ندوة "المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة"

201322511518173371_20.jpg
تناولت ندوة المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة، التحولات التي يشهدها المغرب العربي في ضوء "الربيع العربي"، وإمكانية تفعيل اتحاد المغرب العربي ليتجاوز التحديات والمعوقات التي تحول دون تكامل دوله على كل الأصعدة

نظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة حوارية بعنوان "المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة"، عُقدت على مدى يومين في العاصمة القطرية الدوحة خلال الفترة 17-18 فبراير/شباط 2013.

شارك في الندوة نخبة من الخبراء والأكاديميين والسياسيين والمتخصصين بالشأن المغاربي، وناقشت الفعالية التحولات التي يشهدها المغرب العربي في ضوء "الربيع العربي"، وإمكانية تفعيل اتحاد المغرب العربي ليتجاوز التحديات والمعوقات التي تحول دون تكامل دوله على كل الأصعدة، وليعبّر عن تطلعات شعوبه ونخبه نحو التلاقي والتآزر في مواجهة التحديات.

توزعت أعمال الندوة على تسع جلسات -منها الافتتاحية- تناولت الإصلاحات السياسية ومشاريع التنمية في الدول المغاربية، وتداعيات الربيع العربي عليها، وكيفية مقاربتها للشأن السياسي وللأزمات التي تشهدها على الصعيد المحلي أو تلك التي يشهدها جوارها الإقليمي والدولي، وتم تخصيص جلسة للبحث في أزمة مالي وتأثيراتها الإقليمية، وأخرى ختامية لنقاش مفتوح حول مستقبل الاتحاد المغاربي.

وافتُتحت أعمال الندوة بكلمة للسفير عبد الله الحاج عضو مجلس إدارة شبكة الجزيرة، أكد فيها على أن الجزيرة ستبقى منبرًا للرأي والرأي الآخر في ظل التحولات التي تشهدها دول الربيع العربي والمنطقة. وهو الأمر الذي أكد عليه مدير مركز الجزيرة للدراسات الدكتور صلاح الدين الزين، وأن هذه الندوة تأتي في سياق إثراء الحوار المفتوح حول القضايا التي تهم الرأي العام، وأنه يؤمل منها تعميق الحوار لفهم ما يحصل في منطقة المغرب وعلاقاتها مع جوارها الإفريقي والأوروبي.

شؤون وشجون المغرب العربي

طيلة أيام الندوة انعقد إجماع من المشاركين فيها على عدم توفر إرادة سياسية لدى أصحاب القرار في دول الاتحاد الخمس: المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا، لتفعيل دور "اتحاد المغرب العربي"؛ فالدول التي شهدت ربيعًا (تونس وليبيا) لا تزال في مرحلة مخاض وإعادة بناء لأنظمتها الجديدة، والبقية الباقية مشغولة بمواجهة تداعيات هذا الربيع على أوضاعها الداخلية، وذلك بحزمة من الإصلاحات على المستوى القُطري لدساتيرها ولحياتها السياسية والاجتماعية، وذلك بغضّ النظر عما إذا كانت هذه الجهود تجميلية لتجاوز هذه المرحلة فحسب أم أنها حقيقية وفعلية لتحقيق تغيير جاد.

وهناك إجماع بالمقابل على أن أهمية الاتحاد لشعوب المنطقة وحتى لأنظمتها لا يحتاج إلى كبير برهان، خاصة على الصعيد الاقتصادي الذي رأى فيه بعض المشاركين المدخل الأمثل لإطلاق مسار فعلي نحو التوحد، لأن تكلفته السياسية أقل بالنظر إلى الاحترازات التي تخاف منها الأنظمة، كما أن جدواه ومنفعته أكيدة لأن كل دولة من دول المغرب تمتلك ميزة تفاضلية عما سواها وسيوفر التكامل فيما بينها الكثير من النفقات وسيعود عليها بمكاسب كبيرة، فبعضها نفطي وصناعي على سبيل المثال، وبعضها الآخر صناعي ويملك عمالة ماهرة، وبعضها يزخر بثروات معدنية وهكذا دواليك.

