التحقت النيل الأزرق (في الجنوب الشرقي للسودان) بالحرب التي تدور رحاها في منطقة أبيي، وجنوب كردفان. وهكذا انفجرت الحرب في المناطق الثلاث التي شارك بعض مواطنيها في الحرب الطويلة التي قادتها الحركة الشعبية لتحرير السودان في مواجهة الجيش السوداني لأكثر من عشرين عامًا. والتي أُفردت لها بروتوكولات خاصة في اتفاقية السلام الشامل، التي أنهت الحرب الأهلية في يناير/كانون الثاني 2005م.
حين انفجرت قضية المناطق الثلاث في بداية المفاوضات بين الحكومة السودانية والمتمردين الجنوبيين، رفض السيد غازي صلاح الدين رئيس الوفد الحكومي آنذاك مجرد الحوار حولها باعتبارها جزءًا من مشكلة الجنوب، مشددًا على أنها أراض شمالية، تقع شمال خط حدود يناير/كانون الثاني 1956م التي خلَّفها الاستعمار بعد خروجه، فكانت هذه حدودًا بين طرفي البلاد شمالاً وجنوبًا.
غير أن تطور المحادثات التي أفضت إلى اتفاقية نيفاشا بكينيا 2005م والتي قادها من جانب الحكومة السودانية السيد علي عثمان طه النائب الأول للرئيس بعد ما خلف صلاح الدين، منح المناطق الثلاث بروتوكولات خاصة باعتبار مشاركة بعض مواطنيها في الحرب إلى جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ مما اقتضى معالجة خاصة لأزمة حقيقية عرقلت التفاوض. ولكن غموض بعض نصوص هذه البرتوكولات حول هذه المناطق فجَّر مبكرًا قضية أبيي, وشد منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق على حبل التوتر بعد حسم الجنوب قراره في اتجاه الاستقلال عن الدولة الأم.
لم تكن الحرب التي اندلعت مؤخرًا في النيل الأزرق بين الجيش الحكومي وجيش الحركة الشعبية (قطاع الشمال) مفاجأة؛ فقد سبقها كثير من الإرهاصات التي بلغت ذروتها بانفجار المواجهة حربًا حيث:
- أهمل طرفا الاتفاقية تنفيذ البروتوكولات الخاصة بمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، وخاصة ما يتعلق منها بجانب الترتيبات الأمنية، من حيث إعادة دمج قوات الحركة الشعبية من هاتين المنطقتين في الجيش السوداني والأجهزة الأمنية الأخرى وتسريح من تبقى منهم, وتنفيذ الترتيبات السياسية بإجراء المشورة الشعبية كوسيلة يقرر بها مواطنو المنطقتين موقفهم من تطبيق الاتفاقية، ورؤاهم حول تحسينها لتستوعب تطلعاتهم، وتجويد إدماجهم في الإطار المركزي.
- الاختلاف حول نتائج الانتخابات التي جرت في جبال النوبة, والتي اتهمت فيها الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بالتزوير, عجَّل باندلاع الحرب في جنوب كردفان؛ مما أوجد ضغطًا سياسيًّا وأخلاقيًّا على الطرف الآخر من مكونات الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وهم المنتمون إليها في منطقة النيل الأزرق.
- شكَّل انفصال الجنوب صدمة نفسية وضغطًا سياسيًّا علي الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، خاصة وأن شعور الكثيرين منهم أن الجنوب قرر مصيره عبر الحرب، الأمر الذي فشل فيه قطاع الشمال.
- استضافة الجنوب لفئات من قطاع الشمال، وبعض قادة حركات دارفور المتمردة على السلطة المركزية، وإشارة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في خطاب الاستقلال إلى أنهم لن (ينسوا هذه المناطق ويتألمون لألمها) عمَّق فجوة الثقة بين حكومتي شمال وجنوب السودان إلى درجة الاتهام الصريح من حكومة السودان بأن الجنوب يسعى لتفجير الحرب في هذه المناطق, وتصعيد المواجهة السياسية بينهما إلى أن وصلت شكوى الشمال إلى مجلس الأمن الدولي يتهم فيها الجنوب بتأجيج الحرب، ويطلب التدخل لحفظ السلام والأمن الدوليين في المنطقة.
