الاقتصاد السياسي للتدهور الخدماتي في مصر

تتناول هذه الورقة بشكل معمق، الأسباب الكامنة وراء حالة التدهور الخدماتي في مصر، والمظاهر العامة التي نجمت عن هذا التدهور. تبحث الورقة في الأصول الاجتماعية والسياسية، وطغيان البيروقراطية، والفساد، وعدم الكفاءة، وجملة من الممارسات الخطيرة على قوة الدولة المصرية ومستقبلها.
حادث قطار القيلوبية في أبريل/نيسان الماضي، كان واحدا من أربعة حوادث مماثلة خلال شهر، تسببت بمقتل وإصابة العشرات (رويترز)

لا يتطلب الأمر كثيرًا من التقارير والإحصاءات لمعرفة مدى التدهور في حالة الخدمات العامة في مصر، فتكفي المرء نظرة سريعة على أخبار الحوادث اليومية من انهيارات طرق لم يمر على إنشائها سنوات واصطدامات قطارات متهالكة وسقوط مبان حديثة غير مطابقة للمواصفات...إلخ، كما تكفيه جولة سريعة في شوارع القاهرة، سواء في أحياء الطبقات الوسطى أو في حتى بعض الشوارع الرئيسية، ناهيك عن الأحياء الفقيرة والعشوائيات في المدن الصغيرة والمراكز شبه القروية، لترهق أعصابه عشوائية المرور وتزعج عينيه أكوام القمامة ويدرك وجود مشكلة جوهرية متأصلة في الأداء الخدمي والإداري العام في مصر، وليس مجرد حوادث عابرة مما يدخل في باب الانحرافات الطبيعية والصدف الواردة!

وتُعنى هذه الورقة بفهم الاقتصاد السياسي لذلك التدهور الخدماتي كامتداد لحالة شاملة من عدم الكفاءة الاجتماعية وكعَرَض مؤسسي لمُجمل الأزمة التنموية للمجتمع المصري، المُتمحورة أساسًا حول نمط نموه الاقتصادي وتجديده الاجتماعي، بكافة أبعاده من بنية اقتصاد وصيغة اجتماع وشكل دولة ومنطق إدارة، ما نتناوله بإيجاز في تسلسل بنيوي دينامي، من التحتي إلى السطحي ومن الكلي إلى الجزئي، في سياقه/وبميراثه التاريخي، مُنتقلين من نمط النمو أساس الضعف الاقتصادي التنموي من جهة والإشكال الديمغرافي من جهة ثانية، إلى شكل دولة ذلك النمط بمنطق عملها وأولوياتها من جهة وبيروقراطيتها بميولها الخاصة وحدود كفاءتها من جهة أخرى، لنختم بتعليق مُوجز على المآسي الإنسانية للتدهور الخدماتي كعَرَض وتكلفة لانهيار الكفاءة الاجتماعية كأحد وجوه التخلف.

في الاقتصاد: نمو لا يُنتج عملًا ولا يطوِّر كفاءة!

لا ينفصل منطق عمل أي مجتمع عن منطق تجديد وجوده نفسه، هذا المنطق الكامن في نمط نموه الاقتصادي، والذي يتجاوز بمعناه مجرد المظهر الكمي المتداول للنمو، إلى المحتوى الكيفي له، مُتشعب الأبعاد والتأثيرات مما يطول المجتمع والدولة والثقافة معًا، وكنا قد انتهينا في عدة أوراق سابقة حول الموضوع إلى غلبة نمط نمو "فخ الموارد" الريعي -ضمن حالة التبعية العامة- على الاقتصاد المصري؛ بما أدى إلى ثنائية "اللفياثان المريض"(1) ذي الغلبة السياسية القاهرة مع العجز التنموي.

هذا النمط، على كل تحولاته، بدأت بوادر أزمته الهيكلية الجوهرية بالظهور منذ أربعينات القرن العشرين، عندما تخلَّفت الصناعة عن التطور الضروري تقنيًّا واجتماعيًّا، بينما تتراجع الزراعة نسبيًّا مع تشبعها وانسداد آفاق نموها؛ لتملأ الخدماتُ الهامشية الفراغَ بكافة طبائعها المتواضعة إنتاجيًّا وتشغيليًّا؛ ويعاني الاقتصاد، بسبب ضعف الإنتاجية الكمية والكيفية والفائض الاقتصادي، من ثلاث فجوات اقتصادية كلية: (1) "التجارية" في العلاقات السلعية مع الخارج، و(2) "المالية" في العلاقة الضريبية مع الدولة، و(3) "النقدية" في العلاقة بين سوقَي النقد والسلع، والمتفاقمة بالفجوتين السابقتين معًا، لتتجسد في العلاقتين، الزمنية (المحلية) والمكانية (الخارجية) للنقود؛ لتنتج الفجوات السلعية/التجارية والنقدية تضخمًا مُزمنًا، يترادف ويتفاعل مع فجوة التشغيل؛ ليعمِّقا ويديما معًا حالة من البطالة الهيكلية –المادية والبشرية- المُزمنة، تتزاوج مع التضخم لتعمق الفقر وتوسع نطاق انتشاره، فضلًا عن إدامته، كذا تتفاعل الفجوة النقدية مع المالية لتعمِّقا حالة العجز المالي وتُفاقما الدَّيْن العام وأعباء خدمته؛ ما يضعف القدرة المالية للدولة المُثقلة أساسًا بحاجات رأس المال الاجتماعي المتزايدة طبيعيًّا مع تطور الحاجات الاجتماعية وتزايد السكان عمومًا، والثقيلة ابتداءً مع تخلف الأوضاع الخاصة بالدول المتخلفة خصوصًا، فضلًا عن الإنفاق الجاري المُتفاقم بفعل أشكال العجز الخاصة بالرأسمالية الطرفية، وانخفاض كفاءة توظيف وتشغيل الموارد فيها.

وتتعزز هذه الأزمة الهيكلية بتفاقم "فجوة الاستثمار" المتأصلة في الاقتصاد -محدود الطاقة الادخارية ابتداءً- نتيجة تراجع دور الدولة الإنتاجي بعد برامج الانفتاح والإصلاح؛ حيث تراجع الاستثمار العام، دون أن يعوضه الاستثمار الخاص بالدرجة المأمولة في تلك البرامج، فضلًا عن تبديده بما أسماها دكتور محمود عبد الفضيل بآليات "التراكم المعكوس"(2) الذي لا يوسِّع الطاقات الإنتاجية ولا يوفر فرص العمل؛ بسبب هيكل الحوافز الربحية المُختل في اقتصاد يعاني حالة من المرض الهولندي(3) والتبعية الريعية عمومًا(4)؛ لينخفض مُجمل الاستثمار الحقيقي، محدود الأثر الإنتاجي والتشغيلي أساسًا وابتداءً بسبب الأزمة الهيكلية، بأبعادها الإنتاجية/الكمية والتخصيصية/الكيفية، سالفة الذكر.

