ما بين "الصحوة الإسلامية" و"التدخل الخارجي": كيف تتعامل إيران مع الثورات العربية؟

تناقش هذه الورقة الخطاب الإيراني تجاه الثورات العربية التي بدأت شرارتها عام 2011 وتستمر إلى اليوم في موجات متلاحقة وصلت مؤخرًا إلى العراق ولبنان. وتستعرض التباينات في موقف إيران تجاه كل منها، وكيف قرأت وتقرأ كلًّا منها.
8 نوفمبر 2019
8fc724941f6346aebefd79a20d12df0b_18.jpg
من مظاهرات مدينة كربلاء (رويترز)

في الموجة الأولى من الثورات العربية، وقبل أن تصل شرارة الاحتجاج إلى سوريا، اعتبر مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، الحراك الشبابي في البلدان الإسلامية ضربة مباشرة للمدارس المادية؛ فـ"شباب البلدان الإسلامية، ومن أجل الوصول إلى آمالهم وطموحاتهم، راحوا يميلون اليوم إلى التعاليم الإسلامية بدل المدارس المادية"، وأرجع ذلك إلى" نضال الشعب الإيراني". ووصف خامنئي الثورة في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن بأنها "من الألطاف الإلهية" يجب أن "تُنهي تمامًا هيمنة الأعداء الرئيسين: الصهاينة والأميركان"(1)؛ فـ"المستبدون المعتمدون على أميركا والغرب يتساقطون الواحد تلو الآخر، ومستقبل الشعوب أمام احتمالات متنوعة، وينبغي رصد هذه الاحتمالات بشكل دقيق"(2)، ثم جاءت الثورة السورية لتقدم إيران خطابًا بملامح مغايرة كان العامل الخارجي والمؤامرة التي تستهدف "محور المقاومة" أبرزها. ومع الموجة الجديدة المتمثلة في لبنان والعراق بدأت إيران بصياغة خطاب يضع "الأمن" أولوية أساسية دون أن يغيب "العدو الخارجي" كداعم ومسبِّب في حدوث هذه الاحتجاجات. تبحث هذه الورقة في الخطاب الإيراني تجاه الثورات العربية التي بدأت شرارتها عام 2011 وتستمر إلى اليوم في موجات متلاحقة وصلت مؤخرًا إلى العراق ولبنان. وتستعرض التباينات في موقف إيران تجاه كل منها، وكيف قرأت وتقرأ كل منها. ونذكِّر بأن مركز الجزيرة للدراسات سبق له نشر دراسة مستفيضة بعنوان: إيران والثورات العربية: سرديات بناء المركزية الإيرانية، ناقش فيها المواقف من الثورات العربية على مستويات عدة من الخطاب.

القراءة الأيديولوجية ومقولات "الصحوة الإسلامية"

ظهرت القراءة الأيديولوجية للثورات العربية واضحة المعالم في الخطاب الإيراني؛ فالثورات العربية مقدمة لـ"صحوة إسلامية، تحمل روحية الثورة الإسلامية الإيرانية وتواصلًا لصمود الشعب الإيراني خلال 32 عامًا"، وهو ما عبَّر عنه خامنئي في كلمته أمام مؤتمر دولي للصحوة الإسلامية، الذي عُقد في طهران عام 2011، حيث قال: "الانتفاضات العربية استلهمت من الثورة الإسلامية الإيرانية مفاهيمها ومعانيها"(3).

وجرى توصيف ما يحدث في البحرين بأنه "ثورة حق وفي مكانها" وأنها "ستنتصر بعون إلهي.." وفق تصريحات لخامنئي في 2012 مع تكذيب التدخل الإيراني في الحالة البحرينية "اتهامنا بالتدخل كذب محض.. لو تدخلنا لكان الأمر مختلفًا"(4)، ثم عاد في 2016 ليؤكد عدم التدخل بـ"نحن ننصح ولا نتدخل"(5).

