قرار اعتقال البشير.. التداعيات المحتملة والمخرج المتاح

أدى قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير إلى حراك سياسي وتفاعلات ومواقف سياسية في الداخل السوداني، كما حملت معها تداعيات وسيناريوهات عدة محتملة التحقق.
1_901440_1_34.jpg







 

أبو بكر حسن محمد الباشا


قررت المحكمة الجنائية الدولية الموافقة على مذكرة المدعي العام للمحكمة لويس أوكامبو باعتقال الرئيس عمر البشير وتوقيفه توطئة لمحاكمته عن التهم التي نسبها إليه المدعي العام، بارتكاب جرائم حرب ليس من بينها الإبادة الجماعية، وقد أدى صدور المذكرة إلى حراك سياسي وتفاعلات ومواقف سياسية في الداخل السوداني، كما حملت معها تداعيات وسيناريوهات عدة محتملة التحقق.


ملخص مواقف الأطراف الداخلية
المواقف والعلاقات السياسية الداخلية بعد القرار
الخيارات المتاحة أمام الحكومة لتجاوز الأزمة
التداعيات السلبية المحتملة
الفرص المتاحة للخروج من الأزمة
الخلاصة


ملخص مواقف الأطراف الداخلية


الموقف الرسمي
يتلخص برفض المحكمة والعمل ضدها بكافة السبل السياسية والقانونية، مع الالتزام باتفاقات السلام وكافة المواثيق والاتفاقات الدولية.


الحركة الشعبية






البشير يوجه رسائل تحذير من دارفور عقب قرار المحكمة (الجزيرة-أرشيف)
ترفض قرار توقيف البشير، وتدعو للتعامل مع المحكمة بالطرق القانونية والسياسية، والتركيز على التداعيات التي ستترتب على القرار، بدلا من التركيز على القرار نفسه، مع تأكيدها الاستمرار في العمل مع شريكها في الحكم، المؤتمر الوطني، لأنها تخشى أن تنعكس تداعيات القرار على اتفاقيات السلام فتنهار في الوقت الذي اقتربت فيه لحظة تقرير المصير للجنوب عام 2011، والتي ستسبقها الانتخابات العامة المفترض أن تجري في يوليو/تموز القادم.

حزب المؤتمر الشعبي
طالب أمينه العام حسن الترابي الرئيس البشير بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية، محذرا من تكرر سيناريو العراق، لأن عدم استجابة الدولة لطلب المحكمة بتسليم البشير سينقله إلى مجلس الأمن، وفي حال إخفاق الأخير يمكن لبعض القوى أن تستعمل القوة لتنفيذه. ويرى أن المحكمة ليست سياسية لأنها ليست مؤلفة من دبلوماسيين وسياسيين بل من قضاة ورجال قانون.


حزب الأمة القومي
يرفض تسليم الرئيس عمر البشير أو اعتقاله، لأن ذلك سيؤدي بتقديره إلى مواجهات وانفجار وسيفتح "أبواب جهنم على السودان"، وأن أية محاولة لتغيير الأوضاع في السودان بإرادة خارجية مرفوضة، وسيفتح بابا للوقوع تحت الهيمنة الدولية. ودعا الحزب إلى ما أسماه "محكمة هجين تطبق القانون الجنائي الدولي"، وتتكون من قضاة سودانيين وعرب وأفارقة للتحقيق في الجرائم في دارفور لإقامة العدالة.


الحزب الاتحادي الديمقراطي
يرفض التدخل الأجنبي وقرارات المحكمة الجنائية الدولية تجاه السودان، وشكل الحزب لجنة سياسية قانونية لتقديم الرأي والمشورة للرئيس البشير، ويطالب الحزب بتوطين العدالة بالداخل ولا يقبل بمحاكمة أي سوداني خارج البلاد.


الحزب الشيوعي السوداني
طالب الحكومة السودانية بعدم اللجوء إلى تصعيد المواجهة مع الأسرة الدولية، ودعا إلى توحيد الجبهة الداخلية ومضاعفة الجهود للوصول إلى حل شامل وعادل لقضية دارفور يشارك فيه الجميع.