- تشكيل الحركة الشعبية -قطاع الشمال مع حركات دارفور المتمردة (حركة تحرير السودان جناح مناوي, والأخرى جناح عبد الواحد نور)- لتحالف (كاودا) في جبال النوبة في السابع من أغسطس/آب الماضي بهدف إسقاط نظام الخرطوم بقوة السلاح.
- انسحاب الحكومة السودانية من الاتفاق الإطاري الذي وقَّعه نيابة عنها نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية مع مالك عقار حاكم النيل الأزرق ورئيس الحركة الشعبية -قطاع الشمال بأديس أبابا. هذا الموقف الحكومي دفع بالعلاقات إلى حافة الهاوية, وجعل اندلاع الحرب ليس أكثر من مسألة وقت في مناخ تناقص الثقة، وتزايد الشكوك حول النوايا لدى الطرفين.
- صحب كل هذا المناخ النفسي والسياسي تجهيزات عسكرية لاهثة على الأرض، بما يشير إلى تيقن الطرفين من وقوع الحرب، وسعي كل طرف لاستكمال جاهزيته قبل الآخر، وتحقيق الضربة الأولى.
في ظل مناخ كهذا لم يبق إلا إعلان الحرب الذي لم يتأخر كثيرا؛ حيث انحبست الأنفاس في ثالث أيام عيد الفطر المبارك على إثر سماع دوي الأسلحة الثقيلة تشق ليل الدمازين المظلم الممطر، وتسابق الطرفين في دفع تهمة البداية بالحرب. امتلك الجيش السوداني زمام المبادأة بطرد قوات الحركة الشعبية نحو الشرق والجنوب بعيدًا عن أهم مدينتين، وهما: الدمازين عاصمة الولاية، والروصيرص التي بها السد الذي يعتبر مصدرًا رئيسيًّا للكهرباء بالبلاد, وسارع الرئيس السوداني عمر البشير إلى إعلان حالة الطوارئ في الولاية وتعيين حاكم عسكري لها.
بالرغم من مضي أكثر من أسبوعين إلا أن الحرب لم تضع أوزارها، ولكن تحركت دبلوماسية نشط فيها رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي, والآلية الإفريقية للحوار برئاسة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثامبو مبيكي, ولما كانت الأخيرة متخصصة في القضايا العالقة بين دولتي جنوب السودان وشماله, فإن رئيس الوزراء الإثيوبي تولى بشكل أدق مسعى حل مشكلة الحركة الشعبية قطاع الشمال مع الحكومة السودانية، والحركة تخوض معاركها في مواجهة المركز في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
بدأت المساعي الحميدة لرئيس الوزراء الإثيوبي بعد تراجع المؤتمر الوطني عن الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه برعاية الاتحاد الإفريقي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بين نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ومالك عقار رئيس الحركة الشعبية-قطاع الشمال 28 يونيو/حزيران الماضي؛ حيث أقَلَّ رئيس الوزراء الإثيوبي مالك عقار في طائرته الخاصة للجلوس إلى مفاوضات مع الرئيس البشير لم تصل إلى نتائج إيجابية، بل عجَّلت بدفع مناخ المواجهة الذي انفجر حربًا، ثم جدَّد رئيس الوزراء الإثيوبي زيارته إلى الخرطوم بعد اندلاع الحرب في محاولة لجر الطرفين إلى طاولة التفاوض، وانتهت الزيارة بإعلان إصراره على المضي في درب التوسط والإصلاح الذي قال: إنه يرتكز على جيش سوداني واحد في وطن واحد, كما يرتكز على نتائج الانتخابات التي جرت في إبريل/نيسان من العام الماضي.
إثيوبيا: الوساطة والمصالح
- كانت إثيوبيا محطة جولات التفاوض المتعددة حول العلاقات بين جنوب السودان وشماله. وقد تم فيها الاتفاق على مشكلة أبيي؛ حيث أوكل أمرها لقوات إثيوبية قوامها 4200 جندي تحت علم الأمم المتحدة، كما تتولى إثيوبيا وفق اتفاق مراقبة الحدود بين الشمال والجنوب بحوالي 300 جندي. وأثيوبيا هي المقر الذي وُقِّع فيه الاتفاق الإطاري بين الحركة الشعبية (قطاع الشمال) والحكومة السودانية، وهو الاتفاق الذي عجَّل التراجعُ الحكومي عنه بالحرب بين الطرفين.
