أزمة الأطراف الصومالية وفرص الحل

بعد اتفاق جيبوتي دخل فاعل جديد على الساحة الصومالية واستقوى وملأ الفراغ الذي تركته القبلية وأمراء الحرب، وهذا الفاعل الجديد هو حركة التشدد الديني، الذي حوّل نداء "التعصب القبلي" إلى "التعصب الديني"، وبادرت قوى لدعم هذا الفاعل لتستعر وتستمر الحرب في الصومال.







 

محمد الأمين محمد الهادي


لم يلحظ المراقبون بما يكفي بعد اتفاق جيبوتي أن هناك فاعلا جديدا قد دخل على الساحة في الصومال بعد أن كان مضمرا طيلة السنوات الماضية، وأن هذا الطرف استقوى وملأ الفراغ الذي تركته القبلية وأمراء الحرب، فوجد أرضا خصبة أكسبته زخما جديدا، وهذا الفاعل الجديد هو حركة التشدد الديني، الذي حوّل نداء القبيلة إلى نداء الدين، ونداء "التعصب القبلي" إلى "التعصب الديني" وحل أمراؤه مكان أمراء الحرب السابقين القبليين.


وهذا الفاعل قد برز للعلن فور عودة الحكومة المشكّلة في جيبوتي إلى مقديشو، ولكن في البداية جرى الاستخفاف به على أساس أنه لا يمثل خطرا حقيقيا على هذه الحكومة التي تحظى بالدعم الشعبي الصومالي والإقليمي والدولي.


ولكن قوى أخرى بادرت لدعم هؤلاء لتستعر بذلك الحرب وتستمر في الصومال وإن على حطام وخراب خلفتهما الحرب الأهلية المزمنة وتفكك الدولة.


أزمة الحكومة وتآكل شعبيتها
المعارضة وفقدانها ثقة المواطن
المشهد السياسي والعسكري
هل هناك حوار؟


أزمة الحكومة وتآكل شعبيتها 





مع الفاعل المتشدد "حركة الشباب المجاهدين" وربما بسببه توفرت لحكومة الشيخ شريف شيخ أحمد فرص محلية ودولية غير مسبوقة، بيد أنها لم تتمكن من استثمارها أو ربما لم تدرك وجودها أصلا.
ومع هذا الفاعل المتشدد "حركة الشباب المجاهدين" وربما بسببه توفرت لحكومة الشيخ شريف شيخ أحمد فرص محلية ودولية غير مسبوقة، بيد أنها لم تتمكن من استثمارها أو ربما لم تدرك وجودها أصلا، ومنها مثلا عدم وجود منطقة أو قبيلة تعلن عداءها أو رفضها للشيخ شريف وحكومته، إضافة إلى وجود استعداد دولي وأميركي لمساندة حكومة الشيخ شريف ودعمها عسكريا واقتصاديا في مواجهة المخاطر التي تتهددها.

كما غلب على الحكومة انعدام التجانس بين أعضائها وقيامها على أساس المحاصصة القبلية، مما حرمها من الكفاءات  وذوي الخبرات السياسية ، كما أنها عجزت عن خلق رؤية إستراتيجية لقيادة الصومال أو للخروج من الأزمات التي تواجهها واتسم أداؤها السياسي بالتخبط  وانعدام الفعالية.


من مظاهر أو تجليات هذا التخبط على سبيل المثال لا الحصر:



  • مذكرة التفاهم البحرية التي تسرعت الحكومة في توقيعها مع جارتها كينيا، وقد نجحت المعارضة في تصويرها على أنها تنازل صومالي عن جزء من مياهه الإقليمية. وأخفقت الحكومة في تبرير هذه المذكرة شعبيا، بل إن جزءا كبيرا من أعضاء الحكومة عارضها علنا، وبعد ذلك تم رفضها من البرلمان الانتقالي بعد مناقشتها من قبل النواب.


  • الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة مع مصلحة الجمارك الكينية لتحصيل الجمارك المستحقة للحكومة الصومالية على البضائع المتجهة إليها بدلا من تحصيلها في الصومال بحجة عدم وجود آلية لذلك في الصومال حاليا. وهذا أيضا فسر على أنه تنازل آخر في  أمر سيادي يخص الصومال من دون داع.


  • استنجد رئيس البرلمان الصومالي آدم مدوبي بدول الجوار حينما اشتد الضغط على الحكومة من قبل مليشيات الشباب. وحين سئل عما إذا كانت إثيوبيا من ضمن الدول التي يرحب بجنودها لإنقاذ الحكومة أجاب أنه لا يستثني أحدا من دول الجوار، مذكرا بالقرار الذي اتخذه البرلمان باستقدام القوات الأثيوبية أيام حكومة الرئيس السابق عبد الله يوسف وأنه ما زال نافذا ولم يتم إلغاؤه، ناسيا أن شرعية الحكومة التي شكلت في جيبوتي تقوم على شرعية المقاومة التي أصرت على الانسحاب الأثيوبي من الصومال قبل المشاركة في أية حكومة، مما جعل هذه  الحكومة تفقد شرعيتها في أعين الكثير من الصوماليين.


  • التوغل الإثيوبي المستمر للحدود الصومالية واحتلالها لمناطق متاخمة لها لمطاردة مليشيات الشباب وتعاون أمراء الحرب السابقين في هذه المناطق معها والمحسوبين على الحكومة. وعدم تنديد الحكومة بتلك التوغلات بل ملازمتها الصمت،  وكأنها تجري بتنسيق معها أو برضى منها. وهذا ما أفقدها الكثير من المصداقية التي كانت تحظى بها لدى الكثير من الشرائح.


  • الاتفاقية التي وقعتها الحكومة مؤخرا مع إقليم بونت لاند والتي لوحظ أنها تشبه اتفاقية بين بلدين مستقلين وليست بين حكومة وإدارة إقليمية يفترض أنها تحت سيطرته. وتتضمن تنازلات سيادية تمهد لانفصال الإقليم أكثر مما تحفظه في إطار الدولة الصومالية.

وهذه العناصر التي ذكرناها أعلاه ليست إلا غيضا من فيض مما أدى إلى تآكل شعبية الحكومة في ظل الهجمة الشرسة عليها من قبل المليشيات المعارضة لها من الحزب الإسلامي وحركة الشباب.


المعارضة وفقدانها ثقة المواطن 


ولكن هذا كله لا يعني أن المعارضة المسلحة أفضل حالا من الحكومة في نظر الشعب، بل إنهم يفتقدون أي تعاطف مع الشعب لأسباب عدة:






  • ليست المعارضة المسلحة أفضل حالا من الحكومة في نظر الشعب، بل إنهم يفتقدون أي تعاطف مع الشعب لأسباب عدة، منها: تبنيهم لخطاب القاعدة المتشدد وأجندتها التي تتجاوز حدود الصومال وطاقته.
    احتكامهم للسلاح ورفضهم الحوار مع الحكومة التي أبدت استعدادها لذلك، بل وحكمهم على الحكومة بأنها "مرتدة" و"عميلة" وتكفير كل من يعمل فيها أو يتعاون معها، بينما الشعب لا يكترث لذلك ويبحث عمن يضع حدا لمعاناته.


  • تبنيهم لخطاب القاعدة المتشدد وأجندتها التي تتجاوز حدود الصومال وطاقته.


  • الحيلولة دون دخول الهيئات الدولية التي تقدم المساعدات الإنسانية إلى مناطقهم كما أنهم يمارسون نهبها  في المناطق التي يسيطرون عليها.


  • استعانتهم بمقاتلين أجانب دون إخفاء لهم، بل أصبحوا في كثير من الأحيان ينزلون في الشارع لمخاطبة الشعب بمترجمين صوماليين، ويوقفون وسائل النقل لتوزيع أشرطتهم التي تروج لأجندتهم ولرؤيتهم وتفسيرهم للإسلام ولمشكلة الصومال، حسب إفادة الكثير من شهود العيان.


  • اعتمادهم سياسة الفر في مواجهة القوات الأفريقية في العاصمة، وكذلك في مواجهة القوات الأثيوبية في مناطق الحدود وفي مدينة بلدوين على وجه الخصوص، ثم ليعودوا إلى الكر والهجوم لمقاتلة  الصوماليين فور خروج هذه القوات، وكأنهم يدعونها إلى التدخل مرة أخرى.

هذه الأمور كلها جعلتهم يفقدون ثقة المواطن الصومالي العادي الذي صار يعيد حساباته ومواقفه منهم، بعدما كان ينظر إليهم بإكبار وإجلال وتقدير لمواقفهم ولتضحياتهم ووقف معهم ضد أمراء الحرب في أيام المحاكم الإسلامية.


