حزب الله: الحسابات التكتيكية والأثمان الإستراتيجية

يعد انخراط حزب الله العلني في القتال بسوريا من أجل دعم نظام الأسد منعطفا كبيرا. فمن قبل، كان الحزب يُدرج وجوده وإستراتيجيته ويبرر امتلاكه للسلاح في الإطار اللبناني، لكنه بات الآن يبرر وجوده ودوره ضمن تحالف مع قوى إقليمية، يسميه حلف المقاومة.
201363173353361734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

يعد انخراط حزب الله العلني في القتال بسوريا من أجل دعم نظام الأسد منعطفا كبيرا، سواء في الحرب الدائرة في سوريا أم في مستقبل حزب الله، أم الوضع في لبنان. فمن قبل، كان الحزب يُدرج وجوده وإستراتيجيته ويبرر امتلاكه للسلاح في الإطار اللبناني، لكنه بات الآن يبرر وجوده ودوره ضمن تحالف مع قوى إقليمية، يسميه حلف المقاومة.

تدخل متدرج

كانت قد انقضت أشهر ثلاثة على الثورة السورية حين تشكلت حكومة نجيب ميقاتي في بيروت (13 يونيو/حزيران 2011) والمدعومة من حزب الله، بعدما كانت حكومة سعد الحريري قد سقطت (يناير/كانون الثاني 2011) بفعل استقالة ثلث وزرائها بإيعاز من بشار الأسد كما تناقلت عدة تقارير. وقد اختار ميقاتي سياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية، في محاولة لدرء انعكاساتها السلبية على لبنان المنقسم بين مؤيد للنظام السوري ومعاد له. لكن سرعان ما تبينت استحالة تطبيق مثل هذه السياسة على أرض الواقع بسبب التداخل الجغرافي والاجتماعي والتاريخ السياسي وصعوبة ضبط الحدود بين البلدين. ففي مايو/أيار 2011 بدأ اللاجئون السوريون، الهاربون من قمع النظام في تلكلخ وغيرها من البلدات والمدن القريبة من لبنان، بالتوافد إلى القرى ذات الغالبية السنية في الشمال والبقاع الشمالي . ومع تطور الأزمة وتزايد أعداد النازحين، بدأ الجيش السوري القصف والتوغل داخل الحدود اللبنانية بدعوى ملاحقة منشقين عنه ومقاتلين ضده. وتشكلت حالة تضامن شعبية، في البلدات السنية، مع الثوار السوريين.

من جهته، أيَّد حزب الله في بداية الثورة النظام السوري، إعلامياً وسياسياً على الأقل، معتبراً أن ما يتعرض له مؤامرة دولية تهدف إلى كسر حلف الممانعة ومحاصرة المقاومة التي انتصرت على إسرائيل. لكنه اختار دعم سياسة النأي بالنفس الحكومية والابتعاد عن الأضواء لا سيما بعد الإحراج الذي تسبب به إلقاء القبض على وزير الإعلام الأسبق ميشال سماحة واتهامه باستعمال سيارته الخاصة، في أغسطس/ آب 2012، في نقل متفجرات سلمه إياها مدير الأمن السياسي السوري، علي مملوك، لاستخدامها في هجمات ضد المدنيين في الشمال السني اللبناني المؤيد للثورة السورية.

ثم أخذت تتكاثر الحوادث الأمنية في لبنان المرتبطة بالحرب السورية والتي راحت بدورها تشتد ضراوة واتساعاً، وأضحت مدينة طرابلس مسرحاً لمناوشات بين حي جبل محسن ذي الغالبية العلوية المؤيدة لبشار الأسد وحي باب التبانة السني المعادي له. وتفاقمت حدة الاحتقان المذهبي على وقع المجازر في سوريا وأصيبت الحكومة اللبنانية بالشلل بسبب الخلافات بين وزرائها، ما انعكس على القوى الأمنية التي أصيبت بالإرباك والعجز عن ضبط الحدود التي غدت مسرحاً لتهريب السلاح والمقاتلين بين الجانبين.