اعتبر معظم المتحدثين أن العائق الأكبر أمام تفعيل الاتحاد المغاربي هو قضية الصحراء التي هي مثار نزاع تاريخي بين المغرب والجزائر

وحضرت الأزمات التي تواجه دول المغرب العربي على الصعيد المحلي بقوة في الندوة، على رأسها مشكلة الأمازيغ وسواها من الأقليات التي يبدو أنها مرشحة للتفاقم بعد الربيع العربي، وكشف سقوط بعض الأنظمة أن هذه المجموعات تضررت منها بشدة في الحقبة السابقة، وكانت تعاني حصارًا ممنهجًا نال من بنيتها الاجتماعية وحياتها الثقافية كما هو الشأن مع المثال الليبي، ووجه بعض المتحدثين تحذيرًا لحكام دول المغرب لإيلاء هذا التحدي الاهتمام الذي يستحقه من رعاية وإنصاف، حتى لا يؤدي إلى خسارة جزء من المواطنين لصالح أجندات خارجية أو متطرفة.

وشدد بعض الأصوات في الندوة على أن التيارات الإسلامية ليست أزمة أو جزءًا منها بل هي مفتاح للحل وأن عليها إقناع الآخرين بقبولهم شريكًا لتحقيق الاستقرار، مع التنويه بضرورة ملحة للتمييز بين التيارات السلفية التي تعتمد العنف وتدعو له أو تحرض عليه، وبين تلك التي لها رأي في إطار النظام والقانون. كما أن آراء أخرى حذرت من أن تنتهي الأطراف الإسلامية الحاكمة إلى نفس المآل الذي انتهت إليه التيارات القومية سابقًا، فتُستغرق في الصراعات الأيديولوجية بدلاً من تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لشعوبها، فتسقط في براثن الديكتاتورية.

واعتبر معظم المتحدثين أن العائق الأكبر أمام تفعيل الاتحاد المغاربي هو قضية الصحراء التي هي مثار نزاع تاريخي بين المغرب والجزائر، وأن الطرفين يتعاملان معها بحساسية كبرى، حتى إنها المصدر الرئيسي لخلافات البلدين التي وصلت في بعض الأحيان إلى حد القطيعة بينهما وغلق الحدود. وحمل البعض هذين البلدين وزر فشل الاتحاد في المرحلة السابقة وأن لا سبيل للخروج من دوامة الفشل هذه إلا بالتصدي لهذه المشكلة وإيجاد حل لها، أو تجاوزها وعدم جعلها عثرة أمام التعاون بين البلدين في مجالات أخرى، وهناك سوابق لتعاون بين دول مختلفة أو اندماجها في تكتلات إقليمية رغم ما بينها من نزاعات على حدود أو ما سوى ذلك، كمثال دول الاتحاد الأوروبي أو حتى علاقات الصين مع اليابان في آسيا.

وعلى صعيد العلاقة مع أوروبا أثيرت مفارقة أن الاتحاد الأوروبي يدفع دول المغرب للتعامل معه أحيانًا بوصفها تكتلاً واحدًا أي اتحاد المغرب العربي، وتحديدًا في القضايا المتصلة بالأمن والهجرة لأنها تصب في مصلحته، لكنه على صعيد آخر يحرص على التعامل مع كل منها بصفة قُطرية، ليحقق مكاسب أكبر أو ليدفعها للتنافس في تقديم التنازلات له كما هو الأمر في الشأن الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر.

وحذر متحدثون من المسارات البحثية والفكرية التي تبالغ في التفرقة بين المشرق والمغرب وكأن لا تواصل بينهما، على الرغم من أن التواصل قديم حتى قبل الإسلام، وأنه يجب أن تُدحض هذه التقسيمات التي تريد إيجاد مسوغات فكرية للتمييز، وأثبتت الثورات أن الشعوب العربية في المشرق والمغرب هي شيء واحد؛ حيث لقي سقوط زين العابدين بن علي ابتهاجًا في المشرق كأنه سقوط لرمز مستبد من رموز المشرق. وحذر البعض من أن بعض دول المغرب قد تدفع ثمن خوف آخرين من انتقال ثورتها إلى المشرق، لأن دولاً متضررة من الربيع العربي، تحاول إفشال التجربة التونسية والليبية خوفًا من أن تستقر وتصل تأثيراتها إلى المشرق، كما هو الشأن في التعامل مع مصر أيضًا.

