مئة يوم على توقيع اتفاقية السلام: ماذا تعني عودة العنف إلى المشهد الأفغاني؟

تقول تقارير مجلس الأمن القومي الأفغاني: إن حركة طالبان نفذت منذ توقيع اتفاق السلام مع الولايات المتحدة الأميركية 4992 هجومًا، وكان الأسبوع الثالث من شهر يونيو/حزيران 2020 هو الأكثر دموية مقارنة بالسنوات الماضية. تناقش هذه الورقة تأثير عودة العنف على عملية المصالحة، وما تفرضه من عقبات أمام المفاوضات الأفغانية.
الهجمات طالت مستشفى للولادة في كابل (رويترز)

مرَّ ما يقرب من 100 يوم على اتفاقية السلام الموقعة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، في فبراير/شباط 2020، في العاصمة القطرية، الدوحة، ومع العد التنازلي لإجراء محادثات بين الحكومة الأفغانية والحركة، شهدت أفغانستان

أعمال عنف دموية وعاد تنظيم الدولة إلى الظهور من جديد. وتقول تقارير مجلس الأمن القومي الأفغاني: إن حركة طالبان نفذت منذ توقيع اتفاق السلام 4992 هجومًا في مناطق متفرقة من أفغانستان وتشير إلى أن الأسبوع الثالث من شهر يونيو/حزيران 2020 كان الأكثر دموية مقارنة مع السنوات الماضية، وهو ما يضع عقبات وعراقيل كبيرة أمام المصالحة.

تناقش هذه الورقة تأثير عودة العنف على عملية المصالحة، وتعثر المفاوضات الأفغانية وتسعى لرسم خريطة للجماعات المسلحة التي تهدد تطبيق بنود الاتفاق.

لا وقف حقيقيًّا لإطلاق النار

على الرغم من حالة التفاؤل التي أعقب توقيع اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، إلا أنه لا يوجد حتى الآن وقف رسمي لإطلاق النار في أفغانستان؛ إذ يستمر العنف في جميع أنحاء أفغانستان واستأنفت القوات الأميركية ضرباتها الجوية ضد مسلحي طالبان في ولايتي فراه قندهار جنوب البلاد بداية شهر يونيو/حزيران2020(1).

ولم يطبق إعلان خفض العنف وقبول طالبان عدم استهداف المدن الرئيسة؛ حيث استؤنفت الاشتباكات بين الحكومة والحركة في الولايات ووصلت موجة الهجمات إلى العاصمة كابل(2).

بعد توقيع اتفاق إحلال السلام توقع معظم المراقبين والشارع الأفغاني أن تعلن طالبان والحكومة الأفغانية وقف إطلاق النار أو على الأقل أن يؤدي ذلك إلى انحسار موجات العنف، ولكن الأمور سارت في اتجاه معاكس ولم يحدث تقدم ملموس في مسار عملية المصالحة بين الأطراف الأفغانية، ووفقًا لما رصده مجلس الأمن القومي الأفغاني نفذت حركة طالبان منذ توقيع اتفاق السلام 4992 هجومًا في مناطق متفرقة من البلاد، وقال المجلس: إن الاسبوع الثالث من شهر يونيو/حزيران 2020 كان الأكثر دموية مقارنة مع السنوات الماضية حيث قُتل من القوات الأفغانية أكثر من 291 جنديًا وأصيب 550 آخرون في 32 ولاية بعد أن شنَّت حركة طالبان 422 هجومًا على مراكز ونقاط تفتيش تابعة للقوات الأفغانية(3).

رويترز
شهر يونيو/حزيران 2020 كان الأكثر دموية مقارنة مع السنوات الماضية (رويترز)

ويقول فيصل جاويد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: "بعد توقيع اتفاق السلام، نفَّذت حركة طالبان يوميًّا 44 هجومًا في مناطقة متفرقة من البلاد"(4).

ويقرأ الكاتب والمحلل السياسي، ذاكر جلالي، التصعيد العسكري في أفغانستان وعودة الهجمات إلى المشهد مقسِّمًا العنف في أفغانستان إلى نوعين:

الأول: هو الخلاف بين القوات الأفغانية وحركة طالبان والسبب الرئيس لذلك أن المحادثات الأفغانية لم تبدأ بعد ولا يوجد بينهما أي توافق مسبق، وتحدث اشتباكات ومعارك تؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وحركة طالبان لم تنف ذلك وما يجري بين الطرفين لا يعد انتهاكًا لاتفاق الدوحة.

النوع الثاني: وهو الأخطر، وسببه وجود جهات أفغانية وأجنبية تعرقل عملية السلام في أفغانستان لأنها تخسر الكثير في حال وصول الحكومة الأفغانية وحركة طالبان إلى توافقات تمهد الطريق إلى السلام والمصالحة. ويرى جلالي أن "عملية السلام الأفغانية هشَّة ويمكن أن تنهار بسهولة"(6).

وزادت وتيرة العنف في أفغانستان منذ بدء شهر مايو/أيار 2020 عندما استُهدف مستشفى الولادة غربي العاصمة كابل وقُتل فيه ما لا يقل عن 24 شخصًا معظمهم أطفال حديثو الولادة وأمهاتهم، وبالتزامن مع هجوم المستشفى استهدف هجوم آخر صلاة جنازة في ولاية ننغرهار شرق أفغانستان وسقط فيه أكثر من 100 شخص بين قتيل وجريح. ويتهم المتحدث باسم القوات الأميركية في أفغانستان، الكولونيل سوني ليغيت، حركة طالبان بالإخفاق في خفض مستوى العنف رغم إبرام اتفاقية شفهية للحدِّ منه بنسبة 80%(7).

وتنفي حركة طالبان ضلوع مسلحيها في الهجمات التي استهدفت مدنيين وأبرزها هجوم مستشفى غربي العاصمة كابل، واستهداف صلاة الجنازة في ولاية ننغرهار واغتيال إمام وخطيب أشهر مسجد في العاصمة كابل. وقد أثارت الهجمات الأخيرة في العاصمة كابل تساؤلات كثيرة حول صدق نية حركة طالبان والحكومة الأفغانية والولايات المتحدة على السواء في تحقيق السلام.

كان لكل هجوم دلالة خاصة من ناحية المكان الزمان، ويمكن أن تكون محاولات من جهات لها علاقات خارجية تريد عرقلة عملية المصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. وفي هذا الصدد، يستبعد الكاتب والأستاذ الجامعي، أسد الله وحيدي، "أن يكون تنظيم الدولة وراء هذه الهجمات لأن شكلها ونوعها يختلف عن الهجمات التي نفذها سابقًا كما أن التنظيم ليس له قوة تُذكر في الميدان، والذين يقفون وراءها يريدون إرسال الرسائل بأن هناك قوة غير طالبان تستطيع خلط الأوراق وأن المصالحة مع طالبان لا تعني بالضرورة أن يستقر الوضع في أفغانستان". ويعتقد وحيدي أن الصقور في الحكومة الأفغانية وحركة طالبان جزء من هذه المحاولات ولا يستبعد بصمات شركة بلاك ووتر "لأنها طلبت قبيل بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان خصخصة الحرب في أفغانستان ولكن الحكومة الأفغانية عارضت هذه الخطة بسبب تداعياتها الأمنية والسياسية في أفغانستان"(8).

في حين تُظهر حركة "طالبان" احترامًا لموافقتها على عدم مهاجمة القوات الأميركية والأجنبية، فقد واصلت الهجمات ضد القوات الأفغانية بحجة أن وقف إطلاق النار مع الحكومة لا يدخل في سياق اتفاقها مع واشنطن.

وأوضح قادة ميدانيون من طالبان أنهم احترموا قرار وقف النار فقط من أجل منح القوات الأميركية ممرًّا آمنًا للانسحاب ومغادرة البلاد، وذلك لا يتضمن تحفُّظًا بشأن مواصلة شن الهجمات ضد القوات الحكومية الأفغانية، وذلك لإجبارها على مراجعة قرارها بشأن وقف الإفراج عن المعتقلين.

الاناضول
آمال كثيرة عقدت على اتفاق الدوحة (الأناضول)

ويقول رئيس لجنة المصالحة، الدكتور عبد الله عبد الله: "إنه من غير المحتمل أن تبدأ محادثات السلام مع حركة طالبان في حال استمرار العنف في جميع أنحاء أفغانستان، فالعنف المتصاعد لا يزال يشكل تحديًا خطيرًا"، ويحذِّر عبد الله: "لا مبرر لاستمرار العنف على الإطلاق لأنه يجعل الناس تفقد ثقتها بشأن مسار عملية المصالحة، والشعب الأفغاني يراقب كل خطوة بدقة، ومستوى العنف الحالي لا يخلق بيئة جيدة لبدء المفاوضات"(9).

ولم تبرر حركة طالبان حتى الآن رفضها لدعوات أممية لخفض العنف أو وقف إطلاق النار في أفغانستان وتصر على مناقشة ذلك بعد بدء المفاوضات الأفغانية، ويرى المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأفغاني، ولي نوري، "أن حركة طالبان لا تقبل بوقف إطلاق النار أو خفض العنف إلا بعد وصول إلى توافقات تضمن مستقبلها السياسي لأن قوة طالبان في سلاحها ووضع أسلحتها قبيل هذه التوافقات معناه أن تفقد قوتها ولن تكسب شيئًا على طاولة المفاوضات، وسيتصدر موضوع وقف إطلاق النار أجندة المفاوضات الأفغانية"(10).

الاناضول
سجناء من طالبان تم الإفراجع عنهم (الأناضول) 

ولا تشارك القوات الأميركية، حسب اتفاق الدوحة، في العمليات التي تشنُّها القوات الأفغانية ضد مسلحي طالبان، وحسب مصدر بوزارة الدفاع الأفغانية، فإن 60% من الدعم الجوي كانت القوات الأميركية تقدمه أثناء هجوم مسلحي طالبان على قواعد عسكرية تابعة للقوات الأفغانية، واليوم لا تحصل القوات الأفغانية على الدعم الجوي ولأن حركة طالبان باتت تعرف أنها لن تُقصَف من قبل القوات الأميركية فقد زادت من عملياتها وهو ما قاد إلى تراجع الروح المعنوية لدى القوات الأفغانية. ومع غموض الموقف الأميركي وحلف الناتو بشأن مصير هذه القوات لم تعد تقاتل بحماس وإنما تدافع عن نفسها، إضافة إلى أن الوضع السياسي المعقد بعد توقيع اتفاق السلام أثَّر على الوضع العسكري في الميدان، ولا تبدو القيادة العسكرية عالمة بمجريات الأمور(11).

وفي ظل هذا التصعيد العسكري والأمني ينظر الشارع الأفغاني إلى استراتيجية الولايات المتحدة وحركة طالبان نظرة شك وريبة فهناك كثير من الأمور بقيت طي الكتمان، ويتساءل الأفغانيون اليوم عن فائدة المصالحة مع طالبان بعد عودة تنظيم الدولة والجماعات المقاتلة التي تهدد حياة الأفغان.

تعثُّر بدء المفاوضات الأفغانية

فتح اتفاق إحلال السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الطريق إلى بدء المفاوضات بين الأفغان، ونصَّ الاتفاق على بدء المفاوضات بعد عشرة أيام من توقيعها ولكنها تأجلت حتى الآن مرتين بسبب الخلاف حول إطلاق معتقلي حركة طالبان من السجون الأفغانية.

كانت الحركة تريد إطلاق سراح معتقليها خلال عشرة أيام بعد توقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة، وقد رفضت الحكومة الأفغانية هذه المدة، وقال رئيسها، محمد أشرف غني: لسنا ملزمين بما اتفق عليها طرفا الاتفاقية، واشترط على الحركة خفض وتيرة العنف مع تقديم ضمانات بعدم عودة المعتقلين إلى ميادين القتال بعد الإفراج عنهم.

وعلَّق مصدر حكومي على تأجيل عملية إطلاق سراح طالبان بأن بينهم مقاتلين أجانب وتجار مخدرات ومهربين وترفض الحكومة الأفغانية إطلاق سراحهم ويعارض الاتحاد الأوروبي إطلاق سراح ألف من معتقلي الحركة "لتورطهم في أعمال إرهابية كبيرة"(12).

ويتهم البعض الرئيس، غني، بأنه يهدف من وراء تأجيل عملية إطلاق سراح المعتقلين، إلى تثبيت بقائه في الحكم، وهو لا يرغب أصلًا في بدء الحوار المباشر مع طالبان، ويراهن على وقف المفاوضات بعد الانتخابات الأميركية سواء فاز الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو خسر لأن الرئيس ترامب يريد أن يستخدم ورقة المفاوضات مع طالبان كدعاية انتخابية فقط.

وإضافة إلى موقف الرئيس الأفغاني، هناك أمور أخرى يمكن أن تؤثر على مسار المفاوضات الأفغانية، منها:

  • توقيع الرئيس الأفغاني، أشرف غني، مع منافسه، عبد الله عبد الله، اتفاقًا لتقاسم السلطة بعد نزاع استمر لعدة أشهر وزجَّ بالبلاد في أزمة سياسية بعد أن أعلن كل منهما عن فوزه في الانتخابات الرئاسية. وقد يُخرج اتفاق تقاسم السلطة بين الرجلين البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها إلا أن مصادر مقربة من القصر الرئاسي تتحدث عن نشوء خلاف بينهما حول إدارة ملف المفاوضات مع حركة طالبان وموقفهما من شكل الحكومة التي تخرج من رحم المفاوضات مع طالبان. وقد يرضى عبد الله عبد الله بالحل الذي يؤدي إلى إخراج الرئيس الأفغاني، أشرف غني، من المعادلة السياسية؛ وهذا ما تريده طالبان(13).
  • أسهم غياب الحكومة الأفغانية عن المفاوضات بين طالبان وواشنطن، في إضعاف موقف الحكومة الأفغانية أمام طالبان؛ إذ أعلنت الأخيرة الجلوس مع الحكومة الأفغانية بوصفها جهة تفاوض وحيدة، واعترضت على اللجنة التي شُكِّلت لبدء المفاوضات مع طالبان، وقالت الحركة إنها لن تتفاوض مع هذه الهيئة "لأنها لم تُشكَّل بطريقة تشمل جميع أطياف الشعب الأفغاني"(14)

ويلخص وزير الخارجية الأفغاني، حنيف أتمر، أربعة من أهم التهديدات التي تهدد المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان:

  1. معارضو المفاوضات داخل الحكومة الأفغانية.
  2. حركات باكستانية مسلحة، مثل: طالبان باكستان و"لشكر طيبة" وجيش محمد.
  3. مقاتلو حركة أوزبكستان الإسلامية (IMU) وحركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM).
  4. تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة(14).

وكلما يتأخر بدء المفاوضات الأفغانية تستغل الأطراف التي لا تريد إنجاح هذه الصفقة هذا التأخير للقيام بأعمال تخريبية وهو ما حذَّر منه المبعوث الأميركي لأفغانستان، زلماي خليل زاد، وطالب الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، ورئيس لجنة المصالحة، عبد الله عبد الله، بإزالة العقبات التي تؤدي إلى تأجيل المفاوضات الأفغانية لأن تأخيرها يقضي على جميع الفرص الموجودة أمام السلام في أفغانستان(15).

ويقول مصدر في الخارجية الأفغانية: "ظاهريًّا، لم نر دولة أو جهة عارضت عملية المصالحة في أفغانستان. تمتلك القوى الدولية مصالح سياسية واقتصادية وأمنية تلتقي أحيانًا وتتعارض أحايين أخرى في أفغانستان، لاسيما روسيا والصين والولايات المتحدة، وفي هذا الجو المعقد يصعب الحوار والوصول إلى المصالحة. كما أن للدول المجاورة مثل إيران وباكستان والهند مصالحها أيضًا".

وأضاف: "روسيا لا تريد أن تنسحب القوات الأميركية بهذه البساطة وتفكر أن تواجه الولايات المتحدة مصير الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان، والتنافس الهندي-الباكستاني مصدر قلق لنا وهناك شعورٌ قويٌ بأن الهند هي الخاسر الرئيس في صفقة ترامب مع طالبان. وبعض الدول العربية لا تريد أن تلعب دولة قطر دورًا في الملف الأفغاني لذا تفكر في ضرب هذه الاتفاقية"(16).

خريطة الحركات المسلحة في أفغانستان

من بين الأمور التي تقلق الشارع الأفغاني عودة العنف والهجمات إلى العاصمة، كابل، ومدن رئيسة أخرى، ويرون أن الولايات المتحدة وقَّعت اتفاقًا مع طالبان لأجلها وليس لأجل الأفغان، لأن الحرب داخل المدن الأفغانية ما زالت مستمرة.

تتحدث الحكومة الأفغانية عن عشرين جماعة مقاتلة تنشط في أفغانستان تحت مظلة طالبان، وتهدد مستقبل البلاد، وأن هناك تعاونًا وثيقًا بين طالبان والقاعدة، ولكن نواب في البرلمان وكذلك حركة طالبان يشكِّكون بصحة وجود هذا العدد من الجماعات المقاتلة في أفغانستان(17).

  1. حركة طالبان أفغانستان

تعتبر حركة طالبان أفغانستان من أكبر الحركات المقاتلة التي حكمت أجزاء كبيرة من أفغانستان، مطلع سبتمبر/أيلول 1996، وأدرجت الولايات المتحدة حركة طالبان في القائمة السوداء في 9 سبتمبر/أيلول 2001، وكانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وباكستان الدول الثلاثة فقط التي اعترفت بنظام طالبان. وقد توفي أول زعيم لحركة طالبان، الملا محمد عمر مجاهد، بعد صراع مع المرض في باكستان، عام 2013، تلاه خَلَفُه، الملا أختر محمد منصور، الذي قُتِل في 21 مايو/أيار 2016، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار حينما كان عائدًا من إيران إلى مدينة كويتا الباكستانية ويقودها الآن الشيخ هيبة الله أخندزاده(18).

وبعد نحو 22 عامًا من تأسيس حركة طالبان، وقع أول انشقاق في الحركة وتوجهت القيادات المعارِضة لاختيار الملا أختر محمد منصور كزعيم لطالبان إلى تشكيل فرع خاص بهم واختاروا الملا محمد رسول زعيمًا لهم، وكان أول شرخ في الحركة التي عُرفت بالصرامة في كل قراراتها أيام حكمها لأفغانستان. وقد شهدت الحركة اضطرابات كبيرة بعد تنصيب الملا أختر منصور زعيمًا للحركة خَلَفًا للملا عمر، بعد أن أخفت نبأ وفاته مدة تزيد على سنتين، ولم يعلن وفاته إلا المخابرات الباكستانية(19).

ومن أبرز المواقف التي عُرف بها الملا منصور، دعوته للحوار السلمي مع الحكومة الأفغانية في مدينة مري الباكستانية وهي الدعوة التي توقفت بعد إعلان خبر وفاة مؤسس الحركة، الملا محمد عمر.

ويقدر عدد مقاتلي حركة طالبان في أفغانستان بـ50 ألف مقاتل(20). وتمكنت الحركة من بناء علاقات واسعة مع عدد من الدول بزعامة الملا أختر محمد منصور، ويقول الكاتب والمحلل السياسي، عبد الجبار كاكر: "عندما أدركت باكستان أن منصور أقام علاقات مع دول أخرى وخاصة إيران وروسيا سعت إلى الخلاص منه عبر الولايات المتحدة؛ وضربت عصفورين بحجر إذ أكدت للولايات المتحدة أنها تساعدها في حربها على الإرهاب وفي الوقت ذاته ضمنت القضاء على الملا منصور"(21).

ولا يعد الزعيم الحالي لحركة طالبان، الشيخ هيبة الله أخندزاده، خبيرًا عسكريًّا بمقدار تخصصه في شؤون الشريعة والدين. ويرى مهتمون بالشأن الأفغاني أن هيبة الله يعد من أنصار مفاوضات السلام، لكن ليس بإمكانه القيام بأي شيء دون إجماع مجلس الشورى(22).

تمكنت حركة طالبان من فتح باب الحوار مع الولايات المتحدة واستطاعت إبعاد الحكومة الأفغانية التي وصلت إلى السلطة بعد إسقاط حركة طالبان، 2001، ولكنها الآن تحتاج إلى مراجعة شاملة بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة وإصرارها على مواصلة القتال الأفغاني، ويقول الكاتب والمحلل السياسي، ميرويس أفغان: "بعد توقيع الاتفاق خسرت طالبان مشروعية القتال في أفغانستان؛ فكيف تقنع مسلحيها بالقتال ضد القوات الأفغانية"(23).

  1. تنظيم القاعدة

تأسس تنظيم القاعدة قبل ثلاثين سنة في أفغانستان، ويشير اسمه إلى قاعدة عسكرية للمقاتلين العرب في أفغانستان، عام 1987، وشارك بين سنتي 1987 و1989 في معارك ضد القوات السوفيتية والأفغانية في أفغانستان. وفي بداية التسعينات من القرن الماضي، انتقل زعيم القاعدة، ابن لادن، إلى السودان ثم رجع مرة أخرى في سنة 1996 إلى أفغانستان(24).

بين 1996 و2001، عاش ابن لادن في أفغانستان تحت حماية طالبان وتمكن تنظيم القاعدة من النمو والتوسع، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول خرجت قيادات تنظيم القاعدة إلى وزيرستان والمناطق القبلية التي تخضع لسيطرة الحكومة الباكستانية. ويمكن أن نقسم فترة حضور القاعدة في أفغانستان إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: وجود التنظيم أيام القتال ضد السوفيت والحكومة الأفغانية وكان له دور في توجيه المقاتلين سواء المجاهدون السابقون أو حركة طالبان.

المرحلة الثانية: بعد إسقاط حكومة حركة طالبان وخروج قياداته من أفغانستان، وفي هذه المرحلة تغيرت استراتيجية التنظيم من المشاركة الفعالة في القتال إلى تدريب من يقاتل الأميركان.

وحسب أرقام الحكومة الأفغانية، لا يتجاوز عدد مقاتلي تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان عدد أصابع اليد لأن معظمهم توجهوا إلى سوريا وليبيا والعراق، ويعتمد التنظيم على فرع تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية والذي تأسس بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن.

  1. تنظيم الدولة

تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، هي فرع تابع لتنظيم الدولة يتخذ من أرض باكستان وأفغانستان محلًّا لنفوذه ونشاطه، وأعلن تنظيم الدولة عن تشكل هذا الفرع، في يناير/كانون الثاني 2015، في ولاية ننغرهار شرق أفغانستان وتعيين حافظ سعيد خان أميرًا له.

ويمارس تنظيم الدولة-ولاية خراسان، أنشطته في أفغانستان وباكستان، وتستخدم بعض وسائل الإعلام للإشارة إليه مصطلحات  ISK، ISISK، IS-KP، أو ISIS-K. .

أعلن التنظيم تشكيل المجموعة في يناير/كانون الثاني 2015، وعيَّن حافظ سعيد خان، عضو حركة طالبان باكستان، قائدًا لها، وتم تعيين أحد قادة طالبان الأفغانية، الملا عبد الرؤوف، نائبًا للقائد. قُتل عبد الرؤوف في غارة أميركية بدون طيار، في فبراير/شباط 2015، بينما قُتل خان في غارة أميركية، في يوليو/تموز 2016(25).

وتكبد تنظيم الدولة خسائر فادحة في الأرواح وخسر سيطرته على معقله الرئيسي عام 2019 في ولاية ننغرهار، وبعدها توجه إلى ولاية كونر، شرق أفغانستان، واقتصر نشاطه على التجنيد والبحث عن مقاتلين جدد. ومن الجدير بالذكر، أن فاروقي هو الزعيم الأول للتنظيم الذي تعتقله الاستخبارات الأفغانية، بينما فقد التنظيم قبله أربع قيادات منذ عام 2016، هم: حافظ سعيد خان، في أغسطس/آب 2016، ثم عبد الحسيب، في أغسطس/آب 2017، ثم أبو أُسيد أوراكزاي، في أغسطس/آب 2018، وأخيرًا، أبو سعد الإرحابي في أغسطس/آب 2019(26).

  1. حركة أوزبكستان الإسلامية

هي حركة جهادية إسلامية تأسست عام 1998، وقام بتأسيسها محمد طاهر يولداش وجمعة نمنجاني وكلاهما من أصول أوزبكية من منطقة وادي فرغانة. نشأت الحركة في الأساس بهدف إسقاط الرئيس، إسلام كريموف، في أوزبكستان، وإنشاء دولة إسلامية في ظل الشريعة الإسلامية. أعلنت نفسها كحليف للقاعدة وطالبان، وبايعت الحركة زعيم حركة طالبان السابق، الملا محمد عمر(27).

في منتصف عام 2015، أعلنت قيادتها علنًا الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأعلنت الحركة أنها أحد أفرعه الإقليمية وإحدى ولايات الدولة الإسلامية وتستقر الآن في الولايات الشمالية من أفغانستان ويتراوح عدد مقاتليها بين 1000-1500 معظمهم ينتمون إلى العرقية الأوزبكية، وتقوم الحركة بتجنيد وتدريب المقاتلين الجدد ولديها نحو 80 مركزًا للتدريب فقط في ولاية جوزجان شمال أفغانستان(28).

  1. الحزب الإسلامي التركستاني

عُرفت سابقًا باسم حركة شرق تركستان الإسلامية، وهي حركة مسلحة إيغورية انفصالية تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في تركستان الشرقية شمال غرب الصين، وتكافح هذه الحركة من أجل الحصول على استقلال إقليم شينجيانغ ذي الغالبية المسلمة من عرقية الإيغور. تم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة، سنة 2002، كمنظمة إرهابية، كما أدرجت واشنطن علنًا حركة شرق تركستان الإسلامية على قائمة التنظيمات الإرهابية، في 27 أغسطس/آب 2002، وقُتل مؤسس وزعيم التنظيم، حسن محسوم، برصاص الجيش الباكستاني، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2003.

وهناك بعض الحركات التي لها نفوذ على الحدود الأفغانية-الباكستانية، مثل: طالبان باكستان، وجيش محمد، ولشكر طيبة، وحركة الأحرار، وجماعة ملا نذير.

وقد أعلنت الحكومة للمرة الأولى عن وجود هذه الجماعات على أراضيها، وتقول: إن من بين كل أربعة مقاتلين يوجد مقاتل أجنبي ولكن حركة طالبان تشكِّك بوجود هذا العدد من الحركات المسلحة في أفغانستان(29).

خاتمة

فرضت التغييرات الكبرى التي تشهدها أفغانستان كالانسحاب الأميركي، وزيادة عمليات العنف من الجماعات المسلحة التقليدية مثل طالبان، وصعود جماعات عنف جديدة نسبيًّا على الإقليم مثل تنظيم الدولة، العديد من التحديات بالنسبة لأفغانستان وكذلك القوى الدولية والإقليمية، ويبدو أن الوضع ستتضح أبعاده بشكل أكبر مع تحديد الإدارة الأميركية الجديدة لأولوياتها في المنطقة ورؤيتها لحل الأزمة الأفغانية عقب الانتخابات الأميركية القادمة، وهو ما قد يؤثر على طبيعة التحالفات الإقليمية.

ويتضح من الخريطة الداخلية لأفغانستان أن حل أزمتها ما زال بعيد المنال خاصة مع نشوء وتزايد حضور التنظيمات المسلحة وعودة العنف، واستمرار الصراع السياسي في حكومة الوحدة الوطنية، واتساع رقعة الفساد وصعوبة وصول أموال المساعدات إلى مستحقيها، مما ينبئ باستمرار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية على المستوى المتوسط والبعيد. ولم يفلح الاتفاق الموقَّع بين الحكومة الأميركية وحركة طالبان -رغم الآمال التي عُقدت عليه- في خفض مستوى العنف في أفغانستان ومع مرور الوقت يفقد الشعب الأفغاني ثقته في الحكومة الأفغانية وحركة طالبان والولايات المتحدة على السواء.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. تغريدة سوني ليغيت، المتحدث باسم القوات الأميركية في أفغانستان، 20 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 28 يونيو/حزيران 2020):   https://bit.ly/3gBgXwB
  2. اتفاق إحلال السلام في أفغانستان الموقع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان بتاريخ 29 فبراير/شباط 2020 في الدوحة.
  3. حصيلة قتلى هجمات طالبان خلال الأسبوع الماضي، بيان مجلس الأمن القومي، 20 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 29 يونيو/حزيران 2020): https://bit.ly/3gBgXwB
  4. مقابلة مع الباحث بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2020.
  5. عدم تنفيذ بنود اتفاق السلام، بيان حركة طالبان، 5 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 27 يونيو/حزيران 2020): //bit.ly/2Z3fcCe
  6. مقابلة الباحث مع ذاكر جلالي 30 يونيو/حزيران 2020.
  7. PHILLIP WALTER WELLMAN، Rising violence could further stall peace talks (تصاعد العنف قد يعرقل محادثات السلام)  STARS AND STRIPES 25 يونيو/حزيران 2020، ( تاريخ الدخول: 1 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/2AxDdIa
  8. مقابلة الباحث مع الكاتب والأستاذ الجامعي، أسد الله وحيدي، 1 يوليو/تموز 2020.
  9. PHILLIP WALTER WELLMAN، Rising violence could further stall peace talks (تصاعد العنف قد يعرقل محادثات السلام)  STARS AND STRIPES 25 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 1 يوليو/تموز 2020):  https://bit.ly/2AxDdIa
  10. مقابلة الباحث مع مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي، ولي نوري، 1 يوليو/تموز 2020.
  11. مقابلة الباحث مع مصدر بوزارة الدفاع الأفغانية، 1 يوليو/تموز 2020.
  12. مصدر حكومي للباحث، 1 يوليو/تموز 2020.
  13. المصدر السابق.
  14. محاضرة وزير الخارجية الأفغاني، حنيف أتمر، 22 يونيو/حزيران 2020.
  15. https://bit.ly/2VO7hXo
  16. مصدر بالخارجية الأفغانية للباحث، 3 يوليو/تموز 2020.
  17. مقابلة الباحث مع عبد الرؤوف شبون عضو البرلمان الأفغاني، 3 يوليو/تموز 2020.
  18. طالبان تؤكد مقتل زعيمها، الملا أختر منصور، 22 مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2020): https://cnn.it/3gqpv9a
  19. علي رجب، "طالبان" والسلام المفقود في أفغانستان، بوابة الحركات الإسلامية، 18 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/3gBgXwB
  20. مصدر في حركة طالبان.
  21. مقابلة الباحث مع الكاتب والمحلل السياسي، عبد الجبار كاكر، 3 يوليو/تموز 2020.
  22. صلاح الدهني، من هم أبرز 10 قادة في حركة طالبان الأفغانية؟، موقع عربي 21، 30 مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/3f2PFPj
  23. مقابلة الباحث مع الكاتب والمحلل السياسي، ميرويس أفغان، 4 يوليو/تموز 2020.
  24. ثلاثون عامًا على تأسيس تنظيم القاعدة، موقع العرب، 1 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/31UmDxl
  25. هدى الحسيني، دولة داعش، جريدة الشرق الأوسط، 26 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2020: https://bit.ly/2C5YCc2
  26. الآثار المتوقعة: ماذا بعد اعتقال قائد تنظيم الدولة في أفغانستان؟، جسور للدراسات، 14 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/31NkfZi
  27. Islamic Movement of Uzbekistan names Abu Usman as new leader". The Long War Journal. 17 August 2010 (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2020): https://stanford.io/31NFgmF
  28. مصدر أمني للباحث، 4 يوليو/تموز 2020.
  29. مصدر أمني للباحث، 4 يوليو/تموز 2020.