العملية العسكرية ضد طالبان باكستان

عرف مسلسل "الحرب على الإرهاب" على الجبهة الباكستانية تطورات كبيرة ومتسارعة منذ شهر أبريل، تزامنت مع الإعلان عن سياسة أوباما الجديدة في المنطقة. فما هي أبعاد ودلالات العملية العسكرية ضد طالبان باكستان؟ وما تأثيرها على المشهد السياسي العام للبلاد وعلاقاتها الإستراتيجية مع أميركا.







 

عارف كمال


عرف مسلسل "الحرب على الإرهاب" على الجبهة الباكستانية تطورات كبيرة ومتسارعة منذ شهر أبريل/ نيسان، تزامنت مع الإعلان عن سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما الجديدة في المنطقة والتي أطلق عليها "سياسة أف-باك" (Af-Pak policy) نسبة إلى البلدين المستهدفين بهذه السياسة، أفغانستان وباكستان.


وتبرز معالم هذه السياسة الجديدة أكثر في العمليات الجارية حالياً في منطقة سوات، والتي أنهت اتفاقية السلام مع القائد الديني المحلي صوفي محمد، وعززت من الحضور العسكري النشط في المناطق القبلية، خصوصاً في جنوب وزيرستان.


ويبدو أن الهدف المعلن والواضح لهذه العملية يتمثل في بسط سيطرة الدولة على تلك المناطق التي تفشى فيها نفوذ الحركات المتشبعة بفكر طالبان.


وكان من نتيجة هذا التحرك العسكري تداعيات عدة، أهمها: النزوح الجماعي للسكان الذي خلف بدوره أبعاداً إنسانية معقدة، وساهم في تأجيج العمل المسلح على امتداد البلاد، خصوصاً من خلال العمليات الانتحارية التي تهدف إلى تخريب البنية التحتية وبث الرعب وسط الرأي العام. وهذه العوامل بمجملها ستلقي بظلالها على المشهد السياسي العام للبلاد، وعلاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة.


سيناريو ما قبل تفجر الأوضاع
الهدف واحد والآراء متضاربة
البعد الإنساني للأزمة
رد الفعل المعاكس
عملية "الصراط المستقيم" ماذا عن إطارها الزمني؟
عودة إلى جذور الأزمة
دور وكالات الاستخبارات الأجنبية
آثار العملية العسكرية على المشهد السياسي الباكستاني
حقائق
توصيات


سيناريو ما قبل تفجر الأوضاع





يبدو أن الهدف المعلن والواضح لعملية منطقة سوات يتمثل في بسط سيطرة الدولة على تلك المناطق التي تفشى فيها نفوذ الحركات المتشبعة بفكر طالبان.
في استعراض سريع للأحداث التي أدت إلى تأزم الوضع الحالي، نرى أن حكومة باكستان قد توصلت إلى عقد اتفاق مع الزعيم الديني صوفي محمد (بصفته نائباً عن حركة طالبان) يشمل تأسيس "نظام للسلام والعدل" في تلك المنطقة المتفجرة، كما سعت الحكومة إلى تنفيذ هذا الاتفاق وتطويعه بشتى التأويلات خلال الفترة ما بين فبراير/ شباط ومايو/أيار من هذا العام.

وكان الاتفاق عبارة عن صفقة رابحة لكلا الطرفين، يتعهد فيها المقاتلون بعدم تحدي سلطة الدولة والامتناع عن مهاجمة قوات الأمن والمنشآت الحكومية، بالإضافة إلى إلغاء منع الفتيات من التعليم ومعارضة تلقيح الأطفال. كما وافقت الجماعة على شجب العمليات الانتحارية وحل مليشياتها الخاصة، بحيث أصبح حمل السلاح من دون رخصة في منطقة سوات محظوراً.


وفي المقابل، وافقت الحكومة على إطلاق سراح المقاتلين المشتبه فيهم، كما أذعنت لمطالب الجماعة في الاحتفاظ بسيطرتها التامة على مجمعها الديني المتكون من مسجد ومدرسة دينية في قرية فضل الله، بالإضافة إلى السماح لهم بإنشاء جامعة إسلامية هناك ومواصلة بث قناتهم الإذاعية.


غير أن تنفيذ الاتفاق اعترضته مشاكل جمة منذ الوهلة الأولى، حيث واصل "معسكر الأصوليين" بسط سلطته كأنه "حكومة موازية" وإعلان تحديه للنهج الدستوري والديمقراطي للبلاد. كما جر هذا الاتفاق وراءه انتقادات واسعة لدى المجتمع المدني في باكستان وشرائح عريضة من المجتمع الدولي، وفي النهاية، أدى انعدام الثقة المتبادلة بين الجانبين إلى التخلي عن الاتفاق برمته.


