الأزمة الدبلوماسية الكينية-الصومالية: الخلفيات وآفاق التسوية

علاقة كينيا والصومال محكومة بصراع المحاور في القرن الإفريقي؛ الأمر الذي يجعل إمكانية حلِّ النزاع بعيدة المنال في المدى المنظور، وتعقد كينيا الآمال على عدم انتخاب فرماجو لولاية ثانية، بينما يُمنِّي الصوماليون النفْس بآمال نزع فتيل هذا الخلاف رغم عدم توافر بوادر لحلِّه.
الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو إلى اليسار والرئيس الكيني أوهورو كينياتا إلى اليمين. (رويترز)

في ضور قطع دولة الصومال علاقاتها الدبلوماسية مع كينيا يبدو أن العلاقات الكينية-الصومالية وصلت إلى مرحلة حرجة وهو أمر ظل ينمو ويتفاقم منذ وصول الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، إلى سدَّة الحكم، عام 2017؛ حيث ازدادت التوترات السياسية بين الدولتين. فمن حيث نبرة الخطاب القومية العالية وشعارات الوطنية السائدة لدى الرئاسة الصومالية الحالية، وعدم فهم الساسة الكينيين مدركات وتحولات السياسة الخارجية الصومالية التي لا تتهاون في الآونة الأخيرة مع التدخلات الأجنبية التي كانت السمة الأبرز في الأزمة الصومالية؛ غذَّت تلك المتغيرات الفتور الدبلوماسي الراهن بين مقديشو ونيروبي، في ظل توافر بعض الثوابت لخلفيات الصراع السياسي بين البلدين، وهو ما يجعل هذا الصراع قائمًا منذ ستينات القرن الماضي، دون أن تحقق الاتفاقيات والوساطات الإقليمية نتائج حقيقية لرأب الصدع بين الدولتين.

إن جذور الصراعات بين الأطراف الصومالية والكينية المتداخلة والمتشابكة تحتاج لتفكيكها، وهذا ما يبحثه هذا التقرير، الذي يسلِّط الضوء على خلفيات الصراع وأسباب التوتر الدبلوماسي القائم بين الدولتين منذ الاجتياح العسكري الكيني في جنوب الصومال، عام 2011، إلى جانب رصد التداعيات المحتملة والتسويات المتوقعة لحل النزاع السياسي بين الجانبين.

خلفية عن العلاقات الكينية-الصومالية

اتسمت العلاقات الكينية-الصومالية منذ الستينات من القرن الماضي بالتوترات والمشاحنات السياسية، وذلك نظرًا للتداخل الجغرافي بين الجارتين، إلى جانب العرقية الصومالية المتمركزة في شمال شرقي كينيا، وخاصة فيما يُعرف بمنطقة "إن إف دي NORTHERN FRONTIER DISTRICT (NFD)"، التي كانت إحدى المستعمرات البريطانية، وقد ألحقته السلطات الاستعمارية بكينيا، عام 1948، لكن سكان الإقليم رفضوا هذا القرار. وفي عام 1963، وافق الصوماليون باستفتاء أجرته كينيا على الانضمام إلى جمهورية الصومال، إلا أن كينيا ألغت هذا الاستفتاء بتعاون بريطاني، وتعد هذه المقاطعة ثالث أكبر محافظة في كينيا بمساحة تبلغ 127.470 كليومترًا مربعًا، أي 20 في المئة من مساحة كينيا، ونظرًا للتهميش الذي واجه الصوماليين في هذه المنطقة فقد اندفعوا للمطالبة بالاستقلال والانضمام إلى الصومال الأم الذي استقل هو الآخر عام 1960، إلا أن تلك المطالب التي تحولت فيما بعد إلى حالة تمرد وثورة عارمة في الإقليم الشمالي بين عامي 1963-1967، بعد أن سلَّمت بريطانيا واجهت قمعًا شديدًا راح ضحيته نحو 4000 بين قتيل وجريح، واندلعت أزمة دبلوماسية بين كينيا والصومال، لا تزال تأثيراتها متقدة في خضم العلاقات الدبلوماسية بين نيروبي ومقديشو(1).

وبعد أن فشلت حملات الصوماليين في المحافظة الشمالية لتحقيق مطالب الاستقلال والانفصال، شرعت الدولتان في إجراء مفاوضات لحل النزاع بالطرق الدبلوماسية؛ حيث عُقد أول مؤتمر للحوار بين الجانبين، عام 1967، في كينشاسا (جمهورية الكونغو الديمقراطية) برعاية منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًّا)، وقد أعلن الجانبان التوصل إلى اتفاق سلام، كان بمنزلة إعلان تاريخي أوقف التوتر الدبلوماسي بين البلدين؛ حيث اتفقا على منع الدعاية المضادة ضد بعضهما البعض، واحترام السيادة وصون السلامة والأمن على جانبي الحدود المشتركة.

ولتعزيز العلاقات بين الدولتين، توسط رئيس زامبيا، كينيث كوندا (1964-1991)، بين الطرفين: الصومالي والكيني، وتم التوقيع على "اتفاقية أروشا" في 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1967، وتنص على وقف الدعم المعنوي والمادي الذي تمنحه الصومال لمواطنيها في شمال شرق كينيا لتحقيق مطالب الاستقلال والانفصال، إلا أن هذه الاتفاقية لم تُثن الصوماليين في هذه المقاطعة عن مطالب الاستقلال، ومع ذلك استأنفت العلاقات بينهما رغم الظنون والتوتر اللذان طغيا على صعيد العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الجارتين(2).

