الحرب في ليبيا: تآكل قوات القذافي وتنامي قدرات الثوار

قوات القذافي تتآكل تحت ضربات الناتو، وقوات الثوار تتقوى بالتسليح و التدريب، ومع استمرار هذين الاتجاهين سيفقد النظام الليبي المبادرة ولا يعود قادرا على بسط سيطرته على الأرض، وينهزم في المدى الطويل.







الفرنسية


مركز الجزيرة للدراسات


تقترب عمليات التحالف الدولي في ليبيا من مرور شهرين على بدء انطلاقها، أولاً تحت اسم عملية "فجر الأوديسا" بقيادة الولايات المتحدة، ثم تحت اسم عملية "الحامى الموحد" بقيادة حلف شمال الأطلنطى "الناتو".

ورغم نجاح هذه العمليات في كبح تقدم القوات الموالية للنظام في جبهتي الشرق والغرب وتقويض قدراتها العسكرية إلى مستويات لا تمكنها من حسم الصراع الدائر في الجبهتين، وتمهد لهزيمتها على المدى الطويل، فإن عددا من الانتقادات توجه بشده لإستراتيجية الحلف على خلفية المعدل المتباطئ لوتيرة العمليات وعدم توفير الموارد الضرورية لحسم الصراع خلال مدة قصيرة.

إضافة إلى عدم نجاحه في مهمة حماية المدنيين الليبيين من هجمات قوات النظام، الأمر الذي دفع الأمين العام للحلف أندرس راسموسن للدفاع عن جهود الناتو الثلاثاء الماضي 10 مايو/أيار أمام مجلس الشؤون العالمية في أتلانتا بقوله "نستطيع أن نفعل الكثير من خلال الغارات الجوية ولكن لا نستطيع أن نضمن ألا يهاجم نظام مارق شعبه بنسبة 100% .. سوف نصعّد الضغط العسكري بموازاة مع تصعيد الضغط السياسي، وأنا واثق أن هذا الدمج سيؤدى إلى انهيار النظام".

إن الحديث عن مأزق يواجه عمليات الناتو في ليبيا يصعب قبوله من خلال مقارنة الوضع العملياتي القائم الآن بما كان عليه الوضع عند بدء الحملة الجوية في 19 مارس/آذار الماضي، وإن كان الأمر يفرض كذلك القول بأن التحالف الدولي لم يفعل ما يكفي حتى الآن لتحطيم قوات النظام أو تفتيت تماسكها الداخلي.






الأوضاع العملياتية في جبهات الصراع


الجبهة الغربية:
وتتركز المواجهات فيها في مدينة مصراتة وتخومها، وفى مناطق الجبل الغربي (نفوسة)، فضلا عن بدء تحركات للثوار تشهدها العاصمة طرابلس بدءاً من الأسبوع الأخير.





يبدو حالياً تقهقر وحدات النظام إلى هوامش مدينة مصراتة في أعقاب إصرارها على التقدم نحو وسطها والاستيلاء عليها في منتصف أبريل/نيسان بفضل مزيج من الضربات الجوية للناتو وتنامي قدرات وخبرة الثوار المدافعين عن المدينة، إضافة إلى وصول أسلحة ذات نوعية أفضل نسبياً

مصراته:


يدرك النظام – وكذلك الثوار ومعه التحالف – أهمية هذه المدينة باعتبارها ثالث أكبر مدينة ليبية، وموقعها الساحلي الواقع في المنتصف بين طرابلس العاصمة قاعدة إمداد الجبهة الغربية وبين سرت قاعدة إمداد الجبهة الشرقية، فضلا عن مكانتها الرمزية الحالية للمعارضة باعتبارها مفتاح وحدة الشرق والغرب الليبي معاً بعد الانهيار المتوقع للنظام.

ويبدو حالياً تقهقر وحدات النظام إلى هوامش مدينة مصراتة في أعقاب إصرارها على التقدم نحو وسطها والاستيلاء عليها في منتصف أبريل/نيسان بفضل مزيج من الضربات الجوية للناتو وتنامي قدرات وخبرة الثوار المدافعين عن المدينة، إضافة إلى وصول أسلحة ذات نوعية أفضل نسبياً وكذلك مقاتلين من الشرق الليبي عبر منفذ الميناء البحري الذي يشكل شريان حياة لها. وهو ما يفسر إصرار قوات النظام على قصفه وتلغيم مياهه.

