بعد مرحلة طويلة من التنسيق في العلاقات السعودية-الإماراتية، الذي وصل إلى مستوى التحالف في اليمن وملفات أخرى، أخذت تلك العلاقات تنزع باتجاه بروز بعض التقاطع أو التباين، وظهر التقاطع أو التباين في حالات ومنها الموقف من بعض القضايا الإقليمية، ثم وصل إلى مستويات عبَّرت عن عدم تطابق مرحلي في المصالح بشأن كميات النفط التي يجب التقيد بتصديرها ضمن ما عُرف بأوبك بلس.
إن التقاطع المرحلي الذي ظهر في يوليو/تموز 2021 إنما يرتبط بمنظور متباين للمصالح واحتياجات الدولتين، وليس متعلقًا بوجود صراعات أو خلافات أو أزمات في العلاقات بينهما.
تحليل التقاطعات أو التباينات، يمكن أن يوصِّلنا إلى تفسير لها، وكيف يؤثر ذلك على توجهات ومواقف الدولتين مستقبلًا تجاه بعضهما البعض، وتجاه القضايا التي يتعاملان معها، وهو ما ستجري الإشارة إليه كالآتي:
اختلاف الأوزان والاحتياجات
تعد السعودية أكبر دول مجلس التعاون الخليجي، فحسب بيانات العام 2019: عدد سكانها 34.2 مليونًا، منهم نحو 40% أجانب. وناتجها المحلي الإجمالي 792.9 مليار دولار، بينما متوسط دخل الفرد 23.13 ألف دولار، بينما بلغت تجارتها الخارجية نحو 63.66% من إجمالي الناتج المحلي، وتدفقت على البلاد استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 1.71% من إجمالي الناتج المحلي، بحسب بيانات البنك الدولي، وكما في الجدول المرفق.
الجدول (1): مؤشرات عامة للسعودية والإمارات
المؤشرات/الدول |
السعودية |
الإمارات |
||
2010 |
2019 |
2010 |
2019 |
|
عدد السكان بمليون نسمة |
27.4 |
34.2 |
8.5 |
9.77 |
الناتج المحلي بمليار دولار |
528.2 |
792.9 |
2553.5 |
421.1 |
متوسط دخل الفرد/ ألف دولار |
19.26 |
23.13 |
33.89 |
43.1 |
حجم التجارة الخارجية % من الناتج المحلي |
82.55% |
63.66% |
143.88% |
160.94% |
حجم الاستثمار الأجنبي المباشر % من الناتج المحلي |
0.74% |
1.71% |
0.7% |
3.78% |
الاحتياطي لدى البنك المركزي بمليار دولار |
459.3 |
514.9 |
32.78 |
108.36 |
حجم الصناديق السيادية بمليار دولار |
444.4 |
899.9 |
675.1 |
1363 |
المصدر: الجدول من عمل الباحث بالاعتماد على بيانات مؤسسات دولية (1)
بدأت السعودية تشهد تحولات مع صعود ولي العهد، محمد بن سلمان؛ إذ طرح عدة رؤى ومبادرات لإعادة تقديم البلاد إلى العالم العربي والإسلامي والدولي، فكان من بين مشاريعه: رؤية المملكة 2030(2)، وتتضمن تحولات في السياسة والاقتصاد والثقافة، ومنها العمل على إحداث تحولات فكرية تسمح بالكثير مما كان ممنوعًا قبل عدة سنوات، وربما يُفسَّر ذلك بأنه نوع من الانفتاح الذي يجذب الغرب في ظل الضغوط الغربية على البُعد المذهبي في المملكة.
أما الإمارات، فإنها ثاني أكبر دولة في المجلس، وتعمل على تقديم مبادرات وتنفيذ مشاريع عدة لضمان تحولها إلى فاعل إقليمي. وحسب بيانات العام 2019، بلغ عدد السكان 9.77 ملايين، منهم نحو 70% أجانب. وناتجها المحلي 421.1 مليار دولار، بينما متوسط دخل الفرد 43.1 ألف دولار، بينما بلغت تجارتها الخارجية نحو 160.94% من إجمالي الناتج المحلي، وتدفقت على البلاد استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 3.78% من إجمالي الناتج المحلي، بحسب بيانات البنك الدولي.