في أكتوبر/تشرين الأول2012، صدرت تقارير صحافية عن اشتراك حزب الله في القتال في سوريا. ذلك أن جنازات عديدة أقيمت في قرى شيعية لبنانية لمقاتلين من الحزب دفنوا على أنهم "شهداء" من دون معلومات غير تلك الصادرة عن ثوار سوريين قالوا بأن هؤلاء كانوا يقاتلون إلى جانب النظام السوري. وفي خطاب له، وقتها، قدَّم حسن نصرالله تفسيراً بالقول أن ثمة حوالي عشرين بلدة لبنانية، تقع داخل الحدود السورية، تعرضت لهجوم من قبل الجيش السوري الحر فاضطر سكانها، وبعضهم أعضاء في حزب الله، للدفاع عنها، هذا عدا أن الحزب يقوم بواجب حماية مقام السيدة زينب في ريف دمشق من الذين سمَّاهم بالتكفيريين الذين قد يعمدون إلى تدميره.

في هذا الوقت، كانت مصادر مقربة من الحزب تشير إلى أن نظام الأسد، غير الراضي عن سياسة النأي بالنفس، طلب من الحزب دعماً أوسع من هذا العدد الضئيل من المقاتلين في بعض المواقع. وبدا أن ثمة خلافاً قد وقع بين دمشق والحزب بسبب رفض جناح واسع فيه الانخراط العلني في سوريا وتفضيله البقاء بعيدا، ولو نسبياً، عن الأضواء. وكان جناح آخر يعتبر أن حليفه الإستراتيجي، النظام السوري، يتراجع في الميدان يوماً بعد يوم أمام تقدم المعارضة التي توعدت الحزب بالانتقام، وبالتالي فقد يجد نفسه مضطراً لخوض الحرب بعد فوات الأوان. ويبدو أن التدخل الإيراني حسم المسألة لمصلحة الرأي الثاني. فبعد لقاء نصرالله بالمرشد الإيراني في طهران في نيسان الماضي لم يعد الحزب ينفي أو يخفف من أهمية انخراطه، بل إن نصرالله أعلن، في خطابه بمناسبة عيد التحرير في 15 مايو/ أيار 2013، عن الانخراط العسكري لقواته في معركة القصير ووعد مؤيديه بالنصر على أعداء النظام السوري.

صحيح أن جماعات سنية سلفية، لاسيما في طرابلس، أيدت علناً وجهاراً الثورة بل وصلت إلى حد الدعوة إلى الجهاد ضد نظام دمشق، إلا أن تأثيرها بقي محدوداً، فهي جماعات متفرقة ضعيفة تعصف الخلافات في ما بينها ومؤيدوها ضعيفو التنظيم والتسليح والتدريب ولا تغيَّر مشاركتهم العسكرية شيئاً في موازين القوى. لكن انخراط حزب الله القوي والمدعوم والمجهز لمحاربة إسرائيل نفسها، له وقع كبير على موازين القوى، وهذا ما بينته معركة القصير، ناهيك عن تداعياته الخطيرة أولا على الحزب نفسه، وتالياً على لبنان الضعيف بنيوياً والهش سياسياً والمحتقن مذهبياً؟

مع الأسد في خندق واحد

منذ ولادته في مارس/آذار 1985، بنى الحزب صورته وموقعه على أنه حزب مقاوم للاحتلال الإسرائيلي للبنان. وأثبت جدارة في ذلك، فكان له مواعيد عديدة مع النصر والمصداقية، أبرزها في 25 مايو/أيار 2000 عندما أرغم الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني بطريقة فوضوية تشبه الفرار. وقد أضحى هذا اليوم عيداً وطنيا رسمياً في لبنان.

وطيلة عقدين كاملين من الزمن، كانت تتردد أصداء بطولات الحزب في وجه الاحتلال الإسرائيلي في أرجاء واسعة من العالمين العربي والإسلامي، وصارت ترفع أعلامه وصور قائده في المظاهرات الشعبية في عواصم هذين العالمين. وقد بينت استطلاعات للرأي أجرتها معاهد أجنبية في العام 2003، أن حسن نصرالله هو القائد الأكثر شعبية في دول عربية عديدة مثل مصر والأردن وسوريا.