المشهد السياسي والعسكري 


عسكريا تحظى الحكومة بدعم عسكري من عدد من الدول ولكن هذا الدعم لا يرتقي إلى مستوى يمكنها من حسم المعركة لصالحها بصورة كاملة بقدر ما يحفظها من الانهيار أمام هجمات المعارضة المسلحة. ومن بين هذه الدول التي أعلنت أنها أرسلت كميات من العتاد العسكري للحكومة الصومالية "الولايات المتحدة الأميركية".


وتفتقد الحكومة إلى جيش نظامي يحفظ كيانها ويدافع عنها ضد "المتمردين عليها" كأي جيش في العالم، فهي تعتمد على مليشيات يقودها أمراء حرب سابقين يفتقدون إلى التنسيق فيما بينهم أو الثقة ببعضهم وأداؤهم في الغالب الأعم أداء مليشياتي وليس أداءَ جيشٍ نظامي، وولاؤهم لأمرائهم وليس للحكومة التي لا تكسب منهم سوى دفع الرواتب.


وهذا يفسر عدم احتفاظهم بالمناطق التي يحررونها من المتمردين أو تحرر لهم من قبل القوات الأفريقية، فترى أن الحكومة استعادت منطقة مهمة وإستراتيجية في داخل العاصمة ثم يستعيد المعارضون السيطرة عليها في الصباح التالي.


الجزء الآخر من المليشيات التي تحارب في صف الحكومة أو تقول أنها تفعل ذلك هي مليشيات تشكلت قبل وجود الحكومة في محافظات وسط الصومال أشهرها مليشيات "أهل السنة والجماعة" الصوفية.


وهي تدافع عن مناطقها ضد الشباب وتستفيد الحكومة من محاربتهم لعدوها وإعلانهم الاعتراف بشرعية الحكومة، ولكن ليست هناك إدارة عسكرية تشرف على أداء هذه المليشيات. فهي تعمل  بمنطلق "عدو عدوي صديقي" وليس أكثر من ذلك.


وبفضل هذه الجماعة استعادت الحكومة تحت مسمى "أهل السنة والجماعة" مناطق كبيرة من محافظات الوسط، كما بدأت تستعيد سيطرتها على مناطق كانت قد وقعت سابقا في يد الشباب والحزب الإسلامي ومنها مدينة "بلدوين" الإستراتيجية في محافظة "هيران"، وذلك بفضل الدعم الإثيوبي للقوات الحكومية هناك.


وهناك دول عديدة أعلنت عن استعدادها لتدريب الجيش الصومالي منها تركيا وجيبوتي والسودان وبعض الدول الغربية، ولكن نظرا للسلبيات التي تعاني منها الحكومة على نحو ما أشرنا إليها، ومن ذلك عدم الكفاءة والخبرة وغياب الرؤية الإستراتيجية التي شلتها من الاستفادة من العروض والوعود الكثيرة التي حظيت بها من الجهات الإقليمية والدولية.


ولهذا يمكن القول إن الحكومة تعتمد في العاصمة حاليا على القوات الأفريقية لحفظ السلام (أميصوم) بشكل كبير وفي المحافظات الوسطى على جماعة "أهل السنة والجماعة" وفي المناطق الحدودية المحاذية لأثيوبيا على الدعم الأثيوبي للقوات الحكومية هناك.


أما المسلحون المعارضون فهم يعتمدون من حيث السلاح على ما لديهم من الآليات والرصاص الذي يشترونه في الأسواق، ولكن معلومات موثوقة تقول إنهم بدأوا يعانون من تدهور اقتصادي جراء التضييق على موانئهم وانسحاب التجار من مواقعهم هربا من الإتاوات التي كانوا يفرضونها عليهم، وهذا ما يفسر استيلاؤهم ونهبهم لمقرات ومخازن الهيئات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة حتى يستطيعوا أن يسدوا بعضا من النقص الذي عانوا منه.


وقد توقف تمددهم داخل العاصمة وتراجعت قوتهم العسكرية في المحافظات الأخرى بل أصبحت مليشيات القبائل تتجرأ عليهم بعد أن كانت تهابهم وذلك بعد تجربة "أهل السنة والجماعة". وقد يفسر هذا بتراجع المساعدات التي كانوا يتلقونها من إريتريا بعد الضغط الأميركي والأفريقي عليها.


وتعويضا عن هذا التراجع جاء شريط أمير مليشيا الشباب أحمد عبدي جودني المكنى بـ "أبو زبير" الذي أذيع على الإنترنت والإذاعات المحلية ليركز على الوضع في المناطق الشمالية من الصومال "صومالي لاند" حيث مسقط رأسه ليعيد لحركته الزخم وليتوجه بالبوصلة شمالا هذه المرة ويحاول كسب أتباع جدد منها، مما أثار ردود فعل سلبية رسمية وشعبية في الشمال والجنوب.


