الاتفاق الثلاثي بخصوص الملف النووي الإيراني

ستعزز الاتفاقية التي وقعتها إيران، مع تركيا والبرازيل، بخصوص ملفها النووي، من سياستها الرامية إلى تأكيد عدم مشروعية أي قرار بفرض عقوبات عليها وذلك بعد توقيعها لهذه الاتفاقية، كما ستعطي تركيا سببا لترفض الالتزام بأي عقوبات يراد فرضها عليها.







 

برهان كور أوغلو





نظرت بعض الأطراف إلى هذه الاتفاقية نظرة إيجابية في حين اعتبرتها أطراف أخرى على أنها مناورة تكتيكية من إيران من أجل تأخير صدور القرار الرابع من مجلس الأمن الدولي.
لقد وصل الملف النووي الإيراني إلى مرحلة مهمة مع الاتفاقية التي وقعت بين إيران وتركيا والبرازيل حول تخصيب اليورانيوم في 17 مايو/أيار 2010 في العاصمة الإيرانية طهران، وقد شهد توقيع هذه الاتفاقية كلا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والبرازيلي لويس لولا داسلفيا، إضافة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

وبموجب هذه الاتفاقية من المفترض أن يوضع ألف ومائتي كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 3.5% في تركيا تحت إشراف إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمهيدا لمبادلته بـ 120 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% من قبل مجموعة فيينا، واتفق على تبليغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك في غضون أسبوع من توقيع الاتفاق.


وقبل الخوض بتفاصيل هذه الاتفاقية، لا بد من إلقاء نظرة سريعة على وضع الملف النووي الإيراني قبل توقيع هذه الاتفاقية. فمن خلال المفاوضات التي جرت في العاصمة جينيف بهدف حل الأزمة النووية الإيرانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي حول خارطة طريق لحل هذه الأزمة، وكانت المفاوضات في تلك الفترة قد وصلت إلى توقيع مسودة تفاهم تقوم بموجبها روسيا باستلام اليورانيوم الإيراني وتخصبه لدرجة 19%، ومن ثم يتم تحويله إلى فرنسا كي تقوم بعملية تبديله بقضبان وقود، ومن ثم تسلم لإيران. ورغم الموافقة المبدئية التي صدرت عن إيران في هذه المسألة إلا أنها عدلت عنها بعد فترة وجيزة بسبب الاعتراضات التي صدرت عن الأطراف الإصلاحية والمحافظة في الدولة. والسبب الأساسي الذي جعل إيران توقف هذه الاتفاقية، هو عدم ثقتها بالدور الغربي -وهو ما خبرته من خلال تجربتها الماضية- وكان السؤال الانتقادي الذي وجه للحكومة الإيرانية يستفسر عن الضمانات التي حصلت عليها إيران كي تتخلى عن قدرتها التخصيبية لليورانيوم.


والحقيقة أن هذا النموذج من نماذج الحلول لهذه الأزمة، قد طرحه رئيس الوكالة الذرية للطاقة وتمت الموافقة عليه من قبل القوى الغربية وتم تقديمه إلى إيران، والهدف الأساسي من هذا النموذج هو إضعاف قدرة إيران على استخدام الطاقة في السلاح النووي أو تأخير الفترة الزمنية التي يمكن أن تحصل بها على هذا السلاح.


