كما أنها تحتل المرتبة الأولى عالمياَ في تصدير الغاز الطبيعي المسال (77.2 مليون طن سنوياً) (2).

تشير التوقعات الأخيرة لوكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على الغاز المسال يشهد نموًا متسارعًا مدفوعًا بشكل رئيسي بالطلب المتنامي على الغاز كمصدر للطاقة وتحديداً من قبل عمالقة الصناعة: الصين واليابان والكثير من الاقتصاديات في الأسواق الناشئة (3)، وكذلك الطلب في أوروبا للتعويض الجزئي عن أغلاق بعض المفاعلات النووية. هذا الطلب المتزايد هو نتيجة حتمية ومترافقة لعمليات زيادة الإنتاج الصناعي ونمو الصادرات لدفع عجلة النمو الاقتصادي في كثير من البلدان، خاصةً تلك التي مازالت تعاني من الركود المستمر منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. تنتقل قطر اليوم إلى مرحلة جديدة وبنموذج عمل مميز في مجال الغاز الطبيعي المسال، والذي يتجسد بشكل رئيسي من خلال تعزيز تواجدها الدولي في محطات التزويد العالمية للغاز الطبيعي المسال بحزمة من الاستثمارات الخارجية والتي ستشكل قاطرة حقيقية للنمو والتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.

 

1. دوافع قطر إلى الاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة:

تبلغ إسهامات قطاع النفط والغاز لعام 2016 ما يشكل 49% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي كما أنه يمثل أكثر من 89% من حجم الصادرات الكلية للمعاملات التجارة الدولية وأكثر من 94% من الإيرادات العامة للدولة في دولة قطر (4). يعتبر الاقتصاد القطري واحداً من أكثر الاقتصاديات نمواً في المنطقة. كما وصلت دولة قطر إلى صدارة قائمة الدول وفقاً لمؤشر حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. الجدير بالذكر أنه وبالرغم من أنَّ قطاع النفط والغاز يمثل الحجم الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر، إلا أنَّ هذا النمو الاقتصادي المتسارع يعود بشكل رئيسي إلى قطاعات اقتصادية هامة وحيوية أخرى أهمها الصناعات التحويلية، البناء والتشييد، السياحة، والقطاع المالي.

الرسم البياني (1) يوضح بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي ودور قطاع النفط والغاز في الاقتصاد القطري

المصدر: وزارة التنمية والتخطيط والاحصاء وحسابات الباحث

الرسم البياني (2) يبرز حصة قطاع غير النفط والغاز من إجمالي الناتج المحلي

المصدر: وزارة التنمية والتخطيط والاحصاء وحسابات الباحث

الإجمالي الحقيقي خلال السنوات القليلة الماضية لصالح زيادة في اسهامات القطاعات الأخرى. هذا التحول المهم يجسد الدور المتعاظم للقطاعات الأخرى في دعم النمو بالرغم من انخفاض أسعار النفط وتقلبات الأسعار في أسواق الطاقة العالمية. 

الرسم البياني (3) يظهر تطور النمو الاقتصادي الحقيقي في قطر ودور القطاع النفطي في هذا النمو

المصدر: وزارة التنمية والتخطيط والاحصاء وحسابات الباحث

من جهة أخرى يمثل هذا الانخفاض الملحوظ في مساهمة قطاع النفط والغاز في النمو الاقتصادي الحقيقي دلالة واضحة إلى أن حجم هذا القطاع قد بلغ مستواه الأمثل والحاجة أصبحت أكثر الحاحاً إلى البحث عن مصادر نمو أكثر استدامة قد يكون أهمها توجه قطر إلى الاستثمار الخارجي في قطاع الطاقة.