وفي أعقاب الحرب الصومالية-الإثيوبية 1977، وقفت كينيا إلى جانب إثيوبيا التي واجهت رابع أقوى جيش في إفريقيا نتيجة النزاع الحدودي بين البلدين على إقليم الصومال الغربي؛ حيث رأت كينيا ضرورة الدعم لإثيوبيا، لقطع الطريق أمام الصومال ومنعه من ضمِّ هذا الإقليم، مخافة أن يأتي الدور عليها، واقتطاع جزء كبير من أراضيها؛ حيث ترتبط كينيا بمعاهدة دفاعية موقَّعة سنة 1964 مع جارتها، إثيوبيا، تؤكد على التنسيق فيما بينهما لمواجهة مطالب الصومال بضم الأقاليم المستقطعة منه. وعليه، منعت الحكومة الكينية الصوماليين الكينيين من الانضمام إلى الحرب، وأسهمت بشكل كبير في الانتصار الإثيوبي، عام 1978، إلى جانب كل من اليمن الجنوبي وكوبا والاتحاد السوفيتي.

ومع سقوط الدولة العسكرية في الصومال، عام 1991، عمَّقت كينيا الجرح الصومالي النازف، عبر تنظيم مفاوضات بين الأطراف الصومالية تنتهي بالفشل، من خلال سياسة إبقاء الوضع على ما هو عليه، وعدم الجدية في احتواء مظاهر الأزمة الصومالية، وتحولت كينيا إلى أكبر مخيم للاجئين الصوماليين في العالم برقم يقدَّر بنحو أربعمئة ألف لاجئ صومالي، فضلًا عن استضافة بعض أمراء الحرب والسياسيين الصوماليين، ولا تزال العاصمة الكينية تمثل حتى الآن وجهةً لجماعات الضغط السياسية تجاه الحكومات الصومالية منذ عام 2009(3).

العوامل المؤثِّرة في العلاقات الكينية-الصومالية

ثمة عوامل متداخلة تُذكي النزاع السياسي بين كينيا والصومال، فبحكم قرب الموقع الجغرافي بينهما والتداخل الإثني، تبقى عوامل رئيسية تشكِّل جذور التوتر الدبلوماسي بين الجارتين، ويمكن تلخيص تلك العوامل في النقاط الآتية:

أولًا: السياسات المتضاربة

يعد العامل السياسي البُعد الرئيسي الذي يعرقل تطور العلاقات بين نيروبي ومقديشو؛ حيث إن غياب سياسة خارجية صومالية متوازنة إلى جانب حالة الطغيان التي تلف السياسة الخارجية الكينية تجاه الصومال، والتي تنظر إلى الصومال كبلد لم تقم له قائمة بعد؛ حيث تواصل كينيا خرق السيادة الصومالية وتطعن في اتفاقيات حسن الجوار والمعاهدات الدولية، من خلال التواصل مع الأطراف الصومالية المعارضة للحكومة الصومالية، عبر توفير أرضية ينطلقون منها للنَّيْل من الحكومة الصومالية. وليس هذا الأمر مقتصرًا على الحكومة الصومالية الفيدرالية فقط، بل هو إجراء دأبت عليه كينيا لتنفيذ أجنداتها السياسية وممارسة الضغط على الحكومات عبر استخدام سياسيين صوماليين، حتى أصبح ذلك الأمر بمنزلة عُرف كيني يعرفه القاصي والداني.

وقد ظلت العلاقة بين البلدين تعرف توترات سياسية مفتعلة خصوصًا في فترة رئاسة شريف شيخ أحمد (2009-2012)؛ حيث  شهدت العلاقات بينهما هدوءًا مشوبًا بالحذر منذ انتخاب الرئيس الأسبق، شريف شيخ أحمد، إلا أن ذلك لم يمنع كينيا من فرض تدخلاتها السياسية السلبية في الشأن السياسي الصومالي، عبر استضافة السياسيين والنواب في البرلمان المحلي، وظهرت الخلافات بين الدولتين إلى العلن عندما توغلت القوات الكينية في مسافة مئة كلم داخل الأراضي الصومالية الجنوبية تحت ذريعة محاربة حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة(4).

وقد ساءت العلاقات بين الطرفين دون قطعها، لكن عَكَسَ اتهام "سام أونغيرا"، وزير الخارجية الكيني الأسبق، الرئيس، شريف شيخ أحمد، لما خسر انتخابات 2012، بالوقوف وراء تفجير انتحاري استهدف مؤتمرًا صحفيًّا بينه وبين الرئيس المنتخب، حسن شيخ محمود، بالوقوف وراء تفجير انتحاري استهدف مؤتمراً صحفياً بينه وبين الرئيس المنتخب حسن شيخ محمود عام 2012، عكست مدى التوتر الدبلوماسي الخافت بين الحكومة الكينية والصومالية، على الرغم من نفي كينيا صحة التصريحات المنسوب لوزير خارجيتها آنذاك، لكن بالفعل انتهت فترة حكم شريف شيخ أحمد مع خلافات دبلوماسية مع كينيا(5).

وفي فترة رئاسة حسن شيخ محمود (1012-2017)، راجت شائعات حول تدهور العلاقات بين البلدين، عندما تأجلت زيارة كان يزمعها الرئيس المنتخب، حسن شيخ، إلى نيروبي، إلا أن الخلافات المحتدمة بين الطرفين كانت مستمرة بسبب سياسات كينيا تجاه الصومال، إلى جانب المضايقات والإجراءات التي تفرضها السلطات الكينية على المسافرين الصوماليين، وخاصة في مطار جوماكينياتا، إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان في الجنوب الصومالي بعد تدخلها العسكري أواخر عام 2010. وانهار جدار العلاقات بين الدولتين بعد أن وقَّعت كينيا اتفاقيات مع شركات نفط أجنبية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية المتنازع عليها مع الصومال، ما دفع الجانب الصومالي إلى رفع شكوى ضد كينيا إلى الأمم المتحدة، والاحتكام إلى محكمة العدل الدولية لفض النزاع بينهما(6).

وبين عامي 2009 و2017، عمدت كينيا إلى ممارسة سياسة مزدوجة تهدف إلى خلق نزاعات سياسية في الشأن الصومالي الداخلي عبر توظيف سياسيين معارضين، وسعت في كل فترة إلى دعم مرشح صومالي بارز من أجل الإطاحة بالرئاسة الصومالية التي على خلاف معها، بالتعاون مع دول خليجية وغربية تتشارك معها المواقف والعداء الصريح ضد الرؤساء الصوماليين نظرًا لتضارب المصالح والاستراتيجيات بين مقديشو وتلك الدول الإقليمية والدولية. وحاليًّا، تسعى كينيا للضغط على الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، عبر المعارضة السياسية، من أجل الإطاحة به والتخلص من إرث خلافاته المعقدة والتي أوصلت العلاقات بين الدولتين إلى مستوى غير مسبوق على صعيد الدبلوماسية بين الطرفين.

ثانيًا: الأمن الهش

يلعب العامل الأمني دورًا مغذيًا في إشعال فتيل التوترات بين البلدين، منذ التدخل العسكري الكيني في الصومال من دون غطاء شرعي؛ حيث انتقد الرئيس، شريف أحمد، التدخل الكيني من دون موافقة مسبقة من الجانب الصومالي، فالتدخل العسكري الكيني رافقته انتهاكات صادمة بحقوق الإنسان، والتي لا تزال مستمرة ضد الأرواح والممتلكات الصومالية، وخاصة تدمير شبكات التوصيل لشركة هرمود للاتصالات، بدعوى توفير خطوط هاتفية لعناصر حركة الشباب النشطة في الحدود بين البلدين.

ومما يعقِّد الملف بين الجارتين نشاط حركة الشباب في الداخل الكيني، وتنفيذ عمليات وهجمات إرهابية ضد القوات الكينية، إلى جانب اختطاف الكينيين والأجانب والسياح؛ مما مثَّل أكبر عامل تهديد للأمن الكيني في المناطق الشمالية الشرقية. هذا فضلًا عن وجود مخاوف من تمدد هجمات حركة الشباب وبشكل متكرر في العاصمة الكينية، نيروبي، وذلك بعد تنفيذ مجموعات كينية تنتمى لحركة الشباب سلسلة هجمات منذ هجوم ويست غيت عام 2014، وهو ما عَكَسَ الفشل الأمني الكيني في صدِّ هجمات حركة الشباب التي تعهدت بتكثيف هجمات منذ التوغل العسكري الكيني في الأراضي الصومالية.

ويبيِّن الجدول التالي هجمات حركة الشباب على الداخل الكيني منذ عام 2013، أي بعد عام فقط من التدخل العسكري الكيني في الصومال، ما يكشف أن هجمات "الشباب الصومالية" ليست أقل ضراوة وعنفًا من تلك التي تنفذها في الداخل الصومالي وخاصة في مقديشو(7).

التاريخ

موقع الهجوم

أعداد الضحايا والمستهدفين

8 يوليو/تموز 2013

قرية باندانجو وجيما بمقاطعة لامو الساحلية

مقتل 9 كينين في هجوم مروع

21سبتمبر/أيلول 2013

هجوم ويست غيت وسط نيروبي

مقتل أكثر من 67 كينيًّا وإصابة 200 آخرين في أكبر عملية هجوم لحركة الشباب

16 يونيو/حزيران 2014

أمبيكيتوني الواقعة قرب جزيرة لامو السياحية.

مقتل 49 كينيًّا في هجوم لحركة الشباب

22 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

شمال شرق كينيا

مقتل 28 شخصًا في هجوم مسلَّح على حافلة شمال شرق كينيا

2 فبراير/شباط 2015

جامعة موي في مدينة غاريسا

مقَتل 148 طالبا وجرح نحو 79 كيني .

21 ديسمبر/كانون الأول 2015

شمال شرق كينيا

مقتل شرطي ومدني في هجوم مسلَّح على حافلة، واشتهرت هذه الحادثة بتفريق ركاب الحافلة بين مسيحيين ومسلمين، لقتل المسيحيين

6 يونيو/حزيران 2016

مقاطعة مانديرا شمال شرق كينيا

مقتل 6 أشخاص في موقع للأشغال العامة

5 يوليو/تموز 2017

بندانجو بمنطقة لامو الساحلية

مقتل 3 ضباط شرطة في هجوم  لحركة الشباب

3 يناير/كانون الثاني 2018

مقاطعة مانديرا شمال شرق كينيا

مقَتل 5 أفراد من الشرطة الكينية

15 يناير/كانون الثاني 2019

العاصمة الكينية، نيروبي

مقتل 21 شخصًا من بينهم أجانب في هجوم على مجمع للفنادق والصرافة

ونظرًا لحدة الهجمات الأمنية، فإن مراقبين كينيين يرون أن هناك أسبابًا جعلت بلادهم في مرمى نيران حركة الشباب، والتي من أبرزها ضعف الأجهزة الأمنية في إحباط مخططات حركة الشباب، وعدم تمكنها من فرض مراقبة أمنية على المداخل والمنافذ الحدودية بين الدولتين، إلى جانب الفساد المستشري في جسد المنظمات الأمنية الكينية. والجدير بالذكر أن حركة الشباب فاقت الجماعات الموسومة بالإرهاب ومن ضمنها بوكو حرام فتكًا في إفريقيا جنوب الصحراء منذ العام 2010، فقد ارتفع إجمالي عدد ضحايا حركة الشباب بالمقارنة مع غيرها بنسبة (93%) بين عامي 2016 و2017، كما بلغت وفيات عمليات الإرهاب التي ارتكبتها حركة الشباب في كينيا في العام 2017 إلى مئة شخص. ومع ذلك، فإن هذا أقل بكثير من العام 2014، عندما قتلت الحركة ما مجموعه 256 شخصًا، علمًا بأن كينيا احتلت وفق مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2018 المرتبة 19 على مستوى العالم من حيث تعرضها للهجمات الإرهابية(8).

ثالثًا: ملف اللاجئين والعرقية الصومالية في كينيا

احتضنت كينيا ما يقارب نصف مليون لاجئ صومالي منذ عام 1991، وأصبح اللاجئون عبئًا أمنيًّا وسكانيًّا على النسيج الاجتماعي الكيني، وخاصة في المحافظة الشمالية الشرقية. وبات اللاجئون الصوماليون بكينيا مفتقرين إلى أبسط مقومات الحياة ومعرضين للتهميش والفقر، كحال الإثنية الصومالية في كينيا، التي ما فتئت تشكو من مظالم اجتماعية منذ الستينات من القرن الماضي. وقد أصبح ملف اللاجئين الصوماليين في الأعوام الأخيرة، ورقة تساوم بها كينيا الأنظمة السياسية الصومالية، وتبحث من خلالها عن تنفيذ أجنداتها السياسية، حيث هدَّدت نيروبي أكثر من مرة بإغلاق مخيم داداب للاجئين (210 ألف لاجئ). وفي عام 2016، أعلنت الخارجية الكينية عزمها إغلاق كافة مخيمات اللاجئين في البلاد، لـ"أسباب أمنية واقتصادية"، إلا أن هذا القرار أبطلته محكمة كينية، ووصفت قرار الحكومة الكينية بـ"التمييز" وأن السلطات الكينية لم تستطع إثبات أن الصومال بلد آمن للاجئين، وهو ما يمثِّل انتهاكًا للدستور الكيني والمعاهدات الدولية التي تحمي اللاجئين ضد إعادتهم إلى مناطق النزاع والتوترات(9).

وتعتقد كينيا أن مخيمات اللاجئين في المحافظة الشمالية التي تؤوي اللاجئين الصوماليين تشكِّل بؤرة للمتعاطفين والموالين لحركة الشباب، ولهذا، تكثف دورياتها العسكرية في تلك المخيمات، والتي ترتكب مخالفات وجرائم بحقوق الإنسان ضد اللاجئين؛ حيث وثقت تقارير أممية ابتزاز الشرطة الكينية لمن يرغبون في اللجوء ويحاولون بلوغ ثلاثة مخيمات قريبة من بلدة داداب الكينية، في ظل أوضاع لا إنسانية ومهينة، وتهديدات بالترحيل، والمقاضاة بالخطأ على "الوجود غير القانوني في البلاد" من أجل ابتزاز من يصلون حديثًا من الصوماليين على حدٍّ سواء، كما تتعمد الشرطة على تنفيذ سياسات تهجير غير قانونية ضد اللاجئين وإعادتهم قسرًا وتحت تهديد السلاح إلى بلادهم، في خرق بيِّن للقانونين الكيني والدولي(10).

ورغم أن تلك المخيمات الكينية توفر ملاذًا آمنًا للاجئين الصوماليين، إلا أن غياب وسائل التنمية ومستلزمات الحياة دفعت الآلاف من الصوماليين إلى العودة إلى بلادهم طواعية، بعد تزايد انتهاكات الشرطة الكينية، وعدم توافر بديل أفضل يسهم في خلق بيئة آمنة وصالحة للبقاء، ولا تلوح في الأفق حتى الآن حلول جذرية لإعادة توطين اللاجئين الصوماليين، أو إمكانية دمجهم في مجتمعاتهم الجديدة من خلال توفير حياة أكثر أمانًا من جور وبطش الشرطة الكينية.

أما فيما يتعلق بالعرقية الصومالية في كينيا، فهي بالدرجة الأولى أحد أكبر مصادر النزاعات الكينية الصومالية والتوترات الدبلوماسية بينهما، إذ تعاني تلك الكتلة من التهميش والتمييز، نتيجة عدم رضاها عن البقاء تحت إمرة السلطات الكينية. ورغم ما عكسته السياسات الجديدة في كينيا في إسناد الصوماليين لمناصب رفيعة في المؤسسات الرسمية وأعضاء في المجالس التنفيذية والتشريعية، إلا أنهم يشعرون بالتهميش؛ حيث الغالبية من تلك العرقية لا يجدون فرصًا متساوية في التوظيف مقارنة بالكينيين الأصليين؛ إذ تصل نسبة إجمالي العمالة في القطاع غير الرسمي في العاصمة نيروبي أكثر من 24%، في حين تصل في المحافظة الشمالية إلى 0.5%، بينما معدلات البطالة ترتفع في المحافظة الشمالية الشرقية، وتصل نسبة الفقر فيها إلى 73.9 في المئة، مقارنة بالمحافظة الوسطى وفي نيروبي التي تربو نحو 21%، وهذا ما يعكس توجهًا كينيًّا تجاه العرقية الصومالية التي تواجه مشاكل جمَّة حتى في التجنيس والحصول على جواز السفر الكيني، وهو مايعني أن الصوماليين في كينيا يواجهون أزمة الهوية المجتمعية؛ إذ لا يتمتعون بالحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور الكيني، وهي مشكلة خلقتها القوى الاستعمارية الغربية، بعد تقسيمها الصومال إلى خمسة أجزاء وفق اتفاقية برلين عام 1884(11).

العلاقات الكينية الصومالية: من التهمة إلى القطيعة

في إعلان مفاجئ وبعد شهر فقط من تطبيع وتقارب كيني-صومالي، وتدشين الأخير مقر سفارته في نيروبي ووصف وزير الخارجية الصومالي السابق، أحمد عيسى عوض، العلاقات بين البلدين بالتاريخية وأن كينيا من أهم جيران الصومال، قلبت مقديشو طاولة الدبلوماسية رأسًا على عقب بعد إعلان سحب سفيرها من كينيا، أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نتيجة ما وصفته الخارجية الصومالية بالتدخلات الكينية السافرة في شأنها السياسي الداخلي، وطردت السفير الكيني في مقديشو، كردِّ فعل لاستفزازات كينيا وتقويض مصالح الصومال السياسية والأمنية(12).

أما كينيا فردت بلغة دبلوماسية هادئة، عبر الدعوة إلى الحوار وحل الخلافات بطرق دبلوماسية. واستنكر بيان للخارجية الكينية التهم الصومالية، وأوضحت الحكومة الكينية أن الاتهامات لم تمر عبر القنوات الدبلوماسية، مؤكدة التزام كينيا بالأعراف السياسية والدبلوماسية وعدم الانخراط في الشأن السياسي الصومالي.

ويمكن سرد مجموعة من المبررات التي اتخذتها مقديشو لإعلان القطيعة مع نيروبي، والتي أسهمت في إذكاء أزمة سحب السفراء بين كينيا والصومال في البنود التالية: 

  1. النشاط السياسي الكيني في جنوب الصومال: منذ طرد حركة الشباب من مدينة كسمايو الساحلية، عام 2012، من طرف ميليشيات رئيس جوبالاند، أحمد إسلام مدوبي، بدعم كيني، إذ تمكنت ميليشياته المدعومة من القوات الكينية، من الاستيلاء على عاصمة جوبالاند المؤقتة، والتي تعد أيضًا مدينة استراتيجية. وترأَّس أحمد مدوبي المصالحة العشائرية بين القبائل القاطنة في المدينة، وفي عام 2015، وبدعم من كينيا، تم انتخابه رئيسًا لجوبالاند، تمهيدًا لنظام سياسي جديد ينتخب رئيسًا للإقليم، لكنه فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2019 في الولاية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، ودعمت نيروبي مرة أخرى ترشيحه، على الرغم من أن الحكومة الصومالية عارضت إعادة انتخاب مدوبي رئيسًا للإقليم الفيدرالي؛ حيث قاطعت الحكومة الصومالية نتائج الانتخابات، واتهمت كينيا بالتدخل في الشأن السياسي.

وقد سُجِّلت في الفترة ما بين عام 2019 وعام 2020، خروقات كينية للسيادة الصومالية، من خلالها كُسر حظر الطيران المفروض في الإقليم، وخاصة بعد أن فرضت حكومة مقديشو حصارًا جويًّا على إقليم جوبالاند، كما نقلت طائرات مسجلة في كينيا كميات ضخمة من نبتة القات المحظورة في البلاد إلى كسمايو، وهو ما مثَّل تحديًا واضحًا لقرارات مقديشو، والتي أعلنت أكثر من مرة أن كينيا تخرق سيادة واستقلال الصومال، خاصة فيما يتعلق بفرض سياساتها على رئيس جوبالاند أحمد لتنفيذ أجندات كينية تقوِّض الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة الصومالية الفيدرالية ورؤساء الولايات الإقليمية بشأن الانتخابات المرتقب إجراؤها مطلع فبراير/شباط المقبل (2021).

  1. استقطاب المعارضة السياسية: تعتبر العاصمة الكينية موطنًا ومركزًا لتنظيم الحملات السياسية المعارضة للحكومات الصومالية منذ عام 2009؛ حيث تستمر فيها التحركات التي يُجريها مسؤولون صوماليون سابقون من أجل شنِّ دعايات وإعلانات انتخابية ضد الحكومة الصومالية، ولكن كانت نيروبي منطلقًا لحملة الرئيس الحالي، محمد عبد الله فرماجو، عام 2016، كما كانت مقرًّا للكثير من نواب البرلمان المحلي، وتحتج الحكومة الصومالية الحالية بأن نيروبي مصدر القلق والمؤامرات على سيادة واستقلال الصومال، لكن يتهم البعض من السياسيين الرئيس "فرماجو" بممارسة سياسة كيدية ضد المرشحين الأخيرين للانتخابات الرئاسية؛ الأمر الذي أثار موجات من الخوف حول نزاهة الانتخابات القادمة بعد تشكيل لجان انتخابية لا تحظى بتأييد من المعارضة السياسية ولا رؤساء الولايات الفيدرالية.
  2. أزمة الحدود البحرية والبرية: تعد أزمة الحدود البحرية والبرية بين البلدين من أبرز الفواعل الرئيسية في خضم توتر العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين؛ وظهرت هذه الأزمة إلى العلن عام 2014، عندما وقَّعت كينيا اتفاقيات مع شركات أجنبية ومنها شركة توتال الفرنسية وشركة إيني الإيطالية، للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية المتنازع عليها والتي تصل مساحتها 100 ألف كلم مربع، وهي منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي، ولا يزال ملف البتِّ بشأن أحقية تلك المنطقة أمام محكمة العدل الدولية، والتي أجَّلت جلسة إصدار الحكم النهائي إلى مطلع يونيو/حزيران عام 2021، وهي جلسة تأجلت أكثر من ثلاث مرات، بطلب من الحكومة الكينية وموافقة من الحكومة الصومالية، ويشكِّك سياسيون صوماليون في دور الحكومة الصومالية لنسف جهود الحكومة الفيدرالية السابقة، التي رفعت القضية إلى العدل الدولية عام 2014.

أما بريًّا، فمنذ الاجتياح العسكري الكيني في جنوب الصومال، ازدادت التوترات وأخذت منحى تصاعديًّا خطيرًا، واتهمت الصومال نظيرتها الكينية بخرق سيادتها، رغم المبررات التي تسوقها نيروبي للتدخل عسكريًّا في جنوب البلاد؛ إذ تشترك كينيا مع الصومال في حدود طولها 682 كلم، وكان لعدم الاستقرار السياسي في الصومال الناجم عن انهيار الحكومة في العام 1991 تأثيرٌ كبيرٌ على الوضع السياسي والاقتصادي في كينيا؛ حيث لا تزال حالة الانتعاش السياسية والاقتصادية التي عرفتها كينيا بعد سنوات الاستعمار تعاني من نكسات ناتجة عن عدم الاستقرار السياسي في الصومال، وخاصة قطاع السياحة وأمن المناطق الشمالية الشرقية(13)؛ ما دفع نيروبي لمقامرة أمنية تنطوي على مخاطر سياسية وعسكرية جمَّة لم يسبق لها مثيل في تاريخ كينيا، ولاسيما أنها لا تملك أية خبرة في مجال التدخل الخارجي؛ إذ قد تتحول هذه العملية إلى مستنقع يصعب على القوات الكينية الخروج منه، وبعد فشل سياسة التدخل العسكري الكيني الذي باركته منظمة "إيغاد" والاتحاد الإفريقي، وحظي بموافقة من مجلس الأمن الدولي بعد أن تقدمت بريطانيا بمشروع انضمام القوات الكينية إلى قوات حفظ السلام الإفريقي، أعلنت كينيا تشييد جدار عازل يفصل الحدود بين الدولتين، وحسب المخطط له، سيبلغ طوله 700 كليومتر من نقطة الحدود الأولى في مقاطعة مانديرا في المحافظة الشمالية الشرقية للبلاد إلى كيونغا في مقاطعة لامو في المحافظة الساحلية على المحيط الهندي، وهو عبارة عن سلسلة من الأسوار والخنادق ومراكز المراقبة، وسيتكلف الجدار قرابة 2 مليون دولار أميركي لكل كيلومتر، وهذا يعني أن الجدار سيتكلف بحدود 1.38 مليار دولار أميركي، لكن حدثت خروقات أثناء بناء اللبنات الأولى للجدار؛ حيث بُنيت الأسلاك الأولية نحو عمق أمتار في الجانب الآخر من الحدود الصومالية، ما أثار غضبًا شعبيًّا عارمًا في البلدات الصومالية التي تقع على الحدود بين البلدين؛ مما أدى إلى وقف جزئي للجدار الكيني قرب الحدود الصومالية(14).

وتؤثر أزمة الحدود البحرية والبرية على العلاقات الكينية-الصومالية، ولا تزال تداعياتها السياسية والأمنية تؤثر على أمن واستقرار البلدين، فمن دون التوصل إلى اتفاقيات تنهي الخلافات الحدودية بحرًا وبرًّا، ستستمر هذه الأزمة الدبلوماسية، ما لم تفك شفرة النزاع بالطرق الدبلوماسية من قبل وسطاء إقليميين أو دوليين.

  1. علاقات كينيا مع أرض الصومال: يثير موقف كينيا من العلاقة مع أرض الصومال (جمهورية غير معترف بها دوليًّا أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991)، شبهات وشكوكًا لدى الأوساط الصومالية الرسمية حول سياسات كينيا المستفزة تجاه الصومال؛ إذ وفرت نيروبي لصومالي لاند مكتب تمثيل سياسي، وفجَّرت كينيا أزمة دبلوماسية عندما دوَّن سكرتير الخارجية الكينية، ماتشاريا كامو، 27 يونيو/حزيران عام 2019، تغريدة أشار فيها إلى أن "كينيا و"أرض الصومال" سيعملان على التعاون كبلدين مجاورين"؛ وذلك بعد لقاء جمعه مع ياسين حاج، ممثل الشؤون الخارجية لأرض الصومال، ما دفع الصومال لاستدعاء السفير الكيني في مقديشو احتجاجًا على موقف نيروبي من جمهورية صومالي لاند وتطبيع العلاقات معها ومنحها مكتب تمثيل سياسي(15).

أيًّا كانت العوامل المؤثرة والمبررات التي يسوقها الصومال للقطيعة مع كينيا، فإن جذور النزاع التي تنطلق من الحدود المشتركة بين البلدين، مرورًا بالإثنية الصومالية، ووصولًا إلى النزاع البحري وعلى المياه الإقليمية، فإن كل تلك المؤثرات والفواعل المسبِّبة لقطع العلاقات الدبلوماسية، يمكن تجاوزها عن طريق حلول دبلوماسية تنهي التوترات السياسية، شرط أن تتوفر لدى الجانبان إمكانات التفاوض والقابلية لتبديد مكامن النزاع بالتفاهم الدبلوماسي، وتنتظر الأزمة الحالية انفراجة من الدول الإقليمية والدولية، فهل إلى خروج من سبيل؟

آفاق التسوية والتداعيات المحتملة

لا تلوح في الأفق حتى الآن أية بوادر لإنهاء التوتر بين مقديشو ونيروبي، ويبدو أن الجانب الصومالي يصعِّد الموقف، بعد فرضه تأشيرة على الكينيين المسافرين نحو الصومال، في تطور جديد يعقِّد جهود تسوية ووساطة إقليمية، فنتيجة تراكم الخلافات بين الجانبين، التي وصلت حدَّ الحنق بالنسبة لمقديشو، فإنها ترفض حاليًّا أية جهود وساطة دولية، وخاصة من الاتحاد الأوروبي؛ ما يُبقي الأوضاع على ما هي عليه، في ظل رفض كيني للادعاءات الموجهة لها من قبل جارتها الصومال.

وفي الموقف ذاته، أعلنت كينيا، في فبراير/شباط عام 2019، استدعاء سفيرها في مقديشو، وطردت السفير الصومالي في نيروبي، احتجاجًا على امتيازات حقول نفط عُرضت في مؤتمر الصومال للنفط في لندن، وهو ما فجَّر خلافًا دبلوماسيًّا بين الجارتين، ووصفت الخارجية الكينية خطوة الصومال تجاه عرض حقول النفط المتنازع عليها للبيع، بأنها ترتقي إلى عمل عدواني، لكن جاء الرد الصومالي هادئًا وبلغة دبلوماسية، وانتهت التوترات بوساطة إثيوبية؛ حيث تمكَّن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، من تقريب وجهات النظر بين الجانبين، ووافق الرئيسان خلال المباحثات على "تحسين العلاقات بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل والتعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية"، وشهدت العلاقات بعدها هدوءًا حذرًا(16)، وقد أرسلت كينيا مشاريا كاماو، السكرتير الدائم في الخارجية الكينية، لبحث تطوير العلاقات بين مقديشو ونيروبي، ونشرت وسائل إعلام كينية وصومالية عن عرض كيني لرفع قيود السفر المفروضة على الصوماليين، وإمكانية وصولهم إلى نيروبي بلا تأشيرة مسبقة، في خطوة اعتُبرت جديدة في صعيد تحسين العلاقات بين الدولتين، إلا أن إعلان الصومال عن استدعاء سفيره من نيروبي فاقم الخلافات مجددًا وأثار موجة من التهم المتبادلة والدعاية الدبلوماسية المضادة بين الجانبين.

ويعتبر الكثير من المحللين أن تسوية إقليمية لحل الخلافات بين كينيا والصومال في المدى المنظور غير ممكنة، لأن الخلاف بين البلدين يتركز حول منطقة غنية بالنفط والغاز في البحر. وهو خلاف معقَّد وله ارتدادات على المستويين الإقليمي والدولي، وربما يأخذ في المستقبل طابعًا دوليًّا، بسبب الصراع بين شركات عالمية ودول كبرى، ساعية إلى الاستحواذ على حصص الحقول النفطية والغاز في المنطقة البحرية(17).

أما في سياق التداعيات المحتملة لتدهور العلاقات الصومالية-الكينية، فإن الأخيرة تدفع حاليًّا ثمن خلافها الدبلوماسي مع الصومال؛ إذ اتخذت مقديشو سلسلة قرارات ستثير في المستقبل القريب أزمات اجتماعية واقتصادية في كينيا ومنها على سبيل المثال:

  1. وقف استيراد القات الكيني: حيث أوقفت مقديشو استيراد نبتة القات التي تدرُّ دخلًا كبيرًا على الاقتصاد الكيني، وحظرت الحكومة الصومالية الطائرات التي كانت محمَّلة بأطنان من هذه النبتة، وقد حاولت كينيا تعديل موقف الصومال تجاه استيراد القات الكيني.
  2. حظر انعقاد المؤتمرات في نيروبي: كانت العاصمة الكينية تمثل نقطة التقاء المنظمات الأممية العاملة في الصومال، والتي كانت تعقد دوراتها وتدريباتها في كينيا، لكن الحكومة الصومالية أصدرت قرارًا بعدم انعقاد المؤتمرات التي تخص الصومال، وخاصة الشؤون الإنسانية (النازحين واللاجئين)؛ إذ تُقدَّر أعداد النازحين والمشردين في الداخل بما يربو على 4 ملايين نازح، أي ثلث سكان البلاد، إلى جانب أعداد اللاجئين الصوماليين في المخيمات الكينية وتقدر أعدادهم بنحو ربع مليون لاجئ.
  3. فرض تأشيرة على الكينيين: حيث اصدرت إدارة الهجرة والجنسية الصومالية قرارًا يفرض على حملة جواز السفر الكيني الحصول على تأشيرة دخول للأراضي الصومالية من قبل السفارات الصومالية في العالم؛ الأمر سيصعِّب المواقف الدبلوماسية بين الجانبين(18).

