ما بين فجر الجمعة، 3 يناير/كانون الثاني، عندما أقدمت الولايات المتحدة على اغتيال الجنرال الإيراني الشهير، قاسم سليماني، وفجر الأربعاء، 8 يناير/كانون الثاني، عندما أطلقت إيران صواريخها على قاعدتين تستضيفان عسكريين أميركيين في العراق، حبس العالم أنفاسه. في الشرق الأوسط، سيما في العراق والخليج، وقفت المنطقة على أصابع قدميها، تحاول استشراف حجم الكارثة المنتظرة.
في الموقف من اغتيال سليماني، أحد أكثر جنرالات إيران شعبية، لم يخرج الإيرانيون بالملايين في جنازته، وحسب، بل أعلن كل من أدلى بدلوه من المسؤولين الإيرانيين، بلغة لا تحتمل التأويل، عزم طهران الانتقام من الفعل الأميركي بصورة هائلة ومؤلمة ومباشرة. في المقابل، قال الرئيس ترامب، صاحب القرار باغتيال سليماني: إن أي رد فعل إيراني يفضي إلى إصابة أميركي واحد سيتبعه على الفور رد أميركي واسع النطاق، يطول العشرات من أهم المواقع الإيرانية. ما أوحت به التهديدات والتهديدات المضادة أن عواقب اغتيال سليماني أدخلت إيران والولايات المتحدة، بل الشرق الأوسط برمته، إلى أزمة طاحنة، مرشحة للتحول إلى مواجهة مدمرة ومديدة.
بيد أن الرد الإيراني، الذي شمل قصفًا بصواريخ متوسطة المدى والقدرات على قاعدتي عين الأسد، في غرب الأنبار، وحرير، شرق أربيل، في العراق، جاء متواضعًا ومحدودًا. تضم عين الأسد، التي يُعتقد أن الطائرات المسيرة التي قصفت موكب سليماني وقتلته خرجت منها، مئات من الجنود الأميركيين إلى جانب آلاف من العراقيين، إضافة إلى طائرات أميركية مروحية ومسيَّرة. بينما يُعتقد أن قاعدة حرير تضم عدة آلاف من الجنود الأميركيين إلى جانب جنود عراقيين كرد، وعددًا من الطائرات المقاتلة والقاذفة والمروحية الأميركية.
لم توقع الهجمة الصاروخية الإيرانية على القاعدتين أية إصابات بشرية، أميركية أو عراقية، ولا خسائر مادية ملموسة. وهذا ما أكده الرئيس ترامب في خطابه للأمة الأميركية، ظهر 8 يناير/كانون الثاني، بعد مرور عدة ساعات على الهجمة الإيرانية. طمأنة ترامب الأميركيين على سلامة جنودهم رافقتها إشارة واضحة إلى أن واشنطن لن تقوم بالرد عسكريًّا على الرد الإيراني. بهذا، بدا أن الأزمة في طريقها للانفراج، أو أنها على الأقل لن تشهد المزيد من التصعيد. وكان طبيعيًّا بالتالي أن يتنفس العالم، ويتنفس الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، الصعداء.
فما الذي حدث فعلًا بين فجر اغتيال سليماني وفجر الرد الإيراني؟ وهل عادت العلاقات المتأزمة أصلًا بين إيران والولايات المتحدة إلى ما قبل اغتيال سليماني، وبدأ البحث من جديد عن حل لمعضلة الاتفاق الخاص بالملف النووي الإيراني؟
الطريق إلى اغتيال سليماني
تعود هذه الحلقة من التأزم المديد بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في جذورها إلى ربيع 2018، عندما قرر الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، الذي وقَّعته إدارة أوباما في 2015، وإعادة فرض حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران. خلال الشهور التالية، ومع إعلان طهران رفض التفاوض على اتفاق جديد ما لم تعلن إدارة ترامب الالتزام بالاتفاق السابق وترفع العقوبات، لجأت واشنطن إلى تعظيم الضغط على إيران بفرض المزيد من العقوبات. ولكن لم تبدأ المصالح الأميركية وحلفاؤها في التعرض لعدد من الهجمات المتتالية إلا في ربيع 2019، وقد اتهمت الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراءها.