بالرغم من أهمية قطاع النفط والغاز للاقتصاد القطري كأحد الدعائم الرئيسية للنمو والتنمية الاقتصادية، إلا إنَّ استدامة هذا النمو تمثل تحديا حقيقيا للاقتصاد القطري خاصةً في ظل وجود قطاع مهيمن (قطاع النفط والغاز). يتسم هذا القطاع بأنه من القطاعات غير المتجددة كما إنه يتأثر بشكل مباشر بتقلبات أسعار الطاقة في سوق يتسم باحتكار القلة وهيمنة اللاعبين الكبار (5)، أضف إلى ذلك جملة العوامل السياسية والتغيرات الإقليمية والدولية وقيود الحجم والجغرافيا السياسية. كل هذه التحديات تجعل من الاقتصاد القطري قابل للتعرض بشكل حقيقي لصدمات العرض وصدمات التغيرات المفاجئة والحادة في أسعار الطاقة، ومالها من آثار على التوازنات الاقتصادية الكلية، فتتأثر بشكل خاص المالية العامة للدولة وميزانها التجاري والآثار الممتدة والتي تهدد النمو المستدام والتنمية الشاملة.

هناك جملة من التحديات المرتبطة بالحصار الاقتصادي المفروض على قطر والخروج من منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (OPEC)، ولكن في ظل هذه التحديات وجملة العوامل الاقتصادية والسياسية، لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون عام 2016 عام الاستحقاق القطري بامتياز، عندما أعلنت قطر نفسها عملاقاً من عمالقة الطاقة في أسواق الطاقة العالمية كواحدة من أكبر مصدري الغاز المسال (Liquefied Natural Gas- LNG) في العالم. في عام 2016 بلغت حصة قطر من إجمالي صادرات الغاز المسال العالمي ما يقارب 30% كما أنها احتلت المرتبة الخامسة عالميًا في انتاج الغاز الطبيعي (6). لقد سجلت دولة قطر حضوراً فعالاً ولعبت دوراً بارزاً في أسواق الطاقة العالمية لأعوام عديدة، وما زالت من أهم مزودي الغاز المسال لكثير من دول العالم (7). وعلى وجه الخصوص، فإن قطر تعتبر من أهم وأكبر مزودي الغاز المسال لكثير من الاقتصادات الناشئة كالصين واليابان وكوريا الجنوبية والكثير من دول جنوب شرق أسيا والتي تقود النمو العالمي بكل تأكيد. 

تمتلك قطر أكبر أسطول بحري لنقل الغاز الطبيعي المسال، وهذا يمثل نقطة وصل حقيقية مع مشاريعها واستثماراتها الخارجية في مجال الغاز الطبيعي المسال ومحطات تزويده العالمية التي تشهد نمواً ملحوظاً نوعاً وعدداً وانتشاراً. ووفقاً لمؤشرات الوكالة الدولية للطاقة 2018، فإن توسعة الإنتاج في حقل الشمال ستزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن إلى ما يزيد عن 110 مليون طن سنوياً خلال السنوات القليلة القادمة (8).

أمام كل هذه المعطيات وعلى وجه الخصوص الطلب المتنامي في أسواق الطاقة العالمية على الغاز الطبيعي المسال وتحديداً من الاقتصاديات الناشئة وبعض الدول الكبرى كالصين واليابان وصدمة الطلب المتوقعة التي تتمثل بعجز العرض على تلبية الطلب المتعاظم (9)، فإن النمو الملحوظ للدور القطري في الاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة و تحديداً الغاز الطبيعي المسال هو تخطيط استراتيجي يكفل إعادة تنمية الموارد على نطاق جغرافي أوسع ويضمن تخطي حدود المساحة الجغرافية القطرية ويضمن أيضاً توليد دخل مستدام من قطاعات حيوية أخرى مرتبطة بالتصنيع و التسويق والخدمات.