لا عجب في معاناة هذا النمط حالة من الركود الكيفي كما الكمي، اتصالًا بموقعه "الطرفي" المتأخر من الاقتصاد العالمي؛ ما انعكس ليس فقط في استمرار تلك الحالة من الركود في التركيب الهيكلي، بغلبة مساهمة الخدمات بما يقرب من نصف الناتج الإجمالي والقيمة المُضافة والعمالة، وثُلثه تقريبًا كمساهمة للصناعة بفرعيها التحويلي والاستخراجي، بل أيضًا -ضمن تلك الصناعة المحدودة- بغلبة الصناعات المُتخلفة المهجورة، فقيرة التقنية عالية التنافسية الدولية ضعيفة القيمة المُضافة، فحتى اليوم، بعد أكثر من قرن من محاولات التصنيع الحديث في مصر، تمثل صناعات الغذاء والمنسوجات أكبر المكونات الراسخة في القطاع الصناعي التحويلي، وحتى النسب المعقولة للصناعات الصناعية والكهربائية والإلكترونية والكيمياوية إنما يتصل معظمها بتجميع المكونات المُستوردة للسلع الاستهلاكية المُعمرة أو بامتدادات ومُعالجات بشكل أو بآخر لمنتجات الصناعات الاستخراجية المعدنية والنفطية، ما يتضح من النسب الظاهرة بالشكل (1) حول التركيب النوعي للتصنيع في مصر.

الشكل (1): نسب ناتج التصنيع في القطاعين العام والخاص(5)

شكل 1

يُضاف لما سبق من أبعاد اقتصادية واجتماعية لذلك الركود الصناعي على جبهات التشغيل المُنتج والمالية العامة ومستوى المعيشة بالأخص، أثر شديد الأهمية والاستراتيجية، هو ركود المهارات التنظيمية والتخلف المؤسسي؛ لضعف المهارات ومستوى الكفاءة المطلوب لنوعية السلع المُنتجة، وكامتداد ووجه اجتماعي للركود التقني والإنتاجي، أي تخلف التقنية الاجتماعية كما التقنية الإنتاجية عمومًا؛ الأمر الذي يتعزز بحالة الاحتكارية السوقية الغالبة التي لا تسمح بمنافسة جادة تضغط على المُنتجين والمُنظمين لتحسين أدائهم وتطوير مؤسساتهم؛ ما يؤدي بمُجمله لحالة من "ركود الكفاءة"، ولا يدفع لتعميق "المؤسسية العقلانية" بمعناها الفيبري؛ سواءً لغياب الحوافز أو لضعف الإمكانات!

في السوسيوديمغرافيا: التحضُّر الرَّث لشبه المدينة العالمثالثية!

نتج عن هذا العجز المُزمن في الصناعة، رافعة التشغيل الحقيقية في الاقتصاد الرأسمالي الحديث، حالة فائض عمل وفجوة تشغيل مُزمنة، تكونت أساسًا وابتداءً من جحافل العمالة الريفية المطرودة من القرى، لتتلقفها إما البطالة بأشكالها المختلفة، السافرة والجزئية والمُقنَّعة، أو الوظائف منخفضة النوعية بقطاعات الخدمات الهامشية سالفة الذكر، ضمن القطاع غير الرسمي ضعيف الإنتاجية والأجور وظروف العمل غالبًا؛ لتتجسد بشريًّا بفقرها المُزمن في أحزمة العشوائيات، التي بلغت بحسب بعض التقديرات أكثر من 1200 منطقة عشوائية بكافة محافظات مصر(6)، تعيش بها نسب مُعتبرة تتجاوز ربع وثلث السكان أحيانًا، بما في ذلك محافظات كالقاهرة والجيزة، التي بلغت نسبة سكان العشوائيات بها 36.9% و38% على التوالي، كما يتضح بالرسم البياني بالشكل(2).

شكل (2): نسب سكان العشوائيات بالمحافظات المصرية عام 2006(7)

شكل 2

وحسب تقديراتٍ أحدث(8) للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن العشوائيات تمثل حوالي 39% من إجمالي الكتلة العمرانية عبر 226 مدينة على مستوى الجمهورية(9)؛ وهي تتوزع ما بين مناطق غير مخططة، ومناطق خطرة وغير آمنة، ومناطق غير صحية، وتصل في مساحاتها إلى 156 فدانا للمناطق غير المخططة، و4500 فدانا، للمناطق العشوائية غير الآمنة، وتضم عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، مع طابع عام من الأوضاع غير المناسبة للعيش الإنساني. (10)

ويأتي كل هذا ضمن حالة من "التحضُّر العشوائي" كما وصفه البعض(11)، أو "التحضر الرَّث" كما وصفه البعض الآخر(12)، التي تفاقمت بفعل ارتفاع الكثافة السكانية الموروثة عن التاريخ النهري، والمُعزَّزة بالمركزية الاقتصادية والإدارية؛ فحيث يعيش حوالي 97% من مُجمل السكان فيما لا يزيد عن 8% من مساحة البلد، تسجِّل مصر واحدًا من أعلى معدلات "الكثافة السكانية الفعلية" -بمعيار "المناطق المأهولة"(13)- في العالم، بما يجاوز الألف نسمة للكيلو متر المربع كمتوسط تقريبي لمُجمل الدلتا، وثلاثة آلاف نسمة في القاهرة، وخمسة آلاف في القليوبية، كما يظهر بالدرجات اللونية الداكنة في الخريطة التالية بالشكل (3).

شكل (3): معدلات الكثافة السكانية بمحافظات مصر عام 2019(14)

شكل 3

ويمثل استمرار المركزية الاقتصادية في مصر نتاجًا منطقيًّا لآليات عمل الرأسمالية الطبيعية؛ فتوافر خدمات ومزايا رأس المال الاجتماعي والبنية التحتية، فضلًا عن القرب من الأسواق وسهولة تبادل وانتقال المواد الخام والسلع والعمالة...إلخ، تمثل كلها ما يُعرف اقتصاديًّا بـ"الآثار الخارجية"، "الإيجابية" في هذه الحالة، التي تعزز مركزية الاستثمارات واتجاهات العمل والإنتاج في ممارسات القطاع الخاص، غير القادر بطبيعته على حلِّ مشكلة المركزية ضمن آليات السوق الحرة مهما كان تقدمها(15)، بل تدفعه غرائزه الربحية المشروعة، المُعَزَّزة بطبيعة قطاعاته خفيفة الإنتاج الغالبة في الاقتصاد الطرفي، إلى تعزيز المركزية الاقتصادية والسكانية، التي لا تعالجها سوى "تنمية لا مركزية شاملة" تقودها الدولة بنفسها؛ الأمر الذي تعلن سعيها فيه -بلا جدوى- منذ عقود، ليس فقط لما يتطلبه من موارد بالغة الضخامة ونطاقات تدخُّل شديدة الاتساع، بل أيضًا وقبل كل شيء نمط نمو مختلف يدفع التنمية الشاملة ويحفز التوسع الصناعي، فضلًا عن ضروراته المؤسسية من تنازل الحكومة المركزية(16) عن بعض صلاحياتها العامة وهيمنتها على الموارد والقرارات وإعادة هيكلة إدارتها وبيروقراطيتها، مما لا تطمئن معه لإمكانيات ضمان الاستقرار السياسي.

