الضفة الغربية: بين انحسار السلطة الفلسطينية ومخاطر التوسع الإسرائيلي

تستعرض الورقة نموذج الضفة الغربية ومآلاته في ظل التطورات العاصفة التي تشهدها القضية الفلسطينية، وتؤكد أن العام 2019 سيشهد ضما تدريجيا لبعضها، يبدأ بالكتل الاستيطانية أو جزء منها، ويمكن أن يصل إلى معظم مناطق الضفة.
911fbce8aab24caf925f7b0d242df087_18.jpg
إن نجاح المخططات الإسرائيلية بالتوسع في الضفة الغربية ليس حتميا، فهو مرهون بالرد الفلسطيني والعربي وأوضاع المنطقة. (الأناضول)

شكَّلت الضفة الغربية جوهر المخططات الإسرائيلية، وخصوصًا بعد تنفيذ خطة فك الارتباط عن قطاع غزة في العام 2005، حيث كانت إسرائيل في سباق مع الزمن لاستكمال تهويد الضفة و"أسرلتها"، وفي قلبها القدس، من خلال الاستعمار الاستيطاني والضم المتدرج، ومصادرة الأراضي، وبناء "الجدار العازل"، وهدم المنازل، والاعتقالات، والاقتحامات المتواصلة، والإجراءات الاقتصادية والضرائب الباهظة، ومنع منح التراخيص للمنشآت، فضلًا عن سحب الهوية الفلسطينية تطبيقًا لقوانين وإجراءات احتلالية جائرة.

الضفة عقائديًّا واستراتيجيًّا
تحتل الضفة مكانة كبيرة في الفكر العقائدي الصهيوني، وخاصة مدن القدس والخليل ونابلس. فوفق العقيدة اليهودية، فإن التاريخ العبري كان في مجمله بالضفة، ففيها قامت دولة "إسرائيل" القديمة، ثم دولتا "يهودا وإسرائيل" بعد انقسامها، وهي على هذا الأساس أكثر أهمية وقدسية من بقية مناطق فلسطين.

وترى التيارات الدينية في إسرائيل أن أرض الضفة يجب أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، لما في ذلك من تقريب لعودة "مخلِّص اليهود"، وبناء "الهيكل" مكان المسجد الأقصى. إلى جانب ذلك يحرم حاخامات اليهود التنازل عن مناطق الضفة، ويرون أن ذلك لا يجوز "شرعًا"، كم لا يجوز إعطاء العرب الموجودين فيها، مواطنة شبيهة بتلك التي يتمتع بها اليهود؛ ما يفسر تركيز الصهيونية الدينية اليوم، على الاستيطان بشكل كبير في مناطق الضفة، مستندة إلى أساس تاريخي وآخر توراتي(1).

تشكِّل الضفة أهمية استراتيجية أمنية وعسكرية واقتصادية للاحتلال، ويستغلها "لسرقة" المياه، وإقامة المشاريع الاقتصادية والصناعات الضخمة، علاوة على أنه يسخِّر بعض هذه المستوطنات كقواعد عسكرية للجيش ومراكز اعتقال للفلسطينيين(2). كل ذلك يجعل من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة استراتيجية دائمة، لا مجرد سياسة عابرة، كما يجعل الاحتلال مشروعًا رابحًا لإسرائيل على كل المستويات والأصعدة.
 

اعتداءات الاحتلال
بلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 198 مستوطنة حتى بداية العام 2019، إضافة إلى 220 بؤرة استيطانية، يقطنها حوالي 824 ألف مستوطن، منهم 318 ألفًا في القدس الشرقية المحتلة(3)، والعمل جار على رفع العدد إلى مليون مستوطن خلال عامين(4)، إضافة إلى طرح حكومة الاحتلال حوالي 7 آلاف وحدة استيطانية في 67 مستوطنة خلال العام 2018(5). كما جاء إعلان يوآف غالانت، وزير الإسكان الإسرائيلي، في نهاية العام 2017، ليكشف عن نية حكومته بناء مليون وحدة استيطانية جديدة خلال السنوات العشرين المقبلة، مشيرًا إلى أن نسبة 20-30% منها ستقام في مدينة القدس(6).