2. خريطة استثمارات قطر في مجال الطاقة

من نافلة القول إن الاستثمارات في مجال الطاقة مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للاقتصاد القطري، فهي وبدون شك تثري الاقتصاد وتسهم في تنوع مصادر دخله وتقلل من المخاطر المرتبطة بالتركيز على انتاج وتصدير مواد هيدروكربونية بشكلها الأولي وبقيم مضافة متدنية جداً. يجسد الاستثمار في مجال الغاز المسال نقلة نوعية على سلاسل القيمة المضافة (10)، لاسيما عندما تتمركز هذه الاستثمارات في قلب سلاسل التزويد العالمية حضوراً ومساهمةً في التسويق والنقل والتوزيع وخدمات أخرى (11).

لقد بنت قطر نموذج العمل في قطاع الغاز المسال بالاعتماد وبشكل رئيسي على الحاويات الضخمة لنقل الغاز المسال عبر البحار والذي يحقق لها فضاءً حيوياً آمناً بعيداً عن تقلبات المزاج السياسي لمحيطها الجغرافي وامتلاكها أكبر محطات تسييل الغاز في العالم (12). وفي هذا السياق تمثل شركة قطر للبترول الذراع الأقوى لاستثمارات الطاقة في دولة قطر محلياً وعالمياً وتوصف بأنها عملاق الطاقة الخفي.

الوجود العالمي لشركة قطر للبترول من خلال تشاركيتها الاستراتيجية مع العديد من شركات الطاقة العالمية كـ اكسون موبيل، كان محط جلب الانتباه بوصفه وجود مرَّكز وعالي التنسيق يستند إلى الابتكار والتكنولوجيا والخبرة الواسعة في مجال الإدارة والتسويق، بالإضافة إلى قوة المركز المالي والالتزام بمعايير سلامة البيئة (13). يعد هذا حضوراً على امتداد الخارطة العالمية الجغرافية، وذلك بالمساهمة الفعالة في جميع مراحل سلاسل إنتاج القيمة المضافة في صناعة الغاز المسال، ابتداءً من إنتاج الغاز الطبيعي مروراً بمراحل التسييل والتحسين وانتقالاً إلى محطات تزويد الغاز المسال وانتهاءً بخدمات التسويق والبيع وما بعد البيع.

الرسم البياني (4) يوضح نسبة الاستثمارات القطرية المباشرة في مجال التعدين واستغلال المحاجر كنسبة من رصيد إجمالي الاستثمار المباشر

المصدر: وزارة التنمية والتخطيط والاحصاء وحسابات الباحث

يوضح الشكل البياني (4) نسبة الاستثمارات القطرية المباشرة في مجال التعدين واستغلال المحاجر كنسبة من رصيد إجمالي الاستثمار المباشر في الخارج. بلغت نسبة الاستثمار الخارجي في قطاع الطاقة ما يقارب 18% في عام 2017، و26% في عام 2015، بينما وصلت هذه الاستثمارات ذروتها في عام 2014 بما يقارب 30% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لقطر في الخارج (الشكل البياني (4)). قد يكون التراجع الحاد في أسعار النفط بعد عام 2015 بالإضافة إلى ظروف عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة بأكملها هو أحد العوامل وراء انخفاض استثمارات قطر الخارجية في عامي 2016 و2017 على التوالي.

الرسم البياني (5) يبرز توزيع الاستثمار الأجنبي المباشر خارج قطر جغرافيا

المصدر: وزارة التنمية والتخطيط والاحصاء وحسابات الباحث

يوضح الشكل البياني (5) التوزيع الجغرافي للاستثمارات الخارجية المباشرة لدولة قطر في عام 2017. يمثل الاتحاد الأوروبي الوجهة الأولى لهذه الاستثمارات بينما تحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة الثانية كمقصد لهذه الاستثمارات. إنَّ الدفعة الجديدة والقوية الاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة التي أعلنت عنها دولة قطر ممثلة بقطر للبترول وجهاز قطر للاستثمار تؤكد من جديد توجهاً حاسماً للريادة 

في مجال الغاز الطبيعي المسال والخدمات المرافقة له. وبناء عليه فإن الأرقام لعام 2018 وعام 2019 ستحمل في طياتها تغيرات كيفية وهيكلية في نوع ووجهة استثمارات قطر الخارجية في مجال الطاقة وخاصة بعد الحصار الاقتصادي الذي فُرض على دولة قطر في يونيو/حزيران من سنة 2017.