ويحرز الثوار في الأيام الأخيرة تقدماً ملحوظاً في اتجاه غرب المدينة على أمل الالتحام بمدينة زليطن على مسافة 60 كم، وللاستيلاء كذلك على القاعدة الجوية جنوب المدينة لدفع الأنظمة الصاروخية ومدفعيات قوات النظام إلى ما وراء مداها المؤثر على المدينة.

مناطق الجبل الغربي:
يعي النظام أهمية هذه المناطق كقاعدة تهديد للعاصمة طرابلس وامتداداتها الغربية، وبكونها عائقاً محتملا للاتصال مع الجنوب الليبي، ويستخدم النظام حوالي 3 مجموعات من قواته وأسلحة مشتركة تتشكل كل منها من 70-80 دبابة وعربة قتال مدرعة وعدد من أنظمة المدفعية الصاروخية متعددة الفوهات، فضلا على مدفعيات مضادة للطائرات محملة على شاحنات، وذلك لمهاجمة البلدات الرئيسية الزنتان ويفرن ونالوت.

في الوقت الذي أنتظم فيه الثوار هناك في قوة موحدة باسم "قوات الجبال المتحدة"، تتحرك بصورة متناسقة في مواجهة هجمات قوات النظام على هوامش هذه البلدات والقصف الميداني البعيد لوسطها، ويمثل إصرار الثوار على إدامة سيطرتهم على المعبر الحدودي مع تونس "وازن – الذهيبة" باعتباره شريان الإمداد الرئيسي لهم بالأسلحة والمقاتلين ومواد الإعاشة أمراً مقلقلا للنظام الذي يواصل قصفه للمعبر انطلاقا من بلدة غزايا المجاورة.





شهدت إستراتيجية الناتو تحولا نحو التركيز على مراكز القيادة والسيطرة العليا وسط العاصمة الليبية منذ الأسبوع الأخير من أبريل/نيسان الماضي والذي بلغ ذروته في 30 من هذا الشهر بقصف لمجمعات سكانية تستخدمها عائلة القذافي ومصرع أحد أنجاله وعائلته

طرابلس:

شهدت إستراتيجية الناتو تحولا نحو التركيز على مراكز القيادة والسيطرة العليا وسط العاصمة الليبية منذ الأسبوع الأخير من أبريل/نيسان الماضي والذي بلغ ذروته في 30 من هذا الشهر بقصف لمجمعات سكانية تستخدمها عائلة القذافي ومصرع أحد أنجاله وعائلته، وكذلك في يوم الثلاثاء الماضي 10 مايو/أيار الحالي ضد مجمعات حكومية واستخبارتية، مما أدى إلى انطلاق أعمال احتجاج واسعة ضد النظام في مناطق عديدة من العاصمة وصل بعضها إلى قاعدة معيتيقة الجوية شرق العاصمة.

الجبهة الشرقية:
يمثل توقف الأعمال القتالية مابين مرسى البريقة واجدابيا، مع استمرار طائرات التحالف في قصف قوات النظام في أماكن انتشارها داخل البريقة ورأس لانوف، فضلا على تدمير مستودعات الذخيرة والآليات في قاعدة الإمداد الرئيسية للجبهة الشرقية في مدينة سرت، فرصة لقيام الثوار بإعادة التنظيم والتدريب وإرسال التعزيزات لمدينة مصراتة بحراً، وتبدو محاولات قوات النظام للتقدم نحو إجدابيا في الجنوب عبر واحات الكفرة وجالو متعثرة وذات نتائج عكسية بفعل الضربات الجوية للتحالف في بيئة صحراوية مكشوفة، ويبدو الاحتمال قائما في تطوير الثوار لعملياتهم غربا في اتجاه البريقة مع تزايد معدلات الاستنزاف في قوات النظام وقواعد إمداده في منطقتي سرت وواحة الكفرة على نحو خاص.