وفي هذا السياق الاستيطاني، وقَّع -عشية الانتخابات الأخيرة- عشرات من أعضاء الكنيست المنحل، ووزراء من مختلف الأحزاب اليمينية التي فازت في الانتخابات الأخيرة، على وثيقة -بادرت إليها حركة "نحالاه"- تعهدوا خلالها بتوطين مليوني يهودي في الضفة. كما أوردت صحيفة "إسرائيل اليوم" خبرًا في 5 أبريل/نيسان الماضي (2019) تقول فيه: إن خطة الوثيقة تعكس تغييرًا جوهريًّا في سياسة وأجندة الحكومة، من حيث البناء داخل المستوطنات إلى الانتقال إلى إنشاء وبناء مستوطنات جديدة، وتعزيز الاستيطان في كل المناطق بالضفة الغربية(7).

وأشار تقرير صادر عن معهد الأبحاث التطبيقية-القدس (أريج)، إلى نية الحكومة الإسرائيلية، بحسب صحيفة إسرائيلية تدعى "غلوبز"، بناء مستوطنة (مدينة) إسرائيلية جديدة لصالح المستوطنين اليهود المتدينين شمال الضفة، تلتهم مئات الدونمات من أراضي محافظتي قلقيلية وسلفيت، وبالفعل قد شرعت الحكومة بتنفيذ هذا المخطط(8).

وبحسب إحصائية -صادرة عن مركز القدس- للاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية خلال العام 2018، تم رصد أكثر من 32 ألف انتهاك ما بين قتل واعتقال واعتداء ومداهمة واقتحام ومصادرة أراض. فقد استشهد خلال العام 2018 من الضفة 49 فلسطينيًّا، وجرح أكثر من 3500 في أكثر من 2100 حالة إطلاق نار ضد المواطنين، إضافة إلى أكثر من 6400 اقتحام لمختلف مناطق الضفة، ومداهمة أكثر من 3300 منزل، ومنع أكثر من 3400 مواطن من السفر، فضلًا عن 370 عملية مصادرة بحق ممتلكات المواطنين، وتجريف آلاف الدونمات(9).

كما قام المستوطنون بأكثر من 760 اعتداء ضد المواطنين في الضفة، وأكثر من 290 حالة تم فيها اقتحام وتدنيس المقدسات، وخاصة المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي؛ إذ اقتحم الأقصى خلال العام 2018 أكثر من 33 ألف مستوطن، إضافة إلى إبعاد أكثر من 200 مقدسي عن المدينة والأقصى(10).

كما لم تسلم القطاعات الخدمية من ممارسات الاحتلال؛ إذ استهدفت قوات الاحتلال والمستوطنين قطاعات التعليم والصحة والاعتداء على الطواقم الطبية والصحفية، فضلًا عن الاعتداءات اليومية على طلبة المدارس وإعاقة وصولهم إلى مقاعد الدراسة.
 

المقاومة في الضفة
شهد العام 2018 ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة بالضفة التي أدت إلى مقتل 16 إسرائيليًّا، منهم 7 جنود، وإصابة حوالي 200 بجراح مختلفة(11)؛ إذ أورد تقرير لمركز القدس خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2018 أن الضفة شهدت 40 عملية إطلاق نار، و33 عملية طعن ومحاولة طعن، و15 عملية دهس ومحاولة دهس، و16 مظاهرة حاشدة، و39 حالة صد لاعتداءات المستوطنين، و53 عملية إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، إضافة إلى أكثر من 260 عملية إلقاء زجاجات حارقة، فضلًا عن حوالي 3400 عملية مواجهة وإلقاء حجارة في مناطق مختلفة في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين. ويبلغ المعدل الشهري لهذه العمليات: 4 عمليات إطلاق نار، 3.3 طعن، 1.5 دهس، 5.3 زرع أو إلقاء عبوات ناسفة، 26.2 إلقاء زجاجات حارقة(12).

كما شهدت الضفة خلال الأشهر الأخيرة من العام 2018 عمليات إطلاق نار عدة خلَّفت قتلى وجرحى إسرائيليين. وردًّا على ذلك، فرضت قوات الاحتلال حصارًا على مدينتي رام الله والبيرة، واقتحمتهما بصورة يومية، كما اقتحمت منازل المواطنين، ومؤسسات حكومية ومدنية ومحال تجارية، بحجة سحب تسجيل كاميرات المراقبة في المحال والشوارع.