في عام 2016 احتلت شركة قطر للبترول المرتبة الثانية في تنفيذها للاستثمارات الخارجية القطرية، بينما كانت مجموعة بروة هي الأولى بما يتجاور 10 مليار دولار. لقد نفذت شركة قطر للبترول مشاريع خارجية بقيمة تجاوزت 5.6 مليار دولار وخلقت ما يقاب 3500 فرصة عمل (14). في العام نفسه تحولت قطر وروسيا من موضع التنافس إلى الشراكة الاستراتيجية في صفقة هي الكبرى في تاريخ روسيا وسوق الطاقة العالمية في عام 2016. بموجب الصفقة يملك جهاز قطر للاستثمار ما يقارب 20% من شركة (نفط روس) أي ما يقارب 11.3 مليار دولار. في عام 2018 تم الإعلان عن جملة من المشاريع والاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة نذكر منها التالي: 

1. الإعلان عن استثمارات بما يزيد عن عشرين مليار دولار في قطاع الطاقة الأمريكي خلال الأعوام الخمس القادمة. هذا يتضمن مشروع (جولدن باس) في تكساس لتسهيل تصدير الغاز الطبيعي المسال والذي تم العمل به الآن بشكل فعلي (15).

2. الإعلان عن تطوير ثلاث حقول نفطية في المكسيك (16)

3. شركة قطر للبترول واكسون موبيل تفوزان بحقوق التنقيب في البرازيل (17).

4. في عام 2018 تم الإعلان عن احتمال إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال في المانيا (18).

5. أعلنت قطر للبترول مشاريع استراتيجية متنوعة في مجال الطاقة مستهدفة بذلك وجهات استثمارية جديدة لتعزيز دور قطر وريادتها في مجال تنقيب وصناعة وتصدير الغاز الطبيعي المسال، وشملت هذه المشاريع كلاً من البرازيل والمكسيك والأرجنتين وقبرص والكونغو وجنوب أفريقيا وموزمبيق وسلطنة عمان ومصر والهند وبنغلادش وسيرلانكا (19).

الأرقام التي يشير إليها الحساب المالي في ميزان المدفوعات تعطي صورة أولية وغير تفصيلية عن حجم التدفقات الاستثمارية في دولة قطر (الشكل البياني (6)).

الرسم البياني (6) يوضح تدفقات الاستثمار المباشر في دولة قطر خلال السنوات القليلة الماضية (2012 - 2018) (مليون $)

مصدر: مصرف قطر المركزي، النشرة الإحصائية

يوضح هذا الشكل البياني تطور التدفقات الاستثمارية القطرية في الدول الأخرى والتي يندرج تحتها الاستثمارات في مجال الطاقة. تشير الأعمدة باللون الأزرق في الشكل البياني (6) إلى التدفقات الاستثماري المباشرة لقطر نحو البلدان الأخرى والتي شهدت زيادة كبير في عام 2016 ثم تراجعت بشكل ملحوظ في عام 2017.

3. المكاسب المتحققة والمتوخاة

تمتلك قطر اليوم مجموعة من المقومات الرئيسية تجعلها قطباً استراتيجياً وريادياً في إنتاج وصناعة الغاز الطبيعي المسال. من أهم هذه المقومات هي امتلاكها لمخزون استراتيجي كبير وهو الثالث عالميا (24.7 ترليون متر3) ودخولها لعالم إنتاج الغاز الطبيعي المسال (LNG) وتصديره بكفاءة إنتاجية عالية وتكلفة منخفضة مقارنة بنظائرها الدوليين (20)، بالإضافة إلى حجم الاستثمارات الكبيرة والمنتشرة في الساحة العالمية. إن امتلاك قطر لهذه الميزات المطلقة والنسبية في صناعة الغاز الطبيعي المسال يجعلها مرشحة للعديد من المنافع التي يمكن تلخيصها بالتالي:

  • أن تكون قطر لاعب حقيقي ودائم في أسواق الطاقة العالمية (النفط والغاز) من خلال محطات تزويد الغاز المسال (LNG Terminal) المنتشرة على امتداد الجغرافية الاقتصادية العالمية، الأمر الذي يسهم في تعزيز التواجد الدولي وتنويع محفظة الاستثمارات الخارجية لدولة قطر ويقوي دورها السياسي.