الحركات الدارفورية المسلحة
أيدت حركة العدل والمساواة دون تحفظ قرار محكمة الجنايات الدولية، بيد أن الغموض مازال يكتنف موقفها فيما يتصل بعملية السلام، هل ستذهب إلى محادثات الدوحة أم لا؟





أدى صدور قرار المحكمة بتوقيف البشير إلى حراك سياسي وتفاعلات ومواقف سياسية في الداخل السوداني
والتقدير أن الحركة كانت تتوقع موقف المحكمة الجنائية قبل الذهاب إلى الدوحة، وأنها كانت تستخدم المفاوضات غطاءً لأجندة تتضمن إطلاق سراح "معتقلي وأسرى" الحركة، وإيجاد آلية سياسية لمخاطبة الشعب السوداني "حول نوايا الحركة السلمية وأهدافها"، وقد حققت مفاوضات الدوحة قدرا مهما من ذلك الهدف.

وقد أيدت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور قرار المحكمة، ومن المشكوك فيه أن تتمكن هذه الحركة المعارضة لمفاوضات الدوحة، من الضغط على السلطة المركزية لأنها تفتقر إلى القوة العسكرية الميدانية الفعالة.


كما أن مني أركو مناوي زعيم حركة تحرير دارفور، وكبير مساعدي رئيس الجمهورية عبر بوضوح عن رفضه لهذه المحكمة، ورغم أنه قد عارض مفاوضات الدوحة ورفض الاشتراك فيها بسبب حسابات داخلية وإقليمية، إلا أن هذا الوضع قد تغير بعد الرابع من مارس/آذار كليا، ومن ثم سيجري اصطفاف جديد للقوى الفاعلة في الساحة السودانية عبر استعادة تمركزها في ضوء هذا المتغير المهم.


المواقف والعلاقات السياسية الداخلية بعد القرار 


من خلال الاستعراض لموقف القوى السياسية الرئيسية في السودان والمعنية بالأزمة مباشرة يمكن تأشير أهم المتغيرات، وعلى النحو الآتي:



  • سوف تتقايض القوى السياسية بما فيها شريكي الحكم التنازلات للاتفاق على حد أدنى من التوافق عبر تراضٍ ضمني أو متفق عليه في هذه المرحلة.
  • تتوافق أطراف المعارضة جميعها في الطرح على ضرورة إيجاد منبر أو آلية وطنية موحدة لمعالجة تداعيات الأزمة، ما يعنى أن الملف الوطني سيصبح كله على مائدة مفاوضات مستديرة، على أن لا يكون من بين أجندتها تنحي الرئيس البشير. وبهذا قد يسبق الحل الشامل الانتخابات المقبلة.
  • تحرص جميع الأطراف على الحفاظ على الأمن، وعلى المضي قدما في تنفيذ اتفاقيات السلام في نيفاشا وأبوجا وتطويرها بإشراك القوى السياسية الأخرى على الأقل في المفاوضات المقبلة في الدوحة وتوظيفها وتخويلها بإجراء محادثات منفردة أو جماعية مع الحركات المسلحة.
  • تتفق جميع الأطراف على سد الفجوة التي أحدثتها مسألة طرد بعض منظمات العون الإنساني في دارفور، وهي فرصة أمام منظمات العمل الطوعي الإنساني الوطنية كي تحل مكان المنظمات المبعدة، وقد يقنع دورها النازحين بالعودة الطوعية لقراهم تزامنا مع بسط الأمن من قبل الدولة في دارفور.
  • تدرك القوى السياسية المعارضة وطرفا الحكم أن قرار المحكمة الجنائية الدولية سيكون له أثر بالغ على مستقبل السلطة وتوزيع الثروة في البلاد، وأن هناك استحقاقاتٍ سوف يدفعها الجميع دون استثناء، وسيراهن الجميع على ضرورة حفظ الأمن والاستقرار بما يفسح المجال أمام الانتخابات المقبلة.

الخيارات المتاحة أمام الحكومة لتجاوز الأزمة 


على المستوى الداخلي
1- تشكيل حكومة قومية من مختلف القوى السياسية الفاعلة في البلاد برئاسة عمر البشير، مما يكسب رئيس الجمهورية حصانة أكبر ويفتح المجال لحل أزمة دارفور، ولحوار خارجي على أسس داخلية صلبة لتجاوز الأزمة.


