الاتفاق التركي الأرميني: الدوافع والتوقعات

شهدت جامعة زيوريخ السويسرية في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2009 حدثا غير مسبوق تمثل في توقيع وزيري خارجية تركيا "أحمد داود أوغلو" وأرمينيا "إدوار نالبنديان" بروتوكولين لتسوية الخلافات المتجذرة بين البلدين منذ أكثر من تسعين سنة.







محمد نورالدين


شهدت جامعة زيوريخ السويسرية في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2009 حدثا غير مسبوق تمثل في توقيع وزيري خارجية تركيا "أحمد داود أوغلو" وأرمينيا "إدوار نالبنديان" بروتوكولين لتسوية الخلافات المتجذرة بين البلدين منذ أكثر من تسعين سنة.


الاتفاقية وأهميتها
مكاسب الأتراك
مكاسب الأرمن
عوامل التوصل إلى الاتفاقية وتأثيراتها الاقليمية
الدور الأميركي
مستقبل الاتفاقية


الاتفاقية وأهميتها





يمكن القول إن الاتفاقية بين تركيا وأرمينيا متوازنة إلى حد كبير مع ميل نسبي إلى جانب الكفة التركية، مقارنة بطبيعة الموضوعات الحساسة التي كانت تثقل الجانب التركي.
يعد هذا الاتفاق التركي-الأرميني هو الأول بين البلدين منذ اتفاقية قارص في 13 أكتوبر/تشرين الأول في العام 1921 التي كانت تركيا وأرمينيا طرفين فيها، إلى جانب أذربيجان وجورجيا لرسم الحدود بين دول القوقاز.

ونظرا إلى التاريخ الطويل من العداء بين البلدين فإن توقيع مثل هذه الاتفاقية، يعتبر من جميع الزوايا اختراقا غير مسبوق يؤسس لمرحلة جديدة ولدينامية مختلفة عن المرحلة الماضية.


لم تكن الاتفاقية الجديدة وليدة اللحظة، بل محصلة محادثات استمرت أكثر من سنتين فضلا عن أن النقاط التي أثيرت خلالها لم تكن أيضا جديدة، بل مدار نقاش وجدال ومقترحات ومقترحات مضادة على امتداد سنوات ما بعد انتهاء الحرب الباردة واستقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991.


أهمية اتفاقية زيوريخ أنها تطرقت إلى القضايا الأساسية في العلاقات بين البلدين، ولم تتهرب أو تترك الجوانب الحساسة منها إلى مراحل لاحقة.


نصت الاتفاقية على تبادل التمثيل الديبلوماسي وعلى فتح الحدود بين البلدين خلال شهرين من موافقة برلمانيهما على الاتفاقية.


وتتألف في المقابل لجان للتعاون ودرس المشكلات المشتركة الاقتصادية والسياسية والتعاون في مختلف المجالات. ومن هذه اللجان تشكيل لجنة مشتركة من مؤرخين أرمن وأتراك وسويسريين، البلد الوسيط في الاتفاقية، لدرس الأحداث التاريخية في العام 1915 واستخلاص التوصيات اللازمة.


لا يمكن في أي اتفاقية أن يحقق أحد طرفيها انتصارا كاملا وأن يتعرض الآخر لهزيمة كاملة، إلا في حالات الحروب وفرض المنتصر عسكريا شروطه على الطرف المنهزم. لذا فإن كل طرف في اتفاقية زيوريخ قدم تنازلات حتى أمكن التوصل إليها بمعزل عن رجحان كفة طرف على آخر بنسبة قليلة هنا أو هناك.


يمكن القول إن الاتفاقية متوازنة إلى حد كبير مع ميل نسبي إلى جانب الكفة التركية، مقارنة بطبيعة الموضوعات الحساسة التي كانت تثقل الجانب التركي.


مكاسب الأتراك 





اعتراف أرمينيا بالحدود الحالية يعد انتصارا كبيرا لوجهة النظر التركية في هذا الموضوع، وتخليا للأرمن عن مطالبهم المزمنة في الأراضي التركية.
نجح الجانب التركي في ترسيخ الحدود الرسمية القائمة بين تركيا وأرمينيا منذ العام 1921 عندما أكد البروتوكول الثاني من الاتفاقية على "الاعتراف المتبادل بالحدود الحالية بين البلدين كما حددتها اتفاقيات القانون الدولي ذات الصلة".

وهذا البند يطوي مطالبة الأرمن باعتبار بعض الأراضي داخل تركيا والمحاذية لأرمينيا، لا سيما مناطق قارص وأردهان، أراضي محتلة وتابعة تاريخيا لأرمينيا، إضافة إلى تسمية الأرمن لمناطق شرق تركيا بأرمينيا الغربية. وقد ورد هذا رسميا في وثيقة الاستقلال التي أعلنتها أرمينيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991.


إن اعتراف أرمينيا بالحدود الحالية يعد انتصارا كبيرا لوجهة النظر التركية في هذا الموضوع، وتخليا للأرمن عن مطالبهم المزمنة في الأراضي التركية.


أما الموضوع الثاني الذي اعتبر انتصارا مميزا للأتراك فهو موافقة أرمينيا على تشكيل: "لجنة فرعية للنظر في البعد التاريخي وإجراء حوار بهدف إعادة إحياء الثقة بين الشعبين، بما فيها دراسة علمية غير متحيزة للوثائق التاريخية والأرشيف من أجل توضيح الخلافات العالقة وصياغة التوصيات بمشاركة اختصاصيين أرمن واتراك وسويسريين ودوليين آخرين"، كما ورد حرفيا في الاتفاقية. وهذا البند ربما يكون الأكثر إثارة للجدل والأكثر تأثيرا في اتجاه محاولة عرقلة أو تعطيل الاتفاق الثنائي.


فكل الطروحات الأرمنية في العلاقة مع تركيا تبدأ من مسألة إلزام تركيا على الاعتراف بأن المجازر التي حصلت في العام 1915 ضد الأرمن على الأتراك هي "إبادة" مدبرة عن سابق تصور وتصميم وبموجب أوامر رسمية مكتوبة من جانب حكومة حزب الاتحاد والترقي التي كانت حاكمة حينها، وحملت توقيع محمد طلعت باشا وزير الداخلية، وأفضت حسب الأرمن إلى مقتل حوالي المليون ونصف المليون أرمني من رعايا الدولة العثمانية في شرقي الأناضول، وإلى تهجير عشرات الآلاف في اتجاه سوريا ولبنان والغرب، من أصل أكثر من مليونين كانوا يعيشون في تركيا بحسب وثائق البطريركية الأرمنية في إسطنبول.


في المقابل ينفي الأتراك الرواية الأرمنية ويقولون إن من قتل أو تهجر إنما بسبب الحرب العالمية الأولى، وتعاون العديد من الأرمن مع القوات الروسية العدوة للدولة العثمانية. ومع أن الأتراك لا يطرحون رقما محددا لعدد القتلى الأرمن فهي لا تقل عن نصف المليون، كما أن الأتراك ينفون نفيا قاطعا أن يكون هناك أمر رسمي بالإبادة من جانب وزير الداخلية طلعت بك.


وكانت تركيا تقترح دائما على أرمينيا منذ منتصف التسعينيات تأليف لجنة مشتركة من المؤرخين للبحث في أحداث العام 1915، لكن أرمينيا كانت تواجه ذلك بالرفض على اعتبار أن الإبادة حقيقة تاريخية ومسلّمة غير قابلة للنقاش.


إن موافقة أرمينيا في اتفاقية زيوريخ على تشكيل هذه اللجنة يعد إنجازا كبيرا لوجهة النظر التركية، والتي (الاتفاقية) إن لم تنف بعد طابع الإبادة عن الأحداث، فإنها أدخلت وجهة النظر الأرمنية في دائرة الشك، وهو ما يثير غضب الأرمن ولا سيما الذين في الشتات وهم في غالبيتهم أبناء وأحفاد الارمن الذين تعرضوا للقتل والتهجير في أحداث 1915.


مكاسب الأرمن 





قياسا إلى عمق وتعدد أبعاد الخلاف التركي الأرميني، يعتبر اتفاق زيوريخ بين البلدين إنجازا كبيرا لأنقرة ويريفان وكل من ساهم في الوصول اليه.
في المقابل، حققت أرمينيا مكاسب متعددة من اتفاقية زيوريخ، أولها المتصل بالموضوع الأول للحركة القومية الأرمنية والمتعلق بقره باغ الذي يريد الأرمن ضمها إلى الوطن الأم في أرمينيا وتوحيد الأراضي التاريخية للأرمن، اذ لم تشر الاتفاقية لا من قريب ولا من بعيد إلى وضع "قره باغ". وهو الإقليم الذي تقطنه غالبية أرمنية وكان خاضعا لسيادة أذربيجان، لكن الأرمن احتلوه مع أراض آذرية أخرى خارجه في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وذلك بعد معارك طاحنة مع الآذريين.

لقد كان إغفال هذا الموضوع انتصارا أرمينيا، خصوصا أن أنقرة وعلى لسان رئيس حكومة تركيا رجب طيب أردوغان كانت تربط دائما بين فتح الحدود مع أرمينيا بانسحاب القوات الأرمينية من قره باغ.


ولا شك أن فتح الحدود مع تركيا سيتيح خروج أرمينيا من ضائقتها الاقتصادية الشديدة، عبر فتح بوابة اقتصادية واجتماعية في غاية الأهمية لأرمينيا، في ظل اقتصار انفتاحها على العالم الخارجي على البوابة الروسية الشمالية، ووسط حصار جغرافي مثلث من تركيا وآذربيجان وجورجيا.


فقياسا إلى عمق وتعدد أبعاد الخلاف التركي الأرميني، يعتبر اتفاق زيوريخ بين البلدين إنجازا كبيرا لأنقرة ويريفان وكل من ساهم في الوصول اليه.


عوامل التوصل إلى الاتفاقية وتأثيراتها الاقليمية 


إن أهمية وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا في العام 2002 تتمثل في كونه يحمل رؤية جديدة لمكانة تركيا ودورها الإقليمي، جسّدها وزير خارجية تركيا الحالي أحمد داود أوغلو في طروحاته الفكرية قبل العام 2002.


وفي هذا الإطار كان للإصلاحات السياسية التي قام بها الحزب عامي 2003 و2004 دور كبير في بدء تركيا مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي. وقد ساهمت هذه الإصلاحات في خلق مناخات واسعة من حرية الرأي والتعبير وتعزيز الديموقراطية وكسر العديد من المحظورات السابقة ومنها: النقاش حول المسألة الارمنية وصولا حتى إلى توقيع المئات من المثقفين الأتراك  في أواخر العام 2008 على بيان اعتذار من الأرمن على "الكارثة الكبرى" التي حلت بهم في العام 1915. فاتساع نطاق الحريات وتحرك فئات واسعة من المجتمع المدني شكل حالة ضاغطة على الحكومة وساعدها أيضا في السعي للتوصل إلى اتفاق مع أرمينيا.


لكن يبقى التوجه الجديد للسياسة الخارجية التركية في الانفتاح على كل جيرانها وخصومها، وحل المشكلات معها، هو أساس النجاح في التوصل إلى الاتفاق وتجاوز الكثير من الحساسيات المتبادلة والعقبات الإقليمية.


وبقدر ما تنجح تركيا في كسر جدران العداء مع أحد جيرانها يزداد حضورها ودورها ونفوذها وتنأى عن الارتهان لسياسات وقرارات القوى العظمى. وقد نجحت تركيا في هذه السياسة وكانت أرمينيا محطتها ما قبل الأخيرة على اعتبار أنه تبقى مشكلة وحيدة عالقة أمام تركيا، وهي القضية القبرصية. لذا لم تتردد تركيا من أجل مصالحها الإستراتيجية في عالم متغير من "التضحية" -ولو نظريا كما هو الشأن مع قضية "قره باغ"- من أجل خلق دينامية جديدة في العلاقات مع أرمينيا. بل إن أنقرة تعتقد أن إقامة علاقات ديبلوماسية وفتح الحدود مع أرمينيا يساعد تركيا على القيام بدور أكثر تأثيرا على يريفان، ويشجع الأخيرة على الاقدام على تنازلات بشأن قره باغ.





تزيل تركيا، عبر هذا الاتفاق، عقبة أمام انضمامها الى الاتحاد الأوروبي، وتسقط ولو مؤقتا جهود أي برلمان أوروبي جديد للاعتراف ب"الإبادة" ما دامت هذه القضية تخضع "لتمحيص" لجنة المؤرخين قبل البت النهائي بها.
وهذا لا يعني أن الاتفاق يحظى بدعم كامل من كل الأطراف في الداخل التركي. فالقوميون المتشددون يرون أن تركيا تخلت عن أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا حول قره باغ، خصوصا أن أردوغان كان يصرح دائما أن تركيا لن تفتح الحدود مع أرمينيا قبل انسحاب القوات الأرمينية من "قره باغ" فضلا عن أن الشعار التركي كان ولا يزال أن الأتراك والآذريين هم "شعب واحد في دولتين".

إن إقامة علاقات تعاون واسعة بين تركيا وأرمينيا يدفع نحو المزيد من الاستقرار في القوقاز ويخدم مشروع تركيا في إقامة منتدى التعاون والاستقرار في القوقاز الذي اقترحته قبل حوالي السنة بعد نشوب الحرب بين روسيا وجورجيا في صيف 2008. ومثل هذا المنتدى سيحول المنطقة إلى واحة سلام يكون لتركيا فيها، نظرا لقدراتها الاقتصادية وعلاقاتها المتعددة وموقعها الجغرافي، دور مؤثر ويتيح للمنطقة الخروج من لعبة الأمم الدموية على حساب شعوب المنطقة.


كذلك تزيل تركيا، عبر هذا الاتفاق، عقبة أمام انضمامها الى الاتحاد الأوروبي، وتسقط ولو مؤقتا جهود أي برلمان أوروبي جديد للاعتراف ب"الإبادة" ما دامت هذه القضية تخضع "لتمحيص" لجنة المؤرخين قبل البت النهائي بها.


وربما وجدت أرمينيا في الاتفاق فرصة مناسبة أولا للخروج من ضائقتها الاقتصادية، وثانيا لتكون شريكة في مشاريع التعاون الإقليمي ولا سيما مشاريع الطاقة المنجزة والتي يخطط لمدّها، وتبدأ في أذربيجان وتمر حاليا في جورجيا ومن بعدها إلى تركيا. وقد يكون لأرمينيا أيضا، بفتح الحدود وتطبيع العلاقات مع تركيا، مصلحة في التخفيف من اعتمادها وارتهانها شبه الكامل لروسيا ويتيح لها هامشا أكبر من التحرك إقليميا ودوليا.


الدور الأميركي 


إن حث الولايات المتحدة الأميركية الأطراف المعنية على التوصل إلى مثل هذا الاتفاق والضغط في هذا الاتجاه، كان أيضا عاملا مساعدا على التوصل إليه.


ومع أن المعطيات الملموسة غير متوفرة بعد لكن من الواضح أن واشنطن كان لها دور مهم في الضغط على الأطراف المعنية لتحقيقه.


فالرئيس باراك أوباما كان حتى أثناء حملته الانتخابية يعد الأرمن بالاعتراف "بالإبادة الأرمنية" في حال وصوله إلى البيت الأبيض ما شكل حالة ضغط على أنقرة التي كانت ترفض فتح الحدود قبل انسحاب أرمينيا من قره باغ.


وكانت زيارة أوباما لتركيا في مطلع أبريل/نيسان 2009 محطة فاصلة في اتجاه التوصل لاتفاق تركيا وأرمينيا، حيث تخلى أوباما عن وعوده للأرمن مقابل وعد تركي بإقامة علاقات ديبلوماسية وفتح الحدود مع أرمينيا. ويقال أن الاتفاق التركي الأرميني الحالي قد تم التوصل إليه حينها، لكن الأشهر الستة التي تلت كانت من أجل إخراجه في صيغة لغوية دقيقة، ترضي كل الأطراف وتتيح لها تفسيره على النحو الذي ترغب فيه إن اقتضى الامر، أي كتابته بأسلوب ديبلوماسي مبهم ليسهل إخراجه إلى الرأي العام الأرمني والتركي على السواء.