  • الانتقال التدريجي على منحنى القيمة المضافة من خلال الإسهام بخدمات التسويق والبيع وبالتالي تنويع الاقتصاد وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام مع الأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي.

  •  بناء شراكة حقيقية مع شركات الطاقة العالمية تسودها المنافسة أكثر من الاحتكار وتعزيز كسر هيمنة بعض اللاعبين الكبار على حصص الإنتاج وتقلبات السعر في أسواق الطاقة.

  • مواجهة تحدي الخروج من تكتل أوبك (OPEC) والانتقال إلى منصة عالمية جديدة لصناعة وتصدير الغاز الطبيعي (Cartel) تلعب فيه قطر دوراً محورياً يعزز من دورها في المحافل الإقليمية والدولية والإسهام في ترسيخ السلم والأمن الدوليين.

  • يشير تقرير آفاق الطاقة العالمية الصادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى احتمال وجود خطر أزمة عرض في أسواق النفط والذي قد يتسبب في ارتفاع الأسعار الناتج عن انخفاض العرض، والناتج بشكل رئيسي من انخفاض التدفق الاستثماري على المشاريع الجديدة في التنقيب والإنتاج. بالمقابل فإن هذا الخطر مستبعد بشكل كامل وخاصة بعد حزمة الاستثمارات المهولة والتي أعلنت عنها كلاً من قطر وكندا في مجال الغاز الطبيعي المسال (21). هذه التغيرات المحتملة والنمو المتزايد في الطلب على الغاز المسال مدفوعاً من الصين، تعزز من توجه قطر في استثماراتها الخارجية في مجال الطاقة ولاسيما محطات الغاز الطبيعي المسال في كثير من دول العالم والتي كان من أهمها الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، البرازيل، وغيرهم.

4. التحديات التي تواجه قطر في مجال الاستثمار الخارجي بالطاقة

إنَّ موجة النمو التي تشهدها مشاريع تسيل الغاز الطبيعي لدى مجموعة من اللاعبين الدوليين على رأسهم الولايات المتحدة الامريكية وأستراليا ستتضمن إمدادات كافية لأسواق الطاقة العالمية من الغاز الطبيعي المسال ومرونة أكبر على مستوى التسعير والتوريد. هذا النموذج الجديد من الأعمال سيكون مختلفاً عمَّا تشهده اتفاقيات التوريد المعيارية في أسواق النفط العالمية، كما أنَّ دخول هؤلاء اللاعبين المحتمل بقوة في الأسواق الآسيوية سيشكل تحدياً محتملاً لقطر وإمداداتها من الغاز الطبيعي المسال لتلك الأسواق (22).

تأتي هذه الاستثمارات في فترة حرجة تشهد فيها أسواق الطاقة تراجعاً ملحوظاً في الاستثمار العالمي في الطاقة للسنة الثالثة على التوالي (23). ما زالت الصين والولايات المتحدة الأمريكية تحتلان المركز الأول والثاني على التوالي في حجم الاستثمار في مجال الطاقة بشكل عام.