وقد كانت البداية بعدد من الهجمات على حركة الملاحة في الخليج، غرب وشرق مضيق هرمز، وقد اعتبرتها الولايات المتحدة رسالة إيرانية مفادها أن محاولة واشنطن تقويض الاقتصاد الإيراني بمنع إيران من تصدير النفط لن تؤدي إلا إلى إيقاف تصدير النفط كلية من الخليج، الإيراني أو غير الإيراني. بمعنى، أن الاقتصاد العالمي كله سيعاني ما لم تتحرك القوى الدولية لوضع حد للضغوط الاقتصادية الأميركية على إيران. وهكذا، وبدون إعلان مسؤوليتها المباشرة، أو بغطاء من تحمل الحوثيين في اليمن المسؤولية، حدث تفجير عدد من السفن المبحرة عبر الخليج، سيما قرب ساحل الإمارات؛ إضافة إلى قصف منشآت حيوية لأرامكو السعودية، المنتج الأكبر للنفط في العالم، في سبتمبر/أيلول 2019، مما نجم عنه انخفاض كبير في صادرات النفط السعودية لعدة أسابيع. قبل ذلك، وفي يونيو/حزيران 2019، وعلى خلفية من ازدياد حدة التوتر في الخليج، أسقطت إيران طائرة تجسس أميركية بدون طيار، يبدو أنها اخترقت الأجواء الإيرانية.
في كل هذه الحالات، لم تلجأ إدارة ترامب إلى الرد على الهجمات الإيرانية، باستثناء زيادة عدد القوات الأميركية المتمركزة في السعودية، وبعد أن تعهدت الرياض بتحمل التكلفة المالية لانتشار هذه القوات. تردُّد ترامب في الاستجابة للتهديدات الإيرانية، بما في ذلك إسقاط طائرة التجسس الأميركية، ولَّد تصورًا، في إيران وفي الولايات المتحدة، على السواء، بضعف ترامب وخشيته من المواجهة المباشرة.
في الأسابيع القليلة السابقة لاغتيال سليماني، قامت مجموعات مسلحة عراقية محسوبة على إيران بتنفيذ عمليات قصف محدودة لمراكز الوجود العسكري الأميركي في العراق. وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2019، تعرضت قاعدة أميركية قرب كركوك لقصف أدى إلى مقتل متعاقد أميركي وجرح عدد من الجنود الأميركيين. في اليوم التالي، تعرضت قاعدة للحشد الشعبي، تضم مسلحين من كتائب حزب الله العراقي، التي تعتقد واشنطن أن مجموعة منها مسؤولة عن قصف قاعدة كركوك، لهجوم صاروخي أميركي مدمر، نجم عنه عشرات من قتلى الكتائب وجرح ما يقارب المئتين.
أثار الهجوم الأميركي على قاعدة الحشد الشعبي حركة احتجاج عراقية غاضبة في بغداد، تطورت سريعًا إلى هجوم على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وتهديد بالاعتصام في محيط السفارة. وكان واضحًا أن المتظاهرين أمام السفارة الأميركية هم في أغلبهم من منتسبي الحشد الشعبي. لم يفض الاعتصام إلا إثر تعزيز الأميركيين لوجودهم العسكري في السفارة، بنقل قوات أميركية من الكويت إلى بغداد، وبعد تدخل وضغوط من الحكومة العراقية.
كانت هذه هي سلسلة الأحداث التي انتهت باغتيال الجنرال سليماني.
أراد الرئيس ترامب من اغتيال الجنرال الإيراني بالغ النفوذ وضع نهاية لصورة الرئيس الضعيف، المتردد، المتهرب من المواجهة مع إيران بالاختباء خلف العقوبات الاقتصادية. ولأن إدارة ترامب تعتقد أن سليماني يقف خلف الهجمات الصاروخية المتكررة على مراكز الوجود العسكري في العراق، وبأنه أعطى الأوامر بالهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، رأت أنه الهدف المناسب لإرسال رسالة حاسمة للإيرانيين. ولا يخفى أن عملية سليماني والتصعيد مع إيران استهدفا، أيضًا، إحراج الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، الذين ذهبوا إلى خيار محاكمة الرئيس وعزله، على خلفية من إخلاله بواجباته القانونية في العلاقة مع أوكرانيا وتوظيف هذه العلاقة لخدمة مصالح انتخابية.
