نزاع الكرد مع السلطة العراقية في ظل أوباما

النزاع ليس بين العرب والكرد، بل هو نزاع بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان، حيث إن النزاع لم يتحول بعد إلى نزاع قومي حقيقي بين الطرفين.







ناظم يونس عثمان


ابتداءً أود القول إن النزاع ليس بين العرب والكرد، بل هو نزاع بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان، حيث إن النزاع لم يتحول بعد إلى نزاع قومي حقيقي بين الطرفين.


جذور الخلاف
التغير الأميركي ودلالاته
مخاوف الكرد من الحكومة الاتحادية
التوقعات ومآل المشكلة
الحلول والتوصيات


جذور الخلاف


ويبدو أن النزاع له جذور تاريخية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وما تلاه من أحداث بين "الحركة التحررية" الكردية والحكومات المركزية في بغداد، وهذا متأت من التوجس والخشية المستمرة من الكرد تجاه الحكومات المركزية بسبب "التراكمات السلبية" الماضية، وأضيفت إليها مجموعة من الخلافات المستجدة على الساحة العراقية بعد سقوط النظام السابق عام 2003.





عبرت القيادة الكردية أكثر من مرة بأنها لم تطالب إلا بأقل ما تمكن مطالبته في الظروف الحالية للعراق، من أجل دعم مسيرة بناء العراق الجديد الديمقراطي
وتعود هذه المخاوف الكردية إلى الرغبة في تأمين المصالح القومية للكرد من خلال ما جاء في بنود الدستور العراقي الدائم عام 2005، الذي نص على أن تكون الحقوق الكردية مصانة ومدونة في هذا الدستور، كما يشمل إقامة شبه كيان كردي مستقل يشمل الإقليم مع المناطق المتنازع عليها، ولا سيما مشكلة كركوك التي خصصت لها المادة 140من الدستور الدائم.

وقد ازدادت مخاوف الحكومة الاتحادية من ارتفاع سقف المطالب الكردية المستمرة، على الرغم من أن معظم القوى السياسية العراقية قد اعترفت بهذه "الحقوق" من خلال مؤتمرات المعارضة العراقية قبل سقوط النظام السابق، وقد عبرت القيادة الكردية أكثر من مرة بأنها لم تطالب إلا بأقل ما تمكن مطالبته في الظروف الحالية للعراق، من أجل دعم مسيرة بناء العراق الجديد الديمقراطي.


التغير الأميركي ودلالاته 


وحاليا هناك خشية كردية حقيقية على المستويين الرسمي والشعبي من تحول مسارات السياسة الأميركية باتجاه معاكس للمصالح الكردية ولاسيما بعد التقارب الأميركي التركي.


ويبدو أن الموقف الأميركي الجديد لا يعد تغييراً جذرياً تجاه الكرد، لأن أميركا -كانت ولا تزال- تتعامل مع الأطراف الخارجية والدول والقوى السياسية بما يضمن مصالحها وتتعامل مع الواقع بما هو موجود على الأرض.


والتغيير الأميركي تجاه الكرد لم يأت إلا بعد فشل السياسات الأميركية السابقة تجاه العراق، وعدم حصولهم على نتائج إيجابية من خلال تقاربهم مع الكرد في إيجاد عراق مستقل وآمن وديمقراطي.


إلا أن "التخلي الأميركي" الفعلي عن الكرد في الأفق القريب غير واضح، ولكن في بعده الاستراتيجي يمكن رصد الآتي:



  • التهميش الأميركي السياسي والدبلوماسي وعدم الاتصال المباشر مع القيادة الكردية.
  • عدم فتح قنوات أميركية جديدة مع الحكومة الكردية الرسمية في الآونة الأخيرة.
  • زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا إلى العراق اقتصرت على بغداد ولم تشمل إقليم كردستان، واجتمع مع الحكومة العراقية الفدرالية مطولا بينما كان لقاؤه مع زعماء الكرد لدقائق قليلة. وقد سبقته وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إلى عدم زيارة الإقليم.
  • كما لم يشر أوباما أثناء زيارته لتركيا إلى إقليم كردستان العراق ولا حتى إلى أية حقوق كردية في تركيا، بل شدد على أن نشاطات حزب العمال الكردستاني ليس إلا إرهاباً يهدد أمن تركيا والمنطقة بأسرها ولا بد من وضع حد نهائي وحاسم لها.
  • وإقليميا هناك برود في التعامل الإقليمي مع حكومة كردستان، حيث قلت زيارة الوفود الدول الإقليمية الرسمية إلى كردستان في الآونة الأخيرة.
  • ومحليا لم تجتمع الحكومة الفدرالية مع الكرد بشكل علني أو رسمي إلا في حالات محدودة وغير مؤثرة تنحصر في لقاء القيادات الحزبية المحدود.