وبالطبع، كان ارتفاع معدلات النمو السكاني وغلبة الطابع الشبابي عليه مما زاد الطين بلَّة؛ الأمر الذي ضخَّم من حجم وأثر هذه العشوائية الحضرية والمركزية العُمرانية، مع ذلك التدفق اليائس من الهجرة الداخلية والباحثين عن عمل. وفيما يتجه التصور الحكومي إلى أن الزيادة السكانية تبتلع آثار النمو وتُثقل البنية التحتية والمالية العامة بالأعباء، فإن هذا العامل يمثل بذاته نتاجًا آخر للفشل التنموي(17) وطبيعة نمط النمو والتجديد الاجتماعي سالف الذكر؛ بعجزه الهيكلي عن التشغيل اللائق (أي خفض الأمية والفقر عمومًا) وتشغيل الإناث خصوصًا (وبالتالي خفض معدل الخصوبة)، فضلًا عن الأسباب المؤسسية والمالية كعدم تفعيل قوانين منع عمالة الأطفال (ضمن حالة ضعف تنفيذ القانون والرخاوة البيروقراطية عمومًا)، وغياب أنظمة الضمان والحماية الاجتماعية الفعالة (بما تتطلبه من موارد هائلة مُستدامة)؛ بما يخفض الحوافز للإنجاب كبديل اجتماعي تقليدي لدى الطبقات الأفقر.

ارتبط بهذا كله الوجه الآخر لظاهرة العشوائيات، وهو الهجرة المستمرة للطبقات العُليا المصرية لخلق مساحاتها الحضرية الخاصة وعزل نفسها عن القادمين الجُدد؛ لتتبلور ظاهرة الكومباوندات والأحياء المُغلقة(18)، التي انطلقت بدعم حكومي شابه الفساد والتواطؤ الواضحان مما لسنا في محل مناقشته(19)، لينشأ عن كل ما سبق انشقاق في نوعية الخدمات بحسب نوعية المواطن ومَلاءته المالية، ما بين "شبه مواطن" يعيش في عشوائيات غير آدمية لا تعرف عنه الحكومة شيئًا، إن لم تنظر له بعين الريبة كمصدر تهديد أمني واجتماعي، و"مواطن بِشَرطة" بالتعبير المصري، يعيش في أحياء مُميزة تصله كل الخدمات من خلال وسيط من القطاع الخاص، يمتلك الصلات والعلاقات بالحكومة وبيروقراطيتها؛ بما ييسر له توفير كافة الخدمات الضرورية وغير الضرورية، وبما فيها أحيانًا منافذ خاصة للخدمات الحكومية تضمن له عدم الاحتكاك بعامة المواطنين من الدرجات الآدمية الأدنى!

الأولويات: دولة الرخاوة غير المُبالية لنمط النمو الطَرفي!

هذا التمايز بين "شبه المواطن" و"المواطن بشَرطة" ليس استثناءً عارضًا ولا ابن الصدفة، ولا يدخل بفجاجته الشديدة ضمن حدود الطابع الطبقي التقليدي لأية دولة، المُرشَّد ضمن الرأسمالية الحديثة بخطاباتها "المواطنية" خصوصًا، بل يمثل سلوكًا منطقيًّا لدولة نمط "فخ الموارد" الريعي المذكور، التي تتسم، بطبيعتها الكوربوراتية المحاسيبية(20)، بطابع أكثر انقسامية اجتماعيًّا وأقل احتوائية مواطنيًّا؛ حيث تقوم على المستوى الأكثر ماكروية على مركزية البيروقراطية وشراء الولاءات وتوزيع المكاسب بعيدًا عن مساراتها الطبيعية(21)، لتشكِّل الدولة بذاتها "مكونًا سياسيًّا أساسيًّا للعلاقات الاجتماعية للإنتاج، تتدخل في تحديد معايير وشكل علاقات المنتجين بوسائل الإنتاج، وفي علاقات المنتجين بغير المنتجين؛ وبالتالي في إعادة إنتاج النخب الاقتصادية وشروط الانتظام الطبقي داخل مجتمعاتها، ولا تبدو كمجرد أداة مباشرة للهيمنة الطبقية حسب الترسيمة الماركسية أو أداة حكم بونابرتي فوق الطبقات"(22).

ومع غياب الرأسمالية الصناعية "التنافسية"، وحالة التداخل حدَّ السيولة لرؤوس الأموال بين القطاعات المختلفة، ومعهما ضعف الطبقة العاملة الصناعية ومحدوديتها كميًّا وكيفيًّا مع غياب الصناعة الثقيلة، فضلًا عن مركزية الدولة ضمن آليات التراكم بنمط النمو المذكور؛ لا تعمل روافع النزاع الطبقي وتوازنات القوى الاجتماعية بشكل يدفع لفرض أي شكل من المعيارية التشريعية أو التنظيمية على الدولة أو الحيادية البيروقراطية؛ خصوصًا مع ميل أهم الفئات الاجتماعية المذكورة، رجال الأعمال، للتواطؤ مع النمط المركزي الاستبدادي في الحكم، رغم محدودية حصتها في السلطة؛ لما تضمنه من "تسهيلات مادية.. تصرفها عن الإصرار على سيادة القانون والديمقراطية"(23).

وتبرز كوجه آخر لكل ذلك حالة "الدولة الرخوة" بتعريب جلال أمين نقلًا عن جُونار ميردال (Gunnar Myrdal) و"الضعيفة" بتعبير سامر سليمان من أدبيات العلوم السياسية؛ حيث الفجوة المُزمنة بين تشريع القوانين وتنفيذها، والعجز عن فرض السياسات ومواجهة الفساد، إن لم يكن التراخي فيها ومعه؛ حيث لا يفعل "تمتعها بسلطات ضخمة تبرزها في مظهر القوي المقتدر، سوى حجب مكامن الضعف فيها عن الأنظار"، ورغم "انفرادها بسلطة تشريع القوانين وإصدار القرارات وأخذ الإجراءات الأمنية، أي قدرتها على اتباع أي سياسة ترتأي اتباعها، تظل قدرتها على تنفيذ تلك القرارات والسياسات محدودة للغاية، اللهم إلا في الأمور الأمنية التي لا يمكن لرأس الدولة التهاون فيها"، وبينما "بإمكان الدولة أن تُسْكت من يعارضها بالسجن والنفي إلى ما شاء الله، فهي عاجزة عن تنفيذ سياستها المتعلقة بالنقد الأجنبي أو إلزام المواطنين بقوانين البناء أو رفع إنتاجية شركات القطاع العام أو تحصيل الجزء الأكبر من مُستحقاتها الضريبية...إلخ"(24).

