الأزمة الموريتانية.. الحل المطلوب

وصلت الأزمة السياسية الموريتانية إلى طريق مسدود فلا المجلس العسكري الحكام ومساندوه ولا الجبهة المعارضة للانقلاب مستعدين لتقريب وجهة نظريهما







الدكتور زكريا ولد أحمد سالم




نقله إلى العربية سيدي أحمد ولد أحمد سالم



ملخص
تربيع الدائرة: مواقف لا يمكن التوفيق بينها؟
موسم الاقتراحات
الاتفاق المفقود؟


ملخص



وصلت الأزمة السياسية الموريتانية إلى طريق مسدود بعد انقلاب 6 أغسطس/ آب 2008 الذي أطاح بولد الشيخ عبد الله بعد خمسة عشر شهرا في الحكم. فطرفا الأزمة: المجلس الأعلى للدولة الذي أخذ السلطة تحت قيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز والجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي تسعى لعودة النظام الدستوري برئاسة رئيس الدولة المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله غير مستعدين لتقريب وجهة نظريهما.



فالانقلاب في نظر المؤسسة العسكرية ومساندوها وهم أغلبية من النواب والشيوخ وقطاعات واسعة في المشهد السياسي المحلي حقيقة واقعة يجب التعامل معها ومن المستحيل عودة ولد الشيخ عبد الله للحكم، خصوصا وأنه متهم من طرف منافسيه بمحاولة نقل الأزمة السياسية من مجالها الدستوري إلى الميدان العسكري حين أقدم على إقالة قواد الجيش من مناصبهما.



وقد عرفت الساحة السياسية عدد اقتراحات للخروج من الأزمة من بينها اقتراح نواب الجمعية الوطنية (المناوئون لولد الشيخ عبد الله) خطة تقوم على الاعتراف بالانقلاب الذي يسانده النواب أصحاب الخطة والقيام بانتخابات رئاسية يحظر على ضباط الجيش الترشح لها. ولم يحظ هذا الاقتراح هذا باهتمام يذكر.



كما تقدم بعض أعضاء مجلس الشيوخ باقتراح لحل الأزمة يقضي باستئناف انتخابات رئاسية لا يترشح لها لا الجنرال ولد عبد العزيز ولا ولد الشيخ عبد الله . وعرف هذا الاقتراح بـ"الطريق الثالث"، وذكرت بعض الشائعات إن وراء الاقتراح دوائر موريتانية مقربة من فرنسا، ولم يحظ هذا الاقتراح هو الآخر بالاهتمام المطلوب.



وكان اقتراح رئيس الجمعية الوطنية وعضو الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية مسعود ولد بلخير لحلحلة الأزمة يقوم على إجراء انتخابات رئاسية مع عودة ولد الشيخ عبد الله للسلطة ليدير هذه الانتخابات دون أن يشارك فيها وكان مصير هذا الاقتراح مصير سابقيْه.



ومع انسداد الأفق أمام المقترحات القليلة للخروج من الأزمة فإن المجتمع الدولي (الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة) أكد نيته في فرض عقوبات على القادة العسكريين وضرورة تسليم السلطة للرئيس ولد الشيخ عبد الله.



ويكمن الحل المثالي الذي قد يضع حدا للأزمة السياسية والدستورية التي تعيشها مورتيانيا في صيغة "لا غالب ولا مغلوب" مع ضرورة النظر بجدية في أن أي حل لن يكون مستديما ما لم تعالج الأسباب الجذرية التي أوصلت البلاد إلى هذه الأزمة وهي تحديد مكانة الجيش في السياسة الوطنية ومراجعة شروط تسيير رئيس الدولة المنتخب لمهامه والشروط التي تمنعه من تسيير تلك المهام وتحديد طبيعة الإصلاحات الدستورية والمؤسسية اللازمة لمعالجة هذه المسائل.



تأطير
تشير الحالة السياسية السائدة في موريتانيا بوضوح إلى أن الوضع وصل إلى طريق مسدود، ويبدو أن الحل الوحيد يكمن في مصالحة تنقذ وتحفظ ماء وجه جميع الأطراف المعنية. وفي ما عدا ذلك فإن أقل ما يقال عن الآفاق السياسية للبلد على المدى القصير إنها صعبة التنبؤ. لقد أعطى انقلاب السادس أغسطس/ آب 2008 منعطفا غامضا لديمقراطية لا يتجاوز عمرها خمسة عشر شهرا، على الرغم من أن إعادة عملية إطلاق الديمقراطية من جديد هو في صميم الرهان المطروح خصوصا عندما ننظر في السيناريوهات الممكنة لإنهاء الأزمة.