أما إيران فمن جانبها أدركت هذا الهدف ووضعت شروطا خاصة في المفاوضات التي جرت حول هذه المسألة، منها: أن المبادلة المتعلقة بالوقود النووي لأغراض الطاقة يجب أن تتم على أراضيها، وأن تخرج إيران اليورانيوم المخصب لديها بشكل جزئي لا كلي، كما عبرت إيران عن عدم نظرتها المتفائلة إلى هذا النموذج، وفضلت دولا بعينها من أجل أن تجري معها المبادلات النووية مثل: تركيا والبرازيل واليابان، وبقيت هذه القضية محور جدال بين الأطراف المعنية منذ ذلك الوقت وحتى تاريخ توقيع الاتفاقية الآنفة الذكر
وقد برزت مسألة "عدم الثقة المتبادلة" كمشكلة أساسية ساهمت في عدم التوصل إلى اتفاق جدي في هذه القضية، وقد تولدت شكوك لدى إيران في احتمال عدم وفاء الدول التي اتفقت معها بتعهداتها، وبالتالي قد تمتنع عن إعادة اليورانيوم المخصب إلى إيران مرة أخرى. ومن هنا التزمت طهران اتجاه هذه القضية الحذر، مع إدراكها التام لخطورة الموقف، خاصة وأن التهديدات لا تزال تتوالى من الدول الغربية، ومنها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تبنت مسودة قرار رابع بتطبيق عقوبات إضافية على إيران في هذه المرحلة. أما الجانب الغربي فلديه مخاوف من عدم فاعلية هذا النموذج في تأخير قدرة إيران على صنع السلاح النووي إذا ما أرسلت إيران ما لديها من يورانيوم مخصب بشكل جزئي على فترات، ومن هنا تبنت مسودة قرار رابع بتطبيق عقوبات إضافية على إيران.


وقد دخلت كل من البرازيل وتركيا على خط المفاوضات لتقوما بدور الوساطة والبدء من حيث توقفت المفاوضات في هذا الشأن، وأجرت الدولتان مع الطرف الإيراني لقاءات مكثفة من أجل إعادة تفعيل نموذج المبادلة. ورغم الصعوبات التي حفّت بهذه المفاوضات إلا أنها قد خرجت في النهاية بنتائج إيجابية.


المواقف الدولية من الاتفاقية



أبدت روسيا موافقتها على فرض عقوبات جديدة على إيران، ومن المستغرب أن توافق روسيا على بعض العقوبات الموجهة ضد إيران وضد مشاريع معينة كانت قد طلبت بنفسها من إيران أن تشارك فيها.
وقد نظرت بعض الأطراف إلى هذه الاتفاقية نظرة إيجابية في حين اعتبرتها أطراف أخرى على أنها مناورة تكتيكية من إيران من أجل تأخير صدور القرار الرابع من مجلس الأمن الدولي. وفي هذا الصدد فقد أبلغت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي بأن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن -الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا- وافقت جميعها على صيغة مشروع قانون دولي لفرض عقوبات ضد إيران، وقد جاءت تصريحات كلينتون بعد الإعلان عن الاتفاقية التي جمعت إيران وتركيا والبرازيل.

وعلى صعيد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فقد أبدت روسيا موافقتها على فرض عقوبات جديدة على إيران، ومن المستغرب أن توافق روسيا على بعض العقوبات الموجهة ضد إيران وضد مشاريع معينة كانت قد طلبت بنفسها من إيران أن تشارك فيها.


أما الولايات المتحدة الأمريكية فمن جهة تسعى إلى استخدام مظلة مجلس الأمن من أجل تطبيق عقوبات دولية شاملة على إيران وهي لا تحبذ فرض عقوبات دولية من جانب واحد، ومن جهة أخرى تدعم مساعي الوساطة التركية والبرازيلية من أجل التوصل إلى حلول توفيقية فيما يتعلق بالأزمة النووية.


وبالرغم من أن روسيا والصين ترتبطان مع إيران بعلاقات اقتصادية قوية، وكانتا تعارضان هذه العقوبات غير أنهما أعربتا خلال الأشهر الماضية عن استعدادهما لتأييد إجراءات جديدة لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية. وذكر مندوب روسيا في الأمم المتحدة فيتالي تشوركن أن موسكو تعتبر مشروع القرار مقبولا لأن تطبيقه لن يؤثر على النشاطات الاقتصادية العادية ولا على المواطنين الإيرانيين.