لكن إيران لم تَرَ في الثورة السورية أيًّا مما تحدثَتْ عنه في السابق فيما يتعلق بمصر وتونس واليمن وليبيا والبحرين، وعادت إلى قاموس المصطلحات الذي وظفته في عام 2009 ضد احتجاجات الحركة الخضراء عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لتُسقطه على الحالة السورية مبرزة مصطلحات مثل: "الفتنة"، و"العمالة"، و"المخطط الخارجي". وقد مرَّ الخطاب الرسمي الإيراني تجاه الثورة في سوريا بمراحل بدأت بالتشكيك في الدوافع(6)، ثم تعمد التجاهل لاحقًا(7)، ثم العودة لتكرار السردية الأولى القائمة على الإدانة والتجريم لهذه الثورة. وكانت نقاط التجريم تركز على:

- تأتي ضمن مخطط أميركي في سوريا، هدفه توجيه ضربة لخط المقاومة في المنطقة، لأن سوريا تدافع عن المقاومة الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية.

- إيران تدافع عن "الإصلاحات"، لكنها تخالف تدخل أميركا والدول التابعة، في الشأن الداخلي لسوريا(8).

- ما يجري في سوريا "انحراف" وحرب بالوكالة(9)، لكنها في البحرين "ثورة حق وفي مكانها"(10)

ومن الواضح أن الأسئلة المطروحة بقوة حول أخلاقية الدعم الإيراني لنظام الأسد وتناقض الطروحات الإيرانية فيما يتعلق بالمبادئ والشعارات، هي نقطة قلق وتحد للسرديات الإيرانية، ولذلك نجد أن مرشد الثورة الإسلامية أفرد لها مساحة كبيرة من ردوده في خطبه ولقاءاته، وقام بعملية تفكيك مقصود للموقف من الثورة السورية، والحالات الأخرى للثورة تبعًا لمعطيات تخص كل حالة، مع الأخذ بعين الاعتبار مساحة النفوذ وعظم المصالح بالنسبة لإيران في الدول التي تشهد أو شهدت احتجاجات. 

وفي عملية التفكيك هذه، وفق الجدول الذي نُشر على الموقع الرسمي لخامنئي(11)، فقد جرى الإبقاء على "دعم الثورات" بعمومه مستثنيًا الحالة السورية، والإصرار على مصطلح "الصحوة الإسلامية" مع تخصيص دون تعميم، لبناء حالة من الانسجام والاستمرارية لما تطرحه إيران من شعارات. 

 

السؤال

الجواب الكلِّي

ما الجذور التي شكَّلت الصحوة الإسلامية؟

إحياء العزة والكرامة الإنسانية في ظل الإسلام.

2

لماذا تعتبر الانتفاضات الإقليمية إسلامية؟

الأمم (الأمة الإسلامية أو الشعوب الإسلامية) الإسلامية ترى العدالة

والحرية وحكم الشعب ضمن الإطار الإسلامي وليس المدارس الأخرى.

3

ما استراتيجية الأعداء لمواجهة الصحوة الإسلامية؟

  • إيجاد الخلاف بين المسلمين.

  • مصادرة الثورات.

  • محاكاة الثورات في إيران وسوريا.

  • تجريد العلماء من مرجعيتهم الفكرية.

 4

ما الأصول التي تستند إليها ثورات المنطقة؟

  • إحياء وتجديد العزة والكرامة الوطنية.

  • الوقوف في وجه الاختراق والهيمنة ورفع راية الإسلام.

 5

ما دور"الخواص" في قيادة هذه الثورات؟

إيجاد الفكر والخطاب والتيار الفكري الجامع.

 6

ما الأهمية التاريخية للصحوة الإسلامية؟

أن الطريق الذي نسير فيه، طريق من شأنه أن يغير تاريخ العالم، وهندسة العالم سياسيًّا.

 7

ما العلاقة بين "الصحوة الإسلامية" وحركة "وول ستريت"؟

إن الشباب في وول ستريت، استلهموا حركتهم من الشباب في مصروتونس ومجاهدي حزب الله وحماس.

 8

هل ثورات المنطقة هي مؤامرة أميركية؟

لم تجد أميركا أفضل من مبارك وابن علي، ولن تحشد الشعوب في الشارع لتغييرهما.

 9

أيهما أهم: الأحزاب أم الناس؟

إن أهم عنصر في هذه الثورات، هو المشاركة الواقعية للناس في ميدانالمقاومة والجهاد.