وحالة "الرخاوة" هذه ليس طارئة ولا مُستجدة بالكامل، بل تمثل ميراثًا تاريخيًّا وحالة غالبة على دول الرأسماليات الطرفية المتأخرة، التي لم يكتمل لديها شكل الدولة الحديثة بمعناه النوعي في الاقتصاد السياسي كـ"تعبير قانوني وسياسي عن مرحلة التطور الرأسمالية والقدرة على توحيد السوق المحلية والسيطرة عليه وتحويل العمل إلى سلعة بتعميم الفردية والنقدنة، وتطوير الاستقلال الرمزي لجهاز السلطة عن المصالح الرأسمالية المباشرة"(25)؛ الأمر الذي لم يكتمل بصورته النموذجية في معظم دول تلك الرأسماليات، بما فيها مصر التي تَعَمَّق انحراف تطورها الاقتصادي والسياسي "الطرفي التابع" بفعل نمط النمو الريعي المذكور لتنتهي إلى نموذج "اللفياثان المريض" فائق القهر مُنخفض الكفاءة!

ومع الضعف المتأصل في نمط النمو الاقتصادي؛ يقلُّ حجم الثروة الممكن تحصيلها من خلال قنوات إنتاجية حقيقية، كما تقل الموارد المالية المُتاحة للدولة نفسها؛ الأمر الذي يعمِّق من جهة "قيودها المالية"، المتفاقمة بضعف كفاءة الأداة الحكومية وحدَّة التهرب الضريبي، ومن جهة أخرى "إشكالات أولوياتها"، المُثقلة ابتداءً بضغوط فئات التحالف الحاكمة وشبكاته الزبونية وبيروقراطيته المتنفذة القادرة على الضغط المُستقل والتملص التنفيذي!

ولا يقتصر الأمر على العجز المالي والمؤسسي، بل يعاني النموذج كذلك ضعف كفاءة إنفاقه الحكومي(26)، وسوء تخصيص موارده المالية المحدودة، القاصرة أصلًا عن احتياجات البلد التنموية؛ كنتاج لانفصال أولوياته واستقلال بيروقراطيته عن التأثير الشعبي والديمقراطي؛ فتغلب الانحيازات والمصالح الضيقة من جهة، والإنفاق الجاري والاعتباطي من جهة أخرى؛ لتنطبق قاعدة "دالَّة منافع الحكومة هي دالَّة منافع نخبتها أو بيروقراطيتها" بأكثر صورها فجاجة، ويتم تخصيص الموارد باتجاه تلك المنافع بتقنين الفساد وعدم الشفافية، وإثراء النخب الاقتصادية الاحتكارية من خلال الممارسات المحاسيبية، وكسب دعم مجتمعات الأعمال بالتحالف مع اللوبيات والاستجابة لضغوطاتها، وتقديم بعض الفتات في صورة دعم اجتماعي لكسب ولاء أضعف فئات المواطنين وتخفيف حدة السخط الاجتماعي، ويعرض الشكل (4) بتاليه صورة عامة لمسارات تخصيص موارد الدولة وكيفية إهدارها.

شكل (4): موارد الحكومة وكيفية استخدامها(27)

شكل 3

ولا يمكن اختزال هذا "الانحراف في الأولويات"، الذي يبدو كلامبالاة ظاهرة، في مجرد انحرافات الفساد الهيكلي والمصالح الضيقة للبيروقراطية، بل هو امتداد لاعتبارات الموقع الطرفي لنمط النمو وسيطرة رأس المال التجاري -المُتمفصل من موقع التبعية مع رأس المال الدولي- على كامل البناء الاقتصادي المحلي؛ حيث تعمل "ديناميات التراكم الكلية" المعنية بالمصالح طويلة الأجل لرأس المال على هيكلة التركيب السكاني والقوى العاملة وظروف معيشتها، بالشكل الذي يضمن خفض تكلفة العمل وضبط علاقات القيمة وفائض القيمة بما فيه مصلحة رأس المال؛ الأمر الذي يشمل ليس فقط خفض التشغيل الإنتاجي لتضخيم جيش العمل الاحتياطي بما يخفض الأجور، بل يتسع لخفض متوسط العمر المُتوقع بخفض مستوى المعيشة بما يشمله من تقليص الخدمات الضرورية كميًّا وخفض مستواها كيفيًّا؛ بما يحقق في مُجمله "تقليل التكلفة الاجتماعية لإعادة إنتاج القوة العاملة، وتعزيز عملية استهلاك قوة العمل في مدى حياة أقصر وأرخص"(28).

عدم الكفاءة: البيروقراطية "المُنحرفة" لدولة الكوربوراتية الشرقية!

تظهر هذه الأولويات كذلك، من الوجهة الإنتاجية، في اختلاف درجات "كفاءة" وأحجام "مُخصصات" الأجهزة البيروقراطية، بل وحتى رواتب منتسبيها، بحسب "نوعية واتجاه أهميتها"، فلما هو "مهم للحكومة" على ما هو "مهم للشعب" درجة أو ربما عدة درجات!

وهكذا، تحظى الأجهزة الأمنية المعنية بالأمن السياسي خصوصًا بالمرتبة الأولى في الاهتمام بكفاءتها وتوفير الموارد لها، تليها الأجهزة المتعاملة مع جهات خارجية، خاصةً ما يتصل منها بشراكات الحكومة الخارجية وجهات التمويل والمعونات الخارجية، ثم الأجهزة المحلية الخادمة لحاجات الحكومة المالية والإعلامية واللوجستية...إلخ، لتأتي في نهاية الأولويات تلك الأجهزة الخادمة لحاجات الشعب المختلفة، فتحظى بأسوأ الفرص من جهة الإمكانات والموارد والظروف وبأعلى درجات عدم المبالاة بكفاءتها، وتكفي دلالةً المقارنات المتكررة حدَّ الملل بين مُخصصات الأمن والصحة والتعليم وغيرها، فضلًا عن فوارق الرواتب الهائلة بين منتسبي نوعي الجهات المذكورين (حتى مع تساوي المؤهلات والمُسمى الوظيفي ونوعية العمل)، بل واختلاف درجات "الواسطة" ومبالغ "الرشاوى" المطلوبة للانتساب إليها ابتداءً!

وتتصل هذه التراتبية كذلك بقدرة هذه القطاعات البيروقراطية على الضغط على صانع القرار السياسي، سواء بشكل إيجابي مباشر انطلاقًا من مكانتها الخاصة ضمن جهاز الدولة أو تأثيرها على موارده وسمعته، أو بشكل سلبي غير مباشر من جهة قدرتها على تعطيل أو حرف تنفيذ أي قرارات أو سياسات لا تناسبها، وهو الأمر الذي يتصل بسمة "شبه استقلالية" البيروقراطية، فضلًا عن، وكنتيجة لـ، سياق "بقرطة السياسة" الخاص بنمط الدولة الكوربوراتية بمُجمله، كنمط مُتمحور حول البيروقراطية كأداة هيمنة ووسيط سياسي بديل عن التنظيمات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني المُمثلة للقوى الاجتماعية المختلفة.

