آفاق الانتفاضة السورية

نجاح الشباب في سوريا في مدينة درعا في كسر حاجز الخوف والخروج في مظاهرات تطالب بالحرية، وتمددها إلى مدن أخرى، يدل على أن السوريين يتقاسمون نفس مشاعر الغضب من النظام، ويتجاوزون خلافاتهم السابقة، ويريدون تحقيق نفس المطلب، وهو الحرية.



 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


مركز الجزيرة للدراسات


في حوار مع صحيفة الوول ستريت جورنال في 31 من شهر يناير/كانون الثاني الفائت، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن بلاده محصنة وبعيدة عن ما شهدته دول أخرى في المنطقة، مثل تونس ومصر، "بسبب قرب الحكومة السورية من الشعب ومصالحه" على حد تعبيره، لكن الانتفاضة لم تمهل النظام السوري إلا نحو شهر حتى دخلت عليه من درعا.

فهذه الأنظمة تشترك في هيكل النظام التسلطي مع اختلاف الدرجات، كما تشترك في ممارسات امتهان الكرامة الإنسانية لمواطنيها عبر التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والقانون وممارسة التمييز، كما تؤكده منظمات حقوق الإنسان في  تقاريرها.




إن سورية حالة مثالية للثورة حيث اجتمع فيها الفشل السياسي مع إخفاق اقتصادي فهي لم تحقق لا الخبز ولا الحرية على حد تعبير الصحفي البريطاني آلان جورج
إن سورية حالة مثالية للثورة حيث اجتمع فيها الفشل السياسي مع إخفاق اقتصادي فهي لم تحقق لا الخبز ولا الحرية على حد تعبير الصحفي البريطاني آلان جورج، وفوق ذلك تفاقم حالات الفساد التي تظهر حجم الهوة بين طبقة تزداد ثراءً محتمية بالدولة ومجتمع يزداد فقراً، فهناك 30% من السوريين تحت خط الفقر وفق الإحصاءات الرسمية، مما يجعل العوامل المشعلة للغضب في سورية شبيهة تماماً بما جرى في تونس.

على أن ما أخر انطلاق الاحتجاجات في سورية هو الخوف بشكل رئيسي من قمع الأجهزة الأمنية، وقد ظلت محفورة في ذاكرة السوريين أحداث الثمانينات التي خلفت أكثر من 30 ألف قتيل وما يزيد عن 125 ألف معتقل سياسي و17 ألف مفقود لا يعرف ذووهم مصيرهم إلى الآن، فضلاً عن حالات التعذيب التي سجلتها تقارير منظمات حقوق الإنسان، مما شكل رادعاً نفسياً يلجم أي تحرك مطلبي أو سياسي.

لكن، مع نجاح الشباب في مدينة درعا الجنوبية في كسر حاجز الخوف والخروج بالعشرات في مظاهرات تطالب بالحرية كمطلب رئيسي، واستمرار الاحتجاجات وتمددها إلى مدن أخرى بعد فترة إلى بانياس ودير الزور وحمص ودمشق وحلب ومدن أخرى في ريف دمشق من مثل الزبداني ودوما وداريا وغيرها، يدل على أن السوريين يتقاسمون نفس مشاعر الغضب من النظام، ويتجاوزون خلافاتهم السابقة، ويريدون تحقيق نفس المطلب: الحرية.




لما كان العامل العشائري هنا قوياً فإن ممارسة العنف العاري سيولد انشطاراً في الجيش السوري وانشقاقاً يدرك النظام عواقبه الخطيرة عليه. كما أن الإعلام يلعب في عالم اليوم دوراً محورياً في التواصل وكشف المعلومات بحيث لا يمكن إخفاء الجرائم أو التستر عليها
وبداية الاحتجاجات الشعبية من درعا، المحافظة الجنوبية، يحمل أكثر من دلالة، ويعطي مؤشراً على مدى قدرة الشباب الثائر على الصمود حتى تتحقق كل مطالبه، فدرعا تعرضت كغيرها من المحافظات الطرفية إلى تهميش وإهمال كامل في البنى التحتية، كما يعاني أبناؤها من تدني مستوى الرعاية الصحية والتعليمية، ولذلك يمتلك شبابها كل المقومات التي تدفعهم إلى الثورة.

كما أن المجتمع العشائري في المدينة يولد مزيداً من التضامن بين أبنائها، فالأنظمة الدكتاتورية وعلى مدى عقود تعمل على تدمير معنى التضامن بين أبناء الوطن الواحد وتستبدله بزرع الشكوك والخوف المتبادل، ولذلك وجدنا بعد اعتقال الأطفال من عشيرة الأبازيد تضامناً من كل العشائر الأخرى، كما أنه وبسرعة تضامن معها مثقفوها ومشايخها وعلماؤها وكل الطبقات الاجتماعية تقريباً مما أفزع النظام السوري وجعله يدرك أن القمع المتزايد وسقوط الضحايا سيولد المزيد من الاحتجاجات ويدفع مزيداً من الشباب إلى الانضمام للاحتجاجات.

وما يعزز فرضية تصاعد الاحتجاجات وعدم قدرة النظام السوري على التصدي لها، هو عدم إمكانية عزل المحافظة أمنياً وسياسياً، فلو ابتدأت الاحتجاجات في محافظات القامشلي أو الحسكة ( وهي محافظات التواجد الكردي الكثيف) لكان سهلاً على النظام السوري عزلها أمنياً وسياسياً عبر اتهام الأكراد بأنهم يريدون الانفصال، ولو ابتدأت في حماة لكان سهلاً عزلها أيضاً عبر القول أن الإخوان المسلمين ( الذين يحكم بالإعدام على كل منتسب لهم وفقاً للقانون 49 الصادر عام 1980) هم من ورائها، كما أن من الصعب أيضاً للاحتجاجات والمظاهرات أن تبدأ من دمشق أو حلب بسبب التواجد الأمني الكثيف فيها.

أما السبب الأخير الذي سيمنع النظام السوري من ممارسة العنف الشديد أو القمع العنيف للمظاهرات في درعا، وتكرار ما جرى في حماه عام 1982 ( وهو ما يخاف منه الكثير من السوريين ويرددونه باستمرار)، هو أن الكثير من قادة فرق الجيش هم من حوران، فنحو ثلاثة من قادة فرق الجيش السوري العشرة هم من محافظة حوران.

ولما كان العامل العشائري هنا قوياً فإن ممارسة العنف العاري سيولد انشطاراً في الجيش السوري وانشقاقاً يدرك النظام عواقبه الخطيرة عليه. كما أن الإعلام يلعب في عالم اليوم دوراً محورياً في التواصل وكشف المعلومات بحيث لا يمكن إخفاء الجرائم أو التستر عليها. كما أن رد الفعل الدولي في ليبيا كان درساً حاسماً لأي نظام يعتبر نفسه مطلق اليدين في ارتكاب الفظائع والجرائم بحق شعبه.

أما عن احتمال أن ينتهي الأمر بسورية إلى ما هي عليه الحال في ليبيا، فإن هناك اختلافا، فرغم تعدد سورية الطائفي والاثني والعرقي إلا أنها تختلف عن ليبيا في أن لها جيشاً وطنيا محترفاً ربما يلعب الدور نفسه الذي لعبه في تونس ومصر.