كان ذلك في زمن ولى، أما اليوم فتتسابق الصحف والفضائيات والنشرات الإلكترونية العربية على كيل الانتقادات، وحتى الشتائم، للحزب، إلى حد أن الداعية يوسف القرضاوي، أحد كبار القيادات الروحية للإخوان المسلمين، وصفه بـ"حزب الطاغوت" وزعيمه بـ"نصر الشيطان". لم تعد ترفع أعلام وصور الحزب في أي مكان عربي ولا حتى في لبنان حيث باتت البيئة الحاضنة للحزب تقتصر على المناطق الشيعية والتي تعيش، هي الأخرى، حالة توجس وقلق من تبعات الانخراط العسكري في سوريا ومن خسارة الحزب لهالته كحركة مقاومة.

أنصار الحزب يقولون بأن تراجع شعبيته لم يبدأ مع تدخله في سوريا بل مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005. ولكن هذا التراجع ارتبط وقتها بتأييد الحزب للنظام السوري الذي كانت غالبية من اللبنانيين تنظر إليه كقوة قهر واحتلال وتطالبه بالانسحاب من لبنان. وقد استمر هذا التراجع مع إصرار الحزب على دعم النظام الذي لم يتردد لحظة في قمع الانتفاضة الشعبية منذ اندلاعها في درعا، في 15مارس/آذار 2011، وبأكثر الأساليب عنفاً ووحشية.

خصومه يقولون بأن الحزب الشيعي الذي ينظم الحلقات الثقافية والمهرجانات الشعبية في مناسبة عاشوراء من كل عام ليشرح السيرة الحسينية والتصدي للظالمين ونصرة المظلومين، ذهب ينتصر للظالم في سوريا ويشترك معه في قتل المظلوم، وبالتالي فإنه يستخدم الشعارات الحسينية غطاءً لسياسات ومصالح إقليمية.

لكن نصرالله، في خطابه في 25 مايو/ أيار الماضي 2013، قال بأنه يقاتل حلفاء إسرائيل في سوريا دفاعاً عن لبنان والقضية الفلسطينية التي ستضيع إذا سقط النظام السوري، وبأن حربه استباقية لأن "التكفيريين" توعدوه بالزحف إلى معاقله في لبنان بعد انتصارهم على نظام الأسد. ووعد مؤيديه بالنصر مجدداً، ولكن أي نصر هذا، لمن وعلى من وفي أي حرب؟ وهل النظام السوري هو الذي حمى القضية الفلسطينية من الضياع؟ يتساءل منتقدوه الذين يذكّرونه بأنه لطالما انتقد وحارب مفهوم الحرب الوقائية والاستباقية الذي استخدمه الإسرائيليون والأميركيون في حروبهم وغزواتهم ضد لبنان وفلسطين والعراق وغيرها. ها هو اليوم يمارس ما كان يجاهد ضده وبنى مصداقيته على مثل هذا المنطلق. وحتى على فرض أنه سينتصر في الحرب السورية، فما هي قيمة الانتصار العسكري إذا ألحق بنفسه خسائر معنوية لمناصرته نظاما قتل الآلاف من شعبه، وسياسية لأنه سيخسر التعاطف الشعبي الذي احتضنه. فكيف سيستعيد بعدها صورته كمقاوم للظلم والاحتلال وهو يشارك في قتل سوريين يطالبون بالحرية؟ أم أنه سيضطر للتكيف مع صورة جديدة ونعوت قديمة كان يروِّج لها خصومه كفصيل عسكري متقدم للنفوذ الإيراني على شواطئ المتوسط؟

تكاليف إستراتيجية باهظة

إن من شروط نجاح المقاومة، كما بينتها تجارب الجزائر وفيتنام وأفغانستان ولبنان وغيرها، أن تحظى بدعم بلد مجاور يؤمن لها تدفق الأعتدة والسلاح، وأن تمتلك شرعية قانونية تنص عليها المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وأن تكون كالسمكة في الماء بين الجماهير المؤيدة لها والمؤتمنة عليها.

