رفسنجاني قادم.. ترشيح يخلط أوراق الجميع

مما لا شك فيه، أن قرار هاشمي رفسنجاني ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع إجراؤها في منتصف يونيو/حزيران القادم، هو تطور يتصدر الحدث الانتخابي ، ويعيد خلط أوراق الجميع وأولهم التيار الأصولي ، يرصد هذا التقرير أبعاد وتداعيات وتأثيرات هذه الخطوة.
201351310254470734_20.jpg

خامنئي (يسار) ورفسنجاني مصلحة النظام تفرض شروطها (أسوشيتد برس)

منذ أن بارك آية الله هاشمي رفسنجاني دخول أبنائه السجن والتوقعات الحذرة تتزايد بأن رجل "الدقيقة 90" كما يلقب، ينوي العودة إلى بؤرة العمل السياسي وترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع إجراؤها في منتصف يونيو/حزيران القادم.

مما لا شك فيه، أن قرار هاشمي -كما يُطلَق عليه في إيران- ترشيح نفسه، هو تطور يتصدر الحدث الانتخابي الإيراني، ويعيد خلط أوراق الجميع وأولهم التيار الأصولي الذي أعلن عدد من رموزه دخول المنافسة وفي مقدمتهم علي ولايتي وزير الخارجية السابق ومستشار خامنئي المقرب وقاليباف عمدة طهران وحداد عادل صهر المرشد ورئيس مجلس الشورى السابق.

ويبدو أن هذا الترشيح جاء بمباركة أو سكوت من المرشد، فقبل أيام قليلة من إعلان ترشحه صرح رفسنجاني: بدون موافقة القائد على مشاركتي ستأتي النتائج بصورة عكسية. وتوكيده بعد ذلك على أن "بدون مباركة حضرته لن أدخل هذا المضمار".

سيحدث دخول رفسنجاني المتأخر إرباكًا في صفوف الجميع كما حدث في الانتخابات الرئاسية التاسعة سنة 2005، فالطريقة التي جاء بها زعزعت صفوف التيار الأصولي وأخلّت بخططهم؛ فرفسنجاني الذي تلقى ضربات عديدة من الإصلاحيين، وخصوصًا التيار الراديكالي منهم، قدم المساعدة للأصوليين في انتخابات المجالس البلدية الثانية في سنة 2003، وفي الانتخابات السابعة لمجلس الشورى الإسلامي في سنة 2004، والتي انتهت بفوزهم، الأمر الذي قاد إلى إزالة التكدر من أذهان الأصوليين وعقولهم تجاه رفسنجاني على خلفية دعمه طيف "كوادر البناء" وحكومة خاتمي، إلا أن هذا التقارب ما لبث أن انهار مع بدء الدعاية الانتخابية لرفسنجاني، ولاسيما أن هذا الأخير، وفي أكثر من اجتماع مع التيار الأصولي،  ذكر أنه لن يرشح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية، وأنه سيترك هذا المنصب للشباب.

في هذه المرة أيضًا، كما في السابق مارس رفسنجاني سياسة ذكية تتعمد بث أخبار تؤكد ترشحه وأُخرى تنفيها، وهو ما حوّل ترشحه أو عدمه إلى العنوان الأساسي في الانتخابات، ثم شرع بعد ذلك يلمّح إلى قراره الترشح بصيغة تشي بأنه مجبر على خوض المنافسة بقوله: إن قضية رئاسة الجمهورية تشغل بالي حاليًا، ومع أني أرغب في أن يتولى شخص آخر هذه المسؤولية، إلا أني أعتقد أنه يجب تناول هذا الدواء المر، والحدث الذي لم أكن راغبًا في وقوعه يبدو أنه يوشك أن يقع.