10 

ما أولويات الثورات التي أُنجزت؟

بناء نظام يقوم على المبادئ الإسلامية.

 11

کیف ینبغی فهم المسار الصحیح للنهضة الإسلامية؟

یُفهم هذا من خلال موقفها من القضية الفلسطينية.

 12

ما آفاق الصحوة الإسلامية؟

الهدف النهائي يجب ألا يكون أقل من "إيجاد الحضارة الإسلامية الرائعة".

 13

ما دور الثورة الإسلامية في تشكيل الصحوة الإسلامية؟

عرض جدوى حكم الشعب الديني والتقدم العلمي والاقتصادي

والسياسي في ظله للمسلمين.

 14

ما علاقة اقتراح التفاوض من طرف الولايات المتحدة بمجريات "الصحوة الإسلامية"؟

لبثِّ اليأس في نفوس المسلمين.

 15

ما تجارب الثورة الإسلامية في إيران، التي من الممكن أن تساعد النهضة الإسلامية في البلدان الأخرى؟

التوكل على الله، وحسن الظن بالوعد الإلهي بالنصر المؤكد، وإعادة قراءة الأصول الثابتة للثورة.

 16

ما موقف إيران من حركات "الصحوة الإسلامية"؟

إعلان القناعة والالتزام بانتفاضات الأمم، ووحدة وأخوة المسلمين، والجهاد الإسلامي.

 17

هل ما يحدث في سوريا ثورة؟

واقع ما يحدث في سوريا أنه حرب بالوكالة ضد محور المقاومة، ولمصلحة الكيان الصهيوني.

 18

ما الحل في سوريا؟

  • نؤيد الشعب السوري، ونعارض أي وجه للتحريض والتدخل الخارجي.

  • أي اصلاحات في سوريا يجب أن تتم بواسطة الشعب السوري وبطرقوطنية.

  • يجب وقف إرسال السلاح للمجموعات غير المسؤولة.

 19

هل تريد إيران تصدير نموذج ولاية الفقيه؟

هذه أكاذيب تُمارَس منذ 30 عامًا لعزل إيران عن باقي العالم الإسلامي.

 20

هل تدعم إيران الثورة في البحرين لأنها شيعية؟

إن أكبر خدمة تُقدَّم للأعداء هي تأييد تحرك عام ضد الاستبداد من منطلق شيعي وسُنِّي.

شيئًا فشيئًا كان مصطلح "الصحوة" يتراجع في توصيف حالة الثورات العربية ليحل محل ذلك قراءة متوجسة تستخدم مصطلح "العدو" و"الخارج" بشكل مركز. وباتت تتشكل قناعة لدى صنَّاع القرار في إيران بأن المسألة تتجاوز الاحتجاجات العفوية على الرغم من الإقرار بوجاهة أسبابها في بعض الدول، إلى الحديث عن مخطط لإعادة تشكيل المنطقة، وأن هذه الانتفاضات حدث مؤثِّر سيتم توظيفه لرسم مستقبلها ويجب أن يكون لإيران دور في ذلك. وحذا أغلب الباحثين والمحللين الإيرانيين حذو الحكومة في توصيف الحالة القائمة وتفسيرها . 

لبنان والعراق: الأمن والهياكل القانونية 

كان الأمن هو النقطة المركزية التي استخدمها آية الله خامنئي، في خطابه المتعلق بالحالتين، اللبنانية والسورية، منطلقًا من وصف الجمهورية الإسلامية بأنها "جزيرة الاستقرار" في المنطقة، موجهًا رسالة للمتظاهرين في العراق ولبنان، (الغيارى منهم) بأن: "أن أولويتهم القصوى هي علاج انعدام الأمن". ومع الإقرار بأن مطالب هذه الشعوب "مطالب حقيقية" إلا أنه رأى أنه "لا يمكن الاستجابة لها إلا في إطار الهياكل القانونية"(12). والأطر القانونية التي يتحدث عنها مرشد الثورة تعني أن أي إصلاحات أو تغييرات في هذين البلدين يجب أن تكون ضمن أطر حكومتي البلدين اللذين لا يخفى نفوذ إيران فيهما.