ولا ننسى في هذا السياق الأهمية التاريخية التقليدية للبيروقراطية وميراثها الشرقي الاستبدادي في بلد "نهري" كمصر، مع -وهو الأهم- عدم تحديثها بآليات تكوين الدولة الرأسمالية الحديثة كما جرت في أوروبا الغربية، ونعني بها تحديدًا "الضرائب" و"الحرب"، كروافع تاريخية لتحديث الدولة وتطوير البيروقراطية، فالأولى ضرورية لزيادة موارد الدولة من الأنشطة الإنتاجية الحقيقية، محدودة الأهمية في الحالة المصرية والعربية عمومًا لعدم اكتمال التحول الرأسمالي وإشكالات نمط النمو الريعي على ما ذكرنا، فيما الثانية ضرورية لرسم حدود سيادة الدولة بما تطلبه من استبدال البيروقراطية الرشيدة الحديثة المُعتمدة آليات الكفاءة والإنجاز (برفدها بأبناء الطبقة الوسطى والدنيا الطامحين) بالبيروقراطية القديمة المُستندة لآليات "التوارث النبالي" و"بيع المناصب" (المقصورة على أبناء الأرستقراطية غالبًا)، وهو الأمر الذي لم تحتجه معظم دول المستعمرات السابقة لاعتمادها حدود الاستعمار، ولم تحتجه مصر خصوصًا لارتسام معظم حدودها تاريخيًّا على أساس الموانع الطبيعية البحرية والصحراوية المحيطة بها.

وهكذا، لم تفرض الضرورات الاقتصادية والسياسية تحديثًا تنمويًّا مؤسسيًّا على النمط الأوروبي جديًّا من جهة، كما حفز نمط النمو الريعي -الاستبعادي بالتعريف- حاجات السيطرة أكثر من التنمية من جهة أخرى؛ لتغلب الأخيرة (السيطرة) على الأولى (التنمية) في سُلم الأولويات، خصوصًا مع اعتماد أنماط بيروقراطية آلية ومركزية تحقق أغراض الأولى بالأساس، كذا مع اعتماد آليات التكوين والتعيين والرقابة المُتصلة بتلك الأغراض، لا بأغراض المؤسسات الحقيقية؛ لتستمر "تفجعات الحكام -العرب- من انعدام كفاءة البيروقراطية الآلية، بينما يتجاوزون حقيقة أن هوسهم باعتبارات السيطرة هو الذي يقف وراء بقاء هذا الانعدام وقوته"(29)؛ الأمر الذي استمر وتعمَّق مع اضطرارات السياسات النيوليبرالية التي تحاول القفز على المقاومة الاجتماعية لها من خلال تعميم "بقرطة السياسة" وتشتيت وحدات التنفيذ والتطبيق لتصفية أي إمكانية للمساءلة العامة والرقابة الشعبية(30)، ما عمَّق من الميراث التاريخي لاستبعادهما كآليات ضبط وتقييد محتملة، خصوصًا مع حالة الانفصام الشاذة بين السلطة والمسؤولية خلافًا لأبسط مبادئ الإدارة، حيث تسود حالة من "مركزية السلطة مع لا مركزية المسؤولية"، فبينما "يمثِّل المحافظ السلطة التنفيذية ويشرف على تنفيذ السياسة العامة وعلى مرافق الإنتاج والخدمات في نطاق المحافظة، لا تجد له سلطة في تعيين وكلاء الوزارة في محافظته ولا علاقة أو تأثير على الهيئات العامة،.. ولا يلزمها القانون بالرجوع إليه،.. ورغم مسؤوليته عن حماية أملاك الدولة، ليست لديه سلطة إلزام أجهزة الشرطة بتنفيذ قرارات الإزالة ومنع التعديات وتنفيذ الأحكام القضائية...إلخ"(31).

ولا يفوتنا بالطبع الضعف المالي عمومًا، وحصيلة "الضرائب" خصوصًا، سواءً لدورهما في ضعف إمكانيات الأداة الحكومية من جهة، أو كدليل على الضعف المُتأصل في البيروقراطية بشكل يتجاوز مجرد عدم المبالاة الحكومية، بل ويمس أولوياتها هي نفسها من جهة أخرى، فهي بالقطع تمثل همًّا ثقيلًا لدى الحكومة؛ لما ينتج عن ضعف كفاءتها من ضعف في الموارد المالية من جهة، ولما تفرضه من حلول وخسائر مُكلفة سياسيًّا واجتماعيًّا، وحتى اقتصاديًّا، من جهة أخرى، فيسجل رئيس مصلحة الضرائب نفسه في تصريح قريب وصول نسبة التهرب الضريبي في مصر لما لا يقل عن 40%(32)، رغم كل التخفيضات والتيسيرات الضريبية منذ أوائل الألفية؛ ما يعكس ضعف أداء الأداة الحكومية نفسها، لا مجرد الميل الطبيعي للتهرب، وهو الضعف الذي يتحمل الشعب تكاليفه، في صورة ارتفاع حصة الضرائب غير المباشرة من إجمالي الضرائب، الأسهل تحصيلًا لكن العمياء اجتماعيًّا، بما مسَّ كافة أنواع السلع والخدمات الضرورية، وبما ضاعف رسوم الخدمات الحكومية الأساسية نفسها، ما وصل في أقل تقديراته لحوالي نصف الحصيلة الضريبية بحسب تصريح لنائب وزير المالية للسياسات الضريبية قبل دفعات الضرائب والرسوم الأخيرة طوال خمسة الأعوام الأخيرة(33)!

ولا يمكن بالطبع اختزال أسباب ضعف أداء البيروقراطية، وانحرافها عن النمط المثالي الذي وضعه ماكس فيبر (Max Weber)، في اعتبارات المستوى "الماكروي" المتصلة فقط بطبائع نمط النمو وضعفه المالي، وانحرافات التسييس وأولويات السيطرة، بل تبرز على المستوى "الميكروي" روافع "فرعية" ناتجة عن العاملين، الاقتصادي والسياسي، المذكورين في سياق تفاعلهما مع الأوضاع الديمغرافية والثقافية، وأبعاد "نوعية" تتصل بأوضاع خاصة لأسواق الخدمات التي تتعامل فيها البيروقراطيات المختلفة، نكتفي بنماذج منها لما يتطلبه حصرها من إسهاب لا تسمح به المساحة! 

فتبرز "الاحتكارية" في أسواق بعض المرافق والخدمات، مثل سوق الاتصالات، حيث تُلاحَظ لا مبالاة شركة الاتصالات الرئيسية في مصر بالعملاء، كما يظهر في الارتفاع النسبي لأسعار خدمات الإنترنت مع ضعفها وبطئها، وتغيير الأنظمة تعسفيًّا من طرف واحد، فضلًا عن المعاملة الرديئة كإلغاء أيام السماح قبل قطع الخدمة...إلخ؛ ما ظهرت آثاره في "الشماتة" في الشركة مع أول ظهور لأخبار شركة المطوِّر الأميركي الشهير، إيلون ماسك، الخاصة بإنترنت الأقمار الصناعية، وما يمكن أن توفره من بدائل أكثر كفاءة وعدالة!