بصورة تعكس شخصية الرجل، شهدت تحالفات رفسنجاني الكثير من التبدل والتحول، فأعداء الأمس صاروا حلفاء اليوم، وكما لا يوجد عدو دائم لا يوجد صديق دائم؛ فالتوتر الذي صبغ علاقات رفسنجاني بحزب "مشاركت" الإصلاحي في فترة من الفترات وجد ما يماثله في تيار "آبادكران" ("المعمّرون") الأصولي الذي أطلق شعار التغيير الاقتصادي، وكذلك مع تيار أحمدي نجاد الذي انتقد السياسات الاقتصادية على مدى الـ 16 عامًا الماضية، وعلى وجه الخصوص سياسة رفسنجاني التي دعت إلى الاقتصاد الحر.

وخلال السنوات الأخيرة وجد رفسنجاني أن إرثه السياسي كله عرضة للخطر أمام زحف التيار النجادي الذي وجّه زعيمه اتهامات كبرى لسياسة رفسنجاني التي حكمت إيران مدة طويلة، وصنفه ضمن مسؤولين رئيسيين عمّا وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية من تراجع، وما رافقها من اتساع رقعة الفقر والحرمان وغياب العدالة.

يتكرر المشهد اليوم بصورة تثير العجب، فالبلبلة التي باتت تُسمع تعطي صورة عن مستوى الإرباك الذي حدث، في العام 2005 لم يُظهر أي من مرشحي التيار الأصولي رغبته في أن يكون منافسًا لرفسنجاني. وحتى فترة قريبة من انتهاء مدة الترشح أعلن أربعة مرشحين بارزين، هم: علي أكبر ولايتي، وعلي لاريجاني، ومحسن رضائي، ومحمد باقر قاليباف، أن مشاركتهم مرهونة بعدم مشاركة رفسنجاني. وعلى الرغم من قيام محسن رضائي بتوجيه النقد إلى هاشمي في أكثر من مناسبة، فإنه في نهاية المطاف انسحب من الانتخابات. أمّا محمد باقر قاليباف، وبعد جلسات مغلقة مع رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، فقد أعلن ترشيح نفسه معتبرًا أن  منافسه الرئيسي هو هاشمي رفسنجاني، وأنه سيتغلب عليه، لكنه بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات وانحصار المنافسة بين رفسنجاني ونجاد، طلب من مؤيديه دعم رفسنجاني.

يحمل هذا التكرار أوجه شبه عديدة لكن عناصر أخرى باتت تشكل المشهد السياسي الإيراني اليوم ولا يمكن إسقاط تأثيرها؛ فهاشمي 2005 ليس هو هاشمي 2013، والتغيير الذي حدث في تحالفات الرجل ومواقفه السياسية أخذ منحى حادًا كاد أن يصل إلى درجة الصدام مع مؤسسة المرشد في انتخابات الرئاسة العاشرة سنة 2009. في هذه الانتخابات دعم رفسنجاني بقوة مير حسين موسوي، الذي فشل برنامجه الاقتصادي يساري النزعة عندما كان رئيسًا للوزراء بدور مباشر من رفسنجاني.

منذ الانتخابات التي أعقبتها احتجاجات على إعادة انتخاب أحمدي نجاد وكثيرون يصفون رفسنجاني بأنه "عرّاب الفتنة والأب الروحي لها". وهذا الاتهام يتشارك فيه قادة من الحرس الثوري ونواب في مجلس الشورى وشخصيات قريبة من المرشد. ويعتقد وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي بدور مؤثر لرفسنجاني في "أحداث الفتنة"، وقبل أسابيع أعاد مصلحي الاتهام دون أن يذكر رفسنجاني بالاسم.

