كيف سقطت العاصمة كابل: انهيار أم صفقة؟

في هذا التعليق*، يسجل مراسل الجزيرة في أفغانستان، حميد الله محمد شاه، مشاهداته لسقوط العاصمة، كابل، ويضيء جوانب مختلفة تخص محادثات السلام الأفغانية ومساعي تشكيل الحكومة المستقبلية.
قادة أمنيون ومقاتلون من حركة طالبان يستلمون القصر الرئاسي في كابل (المصدر: خاص بالجزيرة للدراسات)

تدفق مقاتلو طالبان على العاصمة الأفغانية، يوم الأحد، 15 أغسطس/آب 2021، وسط مشاهد من الذعر والفوضى؛ مما أدى إلى انهيار سريع وصادم للحكومة الأفغانية يعلن انتهاء حقبة الاحتلال الأميركي لأفغانستان والتي استمرت 20 عامًا.

قبل سقوط العاصمة، كابل، بدأت سلسلة استيلاء الحركة على الولايات الأفغانية دون مقاومة من القوات الأفغانية، وفي وقت اعتُبر ذلك دليلًا على نجاح الحركة وفشل الطرف الآخر، يمكن الوقوف على معطيات تشير إلى أن ما جرى حدث ضمن صفقة غير معلنة.

بدأ عقد الحكومة الأفغانية بالانفراط باستيلاء حركة طالبان على ولاية نيمروز، في 7 أغسطس/آب 2021، وبعدها تحولت حركة طالبان بأنظارها إلى الولايات الشمالية وفي ذلك مفارقة واضحة تثير الاهتمام؛ حيث بدأ مقاتلوها السيطرة على الولايات الشمالية رغم أنها ليست حاضنتهم الشعبية. لقد أرادت الحركة أن ترسل رسالة بأنها صاحبة نفوذ يمتد على طول البلاد وعرضها.

صفقة أم سوء إدارة؟

بعد سيطرة حركة طالبان على المديريات والمناطق الواسعة في أفغانستان، أثار ذلك استهجان عدد كبير من زعماء الأحزاب السياسية ومسؤولين حكوميين حمَّلوا مستشار الأمن السابق، حمد الله محب، مسؤولية الانهيار السريع.

يقول مصدر حكومي سابق للباحث: إن الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، وبتأثير من مستشاره محب، قام على مدى أربع سنوات بتغيير وزراء الدفاع خمس مرات وقيادة الجيش ثلاث مرات، إضافة إلى تغيرات جذرية أخرى في العمود الفقري للقوات الأمنية. وهذه التغييرات أثَّرت سلبًا على معنويات ونفسية القوات الأفغانية. وبعدما زادت وتيرة استيلاء حركة طالبان على المديريات، وجَّه الرئيس الأفغاني السابق، كرزاي، سؤالًا إلى الرئيس أشرف غني نصُّه: "هل يمكن أن توضح لي هل كان استيلاء حركة طالبان صفقة أم سوء إدارة؟"

وحسب مصادر أمنية وحكومية تحدث إليها الباحث، فإن الولايات المتحدة الأميركية عندما وجدت أن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، يعرقل عملية السلام في أفغانستان قررت التخلص منه بهذه الصورة.

 وحسب مقابلات قام بها الباحث مع عدد من قادة الجيش، أكدوا له أنهم انسحبوا من المواقع العسكرية بناء على أوامر المسؤولين الأميركيين، ويتساءلون: إذا كان بإمكان طالبان السيطرة على الولايات بهذه السرعة، لماذا لم تبادر إلى ذلك 2014 حيث انسحبت معظم القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان وانحسرت مهمتها في التدريب والاستشارة؟

وقال مصدر حكومي قريب من أشرف غني للباحث: "إن الرئيس الأفغاني ونائبَيْه وعددًا من مستشاريه يعرفون هذه الخطة منذ ستة أشهر ووافق عليها وأن الأميركيين قدَّموا له ضمانات بعدم دخول مسلحي طالبان بالقوة إلى العاصمة، كابل، وقد قام بنقل عدد من صلاحياته إلى لجنة تشرف على نقل السلطة بصورة سلمية تتوافق عليها كافة الأطراف الأفغانية بما فيها حركة طالبان، وعندما دخل مسلحو طالبان إلى كابل عرف أن الجميع خذلوه حينئذ قرر مغادرة كابل.

كيف استلم مسلحو طالبان القصر الرئاسي؟

بعد مغادرة الرئيس الأفغاني ومستشاره الأمني وزوجته العاصمة، كابل، تسرَّب الرعب والخوف إلى قلوب مسؤولين آخرين، غادر الموظفون وحرس الرئيس القصر الرئاسي. وعندما دخل الباحث مع مجموعة من مسلحي طالبان كانت جميع الأبواب مغلقة، اضطر مسلح لكسر القفل بإطلاق الرصاص عليه. ودخل مجموعة من مسلحي طالبان القصر وهم يكبِّرون ويهلِّلون. وفي ليلة سقوط كابل، كان القصر هادئًا ولم نشاهد فيه إلا ثلاثة موظفين بقوا لتسليم القصر إلى حركة طالبان.

بعد دخول القصر، كان مكتب الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، مرتَّبًا كالسابق وكان كل شيء في مكانه إلا الكتب. قال حارسه الخاص، الجنرال أمين الله أندر: إنه جمع كتبه قبيل مغادرته وأخذها معه.

أفغانستان بلا رئيس

مرَّت على أفغانستان أربعة أيام وهي بلا رئيس؛ حيث لم يستقر قادة طالبان في القصر حتى الآن، ويؤكدون أنهم ينتظرون تشكيل آلية لتنظيم الأمور وشكل النظام وحيث وصل قادة الحركة العاصمة، كابل، ما زال آخرون في الطريق إليها.

وكان من الملاحظ أن رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان، الملا عبد الغني برادر، وصل على متن طائرة قطرية إلى ولاية قندهار، في تأكيد على رمزية وتاريخ المدينة وأهميتها في التاريخ السياسي لأفغانستان.

ويقول الملا خير الله خيرخوا، عضو المكتب السياسي ووزير الداخلية في حركة طالبان في 2001، إنه جاء إلى قندهار لأن حكومته انهارت، ومن هنا سنبدأ جولة جديدة بعد خروج القوات الأميركية من أفغانستان.

بعد دخول مسلحي طالبان إلى كابل تمكنوا من السيطرة على كافة المراكز الحكومية. وبعد الاستيلاء على القصر طويت الصفحة التي بدأتها الولايات المتحدة منذ عقدين من غزو القوات الأميركية لأفغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

شكَّلت تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان حالة انهيار قوَّضتها السياسات المضلِّلة والمتناقضة. ويسجِّل مسؤول حكومي سابق غياب التنسيق بين المؤسسات الأميركية تجاه القضية الأفغانية؛ حيث إن "الخارجية الأميركية كانت تفرض علينا سياسة ووزارة الدفاع تفرض أمرًا آخر، ولم يكن لدينا صلاحية بأن نقول لهم: إن هذا يعارض القيم الأفغانية ولا يمكن أن يؤتي أُكُله وذلك لسبب بسيط: لأنهم كانوا يملكون المال، ومصداقًا للمثل الأفغاني: "كسيكه نان ميته فرمان ميته" (مَنْ يقدِّم الخبز يُصدر الأوامر).

وبهذه البساطة، انهارت المنظومة الأمنية والعسكرية التي أنفقت الولايات المتحدة في بنائها، حسب معهد واتسون بجامعة براون ومركز باردي بجامعة بوسطن، 2261 مليار دولار.

سجَّلت مواقع التواصل الاجتماعي مشهدًا لدبابة أميركية تهرب من مسلح يركب دراجة النارية بصورة تلقي بالشك على كل ما جرى خلال شهر واحد.

تمكنت حركة طالبان من بسط السيطرة على مفاصل الدولة بطريقتها التقليدية؛ حيث كلفت كل مجموعة بحراسة موقع أمني أو حكومي في العاصمة، كابل.

حركة طالبان تعلن العفو العام

اختارت حركة طالبان منذ عام سياسة تشجيع القوات الأفغانية والأمنية على الانضمام إليها مع تقديم ضمانات بالحفاظ على حياتهم وأحيانًا تستغل نفوذ زعماء القبائل للتوسط مع القوات الأفغانية. وبعد دخولها العاصمة، كابل، أعلنت العفو العام عن جميع الذين كانوا ضدها قبيل دخولها العاصمة. وفعلًا، لم تتعرض حركة طالبان لأي مسؤول حكومي في العاصمة، كابل، وما حدث في ولاية هرات من اعتقال حاكم الولاية ووكيل وزارة الداخلية وقائد الجيش ورئيس المخابرات؛ فطالبان تعاملت معهم حسب القيم الأفغانية وأرادت أن ترسل رسالة إلى العالم والأفغان على السواء بأنها عدلت من سلوكها في تعامل مع خصومها.