تحدٍ آخر يتمثل في زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال، حيث من المحتمل أن ينمو الطلب بشكل كبير متجاوزاً القدرات السوقية على العرض خلال السنوات القادمة. الجدير بالذكر، أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الناشئة ارتفع من 9 مليون طن في عام 2010 إلى 41 مليون طن في عام 2017، الأمر الذي جعل من مسألة تخمة العرض قابلة للسيطرة، ولكن الأمر لن يكون كذلك مع استعداد أكثر من 15 دولة لاستيراد الغاز في السنوات الخمس القادمة (24)

. بالإضافة إلى ذلك، يميل جانب الطلب في أسواق الطاقة إلى إبرام صفقات تتسم بالمرونة وفقاً للسعر الحالي والذي يمثل تحدياً إضافياً لمزودي الغاز الطبيعي المسال والذين يفضلون أسعارا أكثر ارتفاعاً لآجل أطول. قد لا يمثل هذا الأخير تحدياً حقيقياً للقطر كونها تمتلك صندوق سيادي ضخم هو من أكبر الصناديق السيادية في العالم (25).

5. آفاق الاستثمار في مجال الطاقة

النجاح المأمول لهذه الاستراتيجية التي تقوم على تنويع استثمارات قطر بأموالها السيادية ومحافظها الاستثمارية الأخرى في أماكن جغرافية مختلفة يسمح لقطر من الانتقال إلى اقتصاد متنوع يحقق نمو شامل ومستدام وفقاً للرؤية الوطنية لدولة قطر. كما أنه يسهم بشكل فعال في الاعداد لمشاركة القطاعات الاقتصادية غير النفطية بشكل حقيقي وفعلي بالنمو الاقتصادي الحقيقي والمستهدف. على وجه الخصوص الاستثمار في مجال الطاقة هو من الاستثمارات الضخمة المكثفة لرأس المال وهو ما يتسق مع الطاقة الكامنة للاقتصاد القطري من جهة توفر التمويل المطلوب والخبرة اللازمة. من جهة أخرى، تمثل هذه الاستثمارات القطرية الرائدة بشكلها العام المحلي والدولي مرساة حقيقية لمواجهة المخاطر الاقتصادية والسياسية المحتملة وخاصة تقلبات الأسعار المرتبطة بالمواد الأولية والتغيرات الجيوبولتيكية التي تشهدها المنطقة بأسرها، ناهيك عن الحصار المفروض على الاقتصاد القطري ومقاطعة بعض دول الجوار.

الجدير بالذكر أنَّ الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدولة قطر في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بلغت نسب مهمة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر لدولة قطر في الخارج بنسبة تفوق 25%. وبالتالي كان للحصار المفروض على قطر أهمية بالغة في إعادة رسم خريطة هذه الاستثمارات شكلاً ومضموناً، وذلك من خلال الانتقال إلى آفاق عالمية أكبر حجماً وأكثر استقراراً. الاستمرار بهذه الاستراتيجية هو ضرورة حتمية بالغة الأهمية وليس ترفا في فن ممارسات السياسة الاقتصادية، خاصةً أن التوقعات تشير بقوة إلى أن الغاز سيكون وقود المستقبل الأمر الذي يقض مضاجع أسواق النفط ولا أدل على ذلك من تنامي الطلب العالمي الملحوظ على الغاز الطبيعي.

أمام هذه الحقائق، فإن معطيات الواقع تشير إلى ضرورة الاستمرار في هذا النهج الاستثماري في مشاريع الطاقة المتنوعة خصوصاً للغاز الطبيعي المسال، وخاصة بعد قرار انسحاب قطر من منظمة أوبك (OPEC) والتركيز على طموحات قطر المشروعة والواعدة والحقيقية في مجال انتاج وتسويق وتصدير الغاز الطبيعي المسال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*امؤيد قاسم السمارة، دكتوراه في العلوم الاقتصادية، جامعة السوربون ومدرسة باريس للاقتصاد، أستاذ مساعد في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)  مشهداني، بان، "الآفاق المستقبلية للغاز الطبيعي في سوق الطاقة العالمية مع إشارة خاصة إلى دولة قطر"، مجلة الغري للعلوم الإدارية والاقتصادية، المجلد 8 العدد 31 - 2014

(2)   عبد الوهاب، أحمد وفضلي، أحمد، "الغاز.. مستقبل الطاقة ومعادلات السياسة"، لوسيل، 12 أغسطس/آب 2017(3) (تاريخ الدخول: 21 أبريل/نيسان 2019) https://bit.ly/2UOM2Gs

(4)   IEA, “Gas 2018, Analysis and forecast to 2023”, Gas market report, 2018 edition.