الرد الإيراني المحدود
لم يكن الدور الذي يلعبه سليماني في تعزيز النفوذ الإيراني الإقليمي خافيًا على الأميركيين. الحقيقة، أن واشنطن بدأت في ملاحظة دور فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي يقوده سليماني منذ منتصف التسعينات، ربما منذ بداية العقد الأول من القرن. ولكن، وربما لتعقيدات العلاقات الإيرانية-الأميركية في أفغانستان والعراق، تجنبت إدارتا بوش الابن وأوباما استهداف الجنرال الإيراني. أكثر من ذلك، كان سليماني حليفًا غير معلن للأميركيين في العراق منذ صيف 2014، عندما لعب دورًا ظاهرًا ورئيسًا في توجيه قوات الحشد الشعبي العراقية، إلى جانب القوات الأميركية، في المعارك ضد تنظيم الدولة. ولا يستبعد وجود اتفاق غير مكتوب بين واشنطن وطهران على تجنب الطرفين كبار مسؤولي الدولتين في علاقاتهما المتقلبة منذ غزو العراق واحتلاله في 2003، سيما أن إيران كان بإمكانها، أيضًا، خلال سنوات احتلال العراق الوصول إلى كبار مسؤولي الإدارة الأميركية.
ولذا، فلابد أن يُنظر إلى قرار ترامب باستهداف سليماني باعتباره مفاجأة كبرى للإيرانيين، وتصعيدًا لا يقل عن إعلان الحرب. أخطأ الإيرانيون، بلا شك، طوال 2019، عندما قدَّروا أن ترامب أضعف من أن يلجأ إلى القوة لمواجهة ما اعتبره تحركات استفزازية لجأت إليها إيران في مياه الخليج، كما في السعودية والإمارات والعراق. ولكن اغتيال سليماني كان في تصور إيران لنفسها، لدورها وتأثيرها، من الحجم بحيث يستحيل تجاهله بدون آثار بالغة السلبية على صورة النظام الإيراني أمام شعبه وفي علاقاته بالقوى المعادية والصديقة في الإقليم. وهذا ما أكدته تصريحات المسؤولين الإيرانيين في الأيام القليلة التالية لاغتيال سليماني، سيما خلال مراسم تشييعه الطويلة، والممتدة من الأهواز إلى مشهد، ومن طهران إلى قم، وصولًا إلى مدينته كرمان، حيث ووري الثرى.
بيد أن الرد الإيراني جاء أقل كثيرًا من المتوقع ومن التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون، من قادة الحرس الثوري، والرئيس ووزير خارجيته، إلى كبار مستشاري المرشد، خامنئي، ومساعديه. لم يرد الإيرانيون بهجمة على هدف أميركي خالص، مثل إحدى السفن في الخليج أو إحدى القواعد الأميركية في أفغانستان أو دول الخليج. ردوا بتوجيه صواريخهم إلى قاعدتين عسكريتين عراقيتين، يوجد فيهما الأميركيون، والعراقيون، بالطبع، بأعداد متفاوتة وغير محددة تمامًا. وإلى جانب أنظمة الاستشعار الأميركية، التي رصدت مبكرًا تجهيز الصواريخ الإيرانية للإطلاق، وجهت طهران إنذارًا مبكرًا للحكومة العراقية، ربما قبل ساعتين من بدء الهجوم. والمؤكد أن الحكومة العراقية عملت هي الأخرى على تحذير قواتها في قاعدتي حرير وعين الأسد. ولن تخفى على الأميركيين هذه التطورات إما بملاحظة ما يجري على الأرض أو بحصولهم على معلومات بحكم تغلغلهم في البنية الأمنية والسياسية العراقية.
بذلك، قامت إيران بتنفيذ تهديدها بالانتقام لمقتل سليماني، بقصف القاعدتين العراقيتين بالصواريخ، بدون أن توقع خسائر في أرواح الجنود الأميركيين والعراقيين. ولم يكن غريبًا، بالتالي، أن تثير طبيعة الرد الإيراني، المحدود والمحسوب، كثيرًا من الجدل والتكهنات.
