قمة اسطنبول الثلاثية

شهدت مدينة اسطنبول الأحد العاشر من مايو/ آيار قمة ثلاثية، جمعت إردوغان والأسد وأمير قطر. وقد لوحظ في البيان القصير الصادر عن الزعماء الثلاثة دعوتهم إلى احترام إرادة الناخبين في العراق، ودعم الأسد وآل ثاني للموقف التركي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.







 

بشير نافع





تركيا، الجارة الإسلامية الكبيرة لإيران، اتخذت موقفاً معارضاً للضغوط الغربية على إيران بخصوص ملفها النووي.
شهدت مدينة اسطنبول يوم الأحد، العاشر من مايو/ آيار، قمة ثلاثية، جمعت رئيس الحكومة التركية رجب طيب إردوغان، الرئيس السوري بشار الأسد، وأمير دولة قطر الشيخ حمد آل ثاني، بعد أن اجتمع إردوغان مع الزعيمين العربيين كلا على انفراد. كانت القمة قد خطط لها قبل أسابيع قليلة فقط؛ وطبقاً لمصادر إعلامية، استهدفت مناقشة عدد من قضايا المنطقة ذات الأهمية وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني والعراق. وقد لوحظ في البيان القصير الصادر عن الزعماء الثلاثة دعوتهم إلى احترام إرادة الناخبين في العراق، ودعم الأسد وآل ثاني للموقف التركي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

(1)


في البحث عن التفاصيل، يمكن ملاحظة الارتباط بين المسألتين الرئيستين اللتين عالجتهما القمة الثلاثية. تركيا، الجارة الإسلامية الكبيرة لإيران، اتخذت موقفاً معارضاً للضغوط الغربية على إيران بخصوص ملفها النووي، إذ  تعارض أنقره أي تصعيد قد يؤدي إلى حرب جديدة في المنطقة، وتطالب بمفاوضات جادة مع إيران، على أساس من مبادلة اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب، بيورانيوم مرتفع، يصلح للاستخدام المدني، الذي تراه أنقره حقاً لإيران، طالما أن منشآتها النووية خاضعة للرقابة الدولية. ويعرض الأتراك أن يتم التبادل على أرضهم.


ويمكن أن يفسر الموقف التركي بعدة أسباب من أهمها:



  1. أن تركيا ترفض الموافقة على تعرض أية دولة إسلامية للحرب والاعتداء.
  2. أن تركيا، التي يربطها بإيران جوار وحدود طويلة، وعلاقات اقتصادية ثقيلة، ستكون من أوائل الدول التي ستتأثر بالحرب على إيران في حال اندلاعها.
  3. أن القادة الأتراك يرون أن الحرب على إيران ستقوض استقرار الإقليم على نطاق واسع بما يمس أمنهم ومصالحهم الاقتصادية في الصميم.

الدعم الذي قدمه الرئيس بشار الأسد والأمير حمد آل ثاني للموقف التركي لا بد أن يفهم باعتباره مؤشراً على تفاهم متزايد بين الدول الثلاث، وبادرة صداقة إضافية لإيران من قادة هذه الدول، التي تعتبر بين أكثر دول الإقليم قرباً من طهران، وإن بدرجات متفاوتة. كما لا بد أن يفهم هذا الموقف في موازاة القضية الثانية الهامة التي ناقشها الزعماء الثلاثة وهي القضية العراقية.


(2)


ما تسرب من القمة هو أن الهدف الرئيس من لقاء الزعماء الثلاثة كان مناقشة الموقف السياسي الناجم عن النتائج غير الحاسمة للانتخابات العراقية. وبالنظر إلى أن طهران تلعب دوراً مؤثراً وواسعاً في الشأن العراقي، لا سيما في أوساط القوى السياسية الشيعية، وأنها دفعت خلال الأسابيع القليلة الماضية نحو توحيد القائمتين الشيعيتين الرئيستين: الائتلاف الوطني ودولة القانون، وأن توحيد القائمتين فهم منه محاولة حرمان القائمة العراقية، التي حققت الفوز في الانتخابات بفارق ضئيل، من تسمية رئيس الحكومة المقبل، فإن قمة اسطنبول قصد منها كما يبدو اتخاذ موقف من تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.