(5)   Qatar Second National Development Strategy 2018-2022, Ministry of Development Planning and Statistics, September 2018

(6)  Oxford business group, “The Report: Qatar 2017”

(7)  أكبر خمس دول لمنتجة لغاز الطبيعي هي الولايات المتحدة، روسيا، إيران، كندا، وقطر. تشكل هذه الدول الخمسة مجتمعة ما يقارب 53% من انتاج الغاز الطبيعي العالمي.

(8)  Oxford business group, “The Report: Qatar 2017”

(9)  LNG World News, “Qatar Petroleum kicks off energy sector industries localization program”, LNG World News, February 18, 2019

(10)  ORNOT-GANDOLPHE, Sylvie, "New and Emerging LNG markets, the demand shock", IFRI center for energy, June 2018.

(11)  Weijermars, R. “Value chain analysis of the natural gas industry: Lessons from the US regulatory success and opportunities for Europe”. Journal of Natural Gas Science and Engineering, 2(2-3), 86-104.

Oxford business group, “The Report: Qatar 2017”

(12)  الخطيب، علاء الدين، "سوق الغاز الطبيعي وعلاقته بالمسألة السورية؟" مرصد الشرق الأوسط وشما افريقيا الإعلامي، 9 مايو/أيار 2018 (تاريخ الدخول: 21 أبريل/نيسان 2019)https://bit.ly/2Gwhkb4

(13)  ExxonMobil, “LNG- Fueling the future”, Gas & Power Marketing, An ExxonMobil Publication 2010.

(14)  الخليج أونلاين، "استثمارات قطر المباشرة تنتشر في 80 دولة حول العالم"، الخليج أونلاين، 31 ديسمبر/كانون الأول 2017 (تاريخ الدخول: 21 أبريل/نيسان 2019)https://bit.ly/2L2uXnQ

(15)  Daiss, Tim, “Tiny Qatar Flexes Its Muscles with Oil and Gas Investment Push”, Oil Price, December 2018.

(16)  LNG World News, “Qatar Petroleum kicks off energy sector industries localization program”, LNG World News, February 18, 2019

(17)  The Peninsula, “QP-ExxonMobil wins exploration rights for offshore block in Brazil”, the Peninsula, 29/09/2018

(18)  Shalal, Andrea and Alkousaa, Riham, “Qatar eyes Germany's energy, finance sectors with 10 bln euro investment”, Reuters, SEPTEMBER 7, 2018

(19)   الشرق، "قطر تعزز توسعاتها الاستثمارية بصناعة الطاقة عالمياً"، الشرق، 04-03-2019 (تاريخ الدخول: 21 أبريل/نيسان 2019)https://bit.ly/2EtndoI

(20)   تقدر تكلفة انتاج الطن الواحد من الغاز في قطر بـ 1600 $ وهي الأقل مقارنة بـ استراليا (2600$)، أمريكا (2300$)، روسيا (1830$)

(21)  IEA, WEO, “World energy outlook 2018”, executive summary.

(22)  IEA, “Gas 2018, Analysis and forecast to 2023”, Gas market report, 2018 edition.

(23)  IEA, WEI, “World Energy investment 2018”, executive summary.

(24)  ORNOT-GANDOLPHE, Sylvie, "New and Emerging LNG markets, the demand shock", IFRI center for energy, June 2018.

(25)   الجزيرة، جهاز قطر للاستثمار.. صندوق قطر السيادي"، الجزيرة، 16 أغسطس/آب 2017 (تاريخ الدخول: 21 أبريل/نيسان 2019)   https://bit.ly/2FmSudh