وتهدف هذه الورقة إلى تقديم تشخيص تحليلي لحلول قيد المناقشة حاليا تعالج الأزمة السياسية والدستورية القائمة في موريتانيا، حلول صادرة من كلا الجانبين المتنفسين وفي لحظة حاسمة بعد انقلاب فريد من نوعه.



تربيع الدائرة: مواقف لا يمكن التوفيق بينها؟







الانقلاب في نظر الجنرال ولد عبد العزيز وأعضاء المجلس الأعلى للدولة ومناصريهم من مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية وقطاعات اجتماعية واقتصادية وفكرية واقع يجب التعامل معه وعودة ولد الشيخ عبد الله من المستحيل


إن صعوبة تقديم حل للأزمة السياسية الحالية أمر يتناسب مع تعقيد الحالة وعمق الخلافات بين الجهات الفاعلة فيها. فبعد أربعة أشهر من اندلاع الأزمة ما زال المأزق السياسي والدستوري الناجم عن انقلاب السادس أغسطس/ آب 2008 حادا. فرجوع الأمور إلى طبيعتها أمر يبدو معلقا في ضوء الإمكانية الغامضة لتحقيق سيناريو لإنهاءٍ ممكن ومقبول للأزمة وخروج يرضي جميع الأطراف. فلا يبدو أن المجلس الأعلى للدولة الذي أخذ السلطة تحت قيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، ولا الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي تسعى لعودة النظام الدستوري برئاسة رئيس الدولة المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله مستعدين للتنازل عن مواقفهما. والحل المطلوب أصبح أكثر تعقيدا خصوصا وأن الحالة التي سبقت الانقلاب كانت صعبة ومتصلبة. وقد تصاعدت حدة التوتر حول هذا الحدث وحول الانقلاب نفسه، حيث ظل الطرف المعارض لولد الشيخ عبد الله هو نفسه: النواب المنتخبون حلفاء العسكر المشكلون لأغلبية البرلمان والمعارضة التقليدية من جهة، وفي الجهة الثانية الرئيس المنتخب/المخلوع معززا بأحزاب يشكلون أقلية.


والانقلاب في نظر الجنرال ولد عبد العزيز وأعضاء المجلس الأعلى للدولة، المدعومين من غالبية أعضاء مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية والمدعومين أيضا من طرف قطاعات اجتماعية ونخب اقتصادية وفكرية، أصبح حقيقة واقعة يجب التعامل معها، وعودة ولد الشيخ عبد الله من المستحيل بل هي أمر غير مقبول. وقد وصفت السلطات الجديدة مثل هذا الخيار المستبعد "بالخط الأحمر" الذي لا يمكن تجاوزه. فمن وجهة نظرهم لم تكن ثورة القصر التي تمت في السادس من أغسطس/آب فعلا متعمدا بل كانت رد فعل على قرار اتخذ نفس اليوم من قبل رئيس الدولة السابق ويقضي بإقالة قادة القوات المسلحة ممن كان يشتبه في دعمهم لتمرد الحاصل في البرلمان والذي أوصل الحياة السياسية في البلد إلى طريق مسدود منذ مايو/ أيار 2007.



فمحاولة الفصل الجماعي للقيادة العليا للجيش شكلت تبريرا للانقلاب العسكري الذي جنب موريتانيا مخاطر حرب أهلية ومخاطر مواجهة بين مكونات القوات المسلحة والأمن. ولكن الأهم في نظر مؤيدي الانقلاب أن الإطاحة بالرئيس شكلت في نهاية المطاف إنقاذا من المخاطر التي أوشك الرئيس السابق أن يوقع فيها البلاد منذ وصوله للسلطة. فالرئيس المخلوع متهم بمحاولة نقل أزمة سياسية من مجالها الدستوري إلى الميدان العسكري. وعلاوة على ذلك فولد الشيخ عبد الله ليس متهما بفتح صراع مع الأغلبية البرلمانية التي أوصلته للسلطة فقط، ولكن أيضا متهم بابتعاده عن كبار الضباط الذين روجوا للديمقراطية في موريتانيا وكان لهم بصفة شخصية الفضل في ترشيحه لأعلى منصب في الدولة. وكل هذه الاتهامات الموجهة لولد الشيخ عبد الله يفسرها مناوئوه بأنه حين فشل في حكم البلاد مارس نوعا من الهروب إلى الأمام.



