مركز الجزيرة للدراسات
ترتقب الأوساط السياسية والشعبية في الكويت يوم 23 يونيو/حزيران الجاري باعتباره لحظة فارقة لحسم أحد مظاهر الأزمة السياسية الراهنة التي تشهدها البلاد؛ حيث من المقرر التصويت في جلسة خاصة على كتاب وقّعه عشرة نواب من مجلس الأمة بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، في ختام جلسة استجواب ماراثونية امتدت لنحو 7 ساعات، وهو "عدم التعاون" الثالث الذي يواجهه رئيس الوزراء ضمن عشرة استجوابات قدمت له، خلال ترأسه لسبعة حكومات متوالية منذ فبراير عام 2006 وحتى الآن.
جاء الاستجواب الحالي للشيخ ناصر المحمد الصباح، والذي قدمه ثلاثة نواب ينتمون لكتلة التنمية والإصلاح النيابية، عقب أداء الحكومة الجديدة اليمن الدستورية في 18 مايو/أيار الماضي؛ ليؤشر على أزمة سياسية جديدة تشهدها الكويت. |
لقد قادت الأزمة السياسية البلاد -والتي تجلت أوضح مظاهرها في التصعيد والتوتر الدائمين بين حكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح وبعض نواب مجلس الأمة- إلى حالة من الاحتقان السياسي غير المسبوق، بما عكسه من ظواهر غير مألوفة في الحياة والممارسة السياسية والإعلامية الكويتية، وما صاحبه وترتب عليه من تداعيات بالغة الخطورة على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، والتي لم يكن أقلها تعطيل تنفيذ خطة تنمية طموحة قُدّر حجم الإنفاق الحكومي على مشاريعها بأكثر من 30 مليار دينار كويتي حتى عام 2014م.
في ضوء ذلك، تجتهد هذه الورقة في تسليط الضوء على مظاهر الأزمة السياسية الراهنة في الكويت، ورصد دلالاتها، وتشخيص أسبابها، وصولاً إلى استشراف مساراتها المستقبلية.
أبعاد ومظاهر الأزمة السياسية الراهنة
محددات ومسببات الأزمة السياسية
التداعيات المحتملة
سيناريوهات المسار المستقبلي
أبعاد ومظاهر الأزمة السياسية الراهنة
لم تكن الأزمة السياسية الراهنة وليدة اليوم، فقد بدا المشهد السياسي الكويتي، على أقل تقدير، منذ ديسمبر 2009م وحتى الآن، أشبه بقدر زيت يغلي على نار حامية، ويكفي للتدليل على حجم ودرجة خطورة الأزمة السياسية التي أخذت تعصف بالحياة السياسية الكويتية منذ ذلك الحين؛ الإشارة إلى أن مجلس الأمة قد تم حلّه ثلاث مرات في غضون ثلاث سنوات، وذلك في الأعوام 2006 و2008 و2009م، بسبب التوتر القائم والتصعيد المستمر بين السلطتين، وذلك من إجمالي عدد المرات التي حل فيها البرلمان على مدار فصوله التشريعية الثلاثة عشر والبالغة ست مرات، منها ثلاث مرات على مدار عشرة فصول تشريعية كاملة في 40 عامًا "1963-2003".
وقد تجلت الأزمة السياسية خلال الفترة الأخيرة في مظاهر عدة لم تألفها الحياة السياسية الكويتية، ويمكن رصد أهمها في الآتي:
- تحول التنافس الضمني بين أبناء الأسرة الحاكمة من آل الصباح، إلى صراع علني، وانتقاله من النطاق الداخلي للأسرة إلى الساحة السياسية والإعلامية والشعبية.
- احتدام التصعيد والتأزيم بين الحكومات المتعاقبة لرئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح وبين بعض نواب المجلس ممن تعتبرهم الحكومة "نواب تأزيم".
حيث تجلي هذا المظهر في استمرار النواب في التصعيد السياسي عبر الاستخدام المفرط للاستجوابات على نحو أفقد هذه الأداة الرقابية البرلمانية هيبتها، وأدى إلى تراجع دور المؤسسة التشريعية، وأقحمها في أتون الخلافات السياسية. - خروج الممارسة السياسية والبرلمانية تحديدًا من تحت قبة قاعة عبدالله السالم، إلى الشارع السياسي، على نحو عبّر عن نفسه في مشاركة بعض النواب لاسيما من كتلتي العمل الشعبي، والتنمية والإصلاح فيما بات يُعرف إعلاميًا بـ "جمعة الوثيقة" التي شهدت توقيع 16 نائبا على وثيقة تطالب برحيل رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح ونائبه الشيخ أحمد الفهد –قبل أن يتقدم الأخير باستقالته- فيما عرف باسم "وثيقة الرحيل".
محددات ومسببات الأزمة السياسية
أسهمت عوامل جوهرية في بلوغ الأزمة السياسية في الكويت ذروتها الراهنة، وقادت إلى تفاقمها على هذا النحو الدراماتيكي، ويأتي في مقدمتها:
- احتدام التنافس فيما بين الجيل الثاني من أبناء الأسرة الحاكمة على بناء مراكز للنفوذ والدور داخل الأسرة، واكتساب وترسيخ الشعبية والحضور السياسي خارج الأسرة؛ ومن ثم تحول التنافس الضمني بين أبناء العمومة داخل أسرة آل الصباح إلى صراع علني.
وهو الأمر الناتج بدوره عن عدم حسم ترتيب مستقبل وضعية "الشيوخ الشباب"، لاسيما أولئك الحاضرين في المشهد السياسي والاجتماعي بقوة و/أو الممثلين في عضوية الحكومة بصفة شبه دائمة خلال العقد الأخير.
