النظام اليمني وإغراءات الحسم العسكري

أراد الرئيس اليمني من المبادرة الخليجية إنهاء الاعتصامات، فلما لم تنص على ذلك تملص من التوقيع عليها.







متظاهرون يطالبون صالح بالتنحي ووقف العنف (الجزيرة)

مركز الجزيرة للدراسات





كان الرئيس علي عبد الله صالح يسعى منذ بداية الثورة إلى إنكار أنها ثورة شعبية ضد النظام، وظل يصوّر ما يحدث بأنه أزمة سياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، لذلك كان يردد في كل خطاباته وتصريحاته أن حل الأزمة لا يأتي إلا عبر الحوار.
يتراوح تعامل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في التعامل مع الثورة الشعبية بين الحسم والتفاوض، فعندما يكون مضطراً فإنه يقبل بالتسويات، بل ويبادر هو إلى اقتراحها، وتقديمها كمبادرات، لكن خصومه يقولون بأنه لا يلتزم بها ولا يطبقها. فقد عمد سابقا إلى تقديم مبادرات لمواجهة الثورة الشعبية، إلا أن الثوار وأحزاب المعارضة لم يوافقوا عليها، فعاد النظام حسب الثوار إلى المراهنة على القوة العسكرية والأمنية واستخدام البلاطجة. وقد كان يوم 18 مارس/آذار فارقاً في هذا المجال، حيث أعلن الرئيس حالة الطوارئ، واستخدم النظام البلطجية بكثافة ضد الثوار المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء، فسقط 54 قتيلا، وما يزيد عن مائتي جريح، إلا أن ذلك شكل بداية لتصدع قاعدته التنظيمية والاجتماعية والعسكرية، ثم اتخذ طابعاً دراماتيكياً في 21 مارس/آذار 2011، عندما أعلن اللواء علي محسن صالح، قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، ولاءه ودعمه للثورة الشعبية، وتبعه عدد من قادة المناطق والوحدات العسكرية، وأعلن عدد من شيوخ القبائل الكبرى والقادة الدينيين دعمهم للثوار، وباتت معظم المحافظات خارج سلطة الرئيس علي عبد الله صالح، الذي حاول خلال اليومين التاليين استخدام القوة لاستعادة سلطته عليها، إلا أنه فشل في ذلك.

وكان الرئيس علي عبد الله صالح يسعى منذ بداية الثورة إلى إنكار أنها ثورة شعبية ضد النظام، وظل يصوّر ما يحدث بأنه أزمة سياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، لذلك كان يردد في كل خطاباته وتصريحاته أن حل الأزمة لا يأتي إلا عبر الحوار، إلا أن الأعمال الاحتجاجية التي يمارسها الشباب في ساحات الحرية وميادين التغيير كانت ثورية بهدفها المتمثل في تغيير النظام وبحجمها واستمرارها، فسعى الرئيس صالح بمختلف الطرق والأساليب إلى القضاء على هذه الاعتصامات عبر بذر الشقاق بين الثوار لعل الشباب يغادرون الساحات، أو عبر اتفاق بينه وبين أحزاب اللقاء المشترك ينص على إنهاء الاعتصامات، لذلك نصّت المبادرة الخليجية على أنه بمجرد التوقيع على الاتفاقية يكلّف رئيس الجمهورية المعارضة بتشكيل حكومة وفاق وطني، على أن تشكّل الحكومة خلال مدة لا تزيد على سبعة أيام من تاريخ التكليف، ثم تبدأ في توفير الأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا. ويفسر النظام مضمون الوفاق الوطني بإنهاء الاعتصامات.


قبِل اللقاء المشترك المبادرة الخليجية، تحت ضغوط داخلية وخارجية، وأعلن أن قبوله بها لا يلغي حق الشباب في التعبير عن أرائهم عبر الاعتصامات في الميادين والساحات، فهو حق دستوري. في المقابل تفهّم الشباب المعتصمون قبول تكتل أحزاب اللقاء المشترك للمبادرة الخليجية، لكنهم اعتبروها غير ملزمة لهم، وأنها لا تعنيهم، طالما لاتنص على تنحي رئيس الجمهورية فوراً ودون شروط. هذا التفهم المتبادل بين اللقاء المشترك والشباب المعتصمون في الساحات فوّت على الرئيس صالح فرصة بذر الشقاق بين الأطراف المطالبة بإسقاط النظام، فبدأ يسعى للتنصل من التوقيع على الاتفاق، فأعلن أن المؤتمر الشعبي العام لن يوقع على الاتفاق إذا حضرت قطر مراسم التوقيع في الرياض، ثم أعاد الحديث حول رفض الأساليب الانقلابية في نقل السلطة، واشترط في الأخير أن يوقع كرئيس للحزب الحاكم وليس كرئيس الجمهورية.