الهدف واحد والآراء متضاربة 


ينظر الكثيرون إلى العمليات العسكرية بمنطقة سوات على أنها ضرورية لإعادة بسط سلطة الدولة هناك. فمن جهة، هذا التحول يعني نهاية "سياسة التهدئة" وما كان يطلق عليه باسم "أنصاف الخطوات" أي أنصاف الحلول التي كانت السمة البارزة للمحاولات السابقة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة.


كما أن السياسة الجديدة تشير إلى عزم الدولة في باكستان على احتواء البنية التحتية للتطرف بهدف استئصالها لاحقاً. ويبدو أن عملية سوات كانت مجرد اختبار سيتم تعميمه – في حالة نجاحه - على باقي مناطق القبائل، خصوصاً في جنوب وزيرستان.


من جهة ثانية، تزامن هذا التحرك المصيري مع تحول السياسة الأمريكية في أفغانستان إلى الرؤية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس أوباما مؤخراً، وتصادف كذلك مع احتمال تقديم الولايات المتحدة لجملة مساعدات تحفيزية بقيمة 310 ملايين دولار يبقى الاقتصاد الباكستاني في أمس الحاجة إليها، لهذا رأى بعض المراقبين في توقيت العملية بأنها أقرب ما تكون "انصياعا" لتعليمات أمريكا. ومن جهة ثالثة، فإن العملية العسكرية المصيرية التي تدور أطوارها الآن ليست خطوة واعدة للمستقبل وعلى المدى البعيد.


البعد الإنساني للأزمة 





سوف يكون لهذه الأزمة الإنسانية تبعاتها المأساوية التي ربما لم يفكر في عواقبها أولئك الذين خططوا ونفذوا العملية العسكرية.
تقدر أعداد السكان النازحين من منطقة سوات قبيل بدء العمليات العسكرية بحوالي 3,5 مليون شخص، وسوف يكون لهذه الأزمة الإنسانية تبعاتها المأساوية التي ربما لم يفكر في عواقبها أولئك الذين خططوا ونفذوا العملية العسكرية. فقد لجأ معظم النازحين إلى مخيمات في المناطق المجاورة في إقليم الحدود الشمالية الغربية، بينما تدفقت أعداد أخرى إلى إقليم البنجاب وباقي المناطق. وسينجم عن هذه الهجرة غير الإرادية تحديات كثيرة في مجال توفير المسكن والطعام والصحة والتعليم وحتى الحفاظ على البيئة، وهذا سيشكل بالتالي عبئاً ثقيلاً وغير منظور على خزينة الدولة.

رد الفعل المعاكس 


أصبح المشهد الداخلي الحالي في باكستان محتقناً، خصوصاً مع تخوف المجتمع المدني من ارتفاع عدد العمليات الانتحارية وإجراءات الطوارئ التي ستصاحبها. وبطبيعة الحال، كانت منطقة إسلام أباد كونها عاصمة البلاد وقلب إقليم البنجاب على رأس قائمة الأماكن المستهدفة، وذلك في رسالة واضحة من حركة طالبان باكستان وحلفائها بأنهم مازالوا قادرين على الوقوف في وجه السلطات الباكستانية.


ومنذ الكشف عن التوجه الجديد في سياسة أوباما بشأن المنطقة، تعرضت البلاد لسبع هجمات انتحارية كبرى في مناطق متفرقة منها. وحسب مسلم خان، الناطق الرسمي باسم حركة طالبان، فإن الهجمات سوف تتواصل إلى حين توقف العملية العسكرية في سوات ومغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان. وهنا يرد تساؤل، هل يعكس الرد المسلح قدرتهم الفعلية على مواصلة القتال، أما أنها مجرد ضربات يائسة لمن فقد الأمل في النصر؟ ربما يكون الجواب في الواقع مزيجاً من الاثنين معا.


عملية "الصراط المستقيم": ماذا عن إطارها الزمني؟ 


إن الإطار الزمني لعملية "الصراط المستقيم" مرهون ببسط الدولة لسلطتها على كافة المناطق المستهدفة، وبالتالي فإنه يبقى مفتوحاً من دون مواعيد محددة، وهذا ما يتضح بجلاء في تصريحات المسؤولين الحكوميين المتضاربة، سواء على المستوى الفدرالي أو الإقليمي.