ويبدو "الفاعل الخارجي" حاضرًا في خطاب الجمهورية الإسلامية على مستويات عدة، فنائب القائد العام لحرس الثورة الإسلامية، الأدميرال علي فدوي، يتحدث عن "دور خبيث لأميركا وإسرائيل في أحداث العراق"(13).

ونجد محمود واعظي، رئيس مكتب الرئيس الإيراني، يدين سلوك بعض الدول ويرى أن هدفهم هو "تقويض الحكومة القائمة، وتصوير الأحزاب الحاكمة والأحزاب القانونية بأنها فاسدة "(14). ويشير واعظي، إلى الشعارات المناهضة لإيران خلال الاحتجاجات العراقية: "إنهم يبذلون جهدًا كبيرًا لخلق فجوة بين الجمهورية الإسلامية والعراق بالشعارات التي يخلقونها ويجب أن ندرك أن الغرباء لن ينجحوا في تحقيق هذه الأهداف"(15).

لكن علي ربيعي، الناطق باسم الحكومة الإيرانية، وإن كان هو الآخر يتحدث عن التدخل الخارجي إلا أنه يرى أن هذه الاحتجاجات دليل على الخيبة من مخرجات صندوق الانتخاب "أَمْعِنوا النظر إلى الأحداث الأخيرة في العراق وانظروا كيف يمكن لليأس من صندوق الاقتراع أن يجعل مطالبات الناس المشروعة تسير في اتجاه يتجاوز النظام الانتخابي"(16).

ولا يغادر عبد الله متوليان(17) الإطار ذاته عندما يتحدث عن أن الغرب وإسرائيل والحركات الوهابية وراء المظاهرات العراقية، وقال في مقالة نشرتها صحيفة "جوان": "إن هذه المظاهرات تشبه إلى حدٍّ كبير المظاهرات التي جرت في إيران عام 2018، في طريقة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي دون توضيح من يدعمها ويؤيدها بشكل علني".

وعدَّد الأهداف التي يسعى إليها المتحكمون بهذه المظاهرات، وأهمها: 

إثارة الخلافات بين طهران وبغداد لتتحول العلاقة بينهما إلى العداء مجددًا. 

التأثير على موقف الشعب العراقي من حيث نظرته إلى التهديد الأميركي. 

تصنيف إيران كتهديد مركزي في منطقة غرب آسيا.

الأطراف الداعمة للمظاهرات تُريد أن تنقل الكرة إلى ملعب إيران، لتسهيل الطريق أمام قرارهم القاضي بإجراء صفقة مع طهران فيما يخص الحرب اليمنية.

تجديد خطاب الفتنة بين السُّنَّة والشيعة في المنطقة وتشكيل تحالف سُني عربي ضد ما يسمى (بالتمدد الشيعي الإيراني) من خلال الحرب السيبرانية على مواقع التواصل الاجتماعي. 

تضييق الخناق الاقتصادي على إيران من خلال قطع العلاقات الاقتصادية مع بغداد. 

إيجاد حالة من عدم الأمن بسبب خروج أميركا من العراق والمطالبة شعبيًّا وحكوميًّا بعودة القوات الأميركية (18).

ونجد أن ذلك انسحب على الشأن التجاري؛ إذ يؤكد مدير غرفة تجارة العراق-إيران، حميد حسيني، وجود جهات غربية وعربية تستغل الحراك الشعبي لتقويض العلاقة بين طهران وبغداد. وقال في مقابلة مع صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية: إن العلاقة بين طهران وبغداد أكبر من أن يتم إخلالها في ظل الروابط المتينة الحالية، وطالب الحكومة العراقية بتلبية جميع مطالب الشعب العراقي، المتمثلة في" مكافحة الفساد وتخفيض أسعار السلع". وأقر حسيني بأن طهران ستكون المتضرر الأكبر منها، لحضورها التجاري الكبير في السوق العراقية، إلا أنه توقع أن تُسهم هذه الإجراءات في تحسن العوائد الإيرانية على المدى الطويل (19) .

إذا عدنا إلى الجدول السابق وأجرينا مقارنة مع ما صدر عن مرشد الثورة الإسلامية مؤخرًا، فيما يتعلق بالحالتين، اللبنانية والعراقية، فسنجد فروقات واضحة وكذلك مشتركات يمكن تلخيصها بالتالي:

الفروقات

  • لم يجر استخدام مصطلح "الصحوة الإسلامية" في توصيف ما يحدث في لبنان والعراق.