الإهمال الأميركي للكرد ليس من مصلحة واشنطن على الأقل في المرحلة الراهنة لأنها بحاجة إلى الدور الكردي حالياً ولاسيما أن بعض الملفات الساخنة في المنطقة لم تحسم بعد
ومن المفارقات أن الرئيس مسعود بارزاني حاول تعزيز علاقاته مع أطراف أوروبية أخرى من أجل إيجاد أرضية مشتركة معها وتوضيح المشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، إلا أنه تزامن مع ذلك اعتداء إيراني على إقليم كردستان بقصف بعض القرى الحدودية الكردية العراقية، ولم تلقى أي رد فعل أميركي يشجب أو يدين هذا الاعتداء.

ورغم هذا أرى أن الهدف من هذا التهميش والإهمال هو تقوية الحكومة الاتحادية في بغداد، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية ولاسيما موضوعي "الإرهاب وتدخل دول الجوار" في العراق.


كما أن الإهمال الأميركي للكرد ليس من مصلحة واشنطن على الأقل في المرحلة الراهنة لأنها بحاجة إلى الدور الكردي حالياً ولاسيما أن بعض الملفات الساخنة في المنطقة لم تحسم بعد، فعلى سبيل المثال:



  • لا زالت المفاوضات الأميركية الإيرانية حول العراق ومستقبله لم تنته.
  • وكذلك الحال بالنسبة للعلاقات الأميركية السورية فإنها لم تصل حد التطبيع.
  • ولا تزال تشهد الساحة العراقية تجاذبات وصراعات، بعضها حزبية وأخرى مذهبية وأحيانا سياسية، وتحتاج إلى رؤية عميقة وصادقة وحازمة لتجاوزها ولا يتحقق ذلك إلا بالمصالحة الوطنية الشاملة.

مخاوف الكرد من الحكومة الاتحادية 


ولا شك أن للكرد مخاوف حقيقية وقد تزايدت وأصبحت ملموسة مؤخرا حتى لدى الرأي العام الكردي، وهي مخاوف على مستقبلهم مع الحكومة الاتحادية ومن الموقف الأميركي الجديد، ويبدو أن هذه المخاوف تتركز في النقاط التالية:


البعد الداخلي
حيث كان لإنشاء مجالس الصحوة ومجالس الإسناد من قبل الحكومة الاتحادية ردود فعل سريعة من قبل حكومة الإقليم برفض هذه المجالس جملة وتفصيلاً لأنها تشكل خرقا للدستور، وتعيد "ذكريات الماضي الأليم بالنسبة للكرد" عندما كانت الحكومات المركزية السابقة تؤسس هذه القوات تحت مسميات أخرى (الفرسان–الجحوش) لمحاربة القوات الكردية (البيشمركة). وقد وجدت القيادة الكردية بأن تشكيل هذه المجالس ما هي إلا بداية لما كان يحصل في السابق.





للكرد مخاوف حقيقية وقد تزايدت وأصبحت ملموسة مؤخرا حتى لدى الرأي العام الكردي، وهي مخاوف على مستقبلهم مع الحكومة الاتحادية ومن الموقف الأميركي الجديد
ويبدو لنا أن القيادة الكردية محقة في هذه المخاوف، لأنها ترى في سياسة الحكومة الاتحادية معها سبيلا للضغط على الكرد وحكومة الإقليم من أجل إضعافها ونزع الشرعية عن مطالبها الدستورية والقانونية والسياسية، فعلى سبيل المثال ترى القيادة الكردية أن إبقاء المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية ما هو إلا غاية لإيقاف المطالب الكردية وإيقاف التنمية في الإقليم، منها تطبيق المادة 140 من الدستور وكذلك قانون النفط والغاز، والمماطلة في حل مشكلة البيشمركة، وعدم إقرار الميزانية الخاصة بالإقليم، وكذلك المشاكل العالقة مثل الجمارك والصحوات وعدم تحديد حدود الإقليم... الخ.

وكل هذه المشاكل هي نتاج سياسات تكتيكية تقوم بها الحكومة الاتحادية إزاء الإقليم، وليست قائمة على أي أساس أو رؤية إستراتيجية، لأن الحكومة لم تؤسس لنفسها قاعدة شرعية، كما أنها لا زالت حكومة ضعيفة غير قائمة على مؤسسات رصينة تدعم موقفها على الصعيد الداخلي.