- العلاقات الاقتصادية الإثيوبية وثيقة مع دولتي الجنوب والشمال السودانيتين، فكما أن إثيوبيا هي الشريك التجاري المهم للجنوب في منافسة مع النفوذ الأوغندي, فهي ذات علاقات اقتصادية مهمة مع الشمال؛ حيث إن السودان يتلقى الكهرباء الإثيوبية بكميات معتبرة, بينما 85% من الاحتياجات النفطية الإثيوبية تأتي من السودان، مع استخدام إثيوبيا للموانئ السودانية بعدما فقدت موانئ أريتريا إثر الحرب بينهما عام 1998م.
- التداخل الجغرافي والإثني الإثيوبي مع السودان في شقيه؛ فهي الدولة الأهم من بين دول الجوار التي لديها حدود مشتركة طويلة مع السودان بشطريه حيث ولايات (كسلا, القضارف, سنار, النيل الأزرق) مع جمهورية السودان، (الاستوائية, جونقلي, أعالي النيل) مع جمهورية جنوب السودان. بالإضافة إلى التداخل القبلي (قبائل الجبرتا, النوير, الأنواك، بني شنقول).
- الأمن الإثيوبي في هذه المنطقة يقوم علي توازن دقيق بين تربص أريتريا, وبعض قوات التمرد في إقليم بني شنقول, بالإضافة إلى التوترات بين دولتي جنوب السودان وشماله, وكما أن سد الألفية الأهم لإثيوبيا لا يبعد أكثر من حوالي 31 كيلومترًا من حيث تدور المعارك الآن في النيل الأزرق؛ مما ينذر باتساع الحرب لتتجاوز كونها سودانية إلى أفق الإقليمية.
- إثيوبيا دولة محورية في العلاقات الإقليمية والدولية ليس فقط لأنها مقر منظمة الاتحاد الإفريقي بل باعتبارها وكيلاً للقوى الدولية, وخاصة الأميركية والإسرائيلية، والأخيرة اقتربت من المنطقة بقوة بعد انفصال جنوب السودان الذي كثفت وجودها فيه.
الصفقة: السلاح مقابل المشاركة
الوساطة الإثيوبية الآن هي الأكثر حضورًا بل هي الوحيدة التي لا تزال تنشط دونما كلل في محاولة احتواء الحرب الداخلية في السودان. وحديث رئيس الوزراء الإثيوبي في الخرطوم الأسبوع الماضي يحدد مرتكزات الحل؛ حيث قال: (نحن متفائلون بحل الصراع في جنوب كردفان والنيل الأزرق بالطرق السلمية في إطار سودان موحد, وجيش واحد, وعلى أساس احترام نتائج الانتخابات التي جرت في السودان مؤخرًا).
وبتفكيك هذا النص فإن الوساطة الأثيوبية تخاطب مخاوف الطرفين؛ حيث تخشى الحكومة السودانية من تطور ما تسميه التمرد إلى تهديد وحدة السودان بتطوير المطالب إلى انفصال, أو استمرار جيش الحركة الشعبية كقوة عسكرية مستقلة عن الجيش الوطني. كما أن مالك عقار الوالي المنتخب الذي أقاله الرئيس البشير على خلفية الحرب يخشى أن تؤدي الحرب إلى إلغاء نتائج الانتخابات بما يعني عدم رجوعه شخصيًّا واليًا على النيل الأزرق وحرمان الفائزين من الحركة الشعبية بعضوية المجلس التشريعي بالولاية في الانتخابات الأخيرة, ولكن معنى الرؤية الإثيوبية يقوم على:
- إيقاف الحرب بإعلان مشترك وقف إطلاق النار.
- نزع سلاح قوات الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وتسريحها، وإعادة دمج الأكفاء منهم في الجيش الوطني أو قوات الأمن الأخرى.
- السماح للحركة الشعبية بممارسة نشاطها السياسي بعد توفيق أوضاعها القانونية وفق قانون الأحزاب.