أما في السكك الحديدية، فيبرز الأثر السوقي الخاص لعاملَي "التخلُّف الصناعي" و"شبكات المصالح" عليها؛ حيث أدى الأول لضعف حركة البضائع الصناعية المحلية التي تدفع لتطوير وتوسيع خدمة النقل السلعي بالسكك الحديدية، فيما أدت الثانية لترجيح كفة شبكات النقل باللوريات، كما أُشيع عن إمبراطورية النقل البري الخاصة برجل الأعمال الشهير المرتبط بأسرة مبارك؛ فكانت نتيجة العامليْن معًا انخفاض أرباح شبكة السكك الحديدية في مصر؛ لاعتمادها في معظمها على النقل البشري، محدود القدرة الطَلبية عمومًا، والإمكانات المادية حدَّ حاجته للدعم (لأساسية الخدمة) في مصر خصوصًا، والذي لا يمثل الرافعة الحقيقية لأرباح النقل بالسكك الحديدية التي ارتبطت تاريخيًّا بالصناعة (حدَّ القول بارتباط خطوطها بالتوزيع الجغرافي للصناعة الوطنية كقانون عالمي)، والتي أشرنا سابقًا لضعفها الإجمالي وتركزها الجغرافي في الحالة المصرية؛ ما أدى في مجموعه لضعف الأرباح الصافية والاعتماد الدائم على الدعم الحكومي؛ ما أعاق تطوير الخطوط والمركبات ظاهرة القِدم قلبًا وقالبًا!

وتظهر "المحسوبية" كأحد الروافد المهمة لتخريب الكفاءة، وكتعبير عن الممارسات التوظيفية لنمط الكوربوراتية -بصورتيها من رشوة اجتماعية وزبونية سياسية- في كافة أرجاء الجهاز الإداري، ليس كمجرد ظاهرة جرى "التطبيع الاجتماعي" معها حدَّ تحولها "أصلًا لا استثناءً"، بل وتحولها لممارسة قانونية مُعلنة ومُشرعنة، كما في الظاهرة القروسطية -وربما الفرعونية!- الفجَّة المعروفة بـ"أبناء العاملين"(34)، والتي تظهر خصوصًا في أكثر الجهات الحكومية امتيازًا كقناة السويس وشركات المرافق العامة والبنوك وماسبيرو والوزارات المهمة(35) وحتى السلك القضائي(36) بتصريحات علنية من أحمد الزند، رئيس نادي قضاة مصر السابق(37)، وتصل لأكثر صورها فجاجة في السلك الدبلوماسي، حيث تُؤسَّس أحيانًا سفارات وقنصليات خصيصًا لاستيعاب أبناء الدبلوماسيين في دول لا تتجاوز جالياتها عدد موظفي السفارة أو القنصلية، وليتجاوز عدد سفارات وقنصليات مصر، الدولة الفقيرة محدودة التجارة الدولية(38) عددها للدولة العُظمى ذات المصالح الإمبراطورية، الولايات المتحدة الأميركية، بعدد 196 سفارة للأولى مقابل 117 للثانية(39)!

وعلى المستوى السياسي، تتمفصل المحسوبية مع ممارسات "شراء الولاءات" الكوربوراتية، كما في توزيع مواقع الدراسة والعمل بالأجهزة السيادية والكليات المرتبطة بها على أساس النفوذ العائلاتي والمكانة القبلية! وفي تخويل نواب مجلس الشعب صلاحيات شبه رسمية للتعيين بعدد وظائف معين، وفي التعيينات "التكريمية" للواءات المتقاعدين في المناصب العليا والاستشارية في المؤسسات العامة المدنية، وما إلى ذلك من ممارسات يرقى بعضها لمرتبة الانتهاكات الدستورية!

وحيث تتصل تلك المحسوبية من بعض جوانبها بضعف الفرص عمومًا؛ الناتج عن ضعف القدرة الإنتاجية لنمط النمو؛ لا عجب في عدم اقتصارها على بيروقراطية الحكومة والقطاع العام؛ حيث تظهر حتى في القطاع الخاص، بل وفي مجالات الموهبة كالفن والرياضة والإعلام، كظاهرة أبناء لاعبي الكرة والفنانين وزوجات المخرجين وأخوات المنتجين، إلى آخر تلك الكوميديا السوداء التي اكتسحت كافة المجالات، لتظهر نتائجها في تدهور مستوى المُنتَج والأداء في كافة تلك المجالات. ولا أدلَّ عليها من تناقضات فجَّة مثل استمرار فنانين ولاعبين في تلقي الملايين على أداءاتهم الرديئة التي بُحَّت أصوات الجمهور سخريةً وامتعاضًا منها، مقابل معاناة موهبة بارزة مثل "محمد صلاح"، لاعب الكرة الذي أصبح أحد نجوم الصف الأول عالميًّا، وكان صاحب الفضل الأول في ارتقاء مصر لمونديال 2018 بعد ثلاثة عقود تقريبًا من آخر مشاركة لها به عام 1990، في الحصول على مجرد فرصة؛ حيث لم تكْفِ موهبته وحدها، في بلد المحسوبية الفجة، لإقناع نادي الزمالك، وقبله نواد أخرى أصغر كطنطا وبلدية طنطا بضمه قبل بروز نجمه عالميًّا(40)!

وأخيرًا، تبرز بالطبع، على المستوى الإداري المباشر، الإشكالات "التقنية" في طريقة تنظيم الدولة لجهازها الإداري، التي سُكبت في الشكاوى بشأنها أطنان من الحبر، مثل(41): ضخامة وتعقد الجهاز الإداري، وتضخم العمالة مع سوء توزيعها وانخفاض نوعيتها، وتقادم وتضارب التشريعات، وضعف المُخصصات وغياب التفويض، وتقادم نظم إعداد الموازنة العامة وضعف تخطيطها طويل الأجل، سوء البنية التحتية علميًّا وتكنولوجيًّا؛ ما يظهر كذلك في ارتفاع "تكاليف الوكالة" في المؤسسات الحكومية والقطاع العام بما يزيد سوء الأداء وإهدار الموارد، والتي شملت في الحالة المصرية(42): تكاليف الإنفاق البذخي واستغلال المناصب وعدم أداء المديرين لواجباتهم ومشكلات الرقابة عليهم وتكاليف الحوافز والمكافآت وخسائر التسيب.

خاتمة: الضريبة -المالثوسية/الداروينية- اليومية للتخلف!

على مستوى أكثر تجريدًا، لا تعدو قضية ضعف البيروقراطية وتدهور الأداء الخدماتي في مصر أن تكون أمطارًا من غيوم ضعف الكفاءة الاجتماعية فيها عمومًا، ذلك الضعف الذي ورثته عن عدم اكتمال تحولها الرأسمالي الصناعي بشكل يحقق الرأسمالية "الرشيدة" والدولة "الحديثة" بالمعنى الفيبري، ثم عمَّقه وعمَّمه نمط النمو الريعي باتجاهاته التراجعية تصنيعيًّا والاستبدادية سياسيًّا والركودية اجتماعيًّا.