ويصعب تحديد إطار زمني واضح للعملية، لأنه يتعلق بقدرة المجتمع الأهلي على القيام بمسؤوليته عند انتهاء الجيش من تحقيق أهدافه. مع العلم أن هناك حديثا عن إمكانية إنشاء ثكنة عسكرية دائمة في المنطقة بهدف تشكيل عامل ردع قوي أمام احتمالات عودة طالبان إلى الساحة بعد التخلص منها.


كما أنه من الضروري، ورغم كل هذه التعقيدات، أن يسجل الجهاز العسكري انتصاراً سريعاً وساحقاً في هذه الجولة، وأن يعززه حضور سياسي قوي لإثبات قدرة الدولة على السيطرة على الوضع الداخلي في البلاد.


عودة إلى جذور الأزمة 


من أجل فهم أبعاد عملية سوات جيداً، علينا أن نغوص قليلاً في الجذور التاريخية للعمل المسلح المعاصر بالمناطق المتجاورة الأفغانية الباكستانية. ولا يخفى على أحد أن "متطرفي" اليوم كانوا في السابق "أبناء الحرب الأمريكية ضد السوفيت"، قبل أن يبدؤوا في تشكيل أنفسهم عقب الانسحاب المفاجئ للغرب من أفغانستان بُعيد انتهاء الحقبة السوفيتية.


وهناك اعتقاد سائد بأن هؤلاء المحاربين القدماء شكلوا ورقة مساومة ممتازة لباكستان في حرب البقاء مع جارتها القوية الهند. لذلك، كانت العمليات "الخجولة" في السابق والصفقات السياسية التي أبرمتها باكستان مع هؤلاء دليلاً على تردد هذه الأخيرة في إيجاد الطريقة الأمثل للتعامل معهم.


ومع مجيء أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي خلطت كل الأوراق، بقيت الدولة عاجزة عن إيجاد "دواء ناجع ضد الشبكات الجهادية وثقافتها". وفي نفس الوقت، انعكست هذه الحيرة على كيفية الوصول إلى الحل الأمثل لإبعاد آثار الحرب المدمرة في تلك المنطقة عن الأراضي الباكستانية. غير أن وقفة طالبان باكستان الواثقة في سوات وقدرتها على التحرك حتى في منطقة بونر (أقل من 100 كلم عن العاصمة إسلام أباد)، فرضت على الحكومة أن تحسم أمرها وتحدد تحركها بسرعة وحزم.


دور وكالات الاستخبارات الأجنبية 





هناك رأي متجذر في الأوساط الشعبية داخل باكستان يؤمن بأن وكالات الاستخبارات الأجنبية هي من تقف وراء القلاقل التي تعيشها منطقة سوات.
هناك رأي متجذر في الأوساط الشعبية داخل باكستان يؤمن بأن وكالات الاستخبارات الأجنبية هي من تقف وراء القلاقل التي تعيشها منطقة سوات. فهناك من يرى بأن المخابرات الهندية تحاول "إذكاء الاضطرابات الداخلية بهدف إبقاء المخابرات الباكستانية منشغلة داخلياً"، وكي تضمن تقلص قدرة باكستان على مواجهة مخططات الهند العدوانية.

وقد تعززت هذه الرؤية أكثر بعد الإعلان عن وجود أدلة دامغة لأشخاص مقربين من القائد بيت الله محسود تربطهم بالهند، كما أن فصائل داخل طالبان (مثل زين الدين وتركستان بيتاني) تحدثت بالفعل عن وجود علاقات تربط بيت الله محسود بكل من الهند وإسرائيل.


آثار العملية العسكرية على المشهد السياسي الباكستاني 


أثارت عملية سوات العديد من الأسئلة الهامة على الساحة السياسية داخل باكستان:


أولاً، بمجرد انطلاق العملية العسكرية، بدت مختلف التيارات السياسية الرئيسية في البلاد متفقة بشأن ضرورة بسط الدولة لنفوذها على المنطقة، بصرف النظر عن تعارض مواقفها بخصوص العملية العسكرية في حد ذاتها. فالأحزاب القوية المتآلفة في الحكومة، حزب الشعب الباكستاني وحزب الشعب الوطني وحركة المهاجرين القومية، كلها أيدت العمل العسكري، ويبدو أنها حصلت أيضاً على تأييد تيار المعارضة بزعامة حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف. وفي المقابل، لم يتبقى إلا أحزاب أخرى على الهامش وليس لها أي تأثير على حقيقي على المشهد السياسي في باكستان، إلا وهي الأحزاب ذات التوجه الديني، إضافة إلى حركة العدالة الباكستانية بزعامة عمران خان.