فلماذا جاء الرد الإيراني بهذا المستوى من الحذر؟
لم تُخْفِ واشنطن، ابتداء من الرئيس إلى وزيري خارجيته ودفاعه، أنها ستوجه ضربات قاصمة لعشرات الأهداف الإيرانية في حال تعرض أي من الجنود الأميركيين للأذى. كما أن التهديد بالرد المؤلم أُرسل مباشرة للإيرانيين، سواء عن طريق السويسريين، الذين يمثلون المصالح الديلوماسية الأميركية في طهران، أو دول خليجية عربية تحتفظ بعلاقات جيدة مع الطرفين. ولأن حادثة اغتيال سليماني وضعت حدًّا لتصورات ضعف ترامب وعدم جديته، كان على الإيرانيين الاختيار بين عمل انتقامي ملموس ومحسوب، وتجنب رد الفعل الأميركي، أو عمل انتقامي أكبر وأكثر تأثيرًا، والتعرض لرد أميركي مدمر وواسع النطاق. ولأن النظام الإيراني ليس نظامًا انتحاريًّا، فقد ذهب إلى الخيار الأول.
ولكن هذا لا يعني، كما حسب بعض المراقبين، أن الفعل الانتقامي الإيراني كان منسقًا مع الأميركيين، وأن الأزمة، التي بدأت مع تحلُّل إدارة ترامب من الاتفاق النووي وتصاعدت باغتيال سليماني، في طريقها إلى الحل السريع. الحقيقة، أن الإيرانيين توقعوا ردًّا أميركيًّا على هجومهم الصاروخي على القاعدتين العراقيتين، وهو ما جعلهم يستنفرون دفاعاتهم الجوية خلال الساعات التالية للهجوم. وقد كان مناخ التوتر والتصعيد هو ما أدى إلى خطأ إسقاط وحدة دفاع جوي تابعة للحرس الثوري الإيراني الطائرة الأوكرانية ومقتل جميع ركابها. كما يشير إعلان الرئيس ترامب أنه لن يأمر برد أميركي عسكري على الهجمات الإيرانية الصاروخية، نظرًا لأن الهجمات لم توقع خسائر تُذكَر في مراكز الوجود الأميركي، إلى اعتقاد واشنطن أنها استعادت بالفعل قدرة الردع في المواجهة مع إيران وأن لا حاجة لمزيد من التصعيد الذي قد يشعل حربًا إقليمية لا يريدها أحد.
فهل كان الفعل الانتقامي الإيراني نهاية هذه الجولة من التصعيد الأميركي-الإيراني، وأن علاقات الدولتين عادت إلى ما قبل سليماني، وإلى البحث عن حل لمسألة الاتفاق النووي؟
جولات قادمة من النزال
في اغتيالها لسليماني، قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة مؤلمة ومباشرة وغير مسبوقة لإيران. لم تلجأ واشنطن للدولة العبرية أو لأحد حلفائها الآخرين في المنطقة لتحمُّل مسؤولية عملية الاغتيال، ولا عملت على إرسال رسالة غير مباشرة لإيران، بقصف أتباع لها، مثلًا، كما فعلت في الهجوم الكبير على كتائب حزب الله العراق. كان اغتيال سليماني فعلًا أميركيًّا حربيًّا صارخًا، أعلنت واشنطن مسؤوليتها الكاملة عنه؛ بل وأرسلت قوات أميركية خاصة، بصورة سريعة، إلى موقع الاغتيال، للتأكد من تصفية سليماني والحصول على متعلقاته الخاصة. ولذا، كان لابد لإيران أن تتعهد فعلًا انتقاميًّا مكافئًا، يستهدف الأميركيين، يحمل توقيعًا إيرانيًّا وليس توقيع طرف حليف أو تابع.