وعلى الأهمية البالغة لهذه الأشكال من المقاومة الشعبية للاحتلال، إلا أنها تتميز في العديد من الأحيان بأنها "عفوية وفردية وجهوية ومؤقتة"، وليست ضمن تصور استراتيجي، يهدف إلى تحقيق أهداف صغيرة وصولًا إلى تحقيق أهداف أكبر، على طريق تحقيق الحقوق والأهداف الوطنية، وتأتي كردود أفعال.

وتعاني هذه الأشكال من المقاومة بشكل كبير من تأثير الخلافات الداخلية والانقسام، وما يمكن أن تؤدي إليه من استنزاف الطاقات الفلسطينية في صراع داخلي، ومن عدم بلورة قيادة واحدة أو موحدة للمقاومة الشعبية، وتوفير مستلزماتها السياسية والتنظيمية والمادية. كما تعاني كثيرًا من استمرار السلطة في تطبيق التزاماتها المترتبة عليها في اتفاق أوسلو، على الرغم من أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اغتيال إسحاق رابين (1995) أنهت عملية تحرر اسرائيل من التزاماتها في هذا الاتفاق، في حين تصر على التزام الفلسطينيين بالتزاماتهم من دون التزام إسرائيلي بالمقابل.
 

ضم الضفة
في ضوء المعطيات السابقة، وفي ظل اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ديسمبر/كانون الأول 2017، بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في مايو/أيار 2018، وتشريع الاستيطان، ووقف المساعدات الأميركية المقدمة للسلطة الفلسطينية والأونروا، وإعادة تعريف اللاجئ في ظل الحديث عن توطينهم حيث يقيمون، أو تهجيرهم إلى بلدان أخرى؛ تشجعت إسرائيل للانتقال خطوة إلى الأمام نحو ضم الضفة أو أجزاء منها؛ حيث طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال حملته الانتخابية ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل(13)، ومن ثم بدأ حديثه عن ضم الكتل الاستيطانية، مشيرًا إلى أنه لم يقل بأنه يريد ضم الضفة، بل سيطبق السيادة عليها، وأوضح نتنياهو أنه أطلع ترامب، وفريقه، على نيته ضم المستوطنات، مشيرًا إلى أن ضم كل المستوطنات الإسرائيلية، المقامة على أراضي الضفة، سيتم تدريجيًّا، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية(14).

من جهته، اعتبر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن فرض إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية، لا يشكل ضررًا على خطة السلام التي ينكب على إعدادها فريق من البيت الأبيض(15). وجاء في مقالين لمعلقين إسرائيليين في جريدة "هآرتس"، هما: أنشل بفيفر، وعكيفا إلدار، أن "صفقة القرن" صُمِّمت من أجل تمكين إسرائيل من ضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها(16).

في ذات السياق، تبتز الأحزاب اليمينية، وخاصة الدينية، نتنياهو، من أجل ضم الكتل الاستيطانية والمناطق (ج)، التي تشكِّل أكثر من 60% من مساحة الضفة، وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها، مقابل توفير الحصانة القانونية له على خلفية التهم الموجهة له بالفساد.

وقال داني دانون، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة: إن حكومته تنتظر طرح ما يسمى "صفقة القرن" لمباشرة عملية الضم، مرجحًا عدم حدوث خطوات ملموسة على هذا الصعيد قبل طرح الخطة(17). أما الجنرال الإسرائيلي، شاؤول أرئيلي، فقد قال في صحيفة "هآرتس": إن طرح الصفقة الأميركية سيدفع إسرائيل إلى تحقيق الهدف المركزي لها بأن تكون دولة يهودية على كل فلسطين التاريخية، بعد أن كانت مضطرة لتبني خيار إقامة الدولة على جزء من أرض فلسطين(18).

في الوقت الراهن، ترى قطاعات واسعة في إسرائيل أن حلم إقامة الدولة على كامل أرض فلسطين التاريخية أصبح ممكنًا. وفي هذا السياق، يمكن وضع تراجع نتنياهو عن موافقته السابقة على حل الدولتين، والذي كان قد أعلنه في خطاب له في جامعة بار إيلان في العام 2009.

ما سبق يشير إلى أن العام 2019 سيشهد ضمًّا تدريجيًّا للضفة يبدأ بالكتل الاستيطانية أو جزء منها، ويتدرج خلال فترة حكم الحكومة الجديدة، الأكثر يمينية من سابقاتها، بحيث يصل إلى معظم مناطق الضفة، وخاصة أن إسرائيل تدرك أن فترة حكم ترامب فرصة نادرة وقد لا يُنتخب لفترة رئاسية ثانية.