ورغم أن الصراع بين الشيوخ الأقطاب أمر غير جديد في الحياة السياسية الكويتية إلا أنه كان في السابق لا يتجاوز نطاق الأسرة الحاكمة(*)، فكان مكتومًا ومحدودًا على عكس ما هو عليه الحال الآن؛ حيث أصبح علنيًا وسافرًا، متجاوزًا التنافس إلى الخصومة والصراع. -
ضعف أداء الحكومة سياسيًا، ومحدودية انجازاتها اقتصاديًا وتنمويًا.المعطيات الراهنة تشير إلى أن الأزمة السياسية مرشحة للتصعيد مستقبلاً لاسيما وأن إحدى الكتل النيابية -العمل الشعبي- لوحت منذ جلسة الاستجواب السابقة بتقديم استجواب "نادر" إلى رئيس الوزراء.
وقد أسهم تزامن احتدام الصراع بين بعض شباب الشيوخ وتحوله للعلن، وانتقاله إلى مرحلة كسر العظم، وضعف الحكومة ومحدودية انجازاتها، في توفير ظروف مواتية للاستقطاب السياسي، لاسيما مع دخول بعض نواب مجلس الأمة على خط الاستقطاب والتصعيد السياسي، والاصطفاف إلى جانب هذا الفريق أو ذاك وفق محددات المصلحة الخاصة.
وقد تجلى الاستقطاب السياسي النيابي المرتكز على الصراع بين بعض أبناء الأسرة الحاكمة، في الاستجوابين اللذين قُدِّما مؤخرًا إلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، ونائبه أحمد الفهد؛ حيث برزت حدة الاستقطاب السياسي ذروتها في جلسة التصويت على إحالة الاستجواب المقدم للشيخ أحمد الفهد إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة.
وأظهرت نتائج التصويت في هذه الجلسة المدى الذي وصل إليه الصراع بين "الشيخين"، والانعكاسات السلبية الراهنة والمحتملة لذلك الصراع على واقع ومستقبل الممارسة الديمقراطية ومجمل الحياة السياسية في الكويت. - الدور السلبي لوسائل الإعلام المحلية، حيث دخل بعضها على خط الاستقطاب السياسي، بينما انجرف البعض الآخر إلى تقديم الإثارة بغرض زيادة الانتشار والشعبية، على حساب المهنية والمصداقية.
يأتي في مقدمة هذه التداعيات الخشية من تصاعد حدة الخلافات والصراعات بين أبناء الأسرة الحاكمة إلى درجة اللاعودة بحيث تصبح متأصلة بشكل يصعب معه علاجها؛، مما قد يترتب عليه فقدان هيبة الأسرة التي ينظر إليها الكويتيون على أنها "رمانة الميزان" في الحياة السياسية وصمام الأمان الاجتماعي.
يستتبع ذلك، احتمالات في المستقبل المنظور، ترتبط بتآكل الدور المركزي لأسرة آل الصباح الحاكمة في نظام الحكم ومجمل الحياة السياسية والاجتماعية، وذلك في حال تجدد المطالب بوجود رئيس وزراء شعبي من غير أبناء الأسرة الحاكمة، وما يرتبط بذلك من فتح المجال أمام إشهار أحزاب سياسية تتمكن من إفراز قيادات تتولى تشكيل الحكومة.
وربما استتبع ذلك أيضا الحديث، على المدى الأبعد نسبيًا، عن ضرورة إدخال تعديلات على دستور البلاد، بما يؤهلها للمضي قدمًا نحو التحول إلى ملكية دستورية.
مع العلم أنه قد يترتب على ذلك عدم استقرار سياسي، واستمرار لتعطيل التنمية بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات اجتماعية وسياسية بالغة الخطورة يمكن أن تشكل تهديدًا للأمن الوطني الكويتي ببعديه الداخلي والخارجي.
بغض النظر عن السيناريوهات المحتملة لجلسة التصويت على كتاب عدم التعاون النيابي مع رئيس الحكومة، والتي تتراوح بين تقديم الشيخ ناصر المحمد الصباح استقالته في حال لم يؤمّن العدد الكافي من النواب لعبور جلسة 23 يونيو/حزيران الجاري، أو نجاحه في تأمين هذا العدد استنادًا إلى كفة نواب كتلة العمل الوطني المرجحة ومن ثم عبوره الجلسة بسلام؛ فإن المعطيات الراهنة تشير إلى أن الأزمة السياسية مرشحة للتصعيد مستقبلاً لاسيما وأن إحدى الكتل النيابية -العمل الشعبي- لوحت منذ جلسة الاستجواب السابقة بتقديم استجواب "نادر" إلى رئيس الوزراء.
أما على صعيد سيناريوهات الأزمة الأكبر والمتعلقة بالصراع بين أقطاب الجيل الثاني من الشيوخ، فتبدو الحاجة ملحة إلى ما يشبه "كورتيزون سياسي" للتخفيف من شدة الاستقطاب وحدة الاحتقان السياسي القائم حاليًا.
ربما من الأجدر اقتراح تطوير آلية لحسم الخلافات داخل أسرة آل الصباح، بما يحقق التوازن المنشود بين أبنائها، ويضمن استيعاب المستجدات والتعاطي مع المتغيرات المستقبلية. |
وربما من الأجدر في هذا السياق اقتراح تطوير آلية لحسم الخلافات داخل أسرة آل الصباح، بما يحقق التوازن المنشود بين أبنائها، ويضمن استيعاب المستجدات والتعاطي مع المتغيرات المستقبلية.
_____________________
هامش
(*) لمزيد من التفاصيل في الصراع بين أبناء الأسرة الحاكمة في الكويت، راجع: د. غانم النجار، مدخل للتطور السياسي في الكويت، دار قرطاس للنشر، ط3، 2000م، ص 45 -47.