حرصت القيادة الإيرانية على أن يكون فعلها الانتقامي محدودًا ومحسوبًا لتتجنب ردًّا أميركيًّا مدمرًا وتصعيدًا عسكريًّا تدرك أنها لن تستطيع كسبه. ولكن ذلك لا يعني نهاية الأمر. يدرك الإيرانيون أن الولايات المتحدة أوقعت بهم خسارة فادحة، سواء في الحسابات العسكرية البحتة أو في الصورة التي عملوا طوال عقود لصناعتها في الجوار. ولذا، فالأرجح أن طهران تعني ما تقول عندما تعلن أن الانتقام الحقيقي لسليماني هو وضع نهاية للوجود العسكري الأميركي في الجوار، بغضِّ النظر عما إن كانت تستطيع تحقيق هذا الهدف أو لا.
تحيط القواعد العسكرية بإيران من كافة الاتجاهات، في سوريا والعراق وأفغانستان ودول الخليج العربية. وليس ثمة شك في أن هذا الانتشار الأميركي العسكري يولِّد شعورًا إيرانيًّا بالحصار. والواضح أن إيران ستعمل على إخراج الأميركيين من جوارها، مستخدمة وسائل ضغط متعددة، سياسية وشعبية واستفزازات عسكرية متكررة. ولكن هذا الجهد لن تقوم به إيران بصورة مباشرة، بل سيقع على عاتق حلفائها وأدواتها في الجوار، ابتداء من الأصدقاء الجدد في طالبان، إلى عدد من الميليشيات العراقية، إضافة لحزب الله والحوثيين. بمعنى، أن هذا الجهد سيُنفَّذ بدون أن تستطيع الولايات المتحدة تحميل إيران مسؤوليته.
وليس ثمة ما يدفع إلى الاعتقاد بأن مفاوضات إيرانية-أميركية توشك أن تبدأ حول اتفاق نووي جديد. لم تزل إدارة ترامب تدعو إلى تفاوض بدون شروط مسبقة، بينما تشترط إيران رفع العقوبات والعودة إلى الالتزام باتفاق 2015 قبل البدء في التفاوض حول تعديلات محتملة على هذا الاتفاق. وبالرغم من المحاولات الفرنسية واليابانية للتوسط، ليس هناك ما يشير إلى تغيير ملموس في مواقف الطرفين. التغيير الذي وقع هو توجيه الولايات المتحدة ضربة قاسية لإيران، ستدفع إلى رفع مستوى التصميم الإيراني على التمسك بالشروط المسبقة، والحرص على عدم الظهور بمظهر الضعيف المنكسر. والأرجح، أن إيران ستنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لتقرر ما إن كانت ستتفاوض مع ترامب أو مع بديل ديمقراطي.
كل هذا يشير إلى مسار عقلاني لأزمة العلاقات الأميركية-الإيرانية، أو على الأصح مسار تدافع منخفض الوتيرة. ولكن هناك احتمال آخر لسيناريو أكثر عنفًا وحدَّة؛ ففي ظل العقوبات الاقتصادية المتصاعدة على إيران، وخسارة إيران لأبرز جنرالاتها في الإقليم، وتحرك القوى الأوروبية الثلاث الشريكة في اتفاق 2015 النووي نحو موقف أكثر صرامة في التعامل مع تحلل إيران من التزاماتها في الاتفاق، واندلاع حركة احتجاج إيرانية على الطريقة التي تعامل بها النظام مع قضية الطائرة الأوكرانية، وعودة الحركة الشعبية المناهضة لحلفاء إيران في العراق ولبنان لطبيعتها، يبدو أن إيران تعيش لحظة تراجع ملموس في وزنها الإقليمي.
إنْ قَبِلَت القيادة الإيرانية هذا التراجع في ميزان القوى باعتباره نتيجة حتمية لسياسات غير فعالة، واتجهت، من ثم، إلى العمل على إعادة بناء علاقات إيران مع جوارها على أسس جديدة، فمن المستبعد أن تعود الأزمة للانفجار من جديد. ولكن، إن حاولت إيران استعادة مواقع القوة التي أخذت بالتفلت من يديها، سواء داخل البلاد أو خارجها، بقوة مضاعفة، فإن مخاطر الانفجار ستصبح أكثر احتمالًا. وهذا، حتى بدون أن يوضع العامل الإسرائيلي في الاعتبار، الذي قد يتخلى عن حذره ويجنح إلى التصعيد مع إيران وحلفائها في سوريا ولبنان، مستغلًّا لحظة الضعف الإيرانية البادية.