الأطراف المتنازعة: التفاوض والانفصال
تنظر الحكومة السودانية إلى الحرب التي انفجرت في ولاية النيل الأزرق، وقبلها في ولاية جنوب كردفان باعتبارها تمردًا على الدولة السودانية تقف وراءه حكومة جنوب السودان كقوة إقليمية, وقوى أخرى دولية خارج الإقليم, وأن فتح باب التفاوض مع الحركة الشعبية (قطاع الشمال) قبل الحسم العسكري للتمرد يجمد الأزمة ولا يحلها؛ ولهذا فقد تجاوزت ما كانت تعلن التزامها به مما يسمى بالترتيبات الأمنية. وعلى المستوى السياسي أعلنت الحكومة الحركة الشعبية (قطاع الشمال) حزبًا غير معترف به لامتلاكه قوات مسلحة تقاتل الجيش الوطني, ولمخالفتها قانون الأحزاب السياسية؛ حيث كان التسجيل السابق للحركة الشعبية متضمنًا عضوية آخرين هم الآن جزء من دولة جنوب السودان, كما ترفض الحكومة مبدأ التفاوض خارج السودان، والوساطة الأجنبية.
غير أن الحركة الشعبية لا ترى حلاًّ إلا في العودة إلى الاتفاق الإطاري الذي تم بينها والحكومة في أديس أبابا واعتماد الآلية الإفريقية الرفيعة كطرف ثالث وسيط لإجراء مفاوضات خارج السودان تخاطب كافة قضايا السودان؛ يتأسس فيها الحل علي مؤتمر دستوري تشارك فيه القوي السياسية كافة، يجد حلاًّ لمشكلات الحرب في (النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور)، ويقود البلاد إلى تحول دستوري وسياسي متفق عليه. وعلى مستوى مشكلة النيل الأزرق وجنوب كردفان تروِّج الحركة إلى إمكانية تطوير المشورة الشعبية إلي حكم ذاتي ترى فيه الحكومة المصطلح الذي يسبق الانفصال.
رهانات الأطراف: استنزاف الخصم
تراهن الحركة الشعبية على التحديات التي تواجه الحكومة، والتي منها:
- الأوضاع الاقتصادية الهشة بعد انفصال الجنوب حيث الارتفاع الجنوني في الأسعار, والانهيار المتسارع للعملة الوطنية، والحرب تفاقم بطبيعتها مثل هذه الأوضاع باعتبارها استنزافًا مرهقًا للموارد مما ينبئ بتفجر الاحتجاجات السياسية الشعبية بما يستدعي صورة الثورات العربية.
- تعاني الحكومة السودانية من جبهة داخلية مفككة؛ فقد فشلت الحكومة في توسيع دائرة شراكتها السياسية بإقناع القوى السياسية المعارضة من الاستجابة لدعواتها بالمشاركة في الجهاز التنفيذي, كما أن قوى مختلفة لا تتفق معها في رؤيتها للحرب وإدارة الأزمة في ولايات النيل الأزرق، وجنوب كردفان ودارفور.
- الحكومة تعاني أمنيًّا من جبهات عسكرية مفتوحة؛ إذ لا تزال جبهة دارفور مشتعلة وأُضيفت إليها جبهتا النيل الأزرق وجنوب كردفان؛ مما يشتت الجهد الحربي على عدة جبهات يمكن أن تتناصر على الجيش الوطني وفق منظور اتفاق (كاودا) بين مختلف هذه الفصائل المحاربة بما فيها الحركة الشعبية (قطاع الشمال).
- الحركة الشعبية تعرف حالة العزلة الدولية التي يعيشها السودان؛ حيث لا يمكن أن يجد نصيرًا في مجلس الأمن، أو غيره من الدوائر الدولية شرقًا وغربًا، ولن يكون النصير العربي ذا جدوى في الظروف التي يعيشها العرب الآن, بل ربما تكون شكوى الحكومة السودانية إلى مجلس الأمن بتهديد حكومة جنوب السودان لأمنها القومي بدعم الحركة الشعبية (قطاع الشمال) لإشعال الحروب, ربما تكون هذه الشكوى وبالاً علي الحكومة السودانية؛ حيث لن يقدم مجلس الأمن في مثل هذه الظروف عادة غير إرسال لجنة تقصي حقائق سيكون أول نتائجها عرقلة الوثبة العسكرية التي تعوِّل عليها الحكومة كثيرًا في وضع نهاية للتمرد.
أما رهانات الخرطوم:
- الحرب فرصة لوضع نهاية للقوات المسلحة للحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال)؛ إذ إن هذه القوات مثل حسبها تهديدًا مستمرًّا للأمن القومي، خاصة في ظل توتر العلاقات مع حكومة الجنوب الوليدة التي يمكن أن تجد في جيش الحركة أداة للحرب بالوكالة في حال استمرار حالة المواجهة الجنوبية مع الحكومة السودانية في الشمال.
