مركز الجزيرة للدراسات
بعد صلاة الجمعة (8 أبريل/نيسان)، عادت إلى الميادين والساحات في معظم المدن السورية العصى الأمنية الغليظة في التعامل مع المتظاهرين والمحتجين، الأمر الذي يؤشر إلى أن الأوضاع غير مستقرة ولم تكن معالجة السلطة لأسبابها كافية. |
فبعد يوم جمعة مأساوي سقط فيه 11 قتيلا في مدينة دوما قرب دمشق وفي بلدتي عِربين وسَقبا القريبتين، مر يوم تشييع قتلى الاحتجاجات في دوما، 3 ابريل/نيسان، بهدوء تام، ودون أي تواجد أمني، وقد شارك أزيد من 10 آلاف سوري في تشييع الضحايا، وهتف المشيعون للقتلى، ولسورية وللحرية، ولدرعا واللاذقية وحمص. ثم انفض موكبهم بسلام، وعادت دوما تواصل إضرابها الشامل والمستمر منذ يوم الأحد، بدعوة من الناشطين الميدانيين ومن أهالي القتلى، وهو الإضراب الذي يمثل انعطافا في طابع الاحتجاجات قد يكون فاتحة إضرابات أوسع.
على كل حال، فإن سمة الأيام القليلة الماضية (إلى ما قبل يوم الجمعة الماضي) هي انعطاف جزئي من النظام باتجاه "السياسة". الخطاب الإعلامي غدا أقل تحريضا، وبات يتجه لسماع شكوى المواطنين، ولعل الملف الأبرز هنا هو المتعلق بأكراد الحسكة الذين سيستعيد قرابة 300 ألف منهم الجنسية السورية بعدما حرموا منها عقب إحصاء عام 1962، فضلا عن مسألة إلغاء حالة الطوارئ المنتظر الإعلان عنه.
غير أن اللافت في المشهد السياسي السوري هو لقاء النظام الحاكم بزعامات عشائرية، ورجال دين لا بقيادات سياسية ، علما بأن البيئة السورية مسيسة. وهو مؤشر إضافي على أن السلطات تفضل التعامل مع السوريين من خلال تكوينات أهلية، أي كعشائر وجماعات دينية ومذهبية، بحيث يكون ممثلوالمجتمع هم شيوخ العشائر والمشايخ والرؤساء الدينيون، وليس قادة أحزاب أو ناشطين مدنيين أو مثقفين.
وهذا المفهوم لا ينطبق مع مضمون المواطنة، والمساواة الحقوقية والسياسية بين السكان. ولقد أظهرت الاحتجاجات الشعبية في البلاد في الأسابيع الأخيرة أن قطاعات مهمة من الشعب السوري تتطلع إلى تصور للوحدة الوطنية، يتجاوز الانقسامات العمودية الموروثة، ويقوم على المواطنة والمساواة.
في السياق السياسي نفسه، تداولت وسائل الإعلام معلومات تقول إن "شخصيات أمنية كبيرة" من النظام أعطت الضوء الأخضر لوسطائها لتحديد مواعيد لقاءات مع شخصيات من المعارضة في الداخل بغية خلق حلقة نقاش معهم والتعرف إلى مطالبهم ووجهة نظرهم فيما يجري حاليا في سوريا والتطلع نحو المستقبل، إلا أن هناك مصادر من المعارضة تنفي مفاتحة السلطات أي معارضين مهمين بأمر له صلة بحوار من هذا النوع. في ذلك ما يوحي بأن الأمر لا يعدو كونه بالون اختبار، بغرض كسب الوقت، وشق صفوف المعارضة.
على أن هناك ملحوظتين: أولاهما أن "شخصيات أمنية كبيرة" هي من تريد أن تتفاوض باسم النظام مع معارضين. مع أن البلاد تعيش أزمة سياسية وليست أمنية، والمطلوب هو معالجات سياسية.
الشيء الثاني هو تأخر هذه المبادرة كثيرا. حيث سالت دماء أكثر من 150 قتيل، ويصعب على أي معارض أن يحتفظ بشرعيته إن هو ارتضى وعود النظام "الإصلاحية"، أو أي "إصلاحات" مع بقاء النظام على هيئته السابقة.من المؤشرات الدالة على انعطافة سياسية جزئية أيضا مبادرة الإعلام الرسمي إلى الاتصال بمثقفين سوريين معارضين ومستقلين للظهور على التلفزيون السوري.
هذا لا يمنع احتمال إيجاد "معارضين" يقبلون هذا الضرب من التفاوض. فالمعارضة السورية الداخلية منقسمة، وخصومة بعضها مع بعض أشد من خصومتها مع للنظام. ويرجع ذلك إلى انقسامات إيديولوجية ("ممانع" مقابل "ديمقراطي" مثلا)، واجتماعية متأصلة، يحيل بعضها إلى التكوين المركب للمجتمع السوري.
من المؤشرات الدالة على انعطافة سياسية جزئية أيضا مبادرة الإعلام الرسمي إلى الاتصال بمثقفين سوريين معارضين ومستقلين للظهور على التلفزيون السوري.
في المحصلة العامة، كان الأسبوع الثاني من الانتفاضة السورية أسبوع تهدئة نسبية من قبل السلطات. وقد أثبتت المواجهات التي اندلعت يوم الجمعة الأخير، وسقط فيها نحو 28 قتيل في عدة مدن، أنها تهدئة مؤقتة.