ما زال الخصوم والأنصار معًا يسوقون "حادثة الرسالة" الشهيرة، لكن كلٌ يسوقها من وجهة نظره؛ فالأنصار يرون أن "رفسنجاني ببصيرته وخبرته أدرك التهديد الذي يمثله أحمدي نجاد، واستشرف خطرًا يهدد مسيرة الثورة وحذّر منه"، فيما الخصوم يرون أن توقع الصدامات التي حدثت عام 2009 كان ممكنًا من خلال قراءة الرسالة التي وجهها رفسنجاني إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، والتي هدد فيها بالخروج إلى الشوارع في حالة إعادة انتخاب أحمدي نجاد. يعتبر الخصوم أن تهم الفساد التي أطلقها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والتي طالت عائلة رفسنجاني، تركت تأثيرًا كبيرًا في حالة الاحتجاج. أمّا الدليل على ذلك فهو ما تضمنته رسالة رفسنجاني من تهديد مبطن بفاعليات مضادة يكون ميدانها الشوارع والجامعات. وجاء في الرسالة: لنفرض أنني واصلت نهجي السابق بالتزام الصبر، فلا شك في أن قسمًا من الشعب والأحزاب لن يتحمل أكثر من هذا، وستنتقل البراكين من الصدور إلى المجتمع، حيث نشاهد نماذج لذلك في التجمعات الانتخابية في الشوارع والجامعات. وقرأ نواب في مجلس الشورى الإيراني رسالة رفسنجاني على أنها لم تأتِ ردًا على اتهامات بالفساد، وإنما قصدت التأثير في سير الانتخابات بما يعزز من موقف مير حسين موسوي. فالعضو الأصولي في مجلس الشورى حميد رسايي وصف رسالة رفسنجاني بأنها "الشرارة التي هددت بإحداث انقلاب مخملي"، وأن ذلك "ليس بالأمر الجديد، لكنه اليوم صار معلنًا". وتساءل رسايي في هذا الصدد عن صمت رفسنجاني سابقًا عندما اتهمه الإصلاحيون -حلفاؤه اليوم- خلال الدورة السادسة للمجلس بتهم أكثر خطورة من أبرزها القتل المتسلسل الذي طال عددًا من المثقفين الإيرانيين، وهذه التهم أوردها أكبر كنجي في كتابة "عالي الجناب ذو الرداء الأحمر عالي الجناب ذو الرداء الرمادي" لكن كنجي اليوم تحول إلى مدافع عن رفسنجاني وسياساته.

ومع أن رفسنجاني قال إنه لا يريد أن يقارن بين حكومة بني صدر والحكومة الحالية، وإنه لا يريد لها المصير نفسه، إلا أنه عقد المقارنة فعليًا واعتبر الوقوف في وجه أحمدي نجاد "ضرورة للحيلولة دون تورط البلد في مصير تلك الفترة". ولذا، لم يكن من دون قصد قيامه بالتذكير بالأحداث التي اندلعت في مطلع سنة 1981 وانتهت بعزل بني صدر، وكيف كان "هو وقائد الثورة –خامنئي- والراحل بهشتي يشكّلون ثلاثيًا عُرف باسم أنصار الخميني الثلاثة"، وهو الائتلاف الثلاثي الذي "تمكّن انطلاقًا من إرشادات الإمام، ومن مواكبة قوى الثورة، وخصوصًا نواب المجلس الأول وحزب الجمهورية الإسلامية، من إنقاذ البلد من مؤامرة خطط لها أعداء الثورة" كما ورد في رسالة رفسنجاني.

لم ينجح رفسنجاني في إقامة حلف مع المرشد يُسقط أحمدي نجاد، لكنه أدار صراعه مع خصمه اللدود بحساسية بالغة، وبعد أن كان القضاء يلاحق ابنته فايزة وابنه مهدي وهما خارج البلاد إذا بهما يقرران العودة والرضوخ لحكم القضاء ودخول السجن. أما الصعيد الاقتصادي فقد كسب رفسنجاني رهانه على فشل سياسة أحمدي نجاد الاقتصادية، بعد أن بلغ التضخم حدودًا لا سابق لها: 30% وفق المركز الوطني للإحصاء و40% وفق تقديرات لخبراء اقتصاديين.

يعود رفسنجاني لبؤرة الصراع والمنافسة فيما تُطرح أسئلة كبيرة حول دور إيران في الخارج، وقد كان رفسنجاني يرجح كفة التوجه إلى الداخل على حساب دعم حزب الله في لبنان، ومعروف أن هذا التوجه له أنصاره ومؤيدوه وتجلّى في شعارات "لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران".

وفيما تتعالى شكوى الـ"بازار" على وقع شعار "الاقتصاد المقاوم" عاد الحديث عن الحاجة إلى خطاب رفسنجاني الاقتصادي، وهو الخطاب الذي حاول أخذ إيران نحو مقولات جديدة تتضمن التحديث والعولمة، ولاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتركز بشكل أساسي على أسئلة الهوية وإشكالياتها في إيران، نظرًا إلى المستجدات العالمية الجديدة بشأن هذه القضية. وقد يكون هذا الدوران والتحول عائدًا إلى مقتضيات حالة إعادة البناء التي شهدتها إيران بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية؛ حيث أوجد فريق رفسنجاني خطابًا جديدًا دعا إلى الالتفات إلى عمليات العولمة، وإحداث تغيير في السياسات الخارجية الاقتصادية والاجتماعية، كما أن الحكومة دافعت عن وجهة نظرها أمام المجلس بالقول: إن إعادة النظر في السياسة الخارجية هي من الشروط اللازمة للتنمية الاقتصادية لإيران، وخصوصًا بعد حرب الخليج الثانية. وجاءت السياسة الاقتصادية لحزب كوادر البناء متأثرة بالرأسمالية والاقتصادية الليبرالية، وبالخصخصة وتحرير الاقتصاد، وبتدخلٍ للدولة في الشأن الاقتصادي بالحد الأدنى، وبالتنسيق مع المؤسسات الدولية المعنية بشؤون الاقتصاد.

قبل أسابيع كان خامنئي يحدد شروط الرئيس القادم بقوله: "تحتاج إيران كأمة عظيمة ومقاومة إلى رئيس يكون شجاعًا بما يكفي ليقف في وجه الغطرسة الموجودة على الساحة الدولية، وفي نفس الوقت يكون لديه برنامج ويكون حكيمًا على الصعيد المحلي، دون أن يتسبب في حدوث احتجاجات شعبية وتوتر وأن يقول شعارات منطقية قائمة على الواقع".

وما زال خامنئي وهو يحدد "الخلطة السحرية" للرئيس القادم مؤمنًا بخط مغاير لنهج رفسنجاني على صعيد تحرير الاقتصاد والعلاقة مع الخارج، لكنه أيضًا يدرك أن المرحلة الحساسة التي تمر بها إيران تحتاج إلى دهاء رفسنجاني، كما أن الأزمة السياسية الداخلية طالت أكثر مما يجب، وإنهاؤها يحتاج إلى رجل بثقل رفسنجاني.

إن كان ترشيح رفسنجاني تم بمباركة المرشد فذلك يعني أن خامنئي وصل إلى نتيجة مفادها أن صديقه القديم الذي شاركه أسرار الثورة والجمهورية وصعود سلم السلطة، يمسك بزمام الحل. أما إن كان تحذير الوزير مصلحي المقرب من خامنئي أيضًا موجهًا إلى رفسنجاني بعينه بأن "لا يخطئ ويظن أن الثورة نسيت دوره في الفتنة التي حدثت" فذلك معناه أن مياه الصداقة لم تعد إلى مجاريها بينهما، وأن الأمور تسير إلى الإجهاز النهائي على تجربة رفسنجاني بصورة ناعمة ومن خلال انتخابات وتدافع سياسي.

والاحتمال الثاني يعني ضرورة وجود مرشح يحظى بمكانة أكبر لدى خامنئي، وكذلك يكون قادرًا على توحيد الصف الأصولي ومنافسة رفسنجاني بقوة وهذا الشخص لا يمكن أن يكون حسن روحاني المعروف بولائه لرفسنجاني سياسيًا وفكريًا وقلة حظوظه داخل التيار الأصولي، ولا يمكن أن يكون قاليباف المعروف بأنه يُكنّ احترامًا شديدًا له. وهنا تتجه الأنظار إلى ولايتي فهو وإن كان يقر بمكانة رفسنجاني وتأثيره إلا أنه يستطيع أن يقف منافسًا له.

على جبهة صراع "رفسنجاني-نجاد" بدأ فصل جديد من المواجهة المستمرة منذ عقد تقريبًا، فقد ترشح مستشار أحمدي نجاد المقرب رحيم مشائي، ودخل مبنى وزارة الداخلية لتسجيل اسمه يرافقه الرئيس الإيراني.