أما على الصعيد الكيني، فيتخوف الصوماليون فيها من فرض إجراءات كينية صارمة على تجارتهم، رغم هجرة الكثير منهم إلى تركيا وأديس أبابا، بعد فقدانهم الضمان لمستقبل تجارتهم نتيجة الخلافات المتدهورة، ولكن يعتقد البعض من المراقبين أن حدوث تداعيات عكسية على الصوماليين في كينيا تعد ضئيلة جدًّا في الفترة الحالية، تحديدًا لمن يمتلكون مصالح تجارية كبيرة؛ إذ يسهمون في تطوير اقتصاد كينيا ويمنحون فرصة كبيرة للأيدي العاملة المحلية، ما يمنح ثقة لدى بعض التجار الصوماليين في البقاء في كينيا، والآمال معقودة على جلاء سُحُب الخلافات التي تطل برأسها على العلاقات بين البلدين.

خلاصة

تكمن أهمية العلاقات الكينية-الصومالية في إرث الجغرافيا السياسية والموقع المتميز ما يجعلها استراتيجية بالدرجة الأولى، لكن لو وُظِّفت الدبلوماسية الهادئة للتقارب بين الجارتين، بدل النزاعات والتوترات، لكان من الممكن أن يشكِّلا محورًا قويًّا واستراتيجيًّا في القرن الإفريقي، فالمصالح الاقتصادية المتداخلة والمتشابكة بينهما أكبر بكثير من أن تفرقها نزاعات عابرة يمكن حلها عن طريق التفاوض الدبلوماسي، لكن مصالح أخرى، دولية وخليجية، تُذْكي الصراع بين الجانبين، ما يجعل علاقة الدولتين محكومة بالكثير من العقبات وتحت رحمة تدخلات خارجية، وصراع المحاور في القرن الإفريقي؛ الأمر الذي يجعل إمكانية حل النزاع واحتواء التوترات بعيدة المنال في المدى المنظور، وتعقد كينيا الآمال على عدم انتخاب فرماجو لولاية ثانية، بينما يُمنّي الصوماليون النفْس بآمال نزع فتيل هذا الخلاف رغم عدم توافر بوادر لحل الخلاف سواء من الاتحاد الإفريقي، أو من أطراف أممية أو دولية، ما يُبقي الصراع الدبلوماسي بينهما مفتوحًا إلى أجل غير مسمى.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) سلمان الشمري، د. مصطفى إبراهيم، السياسة الخارجية الكينية تجاه الصومال..دراسة في العوامل المؤثرة، مجلة العلوم السياسية، جامعة بغداد، العدد 58، ديسمبر/ كانون الأول 2019، ص 313.

(2) أنور أحمد ميو، المشروع الكيني في الصومال، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 20 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 4 ديسمبر/كانون الأول 2020):  https://bit.ly/3a2ttoJ/

(3) أبتدون، الشافعي، الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة، مركز الجزيرة للدراسات، الطبعة الأولى، سبتمبر/أيلول 2018، ص: 105.

(4) الرئيس الصومالي يعارض التدخل الكيني، موقع الجزيرة نت، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2011، (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/3qZlWx9

(5) رئيس الصومال السابق يهاجم كينيا، موقع الجزيرة نت، 19 سبتمبر/أيلول 2012، (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/3ngYau1

(6) مقابلة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مع وكالة الأناضول، 30 سبتمبر/أيلول 2016، (تاريخ الدخول: 6 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/2KlGSgE

(7) أبرز هجمات "حركة الشباب" في كينيا، ارفع صوتك، 15 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020): https://bit.ly/2W8BwIz

(8) سلمان الشمري، د. مصطفى إبراهيم، مرجع سابق، ص: 343.

(9) محكمة كينية تلغي قرار الحكومة بإغلاق أكبر مخيم للاجئين الصوماليين، وكالة الأناضول، 9 فبراير/شباط 2017، (تاريخ الدخول: 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020):  https://bit.ly/3qTMVdp

(10) انظر تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تحت عنوان: كينيا: الشرطة تسيء معاملة اللاجئين الصوماليين، 17 يونيو/حزيران 2010، (تاريخ الدخول: 8 ديسمبر/كانون الأول 2020): hrw.org/ar/news/2010/06/17/239836

(11) مرجع سابق، د. مصطفى الشمري، ص: 324.

(12)- Somalia expels Kenyan envoy in row over alleged poll interference, Aljazeera.com, 30 November 2020, (visited on: 8 December 2020), https://bit.ly/3gHOCWn

(13) تمبيسا فاكودي، هل يمكن لكينيا أن تتجنب النزاع الطائفي؟، مركز الجزيرة للدراسات، 18 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 8 ديسمبر/ كانون الأول 2020): https://bit.ly/349le6p

(14) كينيا ومخاطر تدخلها في الصومال، مجموعة الأزمات الدولية، 25 فبراير/شباط 2012، (تاريخ الدخول: 9 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/3ngvy3Y

(15) الصومال تستدعي السفير الكيني على خلفية تغريدة، وكالة الأناضول، 1 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 9 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/3nggKCu

(16) وساطة إثيوبية.. مقديشو ونيروبي تتفقان على تجاوز الخلافات الدبلوماسية، وكالة الأناضول، 6 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 9 ديسمبر/كانون الأول 2020):  https://bit.ly/344lNOL

(17) العلاقات الصومالية-الكينية نحو الأسوأ، العربي الجديد، 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 11 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/3a3gGlW

(18) الصومال يفرض تأشيرة دخول على المواطنين الكينيين، العربي الجديد، 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 11 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://bit.ly/37RF1Iw