ثانياً، فتحت قضية إيجاد ملاذ للنازحين من العملية العسكرية جبهة داخلية جديدة، مع تخوف الأقاليم الصغيرة من طمس هوياتها الثقافية التي تميزها. فمن بين مؤيدي العملية العسكرية، هناك حزب الشعب الباكستاني وحكة المهاجرين القومية في إقليم السند، بالإضافة إلى الجماعات القومية السندية، الذين عارضوا بشدة إقامة مخيمات للاجئين في إقليمهم. وهو تخوف مفهوم إذا نظرنا إلى إحساس السنديين الدائم بالتهميش حتى داخل إقليمهم مع تصاعد التهديد بمسح هويتهم وسط أعداد البشتون المتزايدة. ففي حاضرة كراتشي وحدها، يعيش أكثر من 3,5 مليون بشتوني.


ثالثاً، يبدو المشهد المعاصر ميالاً إلى ربط حركة طالبان بالتعصب والتأويل المتزمت للدين الإسلامي، وبالتالي يساهم في توسيع التصدع القائم بين مختلف التيارات المذهبية الإسلامية. ومن غرائب الصدف أن يلجأ الفاعلون السياسيون إلى تعبئة شرائح من رجالات الدين يُحسبون على "أهل السنة" و"المشايخ" لمحاربة الأفكار الأصولية التي ينادي بها أولئك "المتطرفون".


حقائق 





كافة الأطراف تسعى إلى جعل كل من أفغانستان وباكستان "مسرحاً مشتركاً للحرب"، وهو ما سيحول بالتدريج اهتمام أمريكا نحو نقل حربها ضد القاعدة من أفغانستان إلى التراب الباكستاني.
في خضم الحراك الذي تشهده سوات وأجزاء أخرى من منطقة القبائل، بدأت تظهر بشكل منتظم أنباء عن استخدام حركة طالبان باكستان لأسلحة أمريكية يتم تهريبها على ما يبدو من أفغانستان. ومع إضافة هذه الأنباء لتقارير أخرى عن احتمال وجود علاقة بين بيت الله محسود والولايات المتحدة، بدأت الآراء تتجه مرة أخرى إلى تبني نظرية المؤامرة. وفي المقابل، هناك الجيش الباكستاني الذي يستخدم هو الآخر القدرات العسكرية الأمريكية في صراعه ضد المتطرفين والمقاتلين في المنطقة.

من هذا المنطلق، يتضح أن كافة الأطراف تسعى إلى جعل كل من أفغانستان وباكستان "مسرحاً مشتركاً للحرب"، وهو ما سيحول بالتدريج اهتمام أمريكا نحو نقل حربها ضد القاعدة من أفغانستان إلى التراب الباكستاني. ويبدو أن محاولة إشعال أتون الحرب في باكستان قد جاء في نفس الوقت الذي وصل فيه التدخل الأمريكي في أفغانستان إلى ذروته. فعملية نشر حوالي 17 ألف جندي بأفغانستان تتطلب حكما من الجانب الباكستاني أن يوسع من دائرة انتشاره في المناطق الشمالية الغربية المحاذية لأفغانستان.


كما أن هذا التصعيد يأتي غداة تناقل أنباء عن عزم أمريكا الدخول في حوار مع عناصر طالبان "الأخيار" (وفي الغالب، تتم الإشارة إلى المساعي الحميدة التي تقوم بها بريطانيا وبعض الدول العربية على أنها نقاط اتصال). لذلك، يبدو من الغريب أن العمل العسكري ضد طالبان باكستان لا يشير من قريب أو بعيد إلى التوجه نحو فتح أبواب الحوار، فبالأحرى أن تظهر معالم إطار زمني محدد لإنهاء العمليات العسكرية.


ورغم أن سياسة "أف-باك" قد تمت صياغتها في الأساس لمحاربة خطر الإرهاب، فإنها تصب في اتجاه ترسيخ علاقة متينة بين حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية وتُبرز لهما المزيد من المصالح المشتركة التي تجمعهما. كما أن الأوضاع الحالية سوف ينجم عنها، سواء عن قصد أو غير قصد، تحالفات سياسية مبنية على الانتماء العرقي المشترك للبشتون الذين يعيشون على جانبي حلبة الصراع.


وإذا ما آتى الحوار الأمريكي السري مع "طالبان الأخيار" (وهم نشطاء البشتون في أفغانستان) أكله في خضم العمل العسكري الحالي، فإن النظام الجديد في كابول سوف يلقي بظلاله أيضاً على الساحة.