نذر مواجهة جديدة



هناك نذر مواجهة قد تغير من توازن القوى الموجود حاليا في الصومال، وتعتمد بشكل عام على الدعم الذي تتلقاه الحكومة من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.
في هذه الأوضاع يمكن القول بأن حسم المعركة لصالح طرف واحد صعب في هذه المرحلة إلا إذا تغيرت المعادلة بحيث يصبح أحد الطرفين أقوى عسكريا وأكثر تنظيما وهو ما لا يلوح في الأفق حتى الآن.

ولكن هناك نذر مواجهة قد تغير من توازن القوى الموجود حاليا وتعتمد بشكل عام على الدعم الذي تتلقاه الحكومة من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة. فقد أعلنت الحكومة في الرابع من سبتمبر/أيلول على لسان نائب عمدة مقديشو "عمر صبري شاوي" - حسبما أوردته (شبكة الشاهد): "أن الحكومة الصومالية تخطط لحملة عسكرية بعد شهر رمضان من أجل استئصال قوات المعارضة الصومالية التي تستولي على معظم الشوارع الرئيسية فى مقديشو" وتلا ذلك التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الأوغندي أمام الصحفيين في اليوم التالي، الذي يفيد بأن الاتحاد الأفريقي منح القوات الأفريقية الموجودة فى مقديشو تفويضا بالهجوم على المليشيات المعارضة. وذكر فيه "أن الوقت قد حان للهجوم على مراكز المتمردين من أجل بسط نفوذ القوات الأفريقية فى المناطق الشمالية التي استولوا عليها بعد انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال مطلع عام 2009."


وتزامن ذلك مع توارد الأنباء عن دول أفريقية أخرى ترسل قواتها لتنضم إلى قوات الاتحاد الأفريقي تعزيزا لها في مهامها في الصومال ومنها نيجيريا وجيبوتي.


واستعدادا لهذه الحملة تعمد حركة الشباب والحزب الإسلامي إلى حفر خنادق كبيرة في بعض الشوارع ذات الأهمية الإستراتيجية في العاصمة مقديشو، والتي عطلت مساحتها الكبيرة وأماكنها المختارة حركة التنقل في المناطق المجاورة على أمل أن تقف هذا الخنادق صدا منيعا أمام الدبابات التي تملكها القوات الأفريقية والتي لا قبل لهم بها.


لا يمكن توقع نتائج هذه المعركة القادمة ولا إلى أي مدى ستصمد فيها مليشيات المعارضة ولا ما ستضيفه إلى الحكومة من مناطق أو أنها ستتمكن من تنظيف جيوب "المتمردين" لصالح الحكومة، ولكن مما لا شك فيه أنها ستسبب المزيد من الدمار والنزوح والقتل للمدنيين.


هل هناك حوار؟ 


أمام هذا المشهد من الاستعدادات للمعركة الحاسمة فجر وزير خارجية الصومال محمد عبد الله عمر قنبلته مؤخرا من خلال إعلانه عن وجود حوار ومفاوضات تجري بين الحكومة وجزء من المعارضة الصومالية بما فيها الحزب الإسلامي وحركة الشباب المجاهدين وأنها وصلت إلى مرحلة متقدمة.


وفي الوقت ذاته نفت قيادات من الحزب الإسلامي وحركة الشباب عن وجود مثل هذا الحوار.


فهل يوجد حوار حقيقي بين الطرفين يريد أحدهما إبرازه والآخر إخفاءه؟


الواقع أن الحوار غير المباشر لم ينقطع بين الجانبين عبر وسطاء محليين من التجار والأعيان وكذلك عبر صوماليين من المهجر، وهناك إشارات صدرت من بعض قيادات الحزب الإسلامي في جلسات مغلقة - حسبما نقل إلينا - تشير إلى اقتناعهم أن طريق القتال والمواجهة لم ولن يؤدي إلى نتيجة ولا بد من الحوار، وعلى هذا الأساس بني استعداد هذه القيادات للحوار، ولكن هناك ضغط شديد على الحزب من قبل حركة الشباب حيث أن الطرفين يختلفان في الرؤية السياسية وتحديدا حول الدخول في أي حوار سياسي مع الحكومة  الموصوفة بأنها "مرتدة وعميلة".