أما مندوب الصين في الأمم المتحدة لي باودونغ فأكد التزام حكومته بالتعامل مع إيران على مسارين أولهما مسار الضغط السياسي عن طرق هذا القرار، والثاني المسار الدبلوماسي التفاوضي من خلال اتفاقها الأخير مع تركيا والبرازيل.


وقد دخلت تركيا والبرازيل على خط المفاوضات بين إيران وبين الغرب من منطق التوصل إلى حل دبلوماسي لهذه الأزمة، فالبرازيل وطدت علاقتها مع إيران في السنوات الأخيرة خصوصا فيما يتعلق بمجال التكنولوجيا النووية. أما تركيا فقد دخلت في جهود الوساطة هذه انطلاقا من اعتبارات سياسية متعددة إلى جانب العلاقات الإيجابية التي طورتها مع إيران في السنوات الأخيرة.


ورغم موافقة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على مسودة قرار العقوبات الموجهة ضد إيران، إلا أن تركيا والبرازيل ستسعيان إلى الحيلولة دون تطبيق هذا القرار، لأن تطبيق هذه العقوبات بشكل فعلي، سوف يؤثر على علاقة هاتين الدولتين مع إيران من جهة، وعلى علاقاتهما مع الدول الغربية من جهة أخرى، كما أن تركيا تأتي في مقدمة الدول التي ستتضرر من قرار العقوبات التي يخطط لفرضها على إيران.


تركيا نحو عدم الالتزام بأي عقوبات



رفض وزير الخارجية التركي القول إن الاتفاقية التي وقعتها تركيا والبرازيل مع إيران قد همشت دور الولايات المتحدة والقوى الغربية، بل أكد أن الاتفاقية تمت بموافقتها والتزمت الاتفاقية بمطالبها في هذا الخصوص.
وعبر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عن وجهة النظر التركية في هذه المسألة بقوله في تصريح أدلى به بعد هذه الاتفاقية: "نراقب الموضوع عن كثب، لأنها قضية تتعلق بالسلم الإقليمي ومستقبل العلاقات التركية الإيرانية، والعلاقات التركية الأمريكية، والسلم العالمي. ونحن نتابع هذا الموضوع بوصفنا دولة نؤثر في قضايا المنطقة ونتأثر منها عن قرب". ويعبر تصريح أوغلو بوضوح عن وجهة النظر التركية التي تعارض فرض عقوبات على إيران، وعن رغبة في أن تسهم هذه الاتفاقية في تخطي الأزمة النووية الإيرانية.

ومن شأن هذه الاتفاقية أن تدعم الجانب الإيراني في التأكيد على عدم مشروعية قرار المقاطعة الذي تريد القوى الدولية أن تطبقه ضد إيران من خلال مجلس الأمن، بعد موافقتها على نموذج المبادلة الذي يثبت عدم نيتها في استخدام الطاقة النووية للأغراض العسكرية. ويفهم بشكل ضمني عدم رضا الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الأوروبية عن الاتفاقية التي توصلت إليها البرازيل وتركيا مع إيران، لأنها يمكن أن تثني الرأي العالمي والقوى العالمية الكبرى عن اتخاذ إجراءات أكثر تشددا تجاه المسألة النووية الإيرانية، خصوصا وأن الولايات المتحدة قد أمضت مدة طويلة وهي تقنع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالموافقة على إقرار عقوبات جديدة ضد إيران.


وفي مقابل ذلك رفض وزير الخارجية التركي القول إن الاتفاقية التي وقعتها تركيا والبرازيل مع إيران قد همشت دور الولايات المتحدة والقوى الغربية، بل أكد أن الاتفاقية تمت بموافقتها والتزمت الاتفاقية بمطالبها في هذا الخصوص. وأكد داود أوغلو كذلك على أن تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية لهذا التطور المهم الذي أفرزته هذه الاتفاقية سيضعف من قوة أدوات السياسة الأمريكية في هذه المسألة ويحملها نتائج سلبية. هذا وستعارض تركيا أي قرار يتعلق بفرض عقوبات على إيران بعد التزامها بالاتفاقية الأخيرة.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات