الرئاسيات المصرية: منعطف تنظيم الصفوف

تتميز هذه المرحلة من الانتخابات الرئاسية المصرية، بتصاعد التوتر بين جماعة الإخوان والمجلس العسكري، وتنامي حظوظ عبد المنعم أبو الفتوح في الفوز بعد حصوله على دعم قوى سلفية رئيسية وحزب الوسط، وبروز عمرو موسى كخيار جاذب لقوى النظام السابق والقوى الخائفة من فوز الاسلاميين بالرئاسة.
201253112136710734_2.jpg
 يحقق عبد المنعم أبو الفتوح (يمين)، المنافس الرئيسي  لمرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي على الصوت الإسلامي، اختراقات مهمة على صعيد تأييد القوى السياسية الإسلامية (الجزيرة)

كان دخول المرشح الإخواني خيرت الشاطر، ونائب الرئيس السابق عمر سليمان، سباق الرئاسة المصرية، أحد أبرز التطورات في الساحة السياسية. ولكن التوتر الذي ولّده ترشحهما سرعان ما تراجع قليلاً بعد صدور قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعادهما، إضافة إلى المرشح المثير للجدل (حازم صلاح أبو إسماعيل). خروج عمر سليمان أعاد الأمل من جديد للمرشحين عمرو موسى وأحمد شفيق. أما الإخوان المسلمون فقد احتاطوا لاستبعاد الشاطر بترشيح أحد قياداتهم: محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة.

بيد أن استبعاد الشاطر لم يمر بدون عواقب، لعل أهمها التدهور البالغ في العلاقة بين الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. كما أن ترشيح مرسي يثير الكثير من الشكوك حول ما إن كان الإخوان المسلمون يخوضون في الانتخابات الرئاسية مغامرة غير مضمونة النتائج. هذا، في الوقت الذي يحقق (عبد المنعم أبو الفتوح)، منافس مرسي الرئيسي على الصوت الإسلامي، اختراقات مهمة على صعيد تأييد القوى السياسية الإسلامية.

هذه قراءة لأسباب التدافع المتزايد بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأثره على الساحة السياسية المصرية، ولأوضاع المرشحين الرئيسيين، بعد أن أُعلنت القائمة النهائية لجميعهم.

الإخوان والمجلس العسكري: التصعيد

لم تصل العلاقات بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، منذ تنحي مبارك، إلى مثل هذا المستوى من التوتر وفقدان الثقة. كان رفض المجلس إقالة حكومة الجنزوري وتدخلات الضباط الخفية، حسب أنباء متداولة، في تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى لكتابة الدستور (ما أدى إلى حل الجمعية)، أحد الأسباب المبكرة لتدهور العلاقات بين الطرفين؛ ولكن السبب الأهم يتعلق باستبعاد خيرت الشاطر.

فالإخوان يعتقدون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتدخل فعلاً في أعمال اللجنة العليا للانتخابات، وأنه، سواء بسابق تصميم وتصور، أو نظرًا لانقسام الرأي في صفوفه، كان صاحب قرار استبعاد الشاطر، وأن طريقة تصرفه خلال أزمة الاستبعاد تنم عن انتهاك للثقة وقواعد التعامل بين الطرفين، وتنذر بوجود احتمالات لتزوير الانتخابات.

خلال الأسابيع القيلة التالية لقرار الاستبعاد، صعّد الإخوان من خطابهم تجاه المجلس، فشاركوا في تجمعات الاحتجاج لثلاثة أيام جمعة متوالية، في القاهرة وعواصم المحافظات الرئيسية؛ كما شدّدوا من مطالبتهم بإقالة حكومة الجنزوري، بما في ذلك اتخاذ رئيس مجلس الشعب، محمد الكتاتني، قرارًا بتعليق أعمال المجلس، مستندًا إلى أغلبية من النواب الإسلاميين.

ويرمي الإخوان من سياسة التصعيد ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى تأمين انتخابات الرئاسة من التزوير، والرد على محاولات المجلس تشكيل جمعية تأسيسية، تؤمّن له تمرير المادتين 9 و10 من وثيقة السلمي التي أُسقطت في مظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2011، والمتعلقة بامتيازات الجيش في الدستور الجديد. بصورة عامة، يعمل الإخوان على وضع المجلس في موضع الدفاع، وإضعاف قدرته على التدخل في القضايا العالقة للمرحلة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، وحق الإخوان في تسلم مواقع تنفيذية في نظام الحكم، كما في الانتخابات الرئاسية، وصولاً إلى تسليم السلطة لرئيس منتخب.

المرشحون الإسلاميون: اشتداد التنافس

حقق (عبد المنعم أبو الفتوح) في الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان 2012 أهم اختراق منذ أن بدأت حملته قبل أكثر من عشرة شهور، تمثل في تصويت أغلبية الهيئة الشرعية للدعوة السلفية في الإسكندرية، إضافة لحزب النور، الحزب الأكبر للتيار السلفي، لدعم (أبو الفتوح). وقد برّر قادة الحركة السلفية قرارهم بالخشية من سيطرة الإخوان على المناصب الكبيرة الثلاثة للجمهورية، مؤكدين مساندتهم تولي الإخوان رئاسة الحكومة. وقد يكون أحد أهم الأسباب خلف هذا القرار، أن قادة الحركة السلفية وضعوا في اعتبارهم تفادي تصعيد الصدام مع المجلس العسكري فامتنعوا عن دعم المرشح الإخواني، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين جماعة الإخوان والمجلس العسكري.

بذلك، يكون التيار السلفي قد انقسم إلى مجموعتين: الأولى، وتمثل أغلبية شيوخ السلفية في القاهرة: الذين أعلنوا تأييدهم لمرسي، والثانية، وتمثل شيوخ السلفية بالإسكندرية وعددًا آخر من المحافظات: التي تدعم (أبو الفتوح). نظريًا، تشكّل الكتلة التي أيدت (أبو الفتوح) الجزء الأكبر من الحركة السلفية. ولكن السؤال الذي يصعب الإجابة عليه الآن يتعلق بما إن كانت هذه الكتلة ستعمل على الأرض لتعزيز وضعه الانتخابي، وحشد الأصوات له، كما نشطت خلال الانتخابات البرلمانية لصالح حزب النور، أم أنها أعلنت تأييدها له لمجرد التخلص من حرج ضغوط القاعدة السلفية الشعبية، التي تريد أن يكون للسلفيين موقف من انتخابات الرئاسة.

الإنجاز الثاني لحملة (أبو الفتوح)، تمثل في كسب تأييد حزب الوسط، إسلامي التوجه وضعيف التأثير، بعد أن كان الوسط مؤيدًا لسليم العوا. والرائج أن القاعدة التنظيمية للوسط تميل في أغلبيتها لـ (أبو الفتوح)؛ ولكن ارتباط قادة الحزب القديم بالعوا كان الدافع لوقوفهم خلفه طوال الشهور الماضية. والحاصل، أن (أبو الفتوح) نجح في النهاية في تأمين كتلة إسلامية صلبة خلف ترشحه، بالرغم من أن من الصعب الآن تقدير حجمها.

كان الإخوان يعرفون منذ أسابيع قليلة أن مرشحهم لن يحصل على تأييد كل التيار السلفي، وقد تحركوا بالتالي لتأمين دعم جماعات إسلامية أخرى، مثل أنصار السنة، الذين يمثلون السلفية التقليدية في مصر، والجمعية الشرعية، التي تتحكم بأكثر من ألف مسجد في أنحاء البلاد، وتنتمي هي الأخرى للمعسكر السلفي. ولكن مراهنة الإخوان الرئيسة لم تزل على آلتهم التنظيمية الهائلة، التي تتمتع بقدرات كبيرة على الحشد، سيما في القرى ومدن المحافظات. وبعد أن كان الإخوان قلقين من درجة التفاف القاعدة الإخوانية حول حملة مرسي، إثر استبعاد الكاريزمي خيرت الشاطر، أظهرت اللقاءات الجماهيرية لمرسي في مدن المنصورة والإسكندرية والزقازيق والمحلة، التي ضمت عشرات، وأحيانًا مئات الألوف، أن الإخوان استجابوا لحملة مرشحهم الثاني، ليس فقط استجابة لأوامر قيادتهم، ولكن أيضًا بدوافع الانتقام من قرار استبعاد الشاطر.

المعركة على الصوت غير الإسلامي

يضم معسكر غير الإسلاميين ثلاثة مرشحين بارزين: عمرو موسى، وأحمد شفيق، وحمدين صباحي. وتبدو الدائرة التي يستهدفها موسى أكبر نسبيًا من تلك التي يستهدفها كل من أحمد شفيق، الذي يحسب على النظام السابق، وصباحي، الذي ارتبط تاريخه السياسي بالدوائر القومية-الناصرية، ولا يملك رصيد رجل الدولة الذي يوحي به موسى. وقد بدرت من موسى تصريحات تعطي قادة الجيش دورًا رئيسيًا في النظام السياسي القادم، ويبدو أن قادة الجيش والإدارة سيجدون مصلحتهم في فوزه بالرئاسة، لأنه جزء من النظام السابق الذي يسعون للحفاظ عليه كما اتضح من إداراتهم للمرحلة الانتقالية، لكن من غير الواضح ما الذي سيعنيه هذا التوافق في المصلحة يوم الاقتراع، سيما أن تزويرًا واضحًا وواسع النطاق لن يكون ممكنًا في ظل أجواء التوتر الكبير وحدّة التنافس التي تحيط بالعملية الانتخابية.

يتمتع موسى بمقدّرات مالية كبيرة، وكبيرة جدًا بالنظر إلى مستويات الحياة المصرية، تستخدمها حملته على نطاق واسع لكسب التأييد. وقد بات من المؤكد أن أغلبية الصوت القبطي ستذهب إليه، ومن المرجح أنه تنفس الصعداء عندما استُبعد شفيق لعدة أيام لأنه ينافسه على أصوات الطبقة المرتبطة بالنظام السابق، وعلى أصوات الفئات التي تخشى القوى الإسلامية وسيطرتها على الحكم، وأصوات أولئك الذين يبحثون عن رجل دولة ما لإخراج البلاد من أزمتها. ولكن عودة شفيق إلى السباق، بمبرر آخر من مبررات لجنة الانتخابات، لا تعني أنه يستطيع التفوق على موسى.

المشكلة أن أحدًا لا يستطيع تقدير حجم ما يُسمّى بالصوت غير الإسلامي، علاوة على أن عدد المتنافسين عليه كبير ومن مختلف المشارب. فمن يسعون لجذب تأييد هذا القطاع الافتراضي من المقترعين، الذي يضم فئات مختلفة وتحركه دوافع متباينة، لا يضم موسى وشفيق وصباحي وحسب، ولكن أيضًا (أبو الفتوح)، الذي يقدم نفسه باعتباره المرشح الوطني، ذا التوجه الإسلامي المعتدل، القادر على لجم تجاوزات الإسلاميين وجمع المصريين على برنامج وسطي، يؤسس لاستقرار البلاد ونهضتها.

حسابات انتخابية: احتمالات مفتوحة

لم تتوقف الانتخابات الرئاسية المصرية عن توليد المفاجآت، سيما في شهورها الأخيرة؛ وربما لا تزال الأسابيع المتبقية تحمل بعضًا منها؛ فالمرشح الأكثر شعبية لبعض الوقت كان سلفيًا شعبويًا (حازم أبو إسماعيل)، ولم يكن من الواضح ما إن كان يدرك معنى رئاسة أكبر البلدان العربية وأكثرها أهمية. وما إن دخل الإخواني خيرت الشاطر حلبة المنافسة حتى استشعر المرشحون الآخرون خطرًا داهمًا. وسرعان ما فوجئ الجميع بعمر سليمان، يعصف بالساحة الانتخابية، كأنه مخلّص القوى الخائفة من الإخوان وأشباههم. كل هؤلاء جرى استبعادهم من السباق، إما لأسباب قانونية أو بفعل إرادة سياسية.

الآن، وقد انتهى عدد المتنافسين إلى 13 "فقط"، فإن خمسة بينهم يُنظَر إليهم بجدية. ولكن السباق بين هؤلاء الخمسة لم يزل مفتوحًا على الاحتمالات. فكما أن من المبكر تقدير حجم المردود الذي سيعود على عمرو موسى من انسحاب سليمان ومصلحة المجلس العسكري والإدارة في فوزه، فمن المبكر أيضًا تقدير حجم المردود الذي سيعود على (عبد المنعم أبو الفتوح) من دعم القطاع الأكبر من قادة التيار السلفي وحزب الوسط.

لا يزال من المحتمل انسحاب أحد المرشحين الأقل حظًا لصالح الأكثر حظًا، مثل انسحاب العوا لصالح مرسي أو صباحي لصالح (أبو الفتوح). ولكن ليس هناك في هذا الشأن ما هو متيقن بعد. ما بات أكثر احتمالاً أن هذه المنافسة لن تُحسَم من الجولة الأولى، وأن المرشحين الاثنين اللذين سيصلان إلى الجولة الثانية يمكن أن يكونا (أبو الفتوح) أو مرسي في مواجهة موسى، أو حتى (أبو الفتوح) في مواجهة مرسي.

من جهة أخرى، ربما كانت المخاوف من أن يؤدي تصاعد التوتر بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى تعطيل المسار الانتخابي مبالغًا فيها. فلا الإخوان سيدفعون الأمور باتجاه الصدام، ولا المجلس سيفعل ذلك. الخطر الحقيقي ينبع من تقارير غير مؤكدة تشير إلى عزم المجلس على إسقاط المرشح الإخواني مهما كان الثمن. لكن الاتجاه السائد في أوساط الإخوان أن عليهم هذه المرة الدفاع عن حقوقهم إن وقع تعد عليها. أما المخرج الآمن للبلاد وللجيش على السواء فيتمثل في صفقة تاريخية بين الطرفين، ليس ثمة من مؤشر بعد على قرب عقدها.