أما بالنسبة للكرد فإنهم يتمسكون بالدستور لأنه الضمانة الوحيدة لمطالبهم، وتحاول الحكومة الكردية كسب الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي على هذا الأساس الدستوري الشرعي الذي اتفقت عليه جميع القوى السياسية العراقية قبل إعلانه وبعد الاستفتاء عليه، كما تحاول تسخير الإعلام بمختلف وسائله لتحقيق هذا الهدف.


ولكن الحكومة الكردية لا تكتفي بذلك بل تلوح في بعض الأحيان بالانفصال وبين الحين وآخر، بل وكلما وجدت نفسها في زاوية ضيقة أو عندما لا تجد حاجة في المفاوضات مع الحكومة الاتحادية.


البعد الخارجي
إن التقارب العراقي التركي غير المسبوق في الآونة الأخيرة وحماس الحكومة العراقية الغريب في التحالف مع تركيا ما هو إلا دليل على المناورة والالتفاف على حكومة الإقليم، لكونها لم تتمكن من وضع حد لنشاطات حزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية مع تركيا، وهذه حجة مستمرة على الإقليم من قبل الدولتين، وهي نقطة التقاء أساسية بينهما كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك.


ولا شك أن العلاقات العراقية الإيرانية على الصعيد الرسمي تشهد تحسنا كبيراً ومستمرا طالما أن أغلبية أصحاب القرار في الحكومة العراقية هم من الموالين لإيران، والساحة العراقية تشهد الآن حضورا إيرانيا واسعا وواضحا سواء في العلن أو في الكواليس ولاسيما في الوسط والجنوب.


التوقعات ومآل المشكلة 


تتجه العملية السياسية في العراق بخطى بطيئة نحو الديمقراطية على الرغم من ازدياد الهوة وانعدام الثقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وإذا لم يتجاوز الطرفان الخلافات العالقة بينهما فليس لهما بديل لبناء الثقة وإقامة دولة على أسس القانون والديمقراطية، ولاسيما أن الطرفين بأمس الحاجة إلى دفع التنمية الاقتصادية والبناء والاستثمار لتحقيق أهداف مرحلية في مقدمتها إتمام عملية الانتخابات القادمة والحصول فيها على أكبر نسبة ممكنة من الأصوات لزيادة المكاسب والمغانم السياسية.





الجانب الكردي لا يثق بمواقف الدول العربية والإسلامية لأنها لم تجد أي موقف إيجابي منها تجاه ما تعرض له الكرد من "حملات الإبادة المستمرة"، إلى جانب عدم امتلاك الكرد أية صفة رسمية أو غير رسمية في المنظمات العربية والإسلامية
ومن المهم التنويه بأن رؤية الشارع الكردي للعالم العربي والإسلامي رؤية سلبية وقلقة وغير واضحة، لأن الدول العربية تدعم وتؤيد باستمرار أن يكون العراق دولة موحدة وقوية ومركزية ومؤثرة على الصعيد الإقليمي، وهذا يشكل إلى حد ما قلقا كرديا لأنها ترى في هذا الموقف الرسمي إضعافا لإرادتها وتهديدا لحقوقها ومطالبها.

ولهذا نجد أن الجانب الكردي لا يثق بمواقف الدول العربية والإسلامية لأنها لم تجد أي موقف إيجابي منها تجاه ما تعرض له الكرد من "حملات الإبادة المستمرة"، إلى جانب عدم امتلاك الكرد أية صفة رسمية أو غير رسمية في المنظمات العربية والإسلامية.


وبعد دراسة الموقف الحالي بين الطرفين، نتوقع أن تتجه العلاقات بينهما نحو تحجيم المشاكل والتهدئة لجملة أسباب منها:



  1. أن القيادة الكردية والنخبة المثقفة فيها ترى أن ليس لهم بديل سوى العراق، على الأقل في المستقل المنظور، وأخذت آمال الانفصال تبدو لديهم شبه مستحيلة الآن.
  2. وتدرك القيادة الكردية أن الكرد جزء حقيقي ومؤثر في الحكومة المركزية، وأنه في حال تفاقم الخلاف مع الحكومة وانحسر نفوذ الكرد فيها، فإن الخسارة للكرد ستكون كبيرة، وعليه فلا بد من القبول بسياسة الأمر الواقع ليس من الجانب الكردي فحسب بل من الحكومة الاتحادية أيضا.