مسار الصراع ومواقف الأطراف


يتخذ الصراع الدائر شكل الاستنزاف المتراكم لقدرات النظام في ليبيا بفعل الضربات الجوية للتحالف وهجمات الثوار، ويتمثل في استهداف أنظمة قتال برية رئيسية كالدبابات ومركبات القتال المدرعة وقواذف الصواريخ، إضافة إلى الأفراد العسكريين المؤهلين، وكذلك مراكز القيادة والسيطرة وقواعد الإمداد الرئيسية وأنظمة النقل اللوجستية على أمل الوصول إلى حالة الانهيار الكامل لأدوات النظام.

وهو ما عبر عنه الأدميرال رينالدوفيرى قائد القوات البحرية في "عملية الحامي الموحد" بقوله" لا جمود ولنقل أننا نمضي ببطء ولكن باطراد. يتحقق أمر إيجابي كل يوم ونقترب خطوة خطوة من الهدف النهائي الذي يجب أن نصل إليه". ويمكن باختصار تحديد مواقف الأطراف الثلاث الفاعلة في الصراع العسكري الدائر حاليا على النحو التالي.




يتخذ الصراع الدائر شكل الاستنزاف المتراكم لقدرات النظام في ليبيا بفعل الضربات الجوية للتحالف وهجمات الثوار، ويتمثل في استهداف أنظمة قتال برية رئيسية كالدبابات ومركبات القتال المدرعة وقواذف الصواريخ
قوات النظام:
•قد  تكون تكيفت في بيئة عمليات تواجه فيها سيادة جوية كاملة للتحالف الدولي، وذلك باستخدام قوات مشاة مدعومة بآليات مدرعة لمحاولة اختراق المناطق الحضرية، مع اعتماد القصف المدفعي والصاروخي البعيد من هوامش هذه المناطق لتفريغ المناطق السكانية وترويع أهلها تمهيداً لاقتحامها.
• إصرار النظام على السيطرة على كامل الوطن الليبي يشتت جهوده ويعرض قدراته العسكرية لاستنزاف متواصل في أكثر من جبهة.
• مع تقلص الموارد والحصار البحري، لم يعد النظام قادراً على حشد قوات كافية لهزيمة الثوار وحسم المواجهات في أي من جهات القتال.

قوات الثوار:
• طوروا تكتيكات تتناسب مع طبيعة المعارك الدائرة، سواء في قتال المدن في مصراتة وما حولها باستخدام مجموعات صيد الآليات المدرعة وإقامة الحواجز المؤقتة، أو في القتال الجبلي بتشكيل قيادة موحدة واعتماد أسلوب المناورة على الأجناب وتأمين معابر الإمداد.
• تحسن نسبي – وإن كان أقل من المأمول– في أنظمة التسليح والتي شملت أنظمة المدفعيات الصاروخية 107 mm ، 122mm ، والهاونات والمدافع عديمة الارتداد عيار 106 mm  ، والمدفعيات المضادة للطائرات المحملة على شاحنات صغيرة، فضلا عن بعض المقذوفات المضادة للدبابات من طراز Milan .
• لم تفقد قوات الثوار أي مناطق حازوها في الآونة الأخيرة.

قوات التحالف (الناتو):
• طور تكتيكات جديدة لمواجهة أساليب قوات النظام في التخفي والتقدم ليلاً والتمركز في مناطق حضرية (كذلك استخدام الطائرات غير المأهولة UAV).
• عدّل من إستراتيجية القصف نحو التركيز على استهداف القيادة السياسية والعسكرية العليا في النظام لإدامة الضغط عليه وإجباره على الخضوع لشروط التحالف.
• مازال يلتزم باستخدام قوة جوية محدودة في صراع مطول لتحقيق الأهداف النهائية للحملة (معدل طلعات يومي لا يتجاوز 160 طلعة منها حوالي 60 طلعة هجومية)، لكن إستراتيجية التحالف هذه مازالت تلقي بتكلفتها الباهظة على الشعب الليبي في شكل خسائر بشرية ومادية عالية، وتكلفة اقتصادية مرتفعة تواجه إعادة بناء الدولة فيما بعد انتهاء الصراع، فضلا عن محاذير انقسامات سياسية واردة في الداخل مع إطالة أمد هذه المواجهة العسكرية.