يستميت حزب الله في القصير دفاعاً عن الشرط الأول، وهو فعل إستراتيجي، لكنه من الجهة المقابلة يخسر الشرطين الآخرين وهما لا يقلان ضرورة لاستمراره كحزب مقاوم .فقواته تفتقد إلى الشرعية والقانونية حيث ذهبت إلى بلد أجنبي، ولو كان شقيقاً، ووصفها ممثلو المعارضة السورية بقوات غزو واحتلال. وهو لم يعد كالسمكة في الماء لأن شعبيته العربية الواسعة انهارت كما شعبيته في لبنان التي باتت محصورة في مناطق ذات لون مذهبي معين، ناهيك أن حالات التململ بدأت تظهر في هذه المناطق نفسها من خلال الأخبار التي يتناقلها الناس عن العدد الكبير من مقاتلي الحزب الذين يقتلون في غير ساحة المقاومة في مواجهة إسرائيل، والجدل الديني حول وصفهم بالشهداء أو القتلى إلخ... ولن يكون مفاجئاً أن تحدث انشقاقات في الحزب إذا طالت الأزمة السورية وازداد انخراطه فيها وارتفاع تكاليفها البشرية والمعنوية والأخلاقية.

توسيع الاضطراب إلى لبنان

بعد ساعات قليلة على انتهاء خطاب السيد نصرالله مساء 25 مايو/أيار الماضي، انفجر صاروخان في الضاحية الجنوبية انطلقا من منطقة جبلية قريبة دون أن تتبنى أي جهة مسؤولية إطلاقهما. لم تقع إصابات تذكر في صبيحة ذلك الأحد لأن الهدف منهما كان، على الأرجح، رسالة تشي بما يمكن أن يستخدمه خصوم حزب الله من وسائل لمحاربته طالما أنهم عاجزون عن منازلته وجهاً لوجه. وتقول التقارير الصحافية، وبالتفاصيل الدقيقة أحياناً بالأسماء والتواريخ وغيرها، أن عدة جماعات سنية وسلفية، داخل لبنان وخارجه، تنظم صفوفها وتستعد للرد على حزب الله داخل لبنان. وقد تنامت هذه الحركات في الفترة الأخيرة وولدت جماعات، كالشيخ أحمد الأسير، تتبنى خطابا مذهبيا معاد للنظام الإيراني والنظام السوري وحزب الله. وبات الشارع اللبناني يغلي من الاحتقان المذهبي على خلفية حوادث أمنية متقطعة وخطف هنا وهناك ومناوشات في طرابلس، بين السنة والعلويين، آخر حصيلة لها أكثر من ثلاثين قتيلاً ومائة جريح. 

خصوم حزب الله يحمّلونه مسؤولية الفتنة المذهبية لأنه استجلب التطرف المضاد له بسبب سياسته السورية. حتى أن معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري، اعتبر أن وجود مقاتلي حزب الله إلى جانب النظام وضد الشعب ليس أكثر من غزو خارجي وإفلاس أخلاقي، واتهمه بأنه سيكون مسؤولاً شخصياً عن تفكك لبنان وسوريا طائفياً. فالحزب الذي يحرص على إبعاد شبح المذهبية عن لبنان قد يعجز عن لجم مناصريه، كما أعلن هو نفسه في إحدى المرات، في حال انفلات الأمور من عقالها. وتشير تقارير أميركية إلى أن معركة القصير قد تهدف إلى فتح الطريق أمام إقامة جيب علوي في اللاذقية، ما قد يؤدي إلى تفكك سوريا على أساس طائفي وانتقال النزاع إلى بلدان مجاورة.