ويقول البعض إن الحزب الإسلامي لا يريد أن يخسر حركة الشباب ذات القوة العسكرية والنفوذ وهي التي يعيش في ظلها وفي ظل قوتها، وهو يرغب، أي الحزب الدخول في حوار مع الحكومة مستندا إلى قوة "الشباب المجاهدين" العسكرية بما يمكنه من إحراز المزيد من المكاسب السياسية، ولكن ما يحول دون ذلك أن حركة الشباب لا تزال ممتنعة عن ذلك حتى الآن.


الملاحظ أن هناك خلافا غير معلن دب بين قيادات حركة الشباب في طريقة التعامل مع القضية الصومالية وقد يستفيد الحزب الإسلامي في استقطاب بعض هذه القيادات التي تسيطر على بعض المناطق لتخوض معه الحوار المرتقب مع الحكومة. ولا يمكن التكهن بمدى تحقيق نتائج في هذا الحوار غير المباشر والمغلق الأبواب حتى الآن، وقد لا يسفر عن نتيجة وبالتالي قد لا يعلن عنه أو عن أي من نتائجه.


ولكن الذي لا شك فيه أن أي حوار معلن مع الحكومة سيقسم الحزب والشباب وسيجعل الأكثر راديكالية وتشددا من الطرفين ينضمان إلى بعض تحت مسمى واحد، والأغلب أن يكون مسمى الشباب ويمّحي اسم الحزب الإسلامي بذلك. وينضم المستعدون للحوار إلى الحكومة بعد الاستجابة إلى بعض مطالبهم لحفظ ماء وجههم.


الفرصة في أزمة الطرفين



لا شك أن الحكومة الصومالية تعاني من إشكاليات ذاتية تجعلها رهينة نفسها بدل أن تكون قادرة على مواجهة أي تحد من المعارضة.
لا شك أن الحكومة الصومالية تعاني من إشكاليات ذاتية تجعلها رهينة نفسها بدل أن تكون قادرة على مواجهة أي تحد من المعارضة، وأن المعارضة تمتاز بقدر كبير من عدم الإلمام بألف باء السياسة ويشير اعتمادها على التعنت وغياب الحكمة السياسية.

وهكذا فالطرفان يحتاجان إلى من يساعدهما على الخروج من مأزقيهما، والفرصة لإجراء مصالحة حقيقية ما زالت قائمة في الصومال، وستبقى المشكلة في عدم وجود مبادرة متكاملة وطرف نزيه يثق فيه الطرفان.


وفي رأيي أنه حتى الآن لم تتوفر محاولة جادة مكتملة الأركان واضحة المعالم تقودها قوة ذات مصداقية لدى الطرفين، لا شعبيا ولا رسميا.


فشعبيا سمعنا بمبادرة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومبادرة من الحملة العالمية لمقاومة العدوان، وبمبادرة لإخوان الأردن، ومبادرة لشخصيات أخرى من العلماء ذات وزن في العالم الإسلامي، ولكنها كلها لم تتجاوز صفحات الجرائد ما عدا مبادرة الحملة العالمية لمقاومة العدوان والتي بسبب شك أحد الطرفين في تحيزها للطرف الآخر لم تنجح في تقريب وجهات النظر. أما رسميا فقد سمعنا بمبادرة قطرية، ثم مصرية، ثم إيطالية، ثم ليبية، ولكنها جميعا لم تتجاوز الإعلان.


ولكي تؤتي أية مبادرة أكلها لا بد أن تكون مدروسة وتحمل في طياتها عوامل ضغط وترغيب وترهيب للجانبين، ثم تعرف من أين تبدأ وإلى أين تنتهي والخيارات في كل مرحلة من المراحل، ثم المتابعة فيها مع توفر الجدية في حل الأزمة والإخلاص في ذلك.


إن الحكومة في وضعها الحالي وفي ظل وجود تحدي المعارضة المسلحة لا يمكنها أن تصلح الخلل الذي تعاني منه لأنها تفتقر إلى القوة التي تمكنها من تصحيح الخلل الذي قد يتطلب منها في بعض الأحيان الكثير من المغامرة، وعدم النظر إلى التوازنات القبلية التي هي العائق الأكبر عند تشكيل أية حكومة في الصومال.


والمعارضة دخلت في أزمة مع نفسها ومع الشعب الصومالي لأنها تزيد من أزمته كل يوم. لذا فهي في حاجة إلى من يبصرها الطريق ويأخذ بيدها إلى لعب الدور الحقيقي الذي تلعبه المعارضات في العالم، وإخراجها من عنق الزجاجة والقوقعة على الذات.
_______________
مدير مركز الشاهد للبحوث والدراسات والإعلام