الوسطاء المحتملون
ولم تظهر في الآونة الأخيرة أية وساطة علنية أو سرية بين الجانبين لا على الصعيد الداخلي أو الدولي، ومن يقوم بهذا الدور على الصعيد الداخلي هم النخب المثقفة المستقلة غير المتحزبة من الطرفين، أو رؤساء العشائر العراقية المعروفة والمؤثرة.


أما على الصعيد الإقليمي فأبرز وسيط قد يكون الكويت أو الإمارات العربية المتحدة، ومن الممكن أن يقوم بهذا الدور كل من تركيا وإيران على شرط أن يكون دورهما في الوساطة دورا سريا وغير معلن (وراء الكواليس)، لكونهما من الدول المجاورة الكبيرة والفعالة والمؤثرة، ولهما باع طويل في الشأن العراقي، ولهما علاقات رسمية حميمة مع جميع الأطراف الرسمية والشعبية.


أما على الصعيد الدولي فلا نرى بديلا سوى حكومة الولايات المتحدة لأنها تستطيع أن تؤدي هذا الدور سواء كان بالتهديد أو الترغيب.


مآل المعادلة المذهبية
كانت الأوضاع السياسية والأمنية في العراق في الفترة الماضية وحاليا أو في المستقبل القريب لصالح الكرد، لأن المعادلة المذهبية في العراق كانت تشكل أمرا في غاية الخطورة لأنها تهدد بتقسيم العراق وضياعه بين الدول المجاورة، بل كانت تشكل خطرا كبيرا على البرنامج الأميركي الاستراتيجي القادم في المنطقة.


فالصراع والخلاف السني الشيعي كان يخدم بالنتيجة الكرد، والتقارب السني الشيعي الحالي (إلى حد ما) قد يغير من المعادلة السياسية في العراق بأن يتحول الخلاف المذهبي إلى خلاف قومي بين الحكومة الاتحادية (العرب) وحكومة الإقليم (الكرد).


ولذا نرى أن الخلاف الحالي ليس خلافا أو نزاعا بين الكرد والعرب في العراق، بل هو نزاع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على المصالح والنفوذ والسلطة والحدود الإدارية والثروات الطبيعية. ..الخ.


الحلول والتوصيات 


ولهذا نرى أن المصارحة والمصالحة لا يمكن تجزئتهما بين الطرفين، بل يجب أن تكونا شاملتين وصريحتين وواضحتين وعلنيتين أمام الشعب والبرلمان.


الحلول المقترحة
نرى أن أهم الحلول لفض الخلافات بين الجانبين تكمن في:






  1. الخلاف الحالي ليس خلافا أو نزاعا بين الكرد والعرب في العراق، بل هو نزاع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على المصالح والنفوذ والسلطة والحدود الإدارية والثروات الطبيعية ...الخ
    الالتزام بالدستور بصيغة توافقية جديدة في نقاط الخلاف.
  2. تأجيل قضية كركوك والمناطق المتنازعة عليها لفترة قادمة لحين حل الخلافات العالقة الأخرى وبناء الثقة من جديد بين الطرفين.
  3. تخفيف حدة المواقف الصلبة والمتشنجة من الحكومة الاتحادية إزاء بعض المطالب والاستحقاقات العائدة لحكومة الإقليم حول النفط والغاز والمسائل الأخرى.
  4. زيادة العائدات المالية لحكومة الإقليم من 17% إلى 20%.
  5. الاهتمام بمشاريع الإعمار والتنمية من قبل الطرفين.
  6. حل المشاكل المتراكمة والقضاء على الفساد الإداري والمالي والاهتمام بالإصلاح والتجديد وبناء المجتمع المدني الديمقراطي.

التوصيات
نرى أن حل الخلاف بين الطرفين يتم:



  • عبر القبول بالتعايش السلمي داخل البلد، والتركيز على حق المواطنة وتطبيق القانون على الجميع.
  • بمحاولة تعديل الدستور بالتوافق والتراضي عبر مفاوضات شفافة وصريحة، ليس بين الحكومة الاتحادية والإقليم بل عبر الأطراف السياسية والحزبية والقوى الرئيسية في البلد.
  • بإقامة المؤتمرات والمنتديات الرسمية والشعبية في مختلف المجالات بين الطرفين ترعاها مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات العلمية والتعليمية.
  • باتفاق الطرفين على فتح المعابر ونقاط العبور وتسهيل التبادل الرسمي والشعبي بينهما.
  • تقوية دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في إبراز العلاقات التاريخية القائمة على الأخوة الكردية العربية، ونبذ الخلافات السابقة عبر توجه إعلامي صادق وبناء وشفاف.






_______________
عميد كلية القانون والسياسة جامعة دهوك/ كردستان العراق