وما تمتاز به الإمارات أنها دولة طموح تعمل على تعزيز كل المؤشرات المستدامة التي تجعلها فاعلًا إقليميًّا، وطُموح قيادتها لا يقتصر على المكانة الاقتصادية إنما صار ينسحب على الأدوار السياسية والأمنية.
ملفات عالقة
يبدأ تاريخ العلاقات عام 1971 مع استقلال الإمارات؛ إذ ظهرت السعودية كأخ أكبر للبلدان الخليجية، قبل أن يؤسَّس مجلس التعاون الخليجي.
في الألفية الجديدة تزايد طموح البلدين بالتزامن مع أحداث: سبتمبر/أيلول 2001، واحتلال العراق في أبريل/نيسان 2003، ومشروع الشرق الأوسط الكبير 2003، وما عُرف بالربيع العربي 2011، ثم ظهور تنظيم الدولة 2013، وصاحبت تلك الأحداث الأزمة الاقتصادية العالمية عامي 2009 و2020، وهو ما فتح علاقات الدولتين على التعاون والتنسيق والتباين، وكان أهم ملفاتها:
1-العلاقات التجارية، إذ وصلت إلى 19.44 مليار دولار عام 2018، ونحو 17.85 مليار دولار عام 2019، وإذا أضيف إليها تجارة المناطق الحرة يصعد الرقم إلى 30.8 مليار دولار، والميزان التجاري لصالح الإمارات، كما يوجد نحو 4.3 مليارات دولار استثمارات سعودية مباشرة فيها، و4459 علامة تجارية سعودية مسجلة في الإمارات. في حين تستثمر الإمارات نحو 9.3 مليارات دولار في السعودية في 122 مشروعًا استثماريًّا، كما تستثمر البنوك الإماراتية 14.6 مليار دولار في السعودية، وفقًا لإحصاءات 2019 (3).
2-ظهر التنسيق في عدد من الملفات الأمنية ومنها: ملف اليمن، وحصار قطر، والتعاون في إطار التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية خليجيًّا، عام 2019، والتعاون في ملفات سوريا ومصر وليبيا.
إن التنسيق والتجارة لا تجعلنا نقول: إن العلاقات وصلت إلى مستوى التحالف، إنما تقع تحت عنوان: التنسيق أو التضامن السياسي، وذلك لا ينفي أن هناك تباينات وخلافًا يظهر بين حين وآخر.
أسس العلاقة السعودية الإماراتية
رغم المستوى الجيد لعلاقات الدولتين، ظهرت عدة تباينات، تقع تحت عنوان التقاطع المرحلي والانفتاح على التنافس. وبكل الأحوال، فإن العلاقات خاضعة للعلاقات الشخصية بين القادة جرَّاء غَلَبتها على الطابع المؤسساتي.
وبالاطلاع على التباينات، يُلاحَظ أنها تجسدت في الآتي(4):
- ما زالت عائدات النفط مرتفعة في موازنات الدولتين، وانخفاض أسعار النفط وارتفاع كلف التفاعلات الإقليمية، دفع بهما مع دول الأوبك ودول منتجة، ومنها روسيا والمكسيك، بين سبتمبر/أيلول-ديسمبر/كانون الأول 2016، إلى الاتفاق على خفض الإنتاج لرفع سعر النفط، إلا أن سعره بقي منخفضًا؛ مما جعلها تجتمع، بين ديسمبر/كانون الأول 2019- أبريل/نيسان 2020، واتفقت على خفض 10 ملايين برميل يوميًّا على أن تتم زيادة الإنتاج تدريجيًّا حتى أبريل/نيسان 2022، ووافقت عليه الإمارات على أمل أن يكون الإجراء مؤقتًا، وخفضت إنتاجها من 3.9 ملايين برميل يوميًّا، إلى نحو 2.59 مليون، في وقت استثمرت الكثير لزيادة الإنتاج. ولهذا، عندما جرت المراجعة على الاتفاق النفطي، في يوليو/تموز 2021، كان رأي السعودية استمرار الاتفاق، بينما رأت الإمارات أنه يتوجب السماح بزيادة حصتها في الإنتاج بما يتفق وقدرتها الإنتاجية، وهو ما تسبب بتباين في وجهات النظر مع السعودية، إلا أنه تم الاتفاق على تعديل إنتاج عدة دول ومنها الإمارات في 18 يوليو/تموز، بزيادة كلية للجميع بنحو 432 ألف برميل يوميًّا حتى نهاية 2021.
- في يونيو/حزيران 2017، اتجهت السعودية والإمارات، ومعهما البحرين ومصر، إلى حصار قطر، تحت عناوين: عدم انسجام سياساتها مع السياسات الخليجية، وعُدَّت الإمارات الأكثر تشددًا تجاه قطر بسبب سياسات التعامل مع التيارات الإسلامية، لكن في يناير/كانون الثاني 2021، أخذت السعودية تُنهي تدريجيًّا الحصار على قطر، وسارت على منوالها الدول الثلاثة، وأعلن أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، "أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح".
- ظهر تباين في إدارة ملف اليمن، فالإمارات شاركت السعودية في قتال الحوثيين، إلا أن هدفها كان مواجهة التيارات الإسلامية في جنوب اليمن، والحصول على منافذ على الممرات المائية في بحر العرب وخليج عدن، وفي يوليو/تموز 2019، بدأت الإمارات السحب المتدرج لقواتها، لتراجع أولويتها، وتقديم خياري: الاعتماد على الوكلاء المحليين، والسلام. وأظهرت السعودية توترًا من ذلك القرار بشكل غير مباشر، بتغريدات بعض الناشطين السعوديين ومنهم المقرَّب من دائرة الحكم، علي الشهابي، الذي وصف القرار الإماراتي بأنه طغت عليه العجلة وغاب عنه التنسيق مع الحلفاء(5). كما كان الدعم الإماراتي للمجلس الانتقالي الانفصالي في جنوب اليمن سببًا للتوتر مع السعودية؛ فالمجلس انتقد السعودية، وهو ما جعل السياسي السعودي، سليمان العقيلي، يقول: إذا لم تساعد أبوظبي في إنهاء أزمة جنوب اليمن، فأعتقد أن علاقات الدولتين ستظل تحت الاختبار(6).
- ظهر تباين في أولويات البلدين اقتصاديًّا، حسب أمير خان، الاقتصادي بالبنك الأهلي السعودي، بعد إصدار السعودية قرارات، منها(7):
- في فبراير/شباط 2021، قررت الامتناع عن ترسية تعاقدات حكومية على الشركات التي تقيم مراكز أعمالها خارج البلاد بعد 2024، بقصد جذب الشركات للعمل في الداخل (5% من الشركات المتعاملة مع السعودية لديها مقرَّات داخلها)، في وقت أغلب الشركات الكبرى تعمل من داخل الإمارات.
- علَّقت السعودية، في يوليو/تموز 2021، الرحلات الجوية القادمة من الإمارات وبرَّرته بأنه منعًا لانتقال فيروس كوفيد-19، وردَّت شركة طيران الإمارات بتوقيف جميع الرحلات بين البلدين.
- منع استيراد السلع التي تنتجها شركات إقليمية بعمالة وطنية تقل عن 25%، واستبعاد استيراد المنتجات الصناعية التي تقل نسبة القيمة المضافة فيها محليًّا عن 40%، من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون الخليجي، واعتبرت السعودية أن كل البضائع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعتبر محلية الصنع، وتلك المناطق هي من المحركات الرئيسية لاقتصاد الإمارات.