- بالرغم من احتمال تطور الحرب إلى حالة إقليمية إلا أن الحكومة السودانية تعرف أن كثيرًا من القوى الإقليمية تحاول أن تتجنب هذا المحتمل؛ إذ إن عناصر الاشتعال تتوفر فيها جميعًا؛ ولهذا فهي تراهن على عوامل تجنب الحرب الإقليمية لحسم معركتها الداخلية مع جيش الحركة الشعبية-قطاع الشمال.
- تراهن الحكومة السودانية الآن على تردد حكومة جنوب السودان في دعم الحركة الشعبية قطاع الشمال، على خلفية التخوف من تنشيط حكومة السودان الدعم العسكري لعدد من الحركات المتمردة على حكومة الجنوب، على الرغم من أن الخرطوم لا تكف عن الشكوى من دعم الجنوب لمتمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور؛ فالحكومة السودانية تستفيد الآن من حالة توازن الردع بدعم حركات التمرد في الدولتين.
- الحكومة استفادت من سيطرتها على زمام المبادرة وألحقت بالحركة ضربة قوية تريد لها أن تستمر قبل أن تسترد الحركة أنفاسها، وتعيد تنظيم نفسها, كما أن الضربات المتلاحقة أضعفت الحركة سياسيًّا، واستمرار ذلك يضعف التماسك النفسي للحركة. بالرغم من خطورة اتخاذ الحركة أسلوب حرب العصابات سبيلاً لمواجهة التفوق العسكري للحكومة. وفي مثل هذه الحالة ربما أصبحت الحرب سبيلاً لتورط الحكومة في حالة من الاستنزاف لا فكاك منها.
مؤثرات الداخل والخارج
مصير الحرب في النيل الأزرق يتأثر بمؤثرين مهمين، هما:
- ما يطرأ على مسار العلاقات بين حكومتي جنوب السودان وشماله؛ فمن المعروف أن هناك قضايا عالقة لم تُحسَم بين الدولتين: سياسية وأمنية واقتصادية؛ فكلما انفرجت العلاقات بين الدولتين بالتقدم في حل تلك المشكلات، انعكس ذلك على جبهة الحرب انفراجًا وتقدمًا للجيش السوداني نتيجة ضعف رغبة حكومة الجنوب في دعم جيش الحركة الشعبية-قطاع الشمال. وكلما توترت العلاقات بين الدولتين تزداد وتائر التعبير عن هذا التوتر دعمًا من الدولتين للمتمردين عليهما جنوبًا وشمالاً.
- رغبة القوى الدولية وخاصة الأميركية والإسرائيلية في تضييق الخناق على الحكومة السودانية؛ إذ إن الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور مسارح لاعتراك القوى الخارجية مع السودان بدعم الحركات المتمردة في هذه المناطق.
احتمالات التطور: التسوية والحرب
هناك ثلاثة احتمالات للحرب التي تدور في النيل الأزرق:
الاحتمال الأول
هو نجاح المساعي التي يبذلها رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي في تسوية النزاع بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال على أرضية السودان الموحد ذي الجيش الواحد، وإعادة إدماج الحركة الشعبية-قطاع الشمال في السياق السياسي السوداني وفق ما تقرره القوانين من حقوق وواجبات.
الاحتمال الثاني
هو استمرار الحرب نتيجة فشل المساعي التي تجري للتسوية الآن، وهذا الاحتمال متوافر العناصر حتى لو انتصر الجيش السوداني عسكريًّا في المعارك الدائرة حاليًا؛ حيث يقود فشل التسوية السياسية إلى تحويل الحركة الشعبية إلى حرب عصابات تستمر بها الأزمة الأمنية؛ فالمعروف قدرة مقاتلي العصابات على إبقاء قضيتهم حية بالرغم من عجزهم الحالي عن نصرتها؛ مما يشكِّل مهدِّدًا مستمرًّا.
الاحتمال الثالث
هو استمرار الحرب وفق إرادة خارجية تتقاطع فيها مصالح بعض الدول مع دعم الحركات الخارجة على الدولة في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور. وهنا يزداد الحديث عن تزايد تأثير إسرائيل في الإقليم بعد انفصال جنوب السودان. ويرى البعض أن استمرار الأزمات أحد عناصر التدخل والتأثير الإسرائيلي.