بالرغم من أن قمة اسطنبول لم تحسم اسم رئيس الحكومة العراقية، فليس من الصعب تقدير أهمية الاتفاق الذي توصلت إليه القمة مع طهران، والأثر الإيجابي الذي يمكن أن يتركه هذا الاتفاق على الوضع العراقي السياسي، والإسراع في تشكيل حكومة العراق الجديدة.
حافظت أنقرة منذ الإعلان الأولي لنتائج الانتخابات العراقية على علاقات بكافة القوى السياسية العراقية واستقبلت وفوداً منها جميعاً؛ ولكن ثمة مؤشرات على أن القائمة العراقية، بوصفها قائمة وطنية غير طائفية وتدعو إلى الفصل بين توجهات الحكم والشأن الديني الطائفي، تتمتع بعلاقات خاصة مع تركيا. كما أنه ينظر إلى العراقية بقدر ملموس من الإيجابية سواء في قطر أو في سورية، إضافة إلى عدد آخر من الدول العربية. المشكلة أن طهران تدعم القائمتين شيعيتي التوجه، وتنظر بالشك إلى القائمة العراقية وقياداتها الرئيسة.

ما توصلت إليه قمة اسطنبول كان التوكيد على حق العراقية في تسمية رئيس الحكومة العراقية، بدون أن يتوصل القادة الثلاثة إلى الاتفاق حول الشخصية التي يفترض أن تحتل مقعد الحكومة المقبلة. المشكلة في تسمية رئيس الحكومة العراقية المقبلة لا تتعلق فقط بعجز أي من القوائم الانتخابية الفائزة عن تحقيق نصر حاسم في الانتخابات، بل أيضاً لأن طهران تعارض معارضة قاطعة رئاسة علاوي الحكومة.


ويعتقد أن اتفاق القادة الثلاثة على ضرورة أن تسمي القائمة العراقية رئيس الحكومة المقبلة قد أبلغ للسيد على لاريجاني، الناطق باسم البرلمان وأحد المسؤولين الإيرانيين الرئيسيين، الذي تواجد في اسطنبول يوم انعقاد القمة الثلاثية.


بالرغم من أن قمة اسطنبول لم تحسم اسم رئيس الحكومة العراقية، فليس من الصعب تقدير أهمية الاتفاق الذي توصلت إليه القمة مع طهران، والأثر الإيجابي الذي يمكن أن يتركه هذا الاتفاق على الوضع العراقي السياسي، والإسراع في تشكيل حكومة العراق الجديدة، والمساعدة على استقراره. ولكن من غير الواضح ما إن كانت القوى العراقية السياسية المعنية ستتقبل مثل هذا الاتفاق بسهولة، وأن تعمل على إقراره بالسرعة التي تتطلبها أوضاع البلاد. كما من غير الواضح مدى الضغوط التي ستمارسها طهران على حلفائها في العراق لإمضاء اتفاق اسطنبول.


(3)


تحمل مبادرة قمة اسطنبول الثلاثية والاتفاق مع إيران حول العراق عدداً من الدلالات:



  1. تراجع الدور الأميركي في العراق بدرجة لا تخفى، في موازاة تراجع الدور الأميركي عامة في الإقليم، واتساع نطاق المجال المتوفر لدول المنطقة للتعامل مع قضاياها بدون تدخلات أجنبية.


  2. عزم تركيا الواضح على انتهاز الفرصة المتاحة للعب دور إيجابي أكبر في الإقليم، بما في ذلك المساعدة على استقرار العراق، والحفاظ على وحدة أرضه وشعبه.


  3. تزايد مستويات الثقة بين إيران، من جهة، وتركيا وسوريا وقطر، من جهة أخرى، وإدراك طهران أن الشأن العراقي ليس حكراً عليها، وأن من الصعب أن تستطيع التصرف منفردة في إدارة أوضاع العراق السياسية، وأن التفرد في العراق سيعود على طهران بالضرر، على أية حال.


  4. إن تقبلت القوى العراقية السياسية اتفاق اسطنبول وأقرته، فربما سيكون هذا التطور الخطوة الجادة الأولى نحو استقرار العراق واستعادة عافيته، بالرغم من أن الاتفاق يعكس في جوهره عدم قدرة العراقيين على الخروج من حالة الأزمة بدون عون من دول الجوار. والسبب خلف هذا التفاؤل أن القائمة العراقية تمثل نوعاً مختلفاً عن السياسة التي سادت العراق منذ الاحتلال.


  5. إقرار الاتفاق وتنفيذه أيضاً سيمثل تحريراً للعملية السياسية في بغداد من ابتزاز الكتلة السياسية الكردية، التي جعلت تحالفها مع أي من القوائم العربية مشروطاً بتنفيذ المطالب الكردية التوسعية.

_______________
مركز الجزيرة للدراسات