- اعتبرت كل البضائع التي يدخل فيها مكوِّن إسرائيلي، أو مملوك لمستثمرين إسرائيليين، غير خاضعة للاتفاق الجمركي الخليجي الذي يسمح بإعفاءات وتسهيلات لتجارتها خليجيًّا، ويُذكَر أن الإمارات وإسرائيل وقَّعتا اتفاقًا في مايو/أيار 2021 لتحفيز تطوير الأعمال.
إن حجم الخسائر للإمارات من القيود السعودية يأتي من أن الأولى تعد الشريك الثاني للسعودية تجاريًّا من حيث الواردات، فهي مركز رئيسي لإعادة تصدير المنتجات الأجنبية للسعودية.
تأثير التباينات على البلدين
يوجد بين الدولتين ملفات عدة، بعضها حمل جوانب تباين، كثيرًا ما كان يجري تسويتها بالدبلوماسية الشخصية.
إن تفسير الأسباب التي قادت لتصاعد التباين، يوضح أنها ترتبط بعوامل، منها(8):
- اتجاه ولي العهد، محمد بن سلمان، لجعل بلاده قوة إقليمية كبرى، إلى جانب طموح ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، بأن تؤدي بلاده أدوارًا إقليمية نافذة، ويحاول الظهور بصورة المنافس الإقليمي وليس الشريك الصغير للسعودية.
- أن كلًّا من الدولتين تعوِّلان على نمو القدرة الاقتصادية غير النفطية؛ فالأمر لا يقترن بصراع على حصص النفط فقط، إنما بالحصول على ايرادات نفطية أكبر لإطلاق مرحلة التنوع الاقتصادي. والسعودية ترى أنه يجب التحكم بالعرض لضمان سعر جيد؛ إذ قال الأمير، عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي: "حققنا إنجازات في مجال رفع أسعار الطاقة من خلال العمل على خفض الإنتاج"، والإمارات ترى وجوب تقدير الحصص استنادًا إلى القدرة على الإنتاج (تستطيع إنتاج 4 ملايين برميل يوميًّا). ورأى سهيل المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي: أن مطلب الإمارات هو زيادة إنتاجها، بعد أن استثمرت لزيادة عائدات هذا القطاع(9).
- لا يوجد تكامل اقتصادي خليجي؛ فالاقتصادات ما زالت تعتمد على الهيدروكربون، وصناعات تحويلية أو تجميعية بسيطة. تمكَّنت الإمارات عبر عدة عقود من بناء قدرة اقتصادية محدودة في قطاع الأعمال والخدمات والاستثمارات الخارجية، واستقطبت شركات عالمية، كما أصبحت ممرًّا لتجارة الترانزيت، وتجارة التجميع، واستطاعت خفض نسبة الاعتماد على ريع النفط، واتجهت السعودية متأخرة لتطوير الاقتصاد ضمن رؤية 2030 لتعظيم الإيراد غير النفطي، في ظرف تعرضت احتياطياتها النقدية لاستنزاف كبير على إثر الأزمات الإقليمية وانخفاض أسعار النفط، وهي بحاجة إلى أموال كثيرة لاستثمارها في تطوير اقتصادها، وسعت للاستثمار في قطاعات السياحة والترفيه، والمدن الصناعية، وقطاعات للإمارات فيها الريادة إقليميًّا، ومنها إدارة الموانئ والنقل الجوي، والطاقة البديلة، لتحفيز النمو، وكانت السعودية تتوقع، والكلام للخبير السعودي المقرب من دائرة الحكم، علي الشهابي، أن: إطلاق البرامج الاقتصادية قد يتسبب ببعض التنافس الاقليمي، والإماراتيون سيتفهمون أنه يتعين عليهم توفير بعض المساحة لذلك. وحسب رأي المسؤولة السابقة في البيت الأبيض، كريستين فونتينروز، المسؤولة عن الملف السعودي في معهد المجلس الأطلسي: إن البلدين قرَّرا إعطاء الأولوية لمستقبلهما المالي على حساب صداقتهما، فالأمر لا يتعلق بإطلاق حالة صراع إنما يتعلق بالتعامل مع أوضاع الاقتصاد، أي إن انطلاقة للسعودية في تطوير قطاعات تنافسية ستجعلها في دائرة منافسة الإمارات، بوصف الأخيرة المركز الرئيسي للأعمال والخدمات في المنطقة(10). على أن الإمارات تظل أكثر جذبًا لكثير من الشركات الكبرى لأنها هيأت مرافق مختلفة تعمل في بيئة ثقافية مفتوحة لاستقطاب أصحاب رؤوس الأموال وتيسر حياتهم وأعمالهم.
- لا يمكن أن تكون إسرائيل والولايات المتحدة عوامل محايدة في التباينات بين الدولتين، وحتى ملف العلاقة مع إيران نراه ملفًّا يحمل أبعادًا دولية أكثر منها أبعادًا إقليمية، والانفتاح على تلك الأطراف بلا تحفظات قد يكون سببًا لأزمات خليجية أكثر منه عاملًا داعمًا للتنسيق المشترك.
- أن ملف العلاقات الخليجية يتضمن تضامنًا بين البلدين، ومن ضمنه التضامن في موضوع حصار قطر عام 2017، لكن البلدين تباينا قليلًا في موضوع المصالحة معها، حتى ذهب الدكتور عبد الخالق عبد الله للقول: "لن يتحرك قطار المصالحة الخليجية ملليمترًا واحدًا بدون علم وبدون موافقة وبدون مباركة الإمارات المسبقة"، أما الكاتب السعودي، تركي الحمد، فيرى: "لا مصالحة إلا باتفاق الدول الأربعة"(11).
إن تحليل نتائج التباين على علاقات الدولتين، يوضح أنه سيقود إلى تأسيس العلاقات على قاعدة المصلحة بعيدًا عن عوامل التضامن والتنسيق التقليدية الشخصية، فالإمارات والسعودية باتتا تغلِّبان مقتضيات الدولة، خاصة في الجوانب الاقتصادية.
مستقبل العلاقات بين الدولتين
إن الخلافات بين البلدين قليلًا ما تظهر للعلن، أو في الخطاب السياسي الحكومي للدولتين، وأغلبها يجري حسمها بطريقة شخصية.
عمومًا، كان يجري التعامل مع التباين في المصالح بحذر شديد، خصوصًا أن السعودية تنظر إلى دورها كأخ أكبر لدول المجلس، في ظرف تُعد الإمارات طموحًا لتعزيز مكانتها إقليميًّا ودوليًّا.
إن ظهور تباينات في المواقف لا تطرح اختلافات استراتيجية بين الطرفين، فهي تشير إلى أن الأهداف السعودية لا ترتبط بالإمارات بقدر ما ترتبط بتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، والعكس صحيح، فالأهداف الإماراتية تتمثل في تحديد هوية خاصة للبلاد، وتأكيد استقلالية قرارها.
إن السعودية في مرحلة تحول، وتحديدًا في السياسة الاقتصادية، وكل التباينات في علاقات البلدين نسبية، ولا يعد التباين تصدعًا في علاقتهما، لعدة أسباب، منها:
- أن العلاقات لا يمكن أن توصف بأنها علاقات تحالف؛ إذ كانت العلاقات تدور حول التنسيق والتضامن المشترك أكثر منه التحالف، وهو ما اتضح في الموقف من أحداث ما عُرف بالربيع العربي. والعلاقات تتجه بشكل سريع لأن تتطبع بالتنافس المحدود.
- ما زال عامل الثقة الشخصي بين القادة وليس المؤسسية هو المتحكم بالقرار السياسي في البلدين.
- أن المواقف التي يُظهر البلدان تباينًا فيها، ما زالت غير حاسمة في تأثيرها على علاقاتهما، وإنما هي تقع في نطاق الممكن قبوله.
لا مجال للحديث عن احتمالية للصراع أو بروز الأزمات بينهما في المستقبل القريب؛ لأن الدولتين في مرحلة تحول وتأسيس وقائع جديدة، وكل منهما يعمل على تحقيق مصالح خارجية واسعة، وحصول تقاطعات أو تباين أمر طبيعي، ويمكن أن يحدث إعادة طرح ملفات مسكوت عنها، ومنها: ملف ترسيم الحدود(12)، وهناك احتمالية لعدم انسجام سياسات الإمارات مع السياسات السعودية مستقبلًا.
إن التحول في العلاقات بين قيادة البلدين يحتاج إلى عدة عقود في كل من الدولتين لتظهر نتائجه مؤسساتيًّا، وخلالها سيقلُّ اللجوء إلى التضامن المسبق، وربما تظهر بعض الأزمات المحدودة، إلا أن ما سيحدُّ منها إدراك الساسة في الدولتين أن خيارات كل منهما واسعة في التعامل مع موضوعات الاقتصاد والسياسة، إلا أنها محدودة في التعامل مع موضوعات الأمن، وأن قوة الدفع الكبرى هي باتجاه التنافس الاقتصادي، واستقرار العلاقات في بُعدها الأمني.
خاتمة
إن التوصيف المنطقي للعلاقات السعودية-الإماراتية يجعلها تقع تحت عنوان التضامن منذ صعود ولي العهد، محمد بن سلمان، لولاية العرش، إلا أنه وبفعل المشاريع السياسية والاقتصادية السعودية، ستسير تلك العلاقات في منحى التنافس الاقتصادي، فالسعودية الأكبر خليجيًّا، إلا أن الإمارات الأكثر دينامية سياسيًّا واقتصاديًّا وحتى ثقافيًّا، ومن ثم فإن التحولات منذ إطلاق مبادرة رؤية 2030 جعلت السعودية تنظر إلى أن الإمارات تتمتع بقدرات مستدامة في مجال التنافسية، ومن ثم ظهرت التباينات الطبيعية بين الدولتين.
إن المستقبل ينذر بأن العلاقات تسير باتجاه الابتعاد عن التضامن، والاقتراب من حالة التنافس الاقتصادي، ولا يغيِّر من هذا الاتجاه سوى توصُّل دول الخليج إلى صيغة تعاونية تمتص حدة التنافس بينها وتعزز تضامنها الأمني.
1 -البنك الدولي، إجمالي الناتج المحلي (القيمة الحالية بالدولار الأميركي)، موقع البنك، 17 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 17 يوليو/تموز 2021): https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?locations=AE-SA
-معهد صناديق الثروة السيادية-SWFI ، 19 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 17 يوليو/تموز 2021): https://www.swfinstitute.org
2- أطلقت السعودية مبادرة رؤية السعودية 2030، في أبريل/نيسان 2016، وتتضمن تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تُقدَّر بنحو 2000-2500 مليار دولار، بما يضمن تعزيز مكانتها، عبر خطوات، منها: التحرر من النفط عبر زيادة الإيرادات غير النفطية من 16% عام 2015 إلى 50% عام 2030، وطرح البطاقة الخضراء أمام الراغبين بالإقامة في المملكة، وزيادة المعتمرين، ومعدلات التوظيف، وإطلاق مبادرة لتوطين الصناعات العسكرية رغبةً بالوصول إلى غاية توطين صناعة السلاح من مستوى صفر% عام 2015، إلى نحو 50% من احتياجات البلاد عام 2030.