وللولايات المتحدة مصلحة أكيدة في مثل هذا الاتفاق، إذ يخرج أرمينيا ولو جزئيا من التبعية الكاملة لروسيا، كما أنه يتيح في المستقبل توفير ممرات للنفط والغاز الطبيعي المستخرج من حوض قزوين، تكون بديلة عن تلك التي تمر بجورجيا إن اقتضى الأمر بعد الضربة التي تلقتها جورجيا من روسيا صيف 2008، ووضعت أنبوب نفط باكو – جيحان تحت تهديد محتمل.


كما أن استمالة أرمينيا إلى تركيا بنظر الأميركيين، تضعف علاقات أرمينيا بنافذتها الجنوبية الوحيدة والصغيرة مع إيران، وهو ما يتوافق مع سعي واشنطن لتشديد الضغوط على إيران في ملفها النووي.





الرئيس أوباما كان حتى أثناء حملته الانتخابية يعد الأرمن بالاعتراف "بالإبادة الأرمنية" في حال وصوله إلى البيت الأبيض ما شكل حالة ضغط على أنقرة التي كانت ترفض فتح الحدود قبل انسحاب أرمينيا من قره باغ.
كما أن توقيع مثل هذه الاتفاقية يحرر أوباما من ضغوط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ولو مؤقتا. لذا لم يكن مستغربا أن تكون وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وليس وزير الخارجية الروسي مثلا، هي التي تولت المفاوضات مع وزير الخارجية الأرميني "نالبنديان" والتركي "داود اوغلو" في زيوريخ بعد الإشكالات التي سبقت توقيع الاتفاق وأدت إلى تأجيله ثلاث ساعات.

أما الدور الروسي في التوصل إلى اتفاق زيوريخ فهو أساسي لأن روسيا لاعب مركزي في منطقة القوقاز، وهي على امتداد الفترة السابقة الحامي الأساسي لأرمينيا في مواجهة المثلث التركي-الجورجي-الآذري. ولا يمكن لأرمينيا أن تتخلى عن الدعم الروسي والعلاقات مع موسكو في ظل محيط تركي معاد تاريخيا لها. فالحالة الجورجية في اعتماد دولة صغيرة على قوة كبرى بعيدة عنها جغرافيا ضد قوة كبرى محاذية لها وتعتبر ضمن حديقتها الخلفية، غير مشجعة لأرمينيا لتنسخ التجربة الجورجية الفاشلة وتلعب من وراء ظهر روسيا، بل إن الراجح أن الخطوة الأرمينية كانت بتنسيق عال مع روسيا.


ولا شك أن اتفاقية زيوريخ في حال المضي في تطبيقها سوف تنعكس إيجابا على السلام والاستقرار في منطقة القوقاز وتساهم في حل مشكلة "قره باغ"، وهذا سيفتح الطريق أمام ترجمة المقترح التركي لتأسيس منتدى التعاون والاستقرار بين دول القوقاز على أرض الواقع.


إن ترجمة تطبيق اتفاق زيوريخ ستكون أكثر قابلية وواقعية في ظل المظلة الدولية التي رعت ولادته وتمثلت في حضور وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي حفل التوقيع.


مستقبل الاتفاقية 


مع ذلك فإن العديد من الصعوبات قد تعترض تطبيق الاتفاق وأولها أن الاتفاق لا يعني فقط أرمينيا كدولة، بل أيضا الدياسبورا الأرمنية (الشتات) المعنية أكثر بقضية"الإبادة" والتعويضات. وهذه الدياسبورا تظهر اعتراضا شديدا جدا للبند المتعلق بالإبادة، كما البند الذي يعترف بالحدود القائمة حاليا، ومن غير المستبعد أن تتصاعد حركة الاحتجاج الأرمنية المضادة في اتجاهات قابلة لكل الاحتمالات، لاسيما في الداخل الأرميني لإسقاط الرئيس الأرميني سرج سركيسيان، وإسقاط الاتفاقية معه.


وفي تركيا ستعلو أصوات القوميين معترضة:



  • من جهة على ما تسميه التفريط بحقوق الأتراك الآذريين في "قره باغ".
  • ومن جهة ثانية إنزعاجا من نجاحات حكومة حزب العدالة والتنمية.

ولن تعرف تأثيرات هذه الحملة على حزب العدالة والتنمية قبل حصول الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها عام 2011.
_______________
خبير في الشأن التركي