ولكن، أية تبعات ستظهر لهذا النهج الجديد على مناطق نفوذ البشتون في باكستان الذين لا تزال علاقاتهم وطيدة مع النظام الطالباني القديم؟ ربما لن يتكشف الجواب عما قريب، ولكن ما هو أكيد هو أن على النخبة الحاكمة في باكستان أن تجد فوراً تكافؤاً مناسباً بين العمل السياسي والعسكري على مناطقها المضطربة، مع الاحتفاظ بخيارات سياسية مستقبلية قابلة للتطبيق. ويبدو أن هناك عدداً من التعقيدات التي تعيق العمل السياسي، أولها وأكثرها أهمية هو أن صعود شوكة طالبان باكستان كان من ورائه فشل المؤسسات السياسية في تعبئة صفوف المواطنين.


ومن باب التذكير، ففي الفترة التي شهدت أعمال التعبئة ضد الحضور السوفيتي في أفغانستان، كانت منطقة القبائل تعرف أفول نجم شيوخ القبائل التقليديين وصعود حركة "طالبان الشابة" لملء الفراغ. ومع توسع نفوذ هذه الحركة شيئاً فشيئاً لتغطية كل منطقة القبائل، لم تستطع الأحزاب السياسية منافستها أو تقديم بديل عنها يرضي السكان. كل ذلك، جعل المنطقة تتجه نحو اتخاذ وضع خاص بها جعل منها مرتعاً خصباً للعمل السياسي العسكري.


ثاني هذه التعقيدات يتمثل في كون حزب الشعب الوطني، وهو الحزب العلماني المنتخب ديمقراطياً والحاكم في إقليم الحدود الشمالية الغربية التي تعتبر موطن البشتون، لم يُظهر حتى الآن أية تحركات سياسية حقيقية لمواجهة مد حركة طالبان في منطقة سوات. لذلك، سيكون عليه أن يثبت مدى قدرته على تحمل مسؤولياته السياسية في إعادة الاستقرار إلى المنطقة التابعة لنفوذه بمجرد انتهاء العملية العسكرية. وكذلك الشأن بالنسبة لباقي القوى السياسية الأخرى من إقليم الحدود الشمالية الغربية ومنطقة القبائل.


توصيات 



  • يجب على العملية العسكرية ضد التشدد الديني في باكستان أن تحقق نجاحاً يقابله نجاح مماثل من طرف أمريكا على الجانب الأفغاني. فالنتيجة الحقيقية لـ"الحرب ضد الإرهاب" سوف تعتمد على هذا التوافق في تحقيق الأهداف.





  • يجب تطوير العمل السياسي بموازاة مع العملية العسكرية، حتى يمكن الاحتفاظ بخيارات سياسية مستقبلية حين تدعو الحاجة للدخول في حوار مع "المتطرفين التائبين".
    هناك عدد من أجهزة الاستخبارات لعدد من الدول، ومنها الهند وإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة، تنشط في أفغانستان لخدمة مصالحها الشخصية في منطقة "أف-باك". هذه النشاطات ربما تكون عامل إعاقة إضافي يزيد من تأزم الوضع، وبالتالي على هذه الأجهزة الأجنبية أن تتراجع وتعطي الفرصة للحكومة الباكستانية وجيشها للقيام بمهمتهم بنجاح.


  • يجب تطوير العمل السياسي بموازاة مع العملية العسكرية، حتى يمكن الاحتفاظ بخيارات سياسية مستقبلية حين تدعو الحاجة للدخول في حوار مع "المتطرفين التائبين".


  • يجب تشجيع حركة طالبان وغيرها من الجماعات المتطرفة على الدخول في اللعبة السياسية والديمقراطية ونبذ العنف.


  • يجب تكثيف الجهود لضم منطقة القبائل مع إقليم الحدود الشمالية الغربية وإعطائهما حق التمثيل السياسي.


  • سوف يكون من الضروري بعد الانتهاء من العمل العسكري والدخول في العمل السياسي كسب تأييد الرأي العام. لذلك، وجب على الحكومة العمل فوراً على ضمان استقرار السكان النازحين وتوفير كافة المنشآت والتجهيزات الضرورية لهم، مع إنشاء جهاز إداري مدني يرعى شؤونهم ويعمل على تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.


  • لا يجب توقع نصر ساحق من العملية العسكرية الحالية، بل يجب أن يكون الهدف منها خلق أجواء أفضل للحكومة لتعزيز موقعها في عمليات التفاوض المستقبلية، حيث سيكون على عاتقها مسؤولية جسيمة في إيجاد حلول دائمة لهذه المشكلة.

_______________
باحث ودبلوماسي باكستاني سابق