طالبان
القيادي في طالبان آمیر خان متقی یتحدث للباحث (المصدر خاص بالجزيرة للدراسات)

ورغم إصدار البيان باسم زعيم حركة طالبان إلا أن حدوث تصرفات فردية يلقي بظلاله على موقف الحركة من بعض القيادات الأمنية حيث قائد شرطة ولاية لغمان وحاكمها في السجن رغم تسليم السلطة إلى حركة طالبان بصورة سلمية.

مصير المفاوضات الأفغانية!

عندما انطلقت المحادثات الأفغانية-الأفغانية، أرسلت الحكومة الأفغانية وفدها المكون من واحد وعشرين شخصًا بغرض المفاوضات إلى العاصمة القطرية، الدوحة، ولكنه لم يتمكن من تحقيق الأهداف المنشودة لأسباب كثيرة، من أهمها:

  • لم يكن الوفد على قلب رجل واحد؛ حيث بعض أعضائه يريدون السلام في أفغانستان ولكنهم كانوا معارضين للرئيس، أشرف غني، فكانوا يقدمون مقترحات أخرى مثل تشكيل حكومة مؤقتة واستقالة الرئيس ونقل المفاوضات من الدوحة.
  • بينما كان وفد طالبان ذا صلاحية، واجتمع فيه كبار القادة وأعضاء في اللجنة السياسية لم يكن الوفد الحكومي بالمستوى ذاته؛ إذ اجتمع فيه ممثلو الأحزاب السياسية والعرقية.

كان أشرف غني يفكر في سحب الوفد من مفاوضات الدوحة ولكنه كان يخشى تداعيات قراره خاصة أنه كان متهمًا من قِبل حركة طالبان والأحزاب السياسية بعرقلة المفاوضات.

لم تعلن حركة طالبان ولا الحكومة الأفغانية إنهاء المفاوضات ولكنها عمليًّا توقفت منذ أشهر. ومع سيطرة طالبان على كابل، تغيرت أجندة المفاوضات من وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان إلى نقل السلطة سلميًّا وتشكيل حكومة توافقية، وفق المحادثات التي يجريها الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي.

وحسب مصدر قريب من حركة طالبان تحدث إليه الباحث، يوجد تياران في الحركة: الأول: يريد تشكيل حكومة مؤقتة من شخصيات ذات كفاءة ومستقلة لفترة لا تقل عن ستة أشهر وتكون مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات. ويضيف هذا التيار أن هذا الحل يرضي المجتمع الدولي والشعب الأفغاني ولن يحتكر أحد السلطة.

ويتحدث التيار الثاني عن تشكيل حكومة ائتلافية وأن تختار الحركة أعضاءها من العرقيات الأخرى.

وبعد سيطرة طالبان على كابل لم تصرِّح عن موقفها تجاه تشكيل الحكومة والنظام السياسي، ويشكِّل هذا الأمر مصدر قلق لكثير من الأحزاب السياسية والمجتمع الدولي. كما أن وجود ثلاثة آلاف من القوات الأميركية في مطار كابل يضغط على الحركة التي تدرك أن الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي سوف يعارض استحواذ طالبان على السلطة.

معظم الأفغان قلقون من انزلاق البلاد إلى الفوضى والحروب الأهلية، ورغم إعلان حركة طالبان العفو العام وإنهاء الحرب في أفغانستان يخشى بعض الناس من أن تقوم طالبان بهجمات انتقامية ضد أولئك الذين عملوا مع القوات الأميركية أو الحكومة. وتعبِّر مؤسسات مجتمع مدني عن قلقها من أن تعيد الحركة فرض التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية الذي اعتمدوا عليه عندما أداروا أفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001، وإن كانت الحركة سعت خلال السنوات الأخيرة لتقديم نفسها كقوة أكثر اعتدالًا.

*في هذا التعليق، يقدم مراسل الجزيرة في أفغانستان، حميد الله محمد شاه، روايته للحالة الأفغانية وفق مشاهدات ومقابلات أجراها.

نبذة عن الكاتب