  • جرى توصيف ما يحدث جزئيًّا بأنه مطلبي (لا ثورة شعبية) مع إقرار بوجود خلل تجب معالجته. 

  • جرى التركيز على الأمن في إشارة إلى كون هذه الانتفاضات تحمل تهديدًا أمنيًّا.

  • الدعوة إلى "الإصلاح" ضمن هيكل النظام القائم بمعنى معارضة الإطاحة بالبنى السياسية الموجودة. 

  • غاب الحديث عن النموذج الثوري الإيراني كملهم، تستلهم منه الشعوب الأخرى في انتفاضاتها.

المشتركات

  1. الحديث عن العدو الخارجي؛ وهو ما نجده عند تناول الثورات التي تصفها إيران بـ"الصحوة الإسلامية"، أو تلك التي تصمها بأنها حرب بالوكالة ومخطط خارجي.

  2. العامل الأميركي: لا يكاد يغيب عن التوصيف الإيراني لما يحدث كفاعل مخرِّب يسعى لإجهاض الثورات في الحالات التي تم وصفها بـ"الصحوة الإسلامية"، وكفاعل محرض في الحالات التي ترى إيران أنها مخطط يراد منه تقسيم الدول وتهديد الأمن.

  3. يحضر العامل الصهيوني بصورة مشابهة للتوصيف السابق.

  4. "الأنظمة الرجعية" فاعل آخر يوجد في الخطاب الإيراني، وهي إما مرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية تكون الثورات ضدها فعلًا محمودًا، أو أدوات تقدم الدعم المالي لإحداث "الفوضى" في دول أخرى تنفيذًا لمخطط خارجي.

  5. يحضر الداخل الإيراني صراحة حينًا وتلميحًا حينًا آخر، عبر رسائل يجري توجيهها له، فهناك رسائل تقول بأن إيران تمثل نموذجًا عند الحديث عن "الصحوة"، لكنها تصبح رسائل تحذير تحت عنوان الأمن والاستقرار في الحالات الأخرى، مع هاجس ضاغط بأن تشتعل الاحتجاجات مجددًا في إيران.

خلاصات ونتائج 

  • تأتي الثورات في العراق ولبنان في توقيت غير مناسب بالنسبة لطهران، فالعلاقات مع واشنطن في أسوأ درجاتها، والاتفاق النووي متعثر، ولم تفلح الجهود الغربية في إنقاذه حتى الآن، والعقوبات تتواصل وتفعل فعلها في الاقتصاد الإيراني، والحديث عن ضرورة اتفاق جديد مع إيران بات مطروحًا مع دعوات بأن يشمل التفاوض القادم القضايا الإقليمية وفي مقدمتها النفوذ الإيراني والبرنامج الصاروخي.

  • وكما أن التوقيت غير مواتٍ بالنسبة لإيران، فساحة الأحداث كذلك أيضًا، فالعراق ساحة نفوذها الأساسية وخلخلة نفوذها هناك سيقود إلى التأثير في باقي الملفات، ولبنان ساحة أهم حلفائها وهو حزب الله. 

  • كما في حالات أخرى فـ"العدو" يبدو ماثلًا وحاضرًا في التصور الذي تقدمه إيران كتفسير للحالة الاحتجاجية، فالولايات المتحدة الأميركية وأجهزة المخابرات الغربية و"بدعم مالي من الأنظمة الرجعية في المنطقة تسعى لضرب أمن العراق ولبنان".

  • كان "العدو الخارجي" ملازمًا على الدوام لخطاب الجمهورية الإسلامية، وعلى صعيد الثورات العربية برز بشكل غير مسبوق فيما يتعلق بالحالة السورية، لكن المعضلة التي تواجهها إيران خاصة في العراق وهي ساحة النفوذ الكبير لها، تكمن في أن جذور الاحتجاجات في العراق ترجع في المقام الأول للمشاكل المحلية الناتجة عن فشل سياسات وقرارات رجال الدولة الفاسدين في تقديم ما من شأنه تحسين حياة الناس. 