 جانب من الندوة

وبانطلاق عجلة التغيير بالثورات الأخيرة في الوطن العربي، فإن مستوى التجسير بين المشرق والمغرب سيكون مرهونًا بعدة عوامل، منها: شكل الدولة القائمة في المشرق والمغرب، وطبيعة علاقتها مع الخارج وتحالفاته، ومدى قدرة الدولة على البناء الاقتصادي لأنه سيعزز فرص التعاون أفضل من ذي قبل.

وبالتطرق إلى الأزمة التي تعانيها تونس، شدّد المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون على أن الأطر الرسمية ليست مؤهلة لتحمل الصراع الحالي الذي تشهده تونس بعد أن أفرزت الانتخابات ائتلافًا حاكمًا دون إنشاء أطر قادرة على الاستجابة لتحديات المرحلة الجديدة. وأقرّ زيتون أن بعض الوزراء فشلوا في أداء واجبهم والمفارقة أن المطالبة بالتغيير تستهدف سواهم من الوزراء لاسيما أصحاب الوزارات السيادية ما يدل على أن الصراع أيديولوجي، مع تأكيده على عودة المطالب الاجتماعية التي رفعتها الثورة من قبيل التشغيل والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية والتوازن بين الجهات..

أزمة مالي وبُعدها المغاربي

حظيت أزمة مالي باهتمام خاص في الندوة، إدراكًا لتداعياتها على أمن دول المغرب العربي، ولصلتها بهذه الدول بأكثر من جهة، سواء من حيث الاتصال الجغرافي ببعض هذه الدول، أو لأن الإثنيتين العربية والطارقية لهما صلات وانتشار في عموم المنطقة، والأهم من كل هذا أن تحدي الجماعات الإسلامية المسلحة العابرة للحدود في منطقة المغرب هو تحد مشترك على المستوى الإقليمي وحتى الدولي منه، فجُلّ قادة الجماعات الإسلامية المسلحة في مالي ينتسبون لدول المغرب العربي أو لهم روابط بها، على وجه الخصوص تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، كما أن طموحاتهم لا تحدها حدود جغرافية أو سياسية. وأكدت بعض المداخلات على غياب رؤية مغاربية موحدة للتعاطي مع أزمة شمال مالي وقد انعكس ذلك الاختلاف جليًا في مواقفها إزاء التدخل العسكري الفرنسي.

وفي كلمته حول الموقف الإفريقي، اعتبر وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية السنغالي الشيخ تجان غاديو، أن التدخل الفرنسي في مالي كان ضروريًا لأن هذه المنطقة مترامية الأطراف وليس فيها "رادار واحد"، وأنها أصبحت معقلاً "للقاعدة ولتجار السلاح والمخدرات ومسرحًا للنشاطات الإجرامية"، مفرقًا بين استهداف هذه المجموعات وبين طريقة التعامل مع الطوارق والعرب، باعتبار أن المشكلة مع هذين الأخيرين هي سياسية وتُحل بالحوار بخلاف تلك المجموعات. وأكد على عدم أهلية القوات الإفريقية لتعزيز الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وأنها تحتاج لتعاون الجميع.

اعتبر وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية السنغالي الشيخ تجان غاديو، أن التدخل الفرنسي في مالي كان ضروريًا لأن هذه المنطقة مترامية الأطراف وليس فيها "رادار واحد"

وتقف مالي أمام عدة تحديات في المرحلة المقبلة، أولها: إنهاء النزاع العسكري وعدم تجدده بانسحاب القوات الفرنسية من المنطقة، وثانيها: تحقيق الأمن في منطقة شمال مالي وما يقتضيه ذلك من تعاون دول الجوار وبخاصة الجزائر، وآخرها: إطلاق حوار سياسي ينقل المنطقة إلى وضع أفضل خاصة فيما يتعلق بالعرب والطوارق وغيرهم من المتضررين الذين يجب أن يُسمع صوتهم.