ويعرف أي مجتمع ثلاثة مسارات سوسيوتاريخية بحسب اتجاه كفاءته الاجتماعية، فهو إما في مسار "الإصلاح الفيبري" إذا حكمه نمط نمو ديناميكي لم يستنفد كافة إمكاناته التقدمية، بقيادة قوى اجتماعية مُنتجة ومؤسسات احترافية رشيدة؛ بشكل يشترط/ويكفل تطور كفاءته، أو في مسار "الانقلاب الماركسي" بعد تشبع النمط الديناميكي السابق واستنفاده إمكاناته التقدمية، مع ظهور قوى اجتماعية جديدة من صلب تناقضات النمط لتقدم حلولًا وبدائل لتثويره اجتماعيًّا وتطويره مؤسسيًّا ورفع كفاءته إنتاجيًّا، أو في مسار "التدهور الدارويني" مع عدم ظهور مثل تلك القوة الاجتماعية أو فشلها في تجاوز نمط النمو المأزوم؛ بما يؤدي لسقوط المجتمع في هوة التراوح الانهياري بإعادة إنتاج نفسه دون تقدم إنتاجي أو توزيعي، مع تدهور الإنتاج وتراجع الكفاءة(43).

ولا يعدو سوء حالة الخدمات العامة في مصر، ومآسيها الإنسانية المتكررة بوتيرة مُتصاعدة من حوادث في السكك الحديدية وما شابهها، أن يكون جزءًا من/ومظهرًا آخر للضريبة "المالثوسية" لمسار "التدهور الدارويني" المذكور، ضريبة عجز مجتمع عن مواجهة استحقاقاته التاريخية وتجاوز حالة التخلف المُستديمة بالنمط المأزوم ومؤسساته المتدهورة!

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) مجدي عبد الهادي، "اللفياثان المريض..ثنائية الطغيان السياسي والعجز التنموي للدولة المصرية"، مجلة لُباب للدراسات الاستراتيجية والإعلامية، مركز الجزيرة للدراسات، (العدد صِفر، نوفمبر/تشرين الثاني 2018، الدوحة).

(2) د. محمود عبد الفضيل، رأسمالية المحاسيب..دراسة في الاقتصاد الاجتماعي، (الهيئة المصرية العامة للكتاب (مكتبة الأسرة)، القاهرة، 2012م)، ص 60.

(3) Gretta Saab, Maya Ayoub, "The Dutch disease syndrome in Egypt, Jordan, Lebanon, and Syria: a comparative study", Competitiveness Review: An International Business Journal, (Vol. 20 Iss 4, 2010) pp. 343-359.

(4) حيث جرى تعميق التبعية من خلال التحول إلى اقتصاد ريعي، على حساب القطاعات الإنتاجية (نشاطات الإنتاج المادي من زراعة وصناعة وما في حكمهما)، بزيادة الاعتماد على "ريع البترول" بما يتضمنه استخراجه من تكنولوجيا لا يسيطر عليها الاقتصاد المصري، و"ريع تصدير القوة العاملة المصرية للخارج"، و"ريع الموقع" المتمثل في ريع السياحة وريع قناة السويس، و"ريع الفائدة" باتجاه تفضيل توجيه الادخارات الخاصة المحلية نحو إقراض الحكومة، أي تفضيل الفائدة كنوع من الدخل، وكذلك تفضيل العيش على فائدة الودائع، وخاصة من العملات الأجنبية..، فضلًا عن دخول العاملين في المناصب العليا في القطاع العام والإدارة الحكومية دون مساهمة حقيقية في الإنتاج، والاتجاه الريعي للسياسة الاقتصادية السائدة في الابتعاد عن كل ما هو إنتاجي والاعتماد على الدخول الريعية"، وقد ارتبط مُجمل الأداء الاقتصادي المصري عبر نصف القرن الماضي تقريبًا بتقلبات الريوع الخارجية المتوافرة له، والتي تراوحت تقديراتها ما بين 15% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (1970-2013)، و20% منه خلال الفترة (1993-2005)، وكلاهما معدل عال بالمقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 8.7%، لمزيد من التفاصيل:

  • د. محمد دويدار، الاتجاه الريعي للاقتصاد المصري (1950-1980م)، (منشأة المعارف بالإسكندرية، 1982م)، ص 160.
  • Bassem Kamar, Raimundo Soto, Monetary Policy and Economic Performance in Resource Dependent Economies, (The Economic Research Forum (ERF), Working Paper 1123, July 2017), p 27.
  • Hazem El Beblawi, Economic Growth in Egypt : Impediments and Constraints (1974-2004), (Commission on Growth and Development Working Paper, No. 14, 2008), P 24.

(5) Sara Bahaa Hamed Alnashar; Fatma Ibrahim Mohamed Elashmawy; Jala Emad Youssef, Egypt Economic Monitor: From Crisis to Economic Transformation - Unlocking Egypt’s Productivity and Job-Creation Potential (Arabic). (Washington, D.C. : World Bank Group, 2020), p 50.

(6) "خبير: 1200 منطقة عشوائية في مصر والدولة حريصة على تطويرها"، انتصار الغيطاني، الوطن، مصر، 30 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 3 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/qEeR9.

(7) إيمان محمد عبد اللطيف مصطفى، "المناطق العشوائية في مصر: الأسباب -الآثار -الحلول المقترحة"، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، جامعة عين شمس- كلية التجارة، (مصر، العدد (2)، أبريل/نيسان 2016)، ص 379

(8) وبتعريفات ومعايير مُختلفة على الأرجح.

(9) "بالأرقام.. تعرف على "العشوائيات في مصر.. تتجاوز نسبتها 60% في 3 محافظات"، هبة حسام، اليوم السابع، مصر، 15 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 3 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/vcSAx.

(10) علي الرجال، "عن العشوائيات في مصر: عساكر وفقراء وعصابات وعمران"، السفير العربي/ دفتر "إشكاليات في مقاربة دراسة العشوائيات"، لبنان، 12 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 3 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/yb2ky.

(11) د. جليلة القاضي، التحضر العشوائي، ترجمة منحة البطراوي، (المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2009).

(12) د. شحاتة صيام، التحضر الرث والتطور الرث، (مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997).

(13) أي باستبعاد المناطق الصحراوية والجبلية الخالية بشكل شبه كلي من العمران.

(14) Arab Republic of Egypt, Country map - Administrative structure - Population density of Egypt (Viewed in 4/5/2021): http://www.geo-ref.net/en/egy.htm.

(15) Gianmarco I.P. Ottaviano, Jacques‐François Thisse, "On economic geography in economic theory: increasing returns and pecuniary externalities", Journal of Economic Geography, Volume 1, Issue 2, 1 April 2001, Pages 153–179.

(16) يشير دكتور نزيه الأيوبي في هذا السياق لمفارقة أنه "رغم الخطاب المتحدث عن عدم المركزية والحكومة المحلية، ازداد التوظيف في البيروقراطية المركزية خلال الفترة نفسها بنسبة 60.4%، مقابل 28.7% للحكومة المحلية، مع ملاحظة أن بعض الموظفين المحسوبين جغرافيًّا على الحكومة المحلية، تابعون عمليًّا للحكومة المركزية"، بتصرف عن:

د. نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية..السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، ترجمة أمجد حسين، (المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2010م)، ص 593.

(17) قدَّم الدكتور رمزي زكي، رحمه الله، تفسيرًا للانفجار السكاني الذي تعانيه الدول المتخلفة بصفة عامة، ومنها مصر، يربطه فيها بنشأة التخلف (الهيكلي) في تلك الدول، والتدخل الاستعماري فيها بآثاره السلبي منها والإيجابي، فكانت "العوامل التي أدت إلى تخفيض معدل الوفيات من طبيعة خارجية، بينما العوامل التي أسهمت وما زالت تسهم في رفع معدل المواليد، من طبيعة داخلية، فضلًا عن أن العوامل الخارجية ذات تأثير نشط في إبقاء العوامل الداخلية المؤدية لارتفاع معدل المواليد،...، فقد استطاعت الدول الرأسمالية أن تعمل من خلال نشاطها داخل الدول المتخلفة، على تخفيض معدل الوفيات خلال فترة وجيزة، ولكنها عملت من ناحية أخرى وبنفس القوة باستغلال الدول المتخلفة وتطويق التطور فيها؛ ومن ثم الإبقاء على الظروف الاقتصادية والاجتماعية المسبِّبة لارتفاع معدل المواليد"؛ ما أدى إلى حالة من الاحتجاز الديمغرافي في المرحلة الثانية -عالية النمو- من مراحل النمو السكاني، واستمرار عملها حتى يومنا هذا، لمزيد من التفاصيل، انظر:

د. رمزي زكي، المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية الجديدة، (عالم المعرفة 84، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1984م)، ص 333 و334.

(18) لمناقشة أوسع لتلك الظاهرة وبخاصة في سياق النيوليبرالية في مصر، انظر:

إريك دينيس، "القاهرة: عاصمة لليبرالية الجديدة؟ من مدينة ذات أسوار إلى مجتمعات عمرانية ذات أسوار مغلقة"، ص 133-155، في: القاهرة مدينة عالمية.. عن السياسة والثقافة والمجال العمراني، شرق أوسط جديد في ظل العولمة، تحرير: دايان سينجر وبول عمار، ترجمة يعقوب عبد الرحمن، (المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015).

(19) "وباعها بثمن بخس.. عن فساد الأراضي في عهد مبارك.. حدث ولا حرج"، نيفين كامل، الشروق، مصر، 4 ديسمبر/كانون الأول 2014)، (تاريخ الدخول: 4 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/uWV9v.

(20) مجدي عبد الهادي، "اللفياثان المريض .."، ص 276-283.

(21) نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية، ص 373-396.

(22) يعقوب الشيحي، "عناصر أولية في سوسيولوجيا الدولة الريعية في المجتمعات العربية"، مجلة الفكر العربي المعاصر، (مركز الإنماء القومي، لبنان، مج 30، ع 150-151، ربيع 2010)، ص 156.

(23) إيليا حريق، "الدولة الرعوية ومستقبل التنمية العربية"، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، مجلد 11، عدد 121، مارس/آذار 1989)، ص 10.

(24) إيليا حريق، "الدولة الرعوية ومستقبل التنمية العربية"، ص 11.

(25) د. نزيه الأيوبي، الدولة المركزية في مصر، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989)، ص 12-13.

(26) احتلت مصر المركز 63 من إجمالي 136 دولة غطاها مؤشر كفاءة الإنفاق الحكومة بتقرير التنافسية الدولية عام 2017/2018: https://cutt.us/zyFYJ.

(27) Mohamed Ismail Sabry, "Cronyism as an Outcome of Institutional Settings: The Case of Pre-2011 Egypt", 2018 Proceedings of the Middle East Economic Association, Topics in Middle Eastern and North African Economies – (Volume 20, Number 1, May 2018), p 90.

(28) د. علي القادري، التنمية العربية الممنوعة.. ديناميات التراكم بحروب الهيمنة، ترجمة مجدي عبد الهادي، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2020)، ص 239.

(29) نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية، ص 635-636.

(30) آدم هنية، جذور الغضب.. حاضر الرأسمالية في الشرق الأوسط، ترجمة عمرو خيري، (دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات، القاهرة، 2020)، ص 119-126.

(31) د. سمير محمد عبد الوهاب، "دور الإدارة المحلية المُستدامة في ضوء الخبرات الدولية"، أحوال مصرية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (القاهرة، السنة الرابعة عشر، العدد (61)، صيف 2016)، ص 30، 31.

(32) "رئيس مصلحة الضرائب: نسبة التهرب الضريبي في مصر لا تقل عن 40%"، محمد متولي، الوطن، مصر، 1 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/RXuSv.

(33) "«المنير»: 49.5% من الضرائب حصيلة السلع والخدمات"، محسن عبد الرازق، المصري اليوم، مصر، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/C5D2a.

(34) "تعيين أبناء العاملين.. عُرف تحول لحق"، إيمان عوف، جريدة المال، مصر، 20 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/GQj5I.

(35) أشار أحد التقارير إلى بلوغ نسبة أبناء العاملين 30% من إجمالي 40 ألف موظف بوزارة الطيران المدني، وأن 600 من إجمالي 900 طيار هم من أقارب العاملين بالوزارة الجديرة بخطاب شكر على سماحها بتعيين ثُلث طياريها من خارج "قبيلة الوزارة" العريقة! انظر:

إنجي محمد عبد الحميد، "توريث الوظيفة العامة واختلال ميزان العدالة"، أحوال مصرية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (القاهرة، السنة الخامسة عشرة، العدد (63)، شتاء 2017)، ص 125.

(36) "«الإدارية لرئاسة الجمهورية» تقضي ببطلان تعيين أبناء العاملين بوزارة العدل بالمخالفة للقانون"، خالد مطر، الشروق، القاهرة، 12 مايو/أيار 2014، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/8jNBr.

(37) "الزند: تعيين أبناء القضاة سيستمر.. ولن تستطيع قوة في مصر إيقاف هذا الزحف المقدس"، محمد العيسوي، بوابة الأهرام، القاهرة، 9 مارس/آذار 2012، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/A29bW.

(38) مُحرِّك العلاقات الدولية الأول في العالم المعاصر.

(39) "سفارات مصر في الخارج تفوق الولايات المتحدة.. وعدد الدبلوماسيين في تزايد"، خليفة أدهم، بوابة الأهرام، مصر، 31 مارس/آذار ٢٠١٢، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/9HRzx.

(40) "ثلاثة أندية رفضت ضمَّ صلاح قبل تصدره عناوين الصحف العالمية"، Orange Football Club، مصر، 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2021): https://cutt.us/E8LiF.

(41) طارق محمد فاروق الحصري، الجهاز الإداري للدولة في مصر.. المفهوم، التحديات، ورؤية التطوير، (المركز المصري للدراسات الاقتصادية، ورقة عمل (205)، سبتمبر/أيلول 2019)، ص 20-34.

(42) د. محمد عبده مصطفى، "تكاليف الوكالة في المنظمات الحكومية المصرية"، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، جامعة عين شمس- كلية التجارة، (مصر، العدد (1)، ديسمبر/كانون الأول 2018)، ص 330-345.

(43) مجدي عبد الهادي، "العمل والملكية.. في التوازن التاريخي للديمقراطية الاجتماعية"، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، (المجلد (18)، العدد (76)، أكتوبر/تشرين الأول 2019)، ص 96، 97.