وبالإضافة إلى ذلك فإن النظام الجديد يرى أن رئيس الدولة كان قد تجاهل قواعد المؤسسات الديمقراطية واستبدلها بنظام يتسم بسوء الإدارة والفساد والمحسوبية مهملا التنمية الاقتصادية والأمن. وكدليل على هذه التهم يذكر معارضو الرئيس أعمال الشغب ضد ارتفاع الأسعار وعمليات الإرهاب التي ارتكبت على الأراضي الوطنية. ولذلك، فإن "التصحيح" الذي قام به الجيش كان لإزالة رئيس وصف بأنه "خطير على البلاد" وكان أيضا من أجل تنظيم انتخابات رئاسية جديدة. وتحقيقا لهذه الغاية اقترح المجلس الأعلى للدولة عقد "منتديات عامة للديمقراطية" تعتمد خلالها جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد تدابير انتقالية تشمل إجراءات من شأنها أن تضع الديمقراطية الموريتانية مستقبلا على السكة وتكون في مأمن من الصراعات. وفي انتظار تحقيق اتفاق عام على هذه الصيغة فإن السلطات الحالية تؤكد على أن الديمقراطية بخير وأن مبدأ التعددية خيار لا رجعة فيه ، ولكنها أيضا تؤكد على ضمان أداء جميع المؤسسات الديمقراطية والمجالس المنتخبة لدورها. وقد صرح الجنرال ولد عبد العزيز بأن الحالة غير طبيعية ولكنها بسيطة حيث أن مؤسسة الرئاسة هي وحدها المعلقة في انتظار إجراء انتخابات جديدة. وفيما عدا هذا التصريح يجب التأكيد على أن الحلول المقترحة للعودة إلى النظام الديمقراطي طرحت مبكرا. اعتبر جميع اللاعبين الحالة الجديدة التي أوجدها الانقلاب حالة غير طبيعية بدءا بمنفذي الانقلاب أنفسهم، وهذا أمر مهم بما فيه الكفاية خاصة عند النظر في الكثير من الحلول المقترحة للأزمة والتي تم تقديمها منذ ذلك الحين.



موسم الاقتراحات






من بين حلول الأزمة الأكثر توازنا انتخابات رئاسية لا يترشح لها لا الجنرال ولد عبد العزيز ولا ولد الشيخ عبد الله ولم توافق على هذا الاقتراح وبعض الشائعات تقول إن وراءه دوائر موريتانية مقربة من فرنسا
إن إيجاد الأفكار الأصيلة لإنهاء أي أزمة أمر صعب في الكثير من الأحيان، ومعظم الاقتراحات القليلة المقدمة حتى الآن تعكس في معظمها قراءات متنوعة للأزمة وأسبابها. وبعبارة أخرى ، فإن سيناريوهات حل الأزمة إنما تعكس مواقف أصحابها سواء تعلق الأمر بأسباب الأزمة أو طبيعتها أو خصائص الوضعية السياسية في موريتانيا. وفي هذا الصدد فإن وجهات النظر تبقى متباينة للغاية.

في الأسابيع الأولى وبعيد الانقلاب أصدر نواب الجمعية الوطنية (المناوئون لولد الشيخ عبد الله) خطة لإنهاء الأزمة ويبدو أنها سقطت في النسيان. صحيح أن هذه الخطة بشقيها قامت على اعتبار أن رئيس الدولة السابق غير قادر على تسيير شؤون البلاد، كما قامت على ضرورة الاعتراف بالأمر الواقع أي بالانقلاب الذي يسانده النواب أصحاب الخطة أصلا. ولكن علينا أن نتذكر أن الخطة اقترحت القيام بانتخابات رئاسية وأن يحظر على ضباط الجيش الحاكمين الترشح لها. ولكن هذا الاقتراح وصف بالمتسرع. ورغم عدم العمل به فإنه مهد الطريق، في الشكل على الأقل وربما أيضا في المضمون، أمام أفكار أخرى تصب في اتجاه البحث عن حلول للأزمة.