2- الإسراع في تنفيذ بنود اتفاقيتي السلام في نيفاشا وأبوجا، وبشفافية لضمان موقف الحركة الشعبية الشريك القوي في الحكم والرافض لقرار المحكمة الجنائية الدولية مع بعض الاختلاف عن موقف المؤتمر الوطني، ولفسح المجال أمام حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي لبسط نفوذه في دارفور بوصفه رئيسا للسلطة التنفيذية في دارفور بموجب اتفاقية أبوجا، عبر دعمه عسكريا وسياسيا واقتصاديا، بكلمة أخرى تسليمه ملف دارفور ودعمه من خلف الستار، بعد أن لاحت في الأفق بوادر تبخر آمال السلام مع الحركات المسلحة الأخرى في الإقليم.





من الخيارات المتحة أمام الحكومة لتجاوز الأزمة طرد المزيد من المنظمات الطوعية العاملة في دارفور والتي ثبت تورطها سابقا في مهام غير التي جاءت من أجلها
3- تنحي الرئيس البشير عن رئاسة المؤتمر الوطني ورئاسة الجمهورية، وهو احتمال ضعيف بل غير وارد، حيث أنه سيفتح الباب واسعا للصراع الداخلي الذي سيقوده حتما في هذه المرحلة إلى الحروب الأهلية وتشظي الدولة.

4- طرد المزيد من المنظمات الطوعية العاملة في دارفور والتي ثبت تورطها سابقا في مهام غير التي جاءت من أجلها، وذلك للضغط على الدول المتورطة في دعم قرار المحكمة الجنائية الدولية وتليين موقفها المعارض للتسوية السياسة السلمية عبر الآليات المتاحة حاليا.


5- بسط سلطة الدولة في دارفور عبر القوات المسلحة السودانية، وطرد الحركات المسلحة خارج الإقليم دون المساس بقوات ومهام اليوناميد، بل والتعاون معها لحفظ الأمن والاستقرار في دارفور، وذلك لخلق واقع على الأرض يتيح للسلطة إمساك أوراق القضية كلها داخليا.


على المستوى الخارجي
1- الاستفادة من موقف الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز وموقف الصين وروسيا لتفعيل المادة 16 من ميثاق روما في تعليق قرار الاعتقال أو تجميده، كخطوة أولى نحو إلغائه نهائيا بآلية قانونية وسياسية أخرى، وعدم تمرير قرارات جديدة من مجلس الأمن بوصفه هيئة سياسية عبر أصدقاء السودان في المجلس.


2- الطلب من الدول الشقيقة والصديقة الإعلان صراحة عن رفضها لقرار المحكمة، وتوجيه الدعوات لرئيس الجمهورية لزيارتها كسرا للحصار.


3- الضغط على القمة العربية المقبلة في الدوحة للالتزام بميثاق الجامعة العربية وتفعيله، ورفع سقف موقف الجامعة العربية بعدم الاعتراف بالقرار، وبالتالي عدم الالتزام به.


التداعيات السلبية المحتملة 


إذا عد قرار المحكمة بمثابة مقدمة لقرارات عقابية متلاحقة من قبل مجلس الأمن، فسوف يكون لتداعياته واحتمالاته عواقب وخيمة ومن ذلك:



  • تطور النزاع بإحالة قرار المحكمة إلى مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وانخراط الأخير في إجراءات عقابية مثل حظر الطيران فوق دارفور.
  • الانزلاق إلى الحرب مرة أخرى بين شريكي الحكم بسبب تباين الرؤى الناجم عن الضغط الدولي، والتسريع بانفصال جنوب السودان قبل الموعد المضروب للاستفتاء في العام 2011.
  • المغامرة بإحداث انقلاب عسكري واحتماله ضعيف، لأن أي انقلاب يقوم به ضباط سيجعلهم بدورهم مطالبين بتسليم بعضهم لمحكمة الجنايات، لهذا فالحفاظ على الوضع القائم فيه حماية لهم.
  • حدوث تخريب ممول من أطراف إقليمية ودولية نافذة، ولديها المصلحة في تفجير الأوضاع في السودان مثل أميركا "وإسرائيل"، قد يقود إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد وبالتالي تراجع الحريات وتعطيل الدستور واختلاط الأمر سياسيا، وإعادة الاصطفاف من بين ثنايا الأخطار التي تصاحب عادة أوضاعا بهذا الوصف، ودعوة الأطراف الدولية للتدخل.
  • تعرض السودان لضربة عسكرية دولية في إحدى مراحل النزاع عبر طرف معادٍ كأن تكون أميركا مثلا أو إسرائيل أو تحالف من الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا وفرنسا) تحت أي ذريعة، وقد يؤدي إلى انفراط عقد الدولة وصوملتها.

