أزمة الاعلان الدستوري: صلاحيات واسعة وقاعدة متصدعة

أصدر الرئيس المصري محمد مرسي إعلانا دستوريا أحدث استقطابا حادا بين معارض يخشى من عودة الديكتاتورية ومؤيد يسعى لرفع العقبات أمام ما تبقى من المرحلة الانتقالية، فوقعت مصر في معضلة التوفيق بين مخاوف الأول ومساعي الثاني.
2012112891221423734_20.jpg
أصدر الرئيس المصري محمد مرسي إعلانا دستوريا أحدث استقطابا حادا بين معارض يخشى من عودة الديكتاتورية ومؤيد يسعى لرفع العقبات أمام ما تبقى من المرحلة الانتقالية (الجزيرة)

أصدر الرئيس المصري، د. محمد مرسي، على نحو مفاجئ إعلانًا دستوريًا جديدًا مساء يوم الخميس، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012. على أن الرئيس كان قد ألمح في كلمة غير رسمية، ألقاها بعد صلاة الجمعة، 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، إلى أنه بصدد اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة المخاطر التي تهدد البلاد. ولكن أحدًا لم يكن يتوقع أن يذهب إلى المدى الذي ذهب إليه في إعلانه الدستوري الجديد. وبحجم الإعلان، جاءت العاصفة التي أثارها، سيما في الدوائر الحزبية والمؤسسة القضائية. وليس ثمة شك أن الرئيس المصري لم يواجه، منذ الإطاحة بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 12 أغسطس/آب 2012، أزمة بهذا التعقيد.

يضم الإعلان الدستوري الجديد ست مواد، ومادة شكلية سابعة، تؤكد نشر الإعلان في الجريدة الرسمية. وتتضمن هذه المواد، من الجهة الدستورية، المسائل التالية: 

  1. تحديد ولاية النائب العام بأربع سنوات، مع سريان هذا النص بصورة فورية؛ مما يعني فقدان النائب العام محمود عبد المجيد منصبه. 
  2. إعادة محاكمة مسؤولي النظام السابق، المتهمين بقتل المتظاهرين في أحداث الثورة. 
  3. تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى ضد أية دعوى قضائية، تطالب بحل أي منهما. 
  4. منح الرئيس حق اتخاذ إجراءات إضافية، واستثنائية، لحماية الثورة؛ وهي الصلاحية الدستورية التي تمهد لصدور قانون حماية الثورة، ومن ثَمّ تأسيس محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين من رجالات النظام السابق، الذين سبقت تبرئتهم.
  5. تحصين كافة قرارات الرئيس منذ توليه منصبه في 30 يونيو/حزيران الماضي (2012)؛ بمعنى أن أحدًا لا يستطيع رفع دعوى ضد إعلانات الرئيس الدستورية والمراسيم التي يصدرها بقوانين، بصفته التشريعية المؤقتة، وأن القضاء لم يعد بإمكانه البت في قانونية أو دستورية هذه الإعلانات والمراسيم.

بيد أن فعالية هذا الإعلان الدستوري، كما الإعلانات السابقة منذ سقوط نظام مبارك، تصبح منتهية بمجرد إقرار مسودة الدستور الجديد في استفتاء شعبي؛ وأن القرارات والمراسيم التي يصدرها الرئيس، بصفته الحائز على السلطات التشريعية، في غيبة مجلس الشعب (البرلمان المصري)، يمكن مراجعتها من قبل مجلس الشعب القادم، بمجرد انعقاده.

ما هي الأسباب التي دفعت الرئيس لإصدار مثل هذا الإعلان دستوري؟ وما هي خارطة المؤيدين والمعارضين للإعلان؟ ولماذا؟ وهل ثمة مخرج من هذه الأزمة؟

الضربات الاستباقية

كان الرئيس مرسي قد حاول التخلص من النائب العام في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (2012) بتعيينه سفيرًا في الفاتيكان، نظرًا لأن الرئيس، طبقًا للوضع الدستوري آنذاك، يعين النائب العام ولا يستطيع إقالته. وهكذا، فإن تعيين عبد المجيد محمود سفيرًا قُصد به إقالته بدون صدور قرار إقالة. وبالرغم من أن المطالب الشعبية بإقالة النائب العام قد تكررت منذ الإطاحة بالنظام السابق، فإن القشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في أن النيابة لم تحصل على أية إدانة للمتهمين من رجالات النظام السابق بالتخطيط وتمويل الهجمة على المتظاهرين بميدان التحرير يوم 2 فبراير/شباط 2011، والمعروفة بمعركة الجمل.

والحاصل، أن ما تسرب من مؤسسة الرئاسة يشير إلى قبول المستشار عبد المجيد محمود في البداية تعيينه سفيرًا في الفاتيكان، ولكنه سرعان ما تراجع عن القبول بفعل الضغوط التي تلقاها من قضاة وسياسيين معارضين للرئيس مرسي. ولذا، فإن المواد المتعلقة بتحديد ولاية النائب العام في الإعلان الدستوري الجديد، يقصد بها تغيير الوضع الدستوري السابق، ومن ثم التخلص من محمود وتعيين نائب عام جديد، يقوم بإعادة محاكمة رجالات النظام السابق، والوفاء بتعهدات الرئيس بالاقتصاص من المسؤولين عن مقتل أكثر من 800 من مناضلي الثورة المصرية وجرح الآلاف.

بيد أن هذا لم يكن السبب الوحيد؛ فالسبب الآخر يتعلق بسلسلة من التقارير، التي تفيد بأن المحكمة الدستورية بصدد إصدار أحكام تؤدي إلى حل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وإلى التشكيك بدستورية الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 11 أغسطس/آب (2012) وترتب عليه الإطاحة بقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة واستعادة الرئيس للسلطات التنفيذية والتشريعية من المجلس. إن كان الأمر الثاني صحيحًا فإن ذلك يعني أن المحكمة الدستورية كانت تخطط لإعطاء نفسها صلاحيات الفصل في أعمال سيادية ودستورية بحتة، وهو شأن لا تملكه أصلاً، وليس فقط الحكم في دستورية القوانين، وهو الشأن الذي تملكه فعلاً.

كما أن تقارير أخرى أشارت إلى أن مسارعة النائب العام لفتح التحقيق في الشكاوى حول حدوث تزوير في انتخابات الرئاسة لم تكن سوى مقدمة لإعلان خلو منصب الرئيس والدعوة لانتخابات جديدة. هذا إلى جانب تزايد المؤشرات على وجود نشاطات عربية مالية في الساحتين السياسية والإعلامية، تستهدف الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.

بغضّ النظر عن مصداقية هذه التقارير، فالواضح منذ تعليق المجموعة التي قادها عمرو موسى وأيمن نور ووحيد عبد المجيد عضويتها في الجمعية التأسيسية (13 – 15 عضوًا؛ وصلت بعد ذلك إلى 22 عضوًا)، أن ثمة قوى سياسية في البلاد تستشعر أن جهودها لتقويض صعود الإسلاميين للحكم وصلت إلى الميل الأخير؛ فإما تنجح في إطاحة أو إضعاف الرئيس والتيار الإسلامي الآن، وتفرض تصورها على مسودة الدستور، أو أن الأوضاع تتجه نحو استقرار الإسلاميين في الحكم لسنوات طويلة قادمة.

بكلمة أخرى، وُلِد الإعلان الدستوري الجديد في ظل انقسام سياسي متزايد، ومخاوف من الجانبين، وشعور عميق لدى الرئيس بأن حركة البلاد نحو الاستقرار باتت مهددة برغبات وطموحات قوى عديدة. ما أراده الرئيس بإعلانه هو حسم الجدل والصراع السياسيين وتوفير قوة دفع كافية للعملية الانتقالية. ولكن المشكلة أن الطريقة التي صيغ بها الإعلان الدستوري والطريقة التي قُدّم بها للشعب، جعلا منه سببًا لمزيد من الانقسام.

مزالق الغموض

اتضح في حمى الجدل الذي أثاره الإعلان الدستوري إن أغلب مساعدي الرئيس (الذين يعملون بصورة دائمة في الفريق الرئاسي)، وربما كل مستشاريه (الذين يُستعان بهم بصورة متقطعة)، لم يطّلعوا على الإعلان الدستوري قبل صدوره ولم يشاركوا في صياغته. فمن قام بصياغة الإعلان؟ ومن شارك في النقاش أثناء إعداده؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين.

من جهة أخرى، لم يقم الرئيس، لا قبل صدور الإعلان الدستوري مساء 22 نوفمبر/تشرين الثاني (2012)، ولا بعد ذلك، بأي جهد لتوضيح موقفه للشعب، فلم يكشف الظروف والأسباب التي دفعته لإصدار الإعلان الجديد، سيما المادة الثانية المثيرة للجدل؛ وعندما ألقى الرئيس كلمته المرتجلة في تظاهرة المؤيدين له بعد ظهر الجمعة، 23 نوفمبر/تشرين الثاني (2012)، تحدث بصورة عامة، ولم يتطرق إلى جوهر الإعلان الدستوري والجدل حول مواده.

من جهة ثالثة، لا يبدو أن الرئيس أجرى مشاورات كافية مع أذرع الدولة المختلفة، سيما المؤسسة القضائية، قبل صدور الإعلان، فلم تُعقد مشاورات مسبقة مع مجلس القضاء الأعلى، بالرغم من أن عددًا من مواد الإعلان، بما في ذلك تلك الخاصة بوضع النائب العام، هي من صميم صلاحياته. وقد صرح رئيس المجلس بأنه عرف بالإعلان الدستوري من وسائل الإعلام، كأي مواطن آخر. وبالرغم من دعم وزير العدل، أحمد مكّي، للرئيس، فإن تصريحاته تنم عن تحفظه على بعض المواد، وأنه على الأرجح لم يكن ضمن الدائرة التي شاركت في صياغة الإعلان.

بالرغم من أن الرئيس مرسي يتمتع بعلاقة حسنة مع أغلب قادة مؤسسات الدولة، منذ حسم الازدواجية في رأس نظام الحكم في 12 أغسطس/آب (2012)، فليس ثمة شك في أن جهاز الدولة المصرية ككل، أقدم أجهزة الدول الحديثة في المشرق العربي–الإسلامي، لا تزال تتنازعه ولاءات ومصالح سابقة على الثورة، حين كان النظام يستمد شرعيته من قمع الإسلاميين. وقد كان من الضروري قبل صدور الإعلان التيقن من أن جهاز الدولة، بكافة مؤسساته، وأن مؤسسة الرئاسة ومستشاري الرئيس، يقفون جميعًا خلف الرئيس ويدعمون إعلانه الدستوري الجديد. وهذا لم يحدث؛ مما ترك الساحة، طوال الأيام التالية لصدور الإعلان لمعارضي الرئيس وحملة الاتهامات الموجهة له بالديكتاتورية ومحاولة استنساخ نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك.

معركة الشارع

نجحت الصياغة المثيرة لبعض مواد الإعلان الدستوري، والسلطات الهائلة التي يمنحها للرئيس، إضافة إلى إخفاق مؤسسة الرئاسة في تقديم الإعلان والتواصل مع الرأي العام، في حشد قطاع واسع من القوى السياسية والقضائية ضد الرئيس وإعلانه الجديد. ولكن مواقف المعارضين تفاوتت من حيث دوافعها ووجهة نظرها في مواد الإعلان.

تضم المعارضة السياسية كل الأحزاب الليبرالية وشبه الليبرالية والقومية واليسارية، ويقود جبهة المعارضة السياسية الثلاثي: محمد البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، الذين شكّلوا إطارًا فضفاضًا باسم الجبهة الوطنية لإنقاذ مصر. ويلعب أنصار هؤلاء، سيما من التحالف الشعبي الذي يقوده صباحي وحزب الدستور الذي يقوده البرادعي، دورًا رئيسًا في حشد قطاع من الشارع ضد الرئيس وإعلانه الدستوري وفي الاعتصام بميدان التحرير؛ وقد استغلت بعض القوى هذا التحشيد وهاجمت مقار حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين.

يطالب هؤلاء بإلغاء الإعلان الدستوري، وحل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، كونهم أصلاً من قاد الانسحابات من الجمعية التأسيسية، ويوظفون لغة راديكالية وتحريضية في موقفهم من الرئيس وسياساته.

يقف إلى جانب المعارضة السياسية ويشاركها الأهداف ذاتها نقيب المحامين سامح عاشور، ومجموعة المحامين الملتفين حوله؛ إضافة إلى رئيس نادي القضاة (الذي يُعتبر بمثابة نقابة للقضاة)، أحمد الزند، وقطاع من القضاة في كافة أنحاء البلاد. وقد عقد نادي القضاة جمعية عمومية لأعضائه مساء 24 نوفمبر/تشرين الثاني (2012)، استضافت النائب العام المقال وضمت آلافًا من القضاة، وطالبت بإلغاء الإعلان الدستوري وإعادة عبد المجيد محمود لموقعه. ولكن هناك انتقادات وُجِّهت لنادي القضاة، نظرًا لدعوة شخصيات سياسية وغير قضائية للجمعية العمومية، كما أُثيرت شبهات حول ما إن كان الحضور جميعهم من القضاة، أو أن قطاعًا منهم لم يكن سوى محامين من أنصار نقيب المحامين، المتحالف مع رئيس نادي القضاة.

ولكن أهم أصوات المعارضة جاءت من المجلس الأعلى للقضاء، السلطة الرسمية العليا للمؤسسة القضائية. في بيان أول، 24 نوفمبر/تشرين الثاني (2012)، وصف مجلس القضاء الأعلى الإعلان الدستوري بالاعتداء الخطير و"انتقاصًا من سلطة القضاء". ولكن البيان لم يتطرق إلى مسألة النائب العام، ولم يطالب بإلغاء الإعلان الدستوري ككل. في اليوم التالي، 25 نوفمبر/تشرين الثاني (2012)، التقى وزيرُ العدل رئيسُ المجلس الأعلى للقضاء. وقد لوحظ أن المجلس سارع إلى إصدار بيان ثانٍ بعد اللقاء أكثر اعتدالاً، دعا إلى "أن يقتصر الإعلان الدستوري في ما تضمنه من تحصين القوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية على الأعمال السيادية فقط". وانتقد البيان الجمعية العمومية لنادي القضاة، ودعا قضاة المحاكم في أنحاء البلاد إلى الالتزام بعملهم وعدم الاستجابة لدعوات الإضراب.

ما عزز موقف المعارضة كان انضمام قوى وشخصيات إسلامية إلى معسكر المنتقدين للإعلان الدستوري، مثل حزبي التيار المصري، المشكّل من عناصر شبابية إخوانية سابقة، وحزب مصر القوية، الذي يقوده عبد المنعم أبو الفتوح؛ إضافة إلى حركة 6 إبريل. ولكن الملاحظ أن معارضة هؤلاء للإعلان الدستوري جزئية، وتقتصر على المادة الثانية المتعلقة بتحصين القرارات والقوانين الرئاسية. المفاجأة كانت في المعارضة الجذرية التي صدرت عن المستشار طارق البشري، القاضي البارز السابق والمفكر الإسلامي، الذي سبق أن أُنيطت به رئاسة اللجنة التي عدلت دستور 1971 وأسست للإعلان الدستوري الأول بعد الثورة في مارس/آذار 2011. وفي مقابلة صحفية (الشروق، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، وصف البشري الإعلان الدستوري بأنه "منعدم"، وقال: إن الرئيس "انقلب على الشرعية".

هذا لا يعني أن معسكر المعارضة هو الأكبر، فبين القضاة، وقفت مجموعة "قضاة من أجل مصر" النشطة إلى جانب الرئيس والإعلان الدستوري. كما تلقى الرئيس دعمًا واسعًا وصاخبًا من الإخوان المسلمين وحزبهم، الحرية والعدالة، ومن كافة الأحزاب والقيادات السلفية، ومن معظم القوى السياسية الإسلامية الأخرى، وفي مقدمتها حزب الوسط؛ بينما شهدت كل من نقابتي المحامين والصحافيين انقسامًا حادًا بين معارضي الرئيس ومؤيديه. يجادل المعارضون بأن الإعلان الدستوري ينتقص من سلطات القضاء ويجعل من الرئيس ديكتاتورًا جديدًا، وفي المقابل، يقول المؤيدون: إن هدف الإعلان هو الإسراع ببناء مؤسسات الدولة، وحماية البلاد من المؤامرات ومخاطر الانحدار إلى الاضطراب وعدم الاستقرار، وأن فعالية الإعلان محدودة وقصيرة، وتنتهي بالاستفتاء على مسودة الدستور وانتخابات مجلس الشعب المقبل.

ما ينبغي ملاحظته أنه وبالرغم من الاختراقات المحدودة في كلا المعسكرين، فإن الانقسام الواقع في الساحة السياسة المصرية هو أقرب إلى استقطاب بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. أغلب الإسلاميين يؤيد الرئيس، بينما تقف أغلبية القوى السياسية غير الإسلامية في معسكر المعارضة. وخلال عدة أيام من الأزمة، شهدت شوارع مدن مصرية، مثل: الإسكندرية ودمنهور وبورسعيد، أعمال شغب واشتباكات بالغة العنف بين أنصار الإخوان وعناصر أحزاب غير إسلامية حاولت الاعتداء على مقار الإخوان وحزب الحرية والعدالة. ولكن المدهش، بالرغم من حدة هذا الاستقطاب، سواء في الشارع أو في وسائل الإعلام، أن كل استطلاعات الرأي تقريبًا، بما في ذلك تلك التي أجرتها مؤسسات إعلامية معارضة للرئيس، تُظهر أن تأييد عموم المصريين للإعلان الدستوري والرئيس مرسي تفوق الخمسة والستين بالمائة.

مخارج الأزمة

لا يجب أن يكون هناك شك في حجم الأزمة التي فجرها الإعلان الدستوري، حتى إن توفرت أدلة على أن جذور الأزمة تعود إلى ما قبل الإعلان وإلى حراك سياسي يستهدف الإطاحة بالرئيس على نحو أو آخر. جزء من الأزمة يعود إلى الانقسام الفادح في الساحة السياسية المصرية، وجزء منها يعود إلى الصياغة المستفزة لبند التحصين الثاني في الإعلان الدستوري وإلى طريقة تقديم الإعلان للشعب والتواصل مع قطاعاته المختلفة، كما مع مستشاري الرئيس ومساعديه، ومع المؤسسة القضائية.

المؤكد أن الرئيس، الذي يعتقد أن ثمة خطرًا يتهدد البلاد ومسار اكتمال مؤسسات الدولة، لن يتراجع عن الإعلان الدستوري. ولكنه أيضًا لن يستطيع تهدئة الأزمة بدون تراجع جزئي، أو توضيح تراجعي، إن صح التعبير، سيما عن المادة الثانية.

وحتى يمرر الرئيس مرسي إعلانه فإنه يحتاج إلى توافق يحيد قطاعًا كبيرًا من المؤسسة القضائية، وليس كلها على أية حال. كما أنه قد يساعد على إخراج المعارضين الجزئيين، مثل: حركة 6 إبريل، والتيار المصري، وحزب مصر القوية، من معسكر المعارضة. ولكنه لن يعتبر كافيًا من وجهة نظر المعارضين الجذريين، المطالبين بإلغاء الإعلان الدستوري بكليته. السؤال الآن هو ما إن كان لدى هؤلاء الأخيرين من العزم والتأييد الشعبي الكافي لمواصلة معارضتهم النشطة، أي المعارضة في الشارع وليس فقط في برامج الحوارات التلفازية، وما إن كان لاستمرار هذه المعارضة من أثر على أوضاع البلاد الاقتصادية ومناخ الاستقرار والتعافي الذي بدأ في العودة تدريجيًا قبل اندلاع الأزمة. السؤال الآخر يتعلق بما يمكن للرئيس أن يفعله لمواجهة التدخلات العربية في شؤون مصر السياسية، إن صحت التقارير التي تشير إلى مثل هذه التدخلات.

من جهة أخرى، فإن مرور الإعلان الدستوري من أجواء الأزمة يمثل فوزًا حاسمًا لمرسي ورئاسته، وسيوفر تأمينًا قانونيًا لما تبقى من المرحلة الانتقالية: إكمال الجمعية التأسيسية لعملها في وضع مسودة الدستور، واستقرار مجلس الشورى، ومن ثم الذهاب لانتخابات مجلس الشعب الثاني بعد الثورة. بكلمة أخرى، يعني مرور الإعلان الدستوري أن مرسي حقق نصرًا كبيرًا على معارضيه، وربما نهاية لآمال الساعين إلى الإطاحة به.

بيد أن درس الأزمة لابد أن يكون بحجمها، وهو بشكل أساسي يتمثل في أن الخلل كان في إصدار الإعلان الدستوري دون توفير التأييد الضروري. مع أن مراعاة هذا الجانب هو أحد أسس الدولة الحديثة بشكل عام، وتزداد ضرورته في مجتمع متعدد ومعقد مثل مصر بشكل خاص.