بيد أن هذا المقترح بشقيه لم يجد تجاوبا من طرف المعارضين للانقلاب الذين ظلوا متمسكين بموقفهم المتصلب والداعي إلى "الشرعية الدستورية" والمساواة. وقد أكد الجنرال ولد عبد العزيز من جانبه مرارا أن الجيش لم يأت للاحتفاظ بالسلطة؛ ولا ننسى الإشارة إلى أن الجنرال لم يوضح ما إذا كان قد اتخذ قراره الشخصي بإمكانية ترشحه للرئاسة، مع أن القانون الموريتاني يحظر الترشح على عناصر المؤسسة العسكرية. ولم يحظ مقترح السلطات العسكرية القائمة المعد منذ الانقلاب ولم يوافق عليه حتى حزب المعارضة الرئيسي تجمع القوى الديمقراطية. فزعيم هذا الحزب أحمد ولد داداه الذي يجري حوارا مستمرا مع المجلس الأعلى للدولة والذي تفهم "وأخذ موقفا" من الانقلاب طلب دون جدوى أو فائدة من الانقلابيين وضع سلسلة من الضمانات المتعلقة بحظر ترشح أعضاء المجلس العسكري الحاكم للرئاسيات.



وعلى صعيد آخر تقدم بعض أعضاء مجلس الشيوخ في أكتوبر/ تشرين الأول 2008 باقتراح لحل الأزمة يقضي باستئناف انتخابات رئاسية لا يترشح لها لا الجنرال ولد عبد العزيز ولا ولد الشيخ عبد الله . وهذا الاقتراح المعروف بـ"الطريق الثالث" أو الحل "لا هذا ولا ذاك" سرعان ما نظر إليه على أنه أكثر توازنا لأنه افترض أن المشكلة الدستورية في موريتانيا هي في المقام الأول ذات صلة شديدة بالتوتر بين الجنرال ورئيس الدولة المطاح به. ولكن أيا من القوى المكونة للمشهد السياسي الموريتاني لم توافق على هذا الاقتراح إذ اعتبر غير كاف، حتى وإن كانت بعض الشائعات تقول إن وراءه دوائر موريتانية مقربة من فرنسا. كما فسر هذا الاقتراح أحيانا بأنه يعكس رغبة في تمهيد الطريق لعودة بعض الشخصيات الوطنية مثل اعلى ولد محمد فال "أبو" الديمقراطية الموريتانية.



ومما لا شك فيه أن أكثر اقتراحات حل الأزمة اهتماما من طرف الجميع هو الذي تقدم به رئيس الجمعية الوطنية والمحرك الأساسي للجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية مسعود ولد بلخير زعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي. وبالفعل وبعد شهرين من الانقلاب، اقترح ولد بلخير إجراء انتخابات رئاسية مع عودة ولد الشيخ عبد الله للسلطة الذي سيدير هذه الانتخابات دون أن يشارك فيها. واعتبر اقتراح ولد بلخير تنازلا كبيرا خاصة وأنه صادر عن معارض شرس للانقلاب. ولهذا السيناريو ميزة وهو كونه يعتبر أن رئيس الدولة المطاح به يشكل جزءا من الحل، ولكنه أيضا جزء من المشكلة السياسية المطروحة في موريتانيا. ولذلك فإن إتمام ولد الشيخ عبد الله فترة ولايته لم يعد شرطا لا مناص منه في أعين أقرب حلفائه. غير أن موقف المعارضين للانقلاب تصلب بعد الإفراج عن الرئيس المخلوع ولد الشيخ عبد الله الذي احتجز عدة أشهر ومنع من اتصال مع الخارج ثم أطلق سراحه في نوفمبر/ تشرين الثاني ووضع تحت الإقامة الجبرية في مسقط رأسه حيث يحظى بحرية الاتصال بالناس من مسؤولين أجانب ومن وسائل إعلام خارجية. ويتمسك ولد الشيخ عبد الله بموقفه الصارم والرافض للانقلاب الذي أطاح به. و"إفشال الانقلاب" بالنسبة للرئيس المخلوع شرط مسبق لقيام أي حوار. ولم يصدر عنه في أي وقت من الأوقات نيته في التخلي عن السلطة ولا حتى ربط تخليه عن السلطة تزامنا مع انسحاب الجنرالات الانقلابيين.



