التحالف الثلاثي والتوازنات الجديدة في المنطقة

يجب أن يُنظر إلى ما حدث في قمة دمشق ومؤتمر طهران وما عبّرت عنه المقاومتان اللبنانية والفلسطينية باعتباره انعطافة مفصلية ستكون المنطقة (العربية-الإسلامية) بعدها غير ما كانت عليه قبلها. ولا يخفى ما يحمله تصريح الرئيس السوري من تحدٍ سياسي للمطالب الأميركية.







منير شفيق


ما شهدته منطقتنا العربية-الإسلامية في العشرة أيام الأخيرة شكل انعطافة مفصلية ستكون المنطقة بعدها غير ما كانت عليه قبلها.


الأحداث التي شكلت هذه الإنعطافة تتلخص في الآتي:






  1. لا يخفى ما يحمله تصريح الرئيس السوري من تحدٍ سياسي للمطالب الأميركية بالإبتعاد عن إيران والتخلي عن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
    خطاب السيد حسن نصر الله الذي أعلن فيه بأن المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله تمتلك إمكانات ردّ موازية في الحجم والمكان والمقدار لكل الضربات التدميرية الإسرائيلية المتوقعة في حالة اندلاع الحرب.


  2. لقاء القمة السورية-الإيرانية الذي جاء في اليوم التالي بعد مطالبة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية سورية بالإبتعاد عن إيران والتخلي عن دعم حزب الله. ومن ثم المقاومة الفلسطينية أيضاً. وقد أُعلن في القمة عن اتفاق استراتيجي مع رفع التأشيرة بين البلدين إيران وسورية. ووصل الأمر إلى أن يُعلن الرئيس السوري بشار الأسد متهكماً بأن توقيع الإتفاق الإيراني-السوري يمثل ابتعاداً سورياً من إيران.


  3. ثم انضمّ السيد حسن نصر الله شخصياً إلى القمة الثنائية كما دُعيت فصائل المقاومة الفلسطينية يتقدّمها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للإنضمام إلى اللقاء من خلال حفل عشاء كذلك.


  4. أُعلن في اليوم التالي عن عقد مؤتمر في طهران لبحث مستقبل القضية الفلسطينية وقد افتتحه مرشد الثورة السيد علي الخامنئي. مما شكل رسالة تُعزز ما حدث في دمشق. وقد أُعلِن فيه أن ما يسمّى منطقة الشرق الأوسط "منطقة إسلامية". ولهذا معناه الذي لا يُخفى على لبيب.


  5. خصّ الإمام الخامنئي بلقاء جانبي كلاً من خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ورمضان شلّح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي.


  6. ألمح السيد نصر الله في خطاب ثانٍ بمناسبة عيد المولد النبوي، إلى أن أية حرب قادمة ستكون شاملة، وأن ما كشف عنه من إمكانات المقاومة ليس السقف المتوفر إذ كان لا بدّ من أن يترك ما تتطلبه الحرب من مفاجآت بمعنى أن لديه ما هو أعلى من ذلك السقف.

مجموعة هذه النقاط المترابطة ببعضها تمثل إلقاءً للقفاز في وجه التهديدات العسكرية الإسرائيلية من جهة، كما في وجه التلويح الأميركي بعدم استبعاد خيار الحرب في معالجة البرنامج النووي الإيراني، كما في وجه مجموعة من التحركات العسكرية في منطقة الخليج-المائية بما فيه مرور قطع بحرية إسرائيلية من قناة السويس نحو أعالي البحار في الخليج.


هذا ولا يخفى ما يحمله تصريح الرئيس السوري من تحدٍ سياسي للمطالب الأميركية بالإبتعاد عن إيران والتخلي عن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.





يجب أن يُنظر إلى ما حدث في قمة دمشق ومؤتمر طهران وما عبّرت عنه المقاومتان اللبنانية والفلسطينية باعتباره انعطافة مفصلية ستكون المنطقة (العربية-الإسلامية) بعدها غير ما كانت عليه قبلها.
هذا التحدّي بهذه الطريقة، وبهذا الأسلوب من قِبَل جبهة مشكّلة من إيران وسورية والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية أفقد التهديدات الإسرائيلية بشنّ الحرب هيبتها. وألقى بالسياسات الأميركية في المنطقة أرضاً. الأمر الذي يفترض بأميركا وإسرائيل الردّ عليه بمثله، أي الذهاب بالمواجهة إلى شفير الحرب، أو إلى الحرب نفسها. أما ما هو دون ذلك فيعني الإنتقال بجبهة إيران-سورية-المقاومتيْن إلى مرحلة الهجوم السياسي ومسلسل جديد للتراجع الأميركي-الإسرائيلي. ومن ثم إحداث إختراقات جديدة في غير مصلحتهما في أكثر من مكان ومجال، بما في ذلك على الساحة الفلسطينية-نقطة الصراع المركزية، كما على مستوى المنطقة العربية-الإسلامية بعامّة.

من هنا يجب أن يُنظر إلى ما حدث في قمة دمشق ومؤتمر طهران وما عبّرت عنه المقاومتان اللبنانية والفلسطينية باعتباره انعطافة مفصلية ستكون المنطقة (العربية-الإسلامية) بعدها غير ما كانت عليه قبلها.


الجمرة الملتهبة الآن في الملعب الأميركي-الإسرائيلي فكيف سيتعاملان معها. وقد فقدت كل من إدارة أوباما وحكومة نتنياهو زمام المبادرة.


نتنياهو الذي لم يتعوّد على مثل هذا التحدّي سيجيب للوهلة الأولى، الحرب، الحرب. أما أوباما فسيكون رد فعله الأول: الإرتباك ثم الإرتباك. ولكن على الطرفين أن يحسبا ألف حساب لحرب غير مضمونة النتائج لا سيما مع هذه المعادلة الجديدة التي لم تترك لهما توقيتها ولا خيار مكانها، خصوصاً من ناحية الإستفراد بجبهة دون أخرى. بل لم تترك لهما اللعبة السياسية، عند الهروب من المواجهة، دون خسائر محققة. لأن الهروب من المواجهة يشكل إعترافاً بميزان قوى عسكري وسياسي اختلّ في غير مصلحتهما.


أما إذا فرّا إلى المفاوضات غير المباشرة فعليهما أن يدفعا ثمناً باهظاً إضافياً مهما كان المفاوض الفلسطيني هزيلاً ومفرِّطاً. وهذا بدوره سيكون محرجاً أشدّ إحراج، مع أي اتفاق سيقبل به، فوضعه مع هذه المتغيّرات أسوأ. لأنها أسقطت حجته بأن ميزان القوى في غير مصلحته، مما اضطره لتقديم التنازلات. فاليوم سقطت من يده ورقة ميزان القوى غير المؤاتي، وقد أسقط من قبل ورقة المبادئ والثوابت.
_______________
باحث إستراتيجي