وفي هذا السياق، يجدر التذكير، بأن إسرائيل أو الحركة الصهيونية انقسمت منذ تأسيسها إلى تيارين: الأول يعطي الأولوية لنقاء الشعب اليهودي، ولو أدى ذلك إلى إقامة إسرائيل على جزء من أرض فلسطين التاريخية؛ وتيار آخر أعطى الأولوية لتكامل أرض إسرائيل ووحدتها، على أن يتم ذلك بعد ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إليها، وبعد النظر في كيفية التعامل مع السكان الفلسطينيين. فهناك اتجاه كبير في إسرائيل يدعو إلى تهجيرهم، مع بقاء عدد صغير منهم، وهناك نقاش حول منح من يبقى الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة الدائمة.

ما حدث بعد ذلك، وتحديدًا بعد انتصار اليمين بقيادة مناحم بيغن في انتخابات الكنيست في العام 1977 وحتى الآن، وما أدى إليه من تراجع هائل في التيار اليساري (ما سُمي معسكر السلام)، هو أن اليمين أخذ جزءًا من مقولة اليسار، بحيث بات يدعم الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان، والامتناع عن ضم الضفة الغربية بكاملها؛ إذ شهدنا الاكتفاء بضم زاحف للقدس، وصولًا إلى الاستعداد لتغيير دراماتيكي، وبشكل متدرج، لضم قانوني لأجزاء واسعة وخالية أو قليلة السكان من الضفة، خشية أن يؤدي الضم مع السكان إلى انفجار القنبلة الديمغرافية في وجه إسرائيل، من خلال زيادة عدد الفلسطينيين في إسرائيل ليكون أكبر من اليهود بمعدلات متزايدة، بما يهدد إن لم يكن فورًا، ففي المستقبل، الطابعَ اليهودي للدولة الإسرائيلية.

وبالفعل، عندما أشارت الإحصاءات في العام الماضي (2018) إلى أن عدد الفلسطينيين أصبح أكبر من عدد اليهود، خلَّف هذا الأمر ردة فعل سلبية واسعة في مختلف الأوساط الإسرائيلية، كون الهدف المركزي للحركة الصهيونية إقامة دولة لليهود؛ فأقر الكنيست الإسرائيلي قانون القومية العنصري الذي يرسخ هذه الأخيرة، من خلال قانون أساسي له قوة الدستور، بحيث لا يمكن تغييره من دون موافقة ثلثي أعضاء الكنيست. لذا، لا يمكن استبعاد إقدام إسرائيل على خطوات متسارعة على المدى المتوسط والبعيد تشمل استكمال تجميع الفلسطينيين في معازل في مناطق (أ)، و(ب)، والعمل على تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأردن وسيناء ودول أخرى على اتساع الكرة الأرضية.

في هذا السياق، فإن ما يساعد على عملية التهجير حالة الضعف والانقسام الفلسطيني وغياب مشروع عربي، وانشغال العرب بمشاكلهم الداخلية وصراعاتهم البينية، إضافة إلى استيلاء إسرائيل على معظم الأرض؛ إذ بات اليهود يستولون على 82% من أرض فلسطين، في حين يمتلك الفلسطينيون حوالي 18% منها (3% أراضي 48، 1.3% قطاع غزة، 14 %في الضفة)، في ظل أن عدد اليهود يتزايد بأكثر من 5 ملايين يهودي كل عشرين عامًا، ما يعني أن عدد اليهود سيتضاعف مرة ونصف على الأقل خلال السنوات الأربعين القادمة.
 

من يحكم الضفة؟
قال صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في تصريح شهير: إن وزير الأمن الإسرائيلي هو الرئيس الفعلي للسلطة، وإن منسق "الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال هو رئيس الوزراء(19).