توصيات وخلاصات

المشهد الحالي في المغرب العربي يتشكّل من دول بأنظمة جديدة (تونس وليبيا) ويحمل معه فرصة حقيقية لإرساء أنظمة ديمقراطية يتم فيها التداول السلمي على السلطة، وأخرى ينبغي أن تطلق ورشة إصلاحات لتحقق انتقالاً سلميًا وسلسًا يتيح مزيدًا من الحريات والانفتاح والديمقراطية، وتتوزع ما بين جمهورية كموريتانيا والجزائر، وملكية كالمغرب، ولا شك أن التباين في أنظمة الحكم يتطلب جهدًا أكبر لإيجاد آليات لحل المشاكل وتنسيق المواقف. ولكن الربيع العربي أثبت أن للشعوب دورها في تذليل العقبات وتقريب المسافات، وخيارها في التكامل والاندماج سيظل خيارًا إستراتيجيًا، وليس في المستقبل أي مجال لتهميش إرادتها كما كان في السابق.

ومن أهم الطموحات التي تؤمَّل من هذا التجمع أن يبلور هوية مشتركة لتساعده على النهوض والقيام بدوره، وأن يحقق فائضًا اقتصاديًا يعود عليه بالاستقرار الاجتماعي، وأن ينتج فائضًا من القوة ليكون مسموعًا من الآخرين بما يحصّن دوره الإقليمي وأمنه القومي.

كما أن أمام بلدان المغرب العربي على المستوى القُطري عدة تحديات لتواجهها، منها الانتقال مما هي عليه إلى نظم ديمقراطية منفتحة، والانتقال من نظام اقتصادي ريعي مُسيّر مركزيًا وغير تنافسي إلى نظام منتج وتنافسي، والبحث عن حل للإشكالات المتعلقة بالهوية والدين واللغة وحقوق الإنسان والمواطنة بطريقة تشاركية بما يكرس مبدأ التسامح والقبول بالآخر، ومحاربة الفساد وتكريس الحوكمة الرشيدة، وتوفير وتدعيم كل مقومات الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي هي في حاجة ملحة لها.

وقد طُرح في سياق الندوة عدة من المقترحات من أهمها:

  1. ضرورة البناء على جهود المجتمع المدني للتقريب بين شعوب المنطقة وتفعيل الروابط الثقافية والاجتماعية، وتفعيل دور الإعلام ومراكز البحوث للتوعية بأهمية اتحاد المغرب العربي.
  2. إيلاء الشعوب المغاربية المزيد من الاهتمام، وتنويرها بأهمية اتحاد المغرب العربي بكل السبل المتاحة، مع العلم بأن هذه الشعوب بقدر ما تحقق من مكاسب على صعيد الحريات وبناء المؤسسات وصياغة عقد جديد بين الحاكم والمحكوم، فإنه سينعكس إيجابًا على تفعيل اتحاد المغرب العربي.
  3. وُظّف اتحاد المغرب العربي واستُعمل لقضايا كثيرة لمصلحة الأنظمة، ولم يؤخذ بجدية من دوله لمصلحة شعوبها، حتى إن هذه الدول لم تنفق عليه من المال إلا اليسير ومن الجهد إلا القليل، رغم أن عائده مصلحيًا واجتماعيًا وسياسيًا كبير جدًا.
  4. أول ما يمكن الحث عليه وتفعيله من بنود اتحاد المغرب العربي هو فتح الحدود وتأمين حرية انتقال رؤوس المال والأفراد، وهو كفيل بأن يربط مصالح الناس بعضهم ببعض، والشعوب معنية بالدفاع عن مصالحها خاصة وأنها تسير في سياق يؤكد هويتها وتطلعاتها.
  5. التركيز على فكرة التبادل وليس التنافس بين دول المغرب العربي، والاستفادة من الميزات التفاضلية التي تمتاز بها، خاصة وأنها جميعًا أمام تحد اقتصادي صعب، وستكون عاجلاً أم آجلاً مضطرة لانتهاج سياسات اقتصادية تكاملية مع بعضها البعض لتوفر خدمات اجتماعية أفضل، ولتمتص البطالة أحد أبرز أسباب ثورات الربيع العربي.
  6. ضرورة وضع إستراتيجية موحدة لمواجهة التحديات المشتركة، منها على سبيل المثال في مجال التنمية المستدامة مواجهة التصحر والتلوث والمشاكل المائية وسواها من القضايا الملحة.
  7. ضرورة إدراك الدول المغاربية حاجتها الماسّة للتكتل والتكامل في مواجهة عالم تتحكم بقراراته المهمة الكيانات الكبيرة وتفرض التبعية على الكيانات الصغيرة.

 للعودة لتقرير أعمال الندوة إضغط هنا