الشركة السعودية للصناعات العسكرية، 17 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 17 يوليو/تموز 2021): https://www.sami.com.sa/ar
3- محمود عبد الناصر، 7.6 مليارات دولار حجم التبادل التجاري بين السعودية والإمارات في 6 أشهر، 23 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 19 يوليو/تموز 2021): https://www.alroeya.com/117-81/2166731
4- سمير هاشمي، منافسة خليجية تدفع أسعار النفط إلى ارتفاع قياسي، 8 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2021): https://www.bbc.com/arabic/business-57762866
5- عبد الخالق عبد الله، دوافع سحب الإمارات لقوات من اليمن، 14 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 19 يوليو/تموز 2021): https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2019/07/14/uae-withdraw-forc…
6- تقرير: بوادر تفجر خلاف بين السعودية والإمارات بشأن اليمن، 17يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 17 يوليو/تموز 2021): https://arabi21.com/story/1372761
7 -السعودية تعدل قواعد الاستيراد من الخليج في تحد للإمارات، 5 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2021): https://www.aljazeera.net/ebusiness/2021/7/5
8- هل تصدع التحالف بين الإمارات والسعودية؟، 8 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2021): https://www.bbc.com/arabic/interactivity-57769826
9- الإمارات تدَّعي تعرضها للظلم والسعودية تصف مطالبها بغير المنطقية، 5 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2021): https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/7/5
10- الإمارات تدَّعي تعرضها للظلم والسعودية تصف مطالبها بغير المنطقية، 5 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2021):
https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/7/5
11- خلاف الإمارات والسعودية النفطي يبرز مسارين متباينين لحليفين وثيقين، 8 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2021): https://www.swissinfo.ch/ara/
12- "لا مصالحة دون مباركة الإمارات"، تغريدة تثير الجدل حول الأزمة الخليجية، 7 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 18 يوليو/تموز 2021): https://www.alhurra.com/uae/2020/12/07
13- رفضت السعودية الاعتراف باستقلال الإمارات إلا بعد ترسيم الحدود، البالغة 457 كم، واتفقت الدولتان في جدة عام 1974 على تسوية ملف الحدود، بأن تعطي الأولى جزءًا من واحة البريمي (2000 كم) للإمارات مقابل الحصول على:
أ.حقل شيبة النفطي (أو حقل زرارة بالتسمية الإماراتية)، احتياطياته 15.7 مليار برميل، وأقرَّ الاتفاق أن من تقع 80% من احتياطيات الحقل في أراضيه يملك حق تطوير وإنتاج النفط فيه، فكان للسعودية؛ وهو ما رفضته الإمارات لاحقًا.
ب.خور العديد، وهو المنطقة الساحلية بين الإمارات وقطر، وطولها نحو 50 كم، أصبح ضمن أراضي السعودية مع جزيرة الحويصات، مع ساحل يمتد لعشرين ميلًا بحريًّا بحسب الاتفاقيات الدولية. حاولت الإمارات طرح موضوع الخور للنقاش مرة أخرى عام 2004، وحدثت بسببه عدة أزمات:
-حاولت مع قطر، عام 2005، إنشاء جسر يربطهما عبر الخور، ورفضت السعودية ذلك بالقول: إنه لا يجوز أن يتم ذلك إلا بعلم السعودية لأنه يعبر فوق مياه إقليمية للبلاد.
-أصدرت الإمارات، عام 2006، الكتاب السنوي وفيه خرائط تُظهر الخور و80% من حقل الشيبة ضمن الأراضي الإماراتية.
-في 2009، أصدرت الإمارات هويات المواطنين وفيها الخور واقع ضمن أراضيها، وردَّت السعودية بقرار منع دخول الإماراتيين أراضيها باستخدام بطاقة الهوية الشخصية، ثم منعت السعودية، في يونيو/حزيران 2009، آلاف الشاحنات من دخول أراضيها من جهة الإمارات.
-في 2010، أطلقت زوارق إماراتية النار على زوارق لحرس الحدود السعودي في مياه الخور واحتجزت اثنين منها.
انظر: يؤال جوزنسكي، التنافس والخلافات الحدودية بين دول مجلس التعاون الخليجي، مركز الناطور للدراسات والأبحاث، 21 سبتمبر/أيلول 2012، (تاريخ الدخول: 19 يوليو/تموز 2021): http://natourcenter.info/portal/2012/09/21