الفرص المتاحة للخروج من الأزمة 


إن تجاوز الأزمة الراهنة يأتي عبر حزمة من الحلول المقترحة منها على سبيل المثال:





من الحلول المقترحة لتجاوز الأزمة الراهنة التمسك وطنيا بعدم تسليم رأس الدولة لأسباب سيادية ووطنية، والضغط على مجلس الأمن لمعالجة الوضع في السودان سياسيا
1- التعجيل بالحوار الدارفوري - الدارفوري وإشراك الحركات المسلحة دون استثناء لبناء الثقة، ويمكن أن يكون ذلك برعاية إقليمية محايدة، وسابقا لأي مؤتمر وطني جامع لتجاوز الأزمة.

2- الإسراع بحل مشكلة اللاجئين في مناخ من التنمية، واستتباب الأمن ونزع السلاح مع تعزيز دور الجيش والشرطة، وقبول الحركات المسلحة بالسلام العادل.


3- إيجاد آلية مركزية وطنية عبر إشراك القوى السياسية في السودان كافة في مؤتمر دستوري أو مؤتمر جامع تناقش فيه قضايا الثروة والسلطة ومن ضمنها دارفور.


4- التمسك وطنيا بعدم تسليم رأس الدولة لأسباب سيادية ووطنية، والضغط على مجلس الأمن لمعالجة الوضع في السودان سياسيا عبر آليات السلام ومؤتمراته في الدوحة وغيرها من العواصم العربية والأفريقية والعالمية.


5- اعتبار إقليم دارفور قضية سودانية عربية أفريقية من خلال توفير الدعم المالي الكافي لتعويض المتضررين وخلق تنمية حقيقية تنهي النزاع المسلح، وإلزام القمة العربية المقبلة في الدوحة بتكوين (صندوق إعمار دارفور) ودعمه لهذا الغرض، وحثها على عدم الاعتراف بقرارات الجنائية أو الالتزام بحظر سفر المسئولين السودانيين.


6- إقبال الدولة على تقديم نموذج تنموي مقنع في المناطق الآمنة بدارفور يراعي أوضاع النازحين، بإعادة ممتلكاتهم وتعويضهم ماليا لجعل ثمرات السلام أكثر جذبا من الآمال المعقودة على الحرب.


7- إجراء محاكمات عادلة للمتورطين في جرائم حرب في دارفور، ولا بأس هنا من الأخذ باقتراح السيد الصادق المهدي بإنشاء محكمة هجين تتكون من قضاة سودانيين وعرب وأفارقة ومن دول أخرى، وخلق المناخ الملائم لعملها والأخذ بقراراتها.


8- دفع الشريكين في الحكم لإنفاذ اتفاقيات السلام كافة: نيفاشا، أبوجا، طرابلس، الشرق، وتوفير الفرص لإنجاح محادثات الدوحة للسلام في استباق لأي إجراءات قد تصدر عن مجلس الأمن إذا أحيل إليه ملف المحكمة الجنائية الدولية، وأمر توقيف الرئيس البشير.


الخلاصة 


إن الوضع الخطير الذي تركته مذكرة توقيف الرئيس عمر البشير، ومحاولات فرض العزلة على السودان عربيا ودوليا وتحويل قضية التعارض البيئي والجغرافي في دارفور إلى قضية تعارض اجتماعي، وتقاطع سياسي بين دارفور والمركز، وتنمية العلاقات العدائية بسبب ذلك، كل هذا يستدعي حراكا سياسيا داخليا بديناميكية أعلى واهتماما عربيا بالشأن السوداني، فقد عاني السودان كثيرا من إهمال ذوي القربى، وحان الوقت للتدخل الإسعافي لإطفاء الحريق في دارفور قبل أن يشعل المنطقة كلها في ظل تعقيدات وتقاطعات إقليمية ودولية تصب الزيت على النار في السودان، وتعطل إمكانياته الهائلة... إن الفرصة لم تضع بعد!
_______________
باحث وأكاديمي سوداني