وفي كل الأحوال سواء تم التوقيع على الاتفاق أو لم يتم التوقيع عليه، فإن ذلك لا يؤدي إلى انشقاق في صفوف التكتل المطالب بإسقاط النظام، لاسيما بين الشباب المعتصمين في ساحات الحرية والتغيير من جانب، وتكتل أحزاب اللقاء المشترك من جانب أخر، ذلك أن معظم الشباب المعتصمين هم من شباب الأحزاب الستة المنضوية في إطار اللقاء المشترك، وهناك نوع من تقسيم الأدوار بين جناح سياسي وجناح ميداني للثورة. فالشباب الذين يطلقون على أنفسهم تسمية شباب ثورة 3 فبراير هم في الحقيقة شباب أحزاب اللقاء المشترك، فيما يطلق المستقلون على أنفسهم شباب ثورة 11 فبراير.


ولما جاء عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى صنعاء السبت 30 أبريل/نيسان 2011 لتسليم دعوات حضور لقاء الرياض للتوقيع على الاتفاق، فاجأه الرئيس وفاجأ المراقبين برفض التوقيع على الاتفاق. ورغم أنه لم يبد الأسباب، إلا أن مستشاره الإعلامي برّر ذلك بأنه ليس طرفاً في الاتفاق، لكن المراقبين أرجعوا رفض الرئيس إلى أن المبادرة لم تضمن رفع الاعتصامات. وفي كل الأحوال، فإن هذا الرفض سوف يعيد اللحمة بين الأطراف المطالبة بإسقاط النظام، ويؤدي إلى تخلي بعض المتعاطفين مع الرئيس داخلياً وخارجياً عنه.





يبدو أن المبادرة الخليجية تشكل فرصة هامة لرحيل الرئيس صالح رحيلاً آمناً؛ وفي ظل رفضه لها، لا يبقى أمامه إلا العودة إلى خيار القمع عبر اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية والأمنية في فض الاعتصامات ومواجهة الثورة الشعبية.
يبدو أن المبادرة الخليجية تشكل فرصة هامة لرحيل الرئيس صالح رحيلاً آمناً؛ وفي ظل رفضه لها، لا يبقى أمامه إلا العودة إلى خيار القمع عبر اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية والأمنية في فض الاعتصامات ومواجهة الثورة الشعبية، وهو ما يبدو أنه قد بدأ في تنفيذه، عندما اجتاح الحرس الجمهوري والأمن المركزي ساحة الشهداء بحي المنصورة في مدينة عدن، وحاول اجتياح ساحتين للاعتصام في محافظتي لحج وحضرموت. ومع ذلك، فإن النظام يدرك صعوبة القضاء بالقوة العسكرية على الاعتصام في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، حيث يوجد فيها المعسكر الرئيس للفرقة الأولى مدرع، وهي محاطة بقبائل حاشد وبكيل التي يقف معظم شيوخها الكبار مع الثورة، ويتواجد الحوثيون في المناطق المحيطة بها، لاسيما مديرية أرحب، التي تطل على المطار العسكري والمدني، فهذه القوى تحد من تحركاته العسكرية، وقد حدث ذلك على سبيل المثال يوم 26 مارس/آذار 2011، عندما منعت قبائل أرحب اللواء 62 حرس جمهوري من الانتقال من منطقتها إلى صنعاء. لذلك يبدو أن الرئيس يعد لأن تكون تعز هي نقطة تجميع وانطلاق القوات الموالية له، فنقل إليها خلال الأسبوعين الماضيين عتاداً عسكرياً كثيراً، بما في ذلك معظم الطائرات العسكرية، ليجعل منها منطلقا للخيار العسكري.