  • ولا تختلف الحالة اللبنانية كثيرًا من حيث أسباب الاحتجاج عن الحالة العراقية، سوى في كون العراق بلدًا نفطيًّا غنيًّا، تتسع فيه بقعة الفقر والحرمان بفعل الفساد وممارسات نخبة سياسية محسوبة بشكل مباشر وواضح على إيران. وهو ما يقول بأن إيران قادرة على بناء النفوذ وتعزيزه لكن حلفاءها الذين نسجت عرى العلاقة معهم عاجزون عن إدارة هذه البلدان ومتهمون بالفساد والفشل.

  • تحمل القراءة الإيرانية للثورات العربية مزيجًا من العناصر المؤثرة، أهمها: البعد الأيديولوجي، والبعد التاريخي، فضلًا عن السياسة التقليدية الإيرانية في تصنيف الأعداء والأصدقاء والبيئة والذهنية الحاكمة. 

  • يبدو اتساع أو تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة مرهونًا بالشكل الذي ستستقر عليه التحالفات (الصداقات والعداوات) في المنطقة مستقبلًا، تبعًا لمجموعة من العوامل المؤثرة وفي مقدمة ذلك العلاقة القائمة حاليًّا بين إيران والعراق ومستويات النفوذ الإيراني، والعلاقة المتأزمة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، والعلاقة المتوترة مع السعودية، وتراجع مستوى التفاؤل بإمكانية الحفاظ على الاتفاق النووي وشكل العلاقة مع الأطراف الأوروبية. ولا يجب أن نغفل عن عامل مهم يتمثل في قدرة حلفاء إيران وفي مقدمتهم حزب الله في لبنان والنخبة المتنفذة في العراق على التعامل مع الحالة دون الدخول في صدام دام مع المحتجين، وهو ما يبدو صعبًا جدًّا في الحالة العراقية. 

  • لا يبدو أن حدوث الفوضى أمر مستبعد خاصة في الحالة العراقية، لكنه إن حدث فلا يعني أن النفوذ الإيراني قد يتراجع بل من الممكن أن يحدث العكس خاصة مع قدرة إيران على العمل في ساحات الفوضى، ولعل الحالتين، الأفغانية والعراقية، بعد الاحتلال الأميركي تمثلان نموذجًا على ذلك، لكن الاستقرار وإنتاج حالة سياسية تحكمها المؤسسات وتقوم على تداول السلطة سيكون له تأثير مختلف، في تقليص النفوذ الإيراني وإرساء شكل جديد من العلاقة مع إيران.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. فاطمة الصمادي - باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، متخصصة في الشأن الإيراني.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1-        خطبه‌ هاي نماز جمعه تهران (خطبة جمعة طهران)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، 15/11/1389 ش، (تاريخ الدخول 5 سبتمبر/أيلول 2019):

http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=10955

2-        المرجع السابق.

3-        بيانات در اجلاس بين‌المللي بيداري اسلامي (تصريحات المؤتمر الدولي للصحوة الإسلامية)، الموقع الرسمي لقائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، 26/6/1390 ش، (تاريخ الدخول: 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=17269

4-        رهبر معظم انقلاب: اگر در قضيه "جزيره بحرين" دخالت مي‌کرديم ماجرا جور ديگري ميشد(قائد الثورة: لو تدخلنا في قضية جزيرة البحرين لكان الأمر مختلفًا"، سايت انقلاب، 14 بهمن 1390 ش، (تاريخ الدخول 15 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://www.entekhab.ir/fa/news/51615/%D8%B1%D9%87%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D8%B9%D8%B8%D9%85-%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%DA%AF%D8%B1-%D8%AF%D8%B1-%D9%82%D8%B6%DB%8C%D9%87-%D8%AC%D8%B2%DB%8C%D8%B1%D9%87-%D8%A8%D8%AD%D8%B1%DB%8C%D9%86-%D8%AF%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AA-%D9%85%DB%8C%E2%80%8C%DA%A9%D8%B1%D8%AF%DB%8C%D9%85-%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D8%A7-%D8%AC%D9%88%D8%B1-%D8%AF%DB%8C%DA%AF%D8%B1%DB%8C-%D9%85%DB%8C%D8%B4%D8%AF