وعموما فإن الحلول المقترحة حتى الآن من جانب جميع الجهات الفاعلة المعارضة للانقلاب دولية كانت أو وطنية تمر من خلال عودة الرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى السلطة. فالمجتمع الدولي بمختلف مكوناته (الاتحاد الأوروبي ، الاتحاد الأفريقي ، الأمم المتحدة) لم يكتف بعدم الاعتراف بالسلطات الجديدة فقط، بل أكد نيته فرض عقوبات دولية للضغط على القادة العسكريين الجدد وتشجيع عودتهم غير المشروطة إلى ثكناتهم العسكرية وتسليم السلطة للرئيس الذي فاز بالرئاسة في عملية تحول ديمقراطي في مارس/ آذار 2007. وقد رفض قادة الانقلاب بشدة هذا المقترح الذي لم يجد صدى لديهم بل قابلوه بإطلاق برامج تنموية تستفيد منها موريتانيا على المدى الطويل، كما ظل الانقلابيون يدعون إلى ما سموه "المنتديات العامة للديمقراطية" والتي ما زالت أحزاب المعارضة المعتدلة تحجم عن المشاركة فيها على الرغم أن حزب المعارضة الرئيسي تكتل القوى الديمقراطية بزعامة أحمد ولد داداه أعلن تأييده للانقلاب. ويستند موقف المنظمات الغربية والأفريقية الحازم من القادة الجدد في نواكشوط على القانون الدولي المتعلق بتحريم تغيير الحكومات تغييرا غير دستوري، كما يعزز موقفهم هذا ما أبدته الولايات المتحدة الأمريكية على الفور من اتخاذ إجراءات انتقامية ضد حكام موريتانيا العسكريين حيث علقت واشنطن جميع مساعداتها غير الإنسانية لموريتانيا ووضعت قائمة تضم سياسيين وعسكريين يحظر عليهم السفر إلى الولايات المتحدة ويحتمل أن تكون حساباتهم في المصارف الأمريكية قد جمدت. أما جامعة الدول العربية فهي أكثر التزاما بـ"المذهب" العتيق نوعا ما، والداعي إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول فقد ظلت متحفظة وتبدي حرصها على مراقبة التطورات الجارية. وقد عبر مبعوثوها إلى نواكشوط أكثر من مرة عن رغبتهم في أن يروا حالة سياسية متفقا عليها. كما أبدى بعض دول الجوار كالمغرب والسنغال تفهمهم لما يحدث في موريتانيا والرغبة في تعزيز الاستقرار في موريتانيا.



ولا بد هنا من التذكير بأن السلطات القائمة تصر على أن حل المشاكل الموريتانية لا يتم خارج الإطار الوطني، وفي نظرهم أن أي حل غير نابع من الداخل سيكون تدخلا خارجيا مفروضا لإنهاء الأزمة ومرفوضا من طرفهم. بيد أنه ليس مستحيلا أن يقدم الشركاء الأجانب صيغا تصالحية غير رسمية قد تقرب وجهات نظر الطرفين الموريتانيين المتنازعين.



الاتفاق المفقود؟






يكمن الحل المثالي لحد الساحة في صيغة "لا غالب ولا مغلوب" لكي تنطلق التجربة الديمقراطية الموريتانية وتخرج من دائرة الشبهات التي وقعت فيها
إن الظروف العامة للبلد مواتية لتجاوز الأزمة الدستورية الراهنة. فالأمن المدني سائد و الوضع الاجتماعي والأمني على الصعيد العالمي يتميز بهدوء ملحوظ. ولكن من الواضح أنه في أجواء سياسية متوترة ليس هناك أي توافق في الرأي حتى الآن بين المتنازعين بل قد يبدو من الصعب التوفيق بين مواقفهم. ويبقى أن الشرط الأساسي لأي حل لصراع ما هو الشروع في حوار مباشر أو غير مباشر بين المعنيين الرئيسيين. وبعد ذلك ستظل تسوية الأزمة مرتبطة بقدرة الأطراف الداخلية الفاعلة مدعومة بوساطة دولية على إيجاد توليفة ذكية لسيناريوهات مختلفة من شأنها أن تنهي الأزمة المطروحة.


ويكمن الحل المثالي لحد الساحة في صيغة "لا غالب ولا مغلوب" لكي تنطلق التجربة الديمقراطية الموريتانية وتخرج من دائرة الشبهات التي وقعت فيها. وعلى أي حال وأيا كانت الزاوية التي ننظر منها لحل هذه الأزمة فإن أي حل لن يكون مستديما ما لم تعالج الأسباب الجذرية التي أوصلت البلاد إلى هذه الأزمة وأعني: مكانة الجيش في السياسة الوطنية، شروط تسيير رئيس الدولة المنتخب لمهامه والشروط التي تمنعه من تسيير تلك المهام. ويبقى تحديد طبيعة الإصلاحات الدستورية والمؤسسية اللازمة لمعالجة هذه المسائل والإجراءات اللازمة لاعتمادها وكذلك السؤال الفوري والملح والمتعلق بإجراءات استعادة مؤسسة الرئاسة "المعلقة" منذ الانقلاب.
_______________
أستاذ العلوم السياسية - كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية جامعة نواكشوط - موريتانيا
مركز الجزيرة للدراسات