لوحظ في السنوات الأخيرة، خصوصًا في العام الماضي (2018) أن الدور الذي تلعبه "الإدارة المدنية" في تزايد مستمر، وهذا يمكن تفسيره بأن اسرائيل تستعد لاحتمال حل أو انهيار السلطة التي فقدت مبرر وجودها مع موت ما يسمى "عملية السلام" منذ سنوات طويلة؛ إذ لم يتبق سوى دفنها، والأخطر من موتها أن عملية سياسية أخرى مختلفة كليًّا عنها بدأت في عهد دونالد ترامب؛ إذ طرح أنه سيقدم ما سماها أسماء عدة، أشهرها "صفقة القرن"، وهي لا ترمي للتوصل إلى تسوية تستند إلى المرجعيات الدولية، وإنما مرجعيتها الحقائق التي أقامها الاحتلال، وهذا سيجعل من المستحيل أن يكون هناك شريك فلسطيني بها، فضلًا عن أن الشريك العربي ليس من السهل توفره.

يفتح ما سبق سيناريوهات عدة حول مستقبل السلطة، سواء لجهة الموقف الإسرائيلي منها، حيث هناك تباين بين من يريد بقاء السلطة وتقويتها ومد نفوذها على قطاع غزة، وبين من يريد إضعافها وإدامة الانقسام، ويلتقي الطرفان في نقطة، وهي ضرورة استكمال السلطة لعملية التغيير بحيث تبقى سلطة حكم ذاتي بلا أي دور سياسي، فضلًا عن سيناريوهات أخرى، ويمكن ذكرها أو ذكر أبرزها وفق التالي:

  • أولًا: سيناريو بقاء السلطة كما هي، وهذا ليس مرجحًا على الإطلاق.
  • ثانيًا: سيناريو إعادة بناء السلطة، لكي تكون قادرة على قبول أو التكيف مع مخطط "تصفية القضية الفلسطينية".
  • ثالثًا: سيناريو حل السلطة من قبل القيادة الفلسطينية ردًّا على تنصل إسرائيل من كل التزاماتها وسيرها نحو الضم القانوني لأجزاء من الضفة الغربية، أو انهيارها احتجاجًا على فقدان مبرر وجودها، والمستمد من كونها "مرحلة انتقالية" على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وليس كما أصبحت ويراد لها أن تبقى إلى الأبد، أي حلًّا نهائيًّا.
  • رابعًا: قيام منظمة التحرير بإعادة النظر في شكل السلطة. ويقوم هذا السيناريو على أن تقوم المنظمة التي أسست السلطة كأداة في يدها (وبدلًا من ذلك تضخم دورها على حساب المنظمة التي تقزم دورها منذ ولادة السلطة)، بإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها وموازنتها وعلاقتها بالمنظمة، لكي تكون فعلًا أداة في يد منظمة التحرير، التي هي الأخرى بحاجة إلى إعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي، وتكون البديل في حال انهارت السلطة.

الجدير بالذكر، أنه من المفترض أن تلعب حركة فتح، بوصفها الفصيل الذي تحكم السلطة باسمه، دورًا مهمًّا في أي سيناريو ستسير فيه السلطة، لكن هذا الدور تراجع كثيرًا بعد تأسيس السلطة وأصبحت فتح "حزب السلطة" وتحمل أوزارها، خصوصًا في مجال قمع الحقوق والحريات، وانتشار الفساد، وتجميع كل السلطات في يد السلطة التنفيذية، وتحديدًا يد الرئيس، الأمر الذي جعل دور فتح باهتًا كثيرًا.

ويبدو أن حركة فتح حاولت استعادة جزء من دورها السابق، فقد شكَّلت الحكومة الثامنة عشرة بوصفها حكومة فتح، وترأسها محمد شتية، عضو اللجنة المركزية للحركة، لكن هذه التشكيلة لم تكن سلسة، بل شهدت تجاذبات داخل فتح حول الحكومة ومن يرأسها في ظل تباين حول من يكون رئيسها: هل من فتح أم من خارجها؟ وهي خلافات وثيقة الارتباط بمسألة الخليفة والخلافة (أي: خلافة محمود عباس)، من حيث إن من يكون عضوًا في الحكومة، يمكن أن يؤثِّر على هذا الموضوع.
 

خاتمة
تواجه الضفة في هذا العام والأعوام القادمة احتمالات سيئة للغاية، أبرزها احتمال الشروع في ضم أجزاء منها إلى إسرائيل، يمكن أن تكون من خلال الإعلان عن تطبيق القوانين الإسرائيلية عليها، وستأخذ شكل ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة والصغيرة معًا، أو بالتدرج، وبالانتقال فيما بعد إلى ضم بقية الأراضي المصنفة (ج)، التي تشمل أكثر من 60% من مساحة الضفة، ويقطنها -وفق الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- حوالي 393 ألف مواطن فقط، في حين تتلاعب المصادر الإسرائيلية المختلفة، وخصوصًا اليمينية، بالأرقام متحدثة عن عشرات الآلاف لتسهيل الضم، علمًا بأن هناك من يطالب من الإسرائيليين بطرد سكان هذه المناطق بعد ضمها، أو منحهم بطاقات إقامة دائمة من دون جنسية. إن وجود المخططات الإسرائيلية لا يعني أنها حتمية التطبيق، وقد لا تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها هذه أو بعضها، ولكن هذا مرهون بالرد الفلسطيني والعربي، فضلًا عن أي تطورات تشهدها المنطقة.

_____________________________________________________________
هاني المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية-مسارات.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1عماد أبو عواد، رؤية الفكر الصهيوني العقائدي للضفة الغربية، مركز رؤية للتنمية السياسية، 21 ديسمبر/كانون الأول 2016. (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019):  bit.ly/2ZxGVcp

(2) انظر: عزيز كايد (محرر)، الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية 2015-2016، (مركز رؤية للتنمية السياسية، إسطنبول، 2016).
 
(3) جاد إسحاق وسهيل خليلية، منظومة الاستيطان الإسرائيلي: أبعادها وآلية مواجهتها، في: مجموعة مؤلفين، كتاب المؤتمر السنوي الثامن "نحو خطة نهوض وطني لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، ط1، (المركز الفلسطيني للأبحاث والسياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، البيرة، 2018)، ص 45.
 
(4) تقرير مليون مستوطن، قناة الميادين، 23 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2GDHMj6
 
(5) معهد الأبحاث التطبيقية-القدس (أريج)، خلال اتصال هاتفي مع الباحث سهيل خليلية بتاريخ 24 أبريل/نيسان 2019.
 
(6) مخطط إسرائيلي لمليون وحدة استيطانية بالضفة، الجزيرة نت، 25 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2GzrRSY
 
(7) وثيقة لليمين الإسرائيلي لتوطين 2 مليون يهودي بالضفة، عرب 48، 5 فبراير/شباط 2019. (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2GzsiwA
 
(8) تقرير الاستيطان الأسبوعي، المكتب الوطني للدفاع عن الأرض، 23 فبراير/شباط 2019. (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2W83YZ8
 
(9) تقرير شامل: 32252 انتهاكًا نفذه جيش الاحتلال خلال العام 2018، مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، 17 يناير/ كانون الثاني 2018. (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2RH7siA
 
(10) المصدر السابق.
 
(11) جيش الاحتلال: 16 قتيلًا إسرائيليًّا وألف صاروخ من غزة بـ2018، نبأ برس، 31 ديسمبر/كانون الأول 2018. (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2L5yYrJ
 
(12) 2018 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة بالضفة، مركز القدس، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2tk2AWC
 
(13) نتنياهو يتطلع لضم الضفة الغربية بعد الانتخابات، عرب 48، 6 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2IYQ4VN
 
(14) نتنياهو يتراجع عن خطته بضم الضفة الغربية ويستبدلها بضم المستوطنات، وكالة وطن للأنباء، 8 أبريل/ نيسان 2019، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2IKzhq7
 
(15) بومبيو: ضم الضفة لا يتعارض وخطة السلام الأميركية، صحيفة العرب، لندن، 25 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2DBn5Ug
 
(16) صالح النعامي، معلقان إسرائيليان: صفقة القرن صممت لتسهيل ضم الضفة، صحيفة العربي الجديد، لندن، 20 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2IumJTz
 
(17) مندوب "إسرائيل": لن يتم ضم مستوطنات في الضفة قبل إعلان صفقة القرن، وكالة فلسطين اليوم، 18 أبريل/نيسان 2019:  bit.ly/2Vt2Dz8
 
(18) مخططات ضم الضفة: مستقبل عنيف وقاتم والقيادة الصهيونية اضطرت أن تختار اثنتين بين ثلاث، وكالة سما الإخبارية، 19 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019): bit.ly/2DvFpOv

(19) صائب عريقات: الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو ليبرمان ورئيس الوزراء هو مردخاي، قناة شبكة قدس الإخبارية على موقع يوتيوب، 20 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول 16 مايو/أيار 2019):  bit.ly/2J9lCc