5-        مقام معظم رهبري: ما در مسئله بحرين دخالت نمي‌کنيم نصيحت مي‌کنيم، (القائد: نحن لا نتدخل في قضية البحرين ..نحن ننصح)، سايت روشنگري،19/4 /1395 ش، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://roshangari.ir/video/43229

6-        خامنئي: لا ندعم ثورة تؤججها أميركا، الجزيرة نت، 4 يونيو/حزيران 2011:

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F44A0332-0E46-4323-86EE-E6C9E0A4A349.htm

7-        منتقدًا تدخل الناتو في ليبيا: خامنئي يمتدح الثورات ويتجاهل سورية، الجزيرة نت، 17 سبتمبر/أيلول 2011:

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8E7F1D81-F7FF-40A0-A9A5-4D13776F6B4A.htm

8-        ديدار دبيرکل جهاد اسلامي فلسطين با رهبر انقلاب، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، 11/11م 1390 ه ش، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2016):

http://farsi.khamenei.ir/news-content?id=18890

9-        پاسخ رهبر انقلاب به ?? پرسش درباره «بيداري اسلامي»(جواب قائد الثورة على 20 سؤالًا يتعلق بـ"الصحوة الإسلامية")، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، 9/2/1392 ش، (تاريخ الدخول: 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=22406

10-     آيت‌الله‌ العظمي خامنه‌اي: رهبري محکم در مواضع صحيح خود ايستاده است تا من زنده هستم نخواهم گذاشت حركت ملت منحرف شود(القيادة تقف مواقفها الصائبة بصلابة: ما دمت حيًّا لن أسمح أن تنحرف حركة الأمة عن مسارها)، فارس نيوز، 3/2/1390،(تاريخ الدخول: 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=9002030860

11-     پاسخ رهبر انقلاب به ?? پرسش درباره «بيداري اسلامي»:

http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=22406

12- مطالبات الناس المحقَّة في لبنان والعراق قابلة للتحقُّق ضمن إطار الهيكليات القانونية"، من خطاب لآية الله علي خامنئي، خلال مراسم تخرج ضباط الجيش حول الأوضاع الأخيرة في العراق ولبنان، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

http://arabic.khamenei.ir/news/4811

13- الأدميرال فدوي: أميركا و"إسرائيل" تلعبان دورًا خبيثًا في العراق ولبنان، فارس نيوز، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

https://ar.farsnews.com/iran/news/13980814000272

14- واعظي رئيس دفتر رئيس جمهور در حاشيه جلسه هيئت دولت درباره مواضع جمهوري اسلامي ايران در خصوص لبنان و عراق گفت: توصيه ما همواره دعوت به آرامش و دخالت نکردن نيروهاي خارجي در اين کشورهاست (واعظي مدير مكتب الرئيس قال على هامش اجتماع لمجلس الوزراء بشأن موقف إيران من لبنان والعراق: "توصيتنا دائمًا هي الدعوة للهدوء وعدم تدخل القوى الأجنبية في هذه الدول"، مهر نيوز، 8 آبان 1398 ش، (تاريخ الدخول: 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

15- المرجع السابق.

16- سخنگوي دولت ايران: حوادث عراق نتيجه نااميدي از صندوق راي است (المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية: الأحداث في العراق هي نتيجة اليأس من صندوق الاقتراع)، بي بي سي فارسي، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

https://www.bbc.com/persian/iran-50274340

17- سيد عبدالله متوليان« نقطه هدف نظام سلطه در آشوب‌هاي عراق( نقطة الهچف لن/ام الهيمنة في الفوضى العراقية)ن صحيفة جوان، 14 مهر 1398، (تاريخ الدخول: 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

https://www.javanonline.ir/fa/news/972308/%D9%86%D9%82%D8%B7%D9%87-%D9%87%D8%AF%D9%81-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%87-%D8%AF%D8%B1-%D8%A2%D8%B4%D9%88%D8%A8%E2%80%8C%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

18- جاده إيران، مرجع سابق.

19- مانشيت إيران: هل العلاقات الإيرانية-العراقية في خطر؟، موقع جاده إيران، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019):

https://jadehiran.com/archives/11748