حزب الله يسعى إلى تحقيق أهداف تكتيكية أخرى كإبقاء أحد طرق إمداداته الرئيسية، من إيران عبر الأراضي السورية، بعيداً عن أيدي قوات المعارضة وإلى تقوية الأوراق التفاوضية للنظام السوري على طاولة المفاوضات في جنيف2. لكن في مقابل هذا الإنجاز، إن تحقق، ستتعرض الأرضية اللبنانية التي يقف عليها إلى مزيد من الاهتزازات، وهي الجاهزة أصلاً لكل أنواع الفتن لاسيما الطائفية منها. ومن أولى نتائج معركة القصير التمديد للمجلس النيابي اللبناني المشلول بذريعة أن الوضع الأمني غير ملائم لإجراء الانتخابات النيابية، بعد سقوط الصاروخين على الضاحية والمناوشات في طرابلس والتهديدات المتبادلة والاحتقان الأمني.

من الناحية الاقتصادية، والتي لها تأثير مباشر على الأمن بأنواعه، فبعد تهديد مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب، ونظراً للحملة التي تشنها واشنطن ضد مصادر تمويل الحزب وفرض العقوبات الدولية على إيران وسوريا، وبعد أن اتهمت وزارة الخزانة الأميركية البنك اللبناني-الكندي، في العام 2011، بغسل الأموال وتمويل حزب الله، يخشى المصرفيون من أن تستهدف المصارف اللبنانية مجدداً، الأمر الذي قد يؤدي إلى كسر العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. هذا الاقتصاد الذي يشكو من التباطؤ بتأثير من الأزمة السورية، إذ انخفض الناتج المحلي من 4 أو5 إلى واحد في المائة، وتراجعت السياحة بنسبة خمسين في المائة العام 2012 مقارنة مع العام 2011، كما انخفضت الصادرات أكثر من عشرين في المائة، وتضرر قطاع السياحة الذي سيصاب بالركود هذا الصيف بسبب هشاشة الأوضاع الأمنية.

من ناحية أخرى، فإن انخراط الحزب قد يرفع التكلفة السياسية لدوره في النظام اللبناني، فقد أيَّدت أوروبا وأميركا ودول الخليج العربي من قبل سياسة النأي بالنفس الرسمية في الأعوام السابقة ونصحت اللبنانيين بتسوية خلافاتهم في ما بينهم وساهمت في ذلك أيضاً. وساعد هذا الموقف في حماية الاستقرار الذي صمد، إلى حد ما، في وجه العواصف السورية العاتية. لكن انخراط حزب الله العلني في الحرب السورية قد يدفع هذه الدول إلى تغيير سياستها هذه وربما دعم الجماعات المناهضة له في لبنان، ما يضع مستقبل هذا البلد ومعه الحزب نفسه أمام مخاطر يصعب تصورها.

المآزق الإستراتيجية

والحاصل، أن انخراط حزب الله في دعم النظام السوري عسكريا يضعه في عدة مآزق إستراتيجية، حيث سيضر برصيده الأخلاقي كحزب يدافع عن المظلومين في مواجهة الأنظمة الظالمة، ويضر بإستراتيجيته لأنه سيجد صعوبة مستقبلا في إقناع الرأي العام اللبناني والعربي الإسلامي بأن تحرير الشعب الفلسطيني سيتحقق من خلال دعمه للنظام السوري الذي يقمع السوريين، أي أن الحزب يعتقد أن حرية السوريين تعيق تحرر الفلسطينيين.

أما المأزق الإستراتيجي الآخر، فهو إعلان الحزب أن مشاركته في القتال خارج لبنان هي من أجل حماية المقامات الشيعية ومحاربة "التكفيريين"، وبذلك يضع لنفسه أهدافا واسعة جدا، وتشمل دولا عديدة، فكيف يمكنه أن يحقق هذه الأهداف بوسائل محدودة وبشرعية سياسية يستمدها بالأساس من وجوده داخل النظام اللبناني؟

وآخر المآزق، هو التعارض بين تدخله في سوريا مع السياسة اللبنانية التي التزمت النأي بالنفس، فكيف يمكنه التوفيق بين التزامه بالمواثيق اللبنانية وتحالفاته الخارجية التي